الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَخْوَفُنِي بِنُونٍ بَعْدَ الْفَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِحَذْفِ النُّونِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ فَأَمَّا لَفْظُهُ لِكَوْنِهِ تَضَمَّنَ مَا لَا يُعْتَادُ مِنْ إِضَافَةِ أَخْوَفِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مَقْرُونَةٌ بِنُونِ الْوِقَايَةِ وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ الْأَصْلُ إِثْبَاتَهَا وَلَكِنَّهُ أَصْلٌ مَتْرُوكٌ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي قَلِيلٍ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْهَا مَا أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ
…
فَمَا أَدْرِي فَظَنِّي كُلُّ ظَنٍّ
…
أَمُسْلِمَتِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي
…
(يَعْنِي شَرَاحِيلَ فَرَخَّمَهُ فِي غَيْرِ النِّدَا لِلضَّرُورَةِ وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ
…
وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي لِيَرْفِدَ خَائِبًا
…
فَإِنَّ لَهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلَا)
وَلِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ أَيْضًا شَبَهٌ بِالْفِعْلِ وَخُصُوصًا بِفِعْلِ التَّعَجُّبِ فَجَازَ أَنْ تَلْحَقُهُ النُّونُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا لَحِقَتْ فِي الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ النُّونِ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَخْوَفُ لِي فَأُبْدِلَتِ النُّونُ مِنَ اللَّامِ كَمَا أُبْدِلَتْ فِي لِعَنْ وَعَنْ بِمَعْنَى لَعَلَّ وَعَلَّ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَتَقْدِيرُهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مُخُوفَاتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَى الْيَاءِ وَمِنْهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ وَالثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ أَخْوَفُ مِنْ أَخَافَ بِمَعْنَى خَوْفٍ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَشَدُّ مُوجِبَاتِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمَعَانِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ شِعْرُ شَاعِرٍ وَخَوْفُ فُلَانٍ أَخْوَفُ مِنْ خَوْفِكَ وَتَقْدِيرُهُ خَوْفُ غَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ
ثُمَّ الثَّانِي هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ رحمه الله قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ أَيْ شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعْرِ مُبَاعِدٌ لِلْجُعُودَةِ الْمَحْبُوبَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ) هَكَذَا فِي نُسَخِ بِلَادِنَا خَلَّةً بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَشْهُورُ فِيهِ حَلَّةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنَصْبِ التَّاءِ يَعْنِي غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ قِيلَ مَعْنَاهُ سَمْتُ ذَلِكَ وَقُبَالَتُهُ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ الْحَلَّةُ مَوْضِعُ حَزْنٍ وَصُخُورٍ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ حَلُّهُ بِضَمِّ اللَّامِ وَبِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ نُزُولَهُ وَحُلُولَهُ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ خَلَّةً بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ مَا بَيْنَ البلدين هذا آخر ماذكره الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ الْهَرَوِيِّ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا بِبِلَادِنَا وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَفَسَّرَهُ بِالطَّرِيقِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا) هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ وَالْعَيْثُ الْفَسَادُ أَوْ أَشَدُّ الْفَسَادِ وَالْإِسْرَاعِ فِيهِ يُقَالُ مِنْهُ عَاثَ يَعِيثُ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَعَاثٍ بِكَسْرِ الثَّاءِ مَنُوَّنَةٍ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالُوا وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ ومعنى أقدروا له قدره أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِي ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سَنَةٍ فَرَائِضُ كُلُّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلُ مَا كَانَتْ ذَرًّا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدُّهُ خَوَاصِرَ) أَمَّا تَرُوحُ فَمَعْنَاهُ تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ وَالسَّارِحَةُ هِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى الْمَرْعَى وَأَمَّا الذُّرَى فبضم الذال المعجمة وهى الأعالى والأسنمة جَمْعُ ذُرْوَةِ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ (وَأَسْبَغَهُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَطْوَلَهُ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَكَذَا أَمَدَّهُ خَوَاصِرَ لِكَثْرَةِ امْتِلَائِهَا مِنَ الشِّبَعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبَ النَّحْلِ) هِيَ ذُكُورُ النَّحْلِ هَكَذَا فسره بن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ جَمَاعَةُ النَّحْلِ لاذكورها خَاصَّةً لَكِنَّهُ كَنَّى
عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالْيَعْسُوبِ وَهُوَ أَمِيرُهَا لِأَنَّهُ مَتَى طَارَ تَبِعَتْهُ جَمَاعَتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ) بفتح الجيم على المشهور وحكى بن دُرَيْدٍ كَسْرَهَا أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَمَعْنَى رَمْيَةَ الْغَرَضِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَيْنَ الْجَزْلَتَيْنِ مِقْدَارَ رَمْيَتِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي هَذَا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرُهُ فَيُصِيبُهُ إِصَابَةَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ) أَمَّا الْمَنَارَةُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَدِمَشْقَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ كَسْرَ الْمِيمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ فَضَائِلَ دِمَشْقَ وَفِي عِنْدَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْعَيْنِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ وَأَمَّا الْمَهْرُوذَتَانِ فَرُوِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةُ أَكْثَرُ وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النُّسَخِ بِالْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَابِسَ مَهْرُوذَتَيْنِ أَيْ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ وَقِيلَ هُمَا شَقَّتَانِ وَالشَّقَّةُ نِصْفُ الْمُلَاءَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ) الْجُمَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ هِيَ حَبَّاتٌ مِنَ الْفِضَّةِ تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْمُرَادُ يَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ عَلَى هَيْئَةِ اللولؤ فى صفاته فَسُمِّي الْمَاءُ جُمَانًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الصَّفَاءِ قوله صلى الله عليه وسلم (فلايحل لكافر يجد ريح نفسه الامات) هكذا الرواية فلا يحل بكسر الحاء ونفسه بِفَتْحِ الْفَاءِ وَمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقَعُ وَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ عِنْدِي حَقٌّ وَوَاجِبٌ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْحَاءِ
وَهُوَ وَهَمٌ وَغَلَطٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يُدْرِكُهُ بِبَابِ لُدٍّ) هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مَصْرُوفٌ وَهُوَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى صلى الله عليه وسلم قَوْمًا قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْمَسْحَ حَقِيقَةٌ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَمْسَحُ عَلَى وُجُوهِهِمْ تَبَرُّكًا وَبِرًّا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى كَشْفِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْخَوْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى (أخرجت عبادا لى لايدان لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ) فَقَوْلُهُ لايدان بِكَسْرِ النُّونِ تَثْنِيَةُ يَدٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لا قدرة ولا طاقة يقال مالى بهذا الأمر يد ومالى بِهِ يَدَانِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالدَّفْعَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَكَأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتَانِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَمَعْنَى حَرِّزْهُمْ إِلَى الطُّورِ أَيْ ضُمَّهُمْ وَاجْعَلْهُ لَهُمْ حِرْزًا يُقَالُ أَحْرَزْتُ الشَّيْءَ أُحْرِزُهُ إِحْرَازًا إِذَا حَفِظْتُهُ وَضَمَمْتُهُ إِلَيْكَ وَصُنْتُهُ عَنِ الْأَخْذِ ووقع فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَزِّبْ بِالْحَاءِ وَالزَّايِ وَالْبَاءِ أَيِ اجْمَعْهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ حَوِّزْ بِالْوَاوِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ نَحِّهِمْ وَأَزِلْهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ إِلَى الطُّورِ قَوْلُهُ (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) الحدب النشز وينسلون يَمْشُونَ مُسْرِعِينَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى) النَّغَفُ بِنُونٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الْوَاحِدَةُ نغفة والفرسى بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ أَيْ قَتْلَى وَاحِدُهُمْ فَرِيسٌ قوله (مَلَأَهُ زَهْمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ دَسْمُهُمْ وَرَائِحَتُهُمُ الْكَرِيهَةُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لايكن منه بيت مدر) أى لايمنع مِنْ نُزُولِ الْمَاءِ بَيْتٌ الْمَدَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالدَّالِ وَهُوَ الطِّينُ الصُّلْبُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ) رُوِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ وَرُوِيَ الزُّلْفَةُ بضم الزاى وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَرُوِيَ الزَّلَفَةُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي رُوِيَ بِالْفَاءِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ وَبِإِسْكَانِهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَالزَّايُ مَفْتُوحَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ثَعْلَبٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ كَالْمِرْآةِ وَحَكَى صاحب المشارق هذا عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا شَبَّهَهَا بِالْمِرْآةِ فِي صَفَائِهَا وَنَظَافَتِهَا وَقِيلَ كَمَصَانِعِ الْمَاءِ أَيْ إِنَّ الْمَاءَ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالْمَصْنَعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ كَالْإِجَّانَةِ الْخَضْرَاءِ وَقِيلَ كَالصَّحْفَةِ وَقِيلَ كَالرَّوْضَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بقحفها) العصابة الجماعة وقحفها بِكَسْرِ الْقَافِ هُوَ مُقَعَّرُ قِشْرِهَا شَبَّهَهَا بِقِحْفِ الرَّأْسِ وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ مَا انْفَلَقَ مِنْ جُمْجُمَتِهِ وَانْفَصَلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَيُبَارِكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ) الرِّسْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ هُوَ اللَّبَنُ واللقحة
بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَهِيَ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وَجَمْعُهَا لِقَحٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ كَبِرْكَةٍ وَبِرَكٌ وَاللَّقُوحُ ذَاتُ اللَّبَنِ وَجَمْعُهَا لِقَاحٌ وَالْفِئَامُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَكُتُبِ الْغَرِيبِ وَرِوَايَةُ الحديث أنه بكسر الفاء وبالهمز قال القاضي ومنهم من لايجيز الْهَمْزَ بَلْ يَقُولُهُ بِالْيَاءِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَحَكَاهُ الْخَلِيلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْقَابِسِيِّ قَالَ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ فَأَدْخَلَهُ فِي حَرْفِ الْيَاءِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لِتَكْفِي الْفَخْذَ مِنَ النَّاسِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَخْذُ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْأَقَارِبِ وَهُمْ دُونَ الْبَطْنِ وَالْبَطْنُ دون القبيلة قال القاضي قال بن فَارِسٍ الْفَخْذُ هُنَا بِإِسْكَانِ الْخَاءِ لَا غَيْرُ فَلَا يُقَالُ إِلَّا بِإِسْكَانِهَا بِخِلَافِ الْفَخِذِ الَّتِي هِيَ الْعُضْوُ فَإِنَّهَا تُكْسَرُ وَتُسَكَّنُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ بِالْوَاوِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يتهارجون تهارج الحمير) أَيْ يُجَامِعُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَمِيرُ وَلَا يَكْتَرِثُونَ لِذَلِكَ وَالْهَرْجُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْجِمَاعُ يُقَالُ هَرَجَ زَوْجَتَهُ أَيْ جَامَعَهَا يَهْرَجُهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يَسِيرُونَ حَتَّى
يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ) هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَالْخَمَرُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ الَّذِي يَسْتُرُ مَنْ فِيهِ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ جبل بَيْتِ الْمَقْدِسِ
[2938]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ طُرُقَهَا وَفِجَاجَهَا وَهُوَ جَمْعُ نَقْبٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ) قَالَ الْمَازِرِيُّ إِنْ قِيلَ إِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَذَّابِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ وَكَيْفَ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْخَوَارِقِ لِلْعَادَةِ عَلَى يَدِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَدَّعِي
الرُّبُوبِيَّةَ وَأَدِلَّةَ الْحُدُوثِ تُخِلُّ مَا ادَّعَاهُ وَتُكَذِّبُهُ وَأَمَّا النَّبِيُّ فَإِنَّمَا يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَلَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً فِي الْبَشَرِ فَإِذَا أَتَى بِدَلِيلٍ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ صَدَقَ وَأَمَّا قَوْلُ الدَّجَّالِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فيقولون لافقد يستشكل لأن ما أظهره الدجال لادلالة فِيهِ لِرُبُوبِيَّتِهِ لِظُهُورِ النَّقْصِ عَلَيْهِ وَدَلَائِلِ الْحُدُوثِ وَتَشْوِيهِ الذَّاتِ وَشَهَادَةِ كَذِبِهِ وَكُفْرِهِ الْمَكْتُوبَةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُجَابُ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ أَنَّهُمْ لَعَلَّهُمْ قَالُوا خوفا منه وتقية لاتصديقا ويحتمل أنهم قصدوا لانشك فِي كَذِبِكِ وَكُفْرِكِ فَإِنَّ مَنْ شَكَّ فِي كَذِبِهِ وَكُفْرِهِ كَفَرَ وَخَادَعُوهُ بِهَذِهِ التَّوْرِيَةِ خَوْفًا منه ويحتمل أن الذين قالوا لانشك هُمْ مُصَدِّقُوهُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى شَقَاوَتَهُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يقال ان هذا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عليه السلام أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ رَاوِي الْكِتَابِ عَنْ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَالَ مَعْمَرُ فِي جَامِعِهِ فى أثر هذا الحديث كما ذكره بن سُفْيَانَ وَهَذَا تَصْرِيحٍ مِنْهُ بِحَيَاةِ الْخَضِرِ عليه السلام وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ من كتاب المناقب والمسالح قوم معهم سلاح يرتبون فى المراكز كالخفر أسموا
