الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَاب الْأَشْرِبَةِ)
(بَاب تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَبَيَانِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَمِنْ
التَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُسْكِرُ)
[1979]
قَوْلُهُ (أَصَبْتُ شَارِفًا) هِيَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ وَهِيَ النَّاقَةُ الْمُسِنَّةُ وَجَمْعُهَا شُرُفٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا قَوْلُهُ (أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ) أَمَّا قَيْنُقَاعُ فَبِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْحَيِّ وَتَرْكُ صَرْفِهِ عَلَى إِرَادَةِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الطَّائِفَةِ وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْوَلِيمَةِ لِلْعُرْسِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَمَنْ دُونَهُ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالِاكْتِسَابِ بِالْيَهُودِيِّ وَفِيهِ جَوَازُ الِاحْتِشَاشِ لِلتَّكَسُّبِ وَبَيْعِهِ وَأَنَّهُ لاينقص الْمُرُوءَةَ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْوَقُودِ لِلصَّوَّاغِينَ وَمُعَامَلَتِهِمْ قَوْلُهُ (مَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ) الْقَيْنَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ قَوْلُهُ (أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ) الشُّرُفُ بِضَمِّ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَتَسْكِينِ الرَّاءِ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ جَمْعُ
شَارِفٍ وَالنِّوَاءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ أى السمانجمع نَاوِيَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ السَّمِينَةُ وَقَدْ نَوَتِ النَّاقَةُ تَنْوِي كَرَمَتْ تَرْمِي يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّوَاءِ أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْمَدِّ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ النَّوَى بِالْيَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رواه بن جَرِيرٍ ذَا الشَّرَفِ النَّوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورًا قَالَ وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَمَامُ هَذَا الشِّعْرِ
…
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
…
وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفَنَاءِ
…
... ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا
…
وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بِالدِّمَاءِ
…
وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبِهَا لِشُرْبٍ
…
قَدِيدًا مِنْ طَبِيخٍ أو شواء
…
قوله (فجب أسمنتهما) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اجْتَبَّ وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ أَجَبَّ وَهَذِهِ غَرِيبَةٌ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى قَطَعَ قَوْلُهُ (وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا) أَيْ شَقَّهَا وَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي جَرَى مِنْ حَمْزَةَ رضي الله عنه مِنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَقَطْعِ أَسْنِمَةِ النَّاقَتَيْنِ وَبَقْرِ خواصرهما وأكل لحمهما وغير ذلك لااثم عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَمَّا أَصْلُ الشُّرْبِ وَالسُّكْرِ فَكَانَ مُبَاحًا لِأَنَّهُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وأما ما قد يقوله بعض من لاتحصيل لَهُ إِنَّ السُّكْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لاأصل له ولايعرف أَصْلًا وَأَمَّا بَاقِي الْأُمُورِ فَجَرَتْ مِنْهُ فِي حال عدم التكليف فلااثم عَلَيْهِ فِيهَا كَمَنْ شَرِبَ دَوَاءً لِحَاجَةٍ فَزَالَ بِهِ عَقْلُهُ أَوْ شَرِبَ شَيْئًا يَظُنُّهُ خَلًّا فَكَانَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا وَسَكِرَ فَهُوَ فِي حَالِ السُّكْرِ غَيْرُ مكلف ولااثم عَلَيْهِ فِيمَا يَقَعُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا غَرَامَةُ مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ فى ماله
فَلَعَلَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ أَوْ أَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَدَّاهُ عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ عِنْدَهُ وَكَمَالِ حَقِّهِ وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ وَقَرَابَتِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَرَّمَ حَمْزَةَ النَّاقَتَيْنِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ السَّكْرَانُ مِنَ الْأَمْوَالِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ كالمجنون فان الضمان لايشترط فيه التكليف ولهذا أوجب اللهتعالى فِي كِتَابِهِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ وَأَمَّا هَذَا السَّنَامُ الْمَقْطُوعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرُهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ ما أبين منحى فَهُوَ مَيْتٌ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَكَّاهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الشِّعْرُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ كَانَ ذَكَّاهُمَا فَلَحْمُهُمَا حَلَالٌ باتفاق العلماء إلاما حكى عن عكرمة واسحاق وداود أنه لايحل ماذبحه سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ مُتَعَدٍّ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ حِلُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَّاهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَكْلٌ فِي حالة السكر المباح ولااثم فِيهِ كَمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَهْقِرُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ الْقَهْقَرَى الرُّجُوعُ إلى وراءووجهه اليك اذا ذهب عنك وقال أبو عمر وهو الاخصار فِي الرُّجُوعِ أَيِ الْإِسْرَاعُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ خرج مسرعا والأول هو المشهور المعروف وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى خَوْفًا مِنْ أَنْ يَبْدُوَ مِنْ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ أَمْرٌ يَكْرَهُهُ لَوْ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا بِالسُّكْرِ قَوْلُهُ (أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ مِنَ الْبُخَارِيِّ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِمْ بِعْتُ مِنْهُ ثَوْبًا وَزَوَّجْتُ مِنْهُ وَوَهَبْتُ مِنْهُ جَارِيَةً وَشِبْهِ ذَلِكَ وَالْفَصِيحُ حَذْفُ مِنْ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَ مِنْ فِي هَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ ذَلِكَ نَظَائِرَ كَثِيرَةً فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ فِي حَرْفِ الْمِيمِ مَعَ النُّونِ وَتَكُونُ مِنْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي زِيَادَتِهَا فِي الْوَاجِبِ قَوْلُهُ (وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ) هَكَذَا فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مُنَاخَانِ وَفِي بَعْضِهَا مُنَاخَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ نُسَخُ الْبُخَارِيِّ وَهُمَا صَحِيحَانِ فَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ قَوْلُهُ (فَبَيْنَا أَنَا أجمع لشار فى مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَيَّ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا) هَكَذَا فِي بَعْضَ نُسَخِ بِلَادِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ نُسَخِهِمْ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ وَجَمَعْتُ الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى جَمَعْتُ مَكَانَ حِينَ جَمَعْتُ قَوْلُهُ (فاذا شار فى قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النسخ فاذا شارفى وفى بعضها فاذاشارفاى وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَوْ يَقُولُ فَإِذَا شَارِفَتَايَ إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ فَإِذَا شَارِفِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى لَفْظِ الْإِفْرَادِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ جِنْسَ الشَّارِفِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّارِفَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا) هَذَا الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ الَّذِي أَصَابَهُ سَبَبُهُ مَا خَافَهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي حَقِّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها وَجِهَازِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهَا تَقْصِيرُهُ أَيْضًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ الشَّارِفَيْنِ مِنْ حَيْثُ هما من متاع الدنيابل لما قدمناه
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) وَالشَّرْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الشَّارِبُونَ قَوْلُهُ (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ فارتداه) هكذا هوفى النُّسَخِ كُلِّهَا فَارْتَدَاهُ وَفِيهِ جَوَازُ لِبَاسِ الرِّدَاءِ وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بَابًا وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ اذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولايقتصر على مايكون عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَهَذَا مِنَ الْمُرُوءَاتِ وَالْآدَابِ الْمَحْبُوبَةِ قَوْلُهُ (فَطَفِقَ يَلُومُ حَمْزَةَ) أَيْ جَعَلَ يَلُومُهُ يُقَالُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعناق
قَوْلُهُ (إِنَّهُ ثَمِلٌ) بِفَتْحِ
الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ سَكْرَانُ
[1980]
