المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم - شرح النووي على مسلم - جـ ١٥

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها)

- ‌(باب حكم اطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد)

- ‌(باب كراهة قول الانسان خبثت نفسي)

- ‌(باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب)

- ‌(كِتَاب الشِّعْرِ قَوْلُهُ[2255](عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدَشِيرِ)

- ‌(كِتَاب الرُّؤْيَا قَوْلُهُ[2261](كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْرَ أَنِّي

- ‌(كِتَاب الْفَضَائِلِ)

- ‌(وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ[2276]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(بَاب تَفْضِيلِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم عَلَى جَمِيعِ

- ‌(بَاب فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب تَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعِصْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ

- ‌(بَاب بَيَانِ مَثَلِ مَا بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب شَفَقَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ)

- ‌(فِي الْبَابِ قَوْلُهُ[2286][2287]صلى الله عليه وسلم (مَثَلِي وَمَثَلُ

- ‌(بَابُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةَ أُمَّةٍ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا)

- ‌(بَاب إِثْبَاتِ حَوْضِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتِهِ)

- ‌(باب اكرامه صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب شجاعته صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ[2307]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ

- ‌(باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب رَحْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم الصِّبْيَانَ)

- ‌(بَاب كَثْرَةِ حَيَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب تَبَسُّمِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب رحمته صلى الله عليه وسلم النساء والرفق بِهِنَّ)

- ‌(باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس (وتبركهم به

- ‌(باب مباعدته صلى الله عليه وسلم لِلْآثَامِ وَاخْتِيَارِهِ مِنْ

- ‌(باب طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ولين مسه)

- ‌(بَاب طيب عرقه صلى الله عليه وسلم وَالتَّبَرُّكِ بِهِ قَوْلُهُ

- ‌(باب صفة شعره صلى الله عليه وسلم وصفاته وحليته

- ‌(بَاب شَيْبِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب إِثْبَاتِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَصِفَتِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْ جسده صلى

- ‌(باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة

- ‌(باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب عِلْمِهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ

- ‌(بَاب وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ[2357](شِرَاجُ

- ‌(بَابُ تَوْقِيرِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرْكِ إِكْثَارِ سُؤَالِهِ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا دُونَ مَا ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(بَاب فَضْلِ النَّظَرِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَتَمَنِّيهِ)

- ‌(بَاب فَضَائِلِ عِيسَى عليه السلام

- ‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمِ الْخَلِيلِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ[2378](قِيلَ يَا

- ‌(باب من فضل زكريا صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ الْخَضِرِ صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَوْلُهُ صَلَّى

- ‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ رضي الله عنه قَوْلُهُ[2389](فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ)

- ‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌(بَاب فِي فَضْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه

- ‌(باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(باب من فضائل أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌(باب من فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما

- ‌(باب من فضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة رَضِيَ اللَّهُ

- ‌(باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما

- ‌(باب فضائل خديجة)

- ‌(بَاب فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

الفصل: ‌(باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم

الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم

‌(بَاب مِنْ فَضَائِلِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ

[339]

(إِنَّهُ آدَرُ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَتَيْنِ وَجَمَعَ الْحَجَرَ أَيْ ذَهَبَ مُسْرِعًا إِسْرَاعًا بَلِيغًا وَطَفِقَ ضَرْبًا أَيْ جَعَلَ يَضْرِبُ يُقَالُ طَفِقَ يَفْعَلُ كَذَا وَطَفِقَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَجَعَلَ وَأَخَذَ وَأَقْبَلَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَمَّا النَّدَبُ فَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ وَأَصْلُهُ أَثَرُ الْجُرْحِ إِذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْجِلْدِ وَقَوْلُهُ (ثَوْبِي حَجَرُ) اي دع ثوبي ياحجر قَوْلُهُ (فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تَوَارَتْ وَمَعْنَاهُ وَارَتْ وَسَتَرَتْ