بِذَلِكَ لِحَمْلِهِمُ السِّلَاحَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ فَيَقُولُ خُذُوهُ وَشُجُّوهُ) فَالْأَوَّلُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ مُدُّوهُ عَلَى بَطْنِهِ وَالثَّانِي شُجُّوهُ بِالْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ مِنَ الشَّجِّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي فَيُشَجُّ كَالْأَوَّلِ فَيَقُولُ خُذُوهُ وَشَبِّحُوهُ بِالْبَاءِ وَالْحَاءِ وَالثَّالِثُ فَيُشَجُّ وَشُجُّوهُ كِلَاهُمَا بِالْجِيمِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي الْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا الْأَوَّلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ) فَبِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرَقِهِ) هكذا الرواية
يُؤْشَرُ بِالْهَمْزِ وَالْمِئْشَارُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا فَيَجْعَلُ فِي الْأَوَّلِ وَاوًا وَفِي الثَّانِي يَاءً وَيَجُوزُ الْمِنْشَارُ بِالنُّونِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ نَشَرْتُ الْخَشَبَةَ وَعَلَى الأول يقال أشرتها ومفرق الرَّأْسِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَطُهُ وَالتَّرْقُوَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ
[2939]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَمَا يُنْصِبُكَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ أَيْ مَا يُتْعِبُكَ مِنْ أَمْرِهِ قَالَ بن دريد يقال أنصبه المرض وغيره ونصبه والأولى أَفْصَحُ قَالَ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْحَالِ مِنْ مَرَضٍ أو تعب قوله (قلت يارسول اللَّهِ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالْأَنْهَارَ وقال هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِهِ مُضِلًّا لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُشَكِّكًا لِقُلُوبِهِمْ بَلْ إِنَّمَا جَعَلَهُ لَهُ لِيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَيُثْبِتَ الْحُجَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَنَحْوِهِمْ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
[2940]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فيبعث الله عيسى بن مريم) أى ينزله من السماء حاكما بشر عنا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نُزُولُ عِيسَى عليه السلام وَقَتْلُهُ الدَّجَّالَ حَقٌّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فى العقل ولافى الشَّرْعِ مَا يُبْطِلُهُ فَوَجَبَ إِثْبَاتُهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بعض المعتزلة والجهيمة وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَرْدُودَةٌ بقوله تعالى وخاتم النبيين وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَبِيَّ بعدى وباجماع المسلمين أنه لانبى بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لاتنسخ وَهَذَا اسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ يَنْزِلُ نَبِيًّا بِشَرْعٍ ينسخ شرعنا ولا فى هذه الأحاديث ولافى غَيْرِهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا
بَلْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ هُنَا وَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا بِحُكْمِ شَرْعِنَا وَيُحْيِي مِنْ أُمُورِ شَرْعِنَا مَا هَجَرَهُ النَّاسُ قَوْلُهُ (فِي كَبِدِ جَبَلٍ) أَيْ وَسَطِهِ وَدَاخِلِهِ وَكَبِدُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ يَكُونُونَ فِي سُرْعَتِهِمْ إِلَى الشُّرُورِ وَقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ وَالْفَسَادِ كَطَيَرَانِ الطَّيْرِ وَفِي الْعُدْوَانِ وَظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي أَخْلَاقِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا) اللِّيتُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَآخِرِهِ مُثَنَّاةٌ فوق وهى صفحة العنق وهى جانبه وأصغى أَمَالَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ) أَيْ يُطَيِّنُهُ وَيُصْلِحُهُ قَوْلُهُ (كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ
الظِّلُّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَصَحُّ الطَّلُّ بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ كَمَنِيِّ الرِّجَالِ قَوْلُهُ (فَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَا فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ يُكْشَفُ عن ساق يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةٍ وَهَوْلٍ عَظِيمٍ أَيْ يَظْهَرُ ذَلِكَ يُقَالُ كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا إِذَا اشْتَدَّتْ وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرِهِ كَشَفَ عَنْ سَاقِهِ مُسْتَمِرًّا فِي الْخِفَّةِ والنشاط له