المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبواب السلم والقرض والرهن - شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير - جـ ٨٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌أبواب السلم والقرض والرهن

الحديث منطوقه أن الثمرة بعد التأبير لمن تعب عليها وهو البائع إلا أن يشترطها المبتاع، فيقول: المشتري ترى بالثمر، النخل بالثمر، ومفهوم الحديث أنها قبل التأبير الثمرة لمن؟ للمشتري، الحديث له منطوق ومفهوم، مفهومه ومنطوقه معمول به عند الجمهور، عند الحنفية عملوا بمنطوقه دون مفهومه، وجعلوا ما تضمنه المفهوم مثل ما تضمنه المنطوق الكل للبائع، ولا شك أن اعتبار المفهوم مقرر في النصوص الشرعية، إلا إذا عورض المفهوم بمنطوق أقوى منه فإنه حينئذٍ يلغى إذا عورض بمنطوق أقوى منه، فإنه يلغى، ففي قوله -جل وعلا-:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنه لو استغفر لهم واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم، لكن هذا المفهوم معارض بقوله -جل وعلا-:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] وحينئذٍ يلغى المفهوم، {لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران]{وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [(31) سورة الإسراء] هذا له مفهوم، لكن مفهومه ملغى؛ لأنه معارض بمنطوق أقوى منه، وإلا فالأصل أن المفهوم معتبر، ندخل في الباب الذي يليه.

سم.

أحسن الله إليك.

‌أبواب السلم والقرض والرهن

عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال:((من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)) متفق عليه.

وللبخاري: ((من أسلف في شيء)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

أبواب السلم والقرض والرهن:

ص: 27

السلم تقديم الثمن في مجلس العقد، مع تأخير المثمن إلى أجل مسمى، ولا بد من الأجل عند الجمهور، وأجازهم بعضهم في الحال، ولا بد أن يسلم الثمن في مجلس العقد، ولا يجوز أن يكون ديناً؛ لأنه يكون بيع دين بدين، فصورة السلم أن يأتي صاحب السلعة التي لا يمكن تسليمها إلا بعد مدة، مدة يكون لها وقع في الثمن كالثمر، كالتمر مثلاً، أو البر، يأتي المزارع المحتاج إلى المال إلى التاجر فيقول: الصاع من البر عندي بعشرة، لكن الثمرة لا يمكن الحصول عليها إلا بعد ستة أشهر، أنا أريد منك ألف ريال، أنا محتاج إلى ألف ريال، وأعطيك بعد ستة أشهر مأتي صاع بدل مائة، هذا سلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قدم المدينة وهم يسلفون، والسلم هو السلف بمعنى واحد، والسلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق، القرض دفع المال لمن يحتاج إليه على أن يرده من غير زيادة ولا نقصان، وأما الرهن فهو توثقة دين بعين يمكن الاستيفاء منها، أو من قيمتها عند الحاجة.

ص: 28

"عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين" السنةَ يقولون: منصوب على نزع الخافض "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين" يقول: تعطيني ألف على أن أعطيك مائتي صاع بعد سنة، أو ثلاثمائة صاع بعد سنتين، نعم "فقال النبي عليه الصلاة والسلام:((من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم)) " كيل معلوم مائة صاع، مائتي صاع، ثلاثمائة صاع، خمسين صاع، لا بد أن يكون الكيل معلوماً، ((ووزن معلوم)) إذا كان المبيع المسلم فيه مما يوزن، مائة كيلو، مأتي كيلو، ثلاثمائة كيلو .. إلى آخره، ((إلى أجل معلوم)) إلى يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، لا بد من هذا لقطع دابر الشقاق والنزاع، إذ لو لم يعلم الكيل والوزن لادعى باذل النقود والدراهم أكبر قدر من السلعة المباعة، وادعى صاحب السلعة أقل قدر يقول: أسلفتك على مائتين، ويقول: لا أنا ما أسلفتك إلا على مائة، فلا بد من تحديد الكيل والوزن، والأجل أيضاً، هنا أسلفتك إلى ثمرة هذه السنة، ويقول: لا أنا استلفت منك إلى ثمرة السنة بعد القادمة، فيحصل الشقاق والنزاع، فلا بد من الوضوح، أن يكون الكيل والوزن معلوم، والأجل معلوم أيضاً، ومكان التسليم إذا كان له أثر لا بد من التنصيص عليه، إذا كان له أثر.

"وللبخاري: ((من أسلف في شيء)) " لأنه في الحديث: ((من أسلف في ثمر فليسلف)) وللبخاري .. ، وفي بعض الروايات:((من أسلف في تمر)) والثمر أعم من التمر، التمر خاص بالنخل، والثمر عام للنخل وغيره، وأعم منه من أسلف في شيء، ولذا من أهل العلم من يرى اختصاص السلم بالثمار، ومنهم من يطرده في كل شيء حتى في المصنوعات.