ص: 126

قوله (فاغتسل عند مويه) وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَمُعْظَمِ غَيْرِهَا مُوَيْهٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهُوَ تَصْغِيرُ مَاءٍ وَأَصْلُهُ مَوْهٌ وَالتَّصْغِيرُ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إِلَى أُصُولِهَا وَقَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُوَيْهٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي مُعْظَمِهَا مَشْرَبَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَهِيَ حُفْرَةٌ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ يُجْمَعُ الْمَاءُ فِيهَا لِسَقْيِهَا قَالَ الْقَاضِي وَأَظُنُّ الْأَوَّلَ تَصْحِيفًا كَمَا سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ فِيهِ مُعْجِزَتَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ لِمُوسَى صلى الله عليه وسلم إِحْدَاهُمَا مَشْيُ الْحَجْرِ بِثَوْبِهِ إِلَى مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالثَّانِيَةُ حُصُولُ النَّدَبِ فِي الْحَجَرِ وَمِنْهَا وُجُودُ التَّمْيِيزِ فِي الْجَمَادِ كَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُهُ تَسْلِيمُ الْحَجَرِ بِمَكَّةَ وَحَنِينُ الْجِذْعِ وَنَظَائِرُهُ وَسَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً وَمِنْهَا جَوَازُ الْغُسْلِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةٍ وَإِنْ كَانَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ أَفْضَلَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ومالك وجماهير العلماء وخالفهم بن أَبِي لَيْلَى وَقَالَ إِنَّ لِلْمَاءِ سَاكِنًا وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَمِنْهَا مَا ابْتُلِيَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَذَى السُّفَهَاءِ وَالْجُهَّالِ وَصَبْرِهِمْ عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ان الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسلامه مُنَزَّهُونَ عَنِ النَّقَائِصِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ سَالِمُونَ مِنَ الْعَاهَاتِ وَالْمَعَايِبِ قَالُوا وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا قَالَهُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ مِنْ أَهْلِ التَّارِيخِ فِي إِضَافَةِ بَعْضِ الْعَاهَاتِ إِلَى بَعْضِهِمْ بَلْ نَزَّهَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ عيب وكل شئ يُبَغِّضُ الْعُيُونَ أَوْ يُنَفِّرُ الْقُلُوبَ قَوْلُهُ

[2372]

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ

ص: 127

فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ فَالْآنَ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى فَقَالَ أَجِبْ رَبَّكَ فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ أَمَّا قَوْلُهُ صَكَّهُ فَهُوَ بِمَعْنَى لَطَمَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفَقَأَ عَيْنَهُ بِالْهَمْزِ وَمَتْنُ الثَّوْرِ ظَهْرُهُ وَرَمْيَةُ حَجَرٍ أَيْ قَدْرَ مَا يَبْلُغُهُ وَقَوْلُهُ ثَمَّ مَهْ هِيَ هَاءُ السَّكْتِ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ أَيْ ثُمَّ مَاذَا يَكُونُ أَحَيَاةٌ أَمْ مَوْتٌ وَالْكَثِيبُ الرَّمَلُ الْمُسْتَطِيلُ المحدودب ومعنى اجب ربك اي الموت ومعناه جئت لقبض روحك وَأَمَّا سُؤَالُهُ الْإِدْنَاءَ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَلِشَرَفِهَا وَفَضِيلَةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَدْفُونِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا سَأَلَ الْإِدْنَاءَ وَلَمْ يَسْأَلْ نَفْسَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ فَيَفْتَتِنَ بِهِ النَّاسُ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ الدَّفْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَالْمَوَاطِنِ الْمُبَارَكَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ مَدَافِنِ الصَّالِحِينَ والله اعلم

ص: 128

قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرَ تَصَوُّرَهُ قَالُوا كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى مُوسَى فَقْءُ عَيْنِ مَلَكِ الْمَوْتِ قَالَ وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم قدأذن اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ اللَّطْمَةِ وَيَكُونَ ذَلِكَ امْتِحَانًا لِلْمَلْطُومِ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى يَفْعَلُ في خلقه ماشاء وَيَمْتَحِنُهُمْ بِمَا أَرَادَ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مُوسَى نَاظَرَهُ وَحَاجَّهُ فَغَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَيُقَالُ فَقَأَ فُلَانٌ عَيْنَ فُلَانٍ إِذَا غالبه بالحجة ويقال عورت الشئ إِذَا أَدْخَلْتُ فِيهِ نَقْصًا قَالَ وَفِي هَذَا ضَعْفٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ اللَّهُ عَيْنَهُ فَإِنْ قِيلَ أَرَادَ رَدَّ حُجَّتَهُ كَانَ بَعِيدًا وَالثَّالِثُ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ قَصَدَهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَدَافَعَهُ عَنْهَا فَأَدَّتِ الْمُدَافَعَةُ إِلَى فَقْءِ عَيْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَهَا بِالْفَقْءِ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ صَكَّهُ وَهَذَا جَوَابُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فَقْءَ عَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدِ اعْتَرَفَ مُوسَى حِينَ جَاءَهُ ثَانِيًا

ص: 129

بِأَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَتَاهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بِعَلَامَةٍ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَاسْتَسْلَمَ بِخِلَافِ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ رب أمتني بالارض المقدسة رميه بحجرهكذا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ أَمِتْنِي بِالْمِيمِ وَالتَّاءِ وَالنُّونِ مِنَ الْمَوْتِ وَفِي بَعْضِهَا أَدْنِنِي بِالدَّالِ وَنُونَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ) فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَأْوِيلُهُ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَضَائِلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

[2373]

(يُنْفَخُ فِي الصور فيصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء اللَّهُ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَةِ يَوْمِ الطُّورِ أَوْ بُعِثَ قَبْلِي) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى الصَّعْقُ وَالصَّعْقَةُ الْهَلَاكُ وَالْمَوْتُ وَيُقَالُ مِنْهُ صَعِقَ الْإِنْسَانُ وَصَعِقَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَاِ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ الضَّمَّ وَصَعَقَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْعَيْنِ وَأَصْعَقَتْهُمْ وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ الصَّاقِعَةُ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ مُوسَى قَدْ مَاتَ فَكَيْفَ تُدْرِكُهُ الصَّعْقَةُ

ص: 130

وَإِنَّمَا تَصْعَقُ الْأَحْيَاءَ قَوْلُهُ (مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ مُوسَى رَجَعَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَا أَنَّهُ حَيٌّ كَمَا جَاءَ فِي عِيسَى وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الصَّعْقَةَ صَعْقَةُ فَزَعٍ بعد البعث حين تنشق السماوات وَالْأَرْضُ فَتَنْتَظِمُ حِينَئِذٍ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاقَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ أَفَاقَ مِنَ الْغَشْيِ وَأَمَّا الْمَوْتُ فَيُقَالُ بُعِثَ مِنْهُ وَصَعْقَةُ الطُّورِ لَمْ تَكُنْ مَوْتًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ إِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ شَخْصٍ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنَ الزُّمْرَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُمُ الْأَرْضُ فَيَكُونُ مُوسَى مِنْ تلك الزمرة

ص: 131

وَهِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ زُمْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) وَفِي

[2376]

رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَفِي

[2377]

رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ قَالَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَمْ يَقُلْ هُنَا إِنَّ يُونُسَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا زَجْرًا عَنْ أَنْ يَتَخَيَّلَ أَحَدٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ شَيْئًا مِنْ حَطِّ مَرْتَبَةِ يُونُسَ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ مَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ مِنْ قِصَّتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَا جَرَى لِيُونُسَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحُطَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَخَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ بِمَا ذكر وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ فَالضَّمِيرُ فِي أَنَا قِيلَ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى الْقَائِلِ أَيْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ فَإِنَّهُ لَوْ بلغ من الفضاء

ص: 132

ما بلغ لم يبلغ درجة النُّبُوَّةَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَبْلَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

[2375]

(مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كتاب الايمان عند ذكر موسى وعيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 133