قَوْلُهُ (وما شرابهم إلاالفضيخ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الْفَضِيخُ أَنْ يَفْضَخَ الْبُسْرِ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَغْلِيَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مَا فُضِخَ مِنَ الْبُسْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ نَارٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ فَهُوَ خَلِيطٌ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ وَأَنَّهَا كُلَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَضِيخُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالرُّطَبُ وَالْبُسْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَالذُّرَةُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهَا وَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ وَتُسَمَّى خَمْرًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ العنب ونقيع الزبيب النئ فأما المطبوخ منهما والنئ والمطبوخ مما سواهما فحلال مالم يُشْرَبْ وَيُسْكِرْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ ثَمَرَاتِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ قَالَ فَسُلَافَةُ الْعِنَبِ يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إِلَّا أَنْ يُطْبَخَ حَتَّى يَنْقُصَ ثُلُثَاهَا وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ يحل مَطْبُوخُهُمَا وَإِنْ مَسَّتْهُ النَّارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِحَدٍّ كَمَا اعْتُبِرَ فِي سُلَافَةِ العنب قال والنئ منه حرام قال ولكنه لايحد شاربه هذا كله مالم يُشْرَبْ وَيُسْكِرْ فَإِنْ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَوْنُهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُسْكِرَاتِ فَوَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِسْكَارِ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ قُلْنَا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ
يُسْكِرْ وَقَدْ عَلَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَحْرِيمَهُ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا كَانَ مَا سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ وَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ وَيَكُونُ التَّحْرِيمُ لِلْجِنْسِ الْمُسْكِرِ وَعُلِّلَ بِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْجِنْسِ فِي الْعَادَةِ قَالَ الْمَازِنِيُّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ آكَدُ مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ وَلَنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إِذَا شَرِبَ سُلَافَةَ الْعِنَبِ عِنْدَ اعْتِصَارِهَا وَهِيَ حُلْوَةٌ لَمْ تُسْكِرْ فَهِيَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنِ اشْتَدَّتْ وَأَسْكَرَتْ حَرُمَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلِ آدَمِيٍّ حَلَّتْ فَنَظَرْنَا إِلَى مُسْتَبْدَلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَتَجَدُّدِهَا عِنْدَ تَجَدُّدِ الصِّفَاتِ وَتَبَدُّلِهَا فَأَشْعَرَنَا ذَلِكَ بِارْتِبَاطِ هَذِهِ الأحكام بهذه الصفة وقام ذلك مقام التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِالنُّطْقِ فَوَجَبَ جَعْلُ الْجَمِيعِ سَوَاءً فِي الْحُكْمِ وَأَنَّ الْإِسْكَارَ هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ هَذِهِ إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَقَوْلِهِ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وحديث كل مسكر خمر وحديث بن عُمَرَ رضي الله عنهما الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
فى حديث أنس (أنهم أراقوها بحبر الرَّجُلِ الْوَاحِدِ) فِيهِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ (فَجَرَتْ فِي سكك المدينة) أى طرقها وفى هذه الأحاديث أنها لاتطهر بالتخليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وجوزه أبوحنيفة وفيه أنه لايجوز إِمْسَاكُهَا وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهِمْ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لصغير السن خدمة الكبار هذا اذا
تتساووا فِي الْفَضْلِ أَوْ تَقَارَبُوا
[1980]
قَوْلُهُ (فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ) الْمِهْرَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ حَجَرٌ مَنْقُورٌ وَهَذَا الْكَسْرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُهَا وَإِتْلَافُهَا كَمَا يَجِبُ إِتْلَافُ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَذَا وَاجِبًا فَلَمَّا ظَنُّوهُ كَسَرُوهَا وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَذَرَهُمْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمُ الحكم وهو غسلهامن غَيْرِ كَسْرٍ وَهَكَذَا الْحُكْمُ الْيَوْمَ فِي أَوَانِي الْخَمْرِ وَجَمِيعِ ظُرُوفِهِ سَوَاءٌ الْفَخَّارُ وَالزُّجَاجُ وَالنُّحَاسُ والحديد والخشب والجلود فكلها تطهر بالغسل ولايجوز كسرها