الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعِلْمُ فَيَحْفَظُهُ فَيَحْيَا قَلْبُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيُعَلِّمُهُ غَيْرَهُ فَيَنْتَفِعُ وَيَنْفَعُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْأَرْضِ مالا تَقْبَلُ الِانْتِفَاعَ فِي نَفْسِهَا لَكِنْ فِيهَا فَائِدَةٌ وَهِيَ إِمْسَاكُ الْمَاءِ لِغَيْرِهَا فَيَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ وَكَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ النَّاسِ لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ لَكِنْ لَيْسَتْ لَهُمْ أَفْهَامٌ ثَاقِبَةٌ وَلَا رُسُوخَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِ يَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْمَعَانِيَ وَالْأَحْكَامَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمُ اجْتِهَادٌ فِي الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ فَهُمْ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبٌ مُحْتَاجٌ مُتَعَطِّشٌ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أَهْلٌ لِلنَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُمْ فَيَنْتَفِعَ بِهِ فَهَؤُلَاءِ نَفَعُوا بِمَا بَلَغَهُمْ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَرْضِ السِّبَاخُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ وَنَحْوُهَا فَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ وَلَا تُمْسِكُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا غَيْرُهَا وَكَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ النَّاسِ لَيْسَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ وَلَا أَفْهَامٌ وَاعِيَةٌ فَإِذَا سَمِعُوا الْعِلْمَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلَا يَحْفَظُونَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَمِنْهَا فَضْلُ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَشِدَّةُ الْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَذَمُّ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب شَفَقَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ)
وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
[2283]
(لأني أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ إِنْذَارَ قَوْمِهِ وَإِعْلَامَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْمَخَافَةَ نَزَعَ ثَوْبَهُ وَأَشَارَ بِهِ إِلَيْهِمْ اذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بمادهمهم وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ هَذَا رَبِيئَةُ الْقَوْمِ وَهُوَ طَلِيعَتُهُمْ وَرَقِيبُهُمْ قَالُوا وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ لِلنَّاظِرِ وَأَغْرَبُ وَأَشْنَعُ مَنْظَرًا فَهُوَ أَبْلَغُ فِي اسْتِحْثَاثِهِمْ فِي التَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا النَّذِيرُ الَّذِي أَدْرَكَنِي جَيْشُ الْعَدُوِّ فَأَخَذَ ثِيَابِي فَأَنَا أُنْذِرُكُمْ عُرْيَانًا قَوْلُهُ (فَالنَّجَاءَ) مَمْدُودٌ أَيِ انْجُوا النَّجَاءَ أَوِ اطْلُبُوا النَّجَاءَ
قَالَ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ فِي النَّجَاءِ إِذَا أُفْرِدَ الْمَدُّ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ فِيهِ الْقَصْرَ أَيْضًا فَإِذَا مَا كَرَّرُوهُ فَقَالُوا النَّجَاءَ النَّجَاءَ فَفِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ) أَمَّا أَدْلَجُوا فَبِإِسْكَانِ الدَّالِ وَمَعْنَاهُ سَارُوا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ يُقَالُ أَدْلَجْتُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ إِدْلَاجًا كَأَكْرَمْتُ إِكْرَامًا وَالِاسْمُ الدَّلْجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ فَإِنْ خَرَجْتَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قُلْتَ ادَّلَجْتُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَدَّلِجُ ادِّلَاجًا بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا وَالِاسْمُ الدُّلْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ الْوَجْهَيْنِ فِي كل واحد منهما وأماقوله عَلَى مُهْلَتِهِمْ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مسلم بضم الميم وإسكان الهاء وبتاء بَعْدَ اللَّامِ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ مَهَلِهِمْ بِحَذْفِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ
قَوْلُهُ (فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ) أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا)
[2284]
وَفِي رِوَايَةٍ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا
[2285]
وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي أَمَّا الْفَرَاشُ فَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الَّذِي يَطِيرُ كَالْبَعُوضِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا تَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقِّ يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ وَأَمَّا الْجَنَادِبُ فَجَمْعُ جُنْدُبٍ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ جُنْدُبٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَالثَّالِثَةُ حَكَاهُ الْقَاضِي بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَالْجَنَادِبُ هَذَا الصِّرَارُ الَّذِي يُشْبِهُ الْجَرَادَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْجُنْدُبُ عَلَى خِلْقَةِ الْجَرَادِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ كَالْجَرَادَةِ وَأَصْغَرُ مِنْهَا يَطِيرُ وَيُصِرُّ بِاللَّيْلِ صَرًّا شَدِيدًا وَقِيلَ غيره وأما التَّقَحُّمُ فَهُوَ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ من غير تثبت والحجز جَمْعُ حُجْزَةٍ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْمُ فَاعِلٍ بِكَسْرِ الخاء وتنوين الذال والثاني فعل مُضَارِعٍ بِضَمِّ الذَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَأَمَّا تَفَلَّتُونَ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فتح التاء والفاء الْمُشَدَّدَةِ وَالثَّانِي ضَمُّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ يُقَالُ أَفْلَتَ مِنِّي وَتَفَلَّتَ إِذَا نَازَعَكَ الْغَلَبَةَ وَالْهَرَبَ ثُمَّ غَلَبَ وَهَرَبَ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ في نارالآخرة وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا لِهَوَاهُ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ وَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلِيمٌ عَنْ سَعِيدٍ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ سَلِيمُ بن حبان