ص: 29

اشترطوا أن يكون المال مدفوع في مجلس العقد، وتجاوزا عن يوم أو يومين، وأيضاً اشترطوا أن يكون المسند فيه مؤجل أجلاً له وقع في الثمن، إذا كان المسلم فيه لا يكال ولا يوزن فإن كان مما يعد فبعدده، وإن كان من المصنوعات فبوصفه الدقيق الذي لا يختلف، هل يمكن ضبط .. ؟ هل يشترط في السلم أن يكون الطرف الثاني مالك لأصل السلعة أو لا يشترط؟ يعني هل لواحد منكم أن يذهب إلى تاجر ويقول: أنا محتاج إلى خمسين ألف سلمها الآن، وبعد شهرين أنا أسلمك سيارة هيلكس (2006) وهذه مواصفاتها، أنت عندك مصنع تصنع له بحيث تفي بجميع ما اشترط له؟ أو ليس عندك مصنع؟ ما عندك مصنع، هل يشترط أن تكون مالك لأصل السلعة أو لا يتشرط؟ من أهل العلم من يشترط، ومنهم من لا يشترط، والحديث الثاني الذي يليه فيه إشارة إلى شيء من هذا، نعم؟

وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنهما- قالا: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، وفي رواية: والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع? قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك" رواه البخاري.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنهما- قالا: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني يتوفر لدينا مال بسبب المغانم التي هي أطيب المكاسب، ولكننا نحتاج إلى الطعام "كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط" وهؤلاء أقوام من العرب دخلوا في غيرهم من الأمم من العجم من الفرس والروم، فاختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، وسموا بذلك لخبرتهم باستنباط الماء وإنباطه من جوف الأرض، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام،

ص: 30

"فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب" يعني نعطيهم الأموال التي نغنمها ونقول لهم في يوم كذا تحضرون لنا كذا من الحنطة والشعير والزبيب وغيرها من الثمار "والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع?" يعني هذا الشخص الذي أسلمته وأسلفته وأعطيته المال مقدماً له زرع وإلا ما له زرع؟ بيعطيك من مزرعته أو بيشتري لك ويجيب لك؟ "قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك" على هذا يجوز أن يكون المسلم معه غير مالك لأصل السلعة، على هذا لو أسلم في سيارة وهو لا يملك مصنع، في كتب وهو لا يملك مطبعة يجوز؛ لأنهم ما كانوا يسألونهم هل عندهم زرع وإلا ما عندهم زرع؟ هل هو من مزارعهم أو ليشتروا بها فيما بعد؟ طيب شخص مؤلف عالم يؤلف كتب يأتي صاحب المطبعة ويقول: هذه مائة ألف الآن، وتأمل لي تفسير مكون من خمسة مجلدات، وهذه صفته تعطيني في كل سنة مجلد أطبعه، خلال الخمسة السنوات يكون الكتاب جاهز في الأسواق يباع، مطبوع وجاهز، سلم وإلا ما هو بسلم؟ نعم؟ الآن الثمن مدفوع في مجلس العقد، والمثمن يسلم على التدريج أخره بعد خمس سنوات، يجوز وإلا ما يجوز؟ هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

هذا مالك لأصل السلعة عنده كتب ومراجع وعنده قدرة وعنده أهلية، والذي يغلب على الظن أنه خلال السنوات المعدودة المدة كافية للتأليف إلا إذا حصل هناك عارض ومانع، مثل ما يحصل للسلع من الجوائح والثمار.

طالب:. . . . . . . . .

لا هو العالم قد يموت والثمرة قد ينزل عليها آفة وتجتاحها والغيب غيب، لكن الأصل مبني على أنه هذا عنده قدرة، ويغالب على الظن أنه يوفي بما التزم في المدة المعلومة.

ص: 31

مقتضى قوله: ((بم تأخذ مال أخيك؟ )) أنه بيع غير مأذون فيه، والأمر بوضع الجوائح على سبيل الاستحباب هذا يتجه إلى كل بيع، لكن دعونا في مسألتنا الآن، وهي مسألة عملية العلم الآن قد يكون محتاج إلى مبلغ من المال يعينه على مسيرته العلمية، ويعينه على أمور ديناه، محتاج إلى مائة ألف فقال له صاحب دار نشر: هذه مائة ألف الآن شيك، الآن استلمها على أن تسلمني تفسير في خمسة مجلدات، كل مجلد فيه أربعين أو خمسين ملزمة مثلاً، يحدد، وفي كل صفحة كذا سطر، يحدد بحيث يكون معلوم تمام العلم للجميع، وأما جودة المؤلف وعدم جودته فهي تابعة لجودة المؤلف، هو ما جاء إلا وهو يعرف مستوى التأليف بالنسبة لهذا الشخص، فلا جهل ولا غرر ولا جهالة ولا شيء، فهل مثل هذا يلحق بالسلم أو لا يلحق؟ وهل يختلف الأمر فيما إذا كان العلم مما يبتغى به وجه الله من العلوم الشرعية أو غيرها من العلوم؟ قال: أنا بحاجة قاموس مثلاً؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، هو يرد عليه إذا كان مما يبتغى به وجه الله وهذا ما ألفه إلا من أجل مائة ألف يصير وإلا ما يصير؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ هذا المؤلف ما ألف إلا من أجل المائة ألف، صار تأليفه من أجل الدنيا، وهذا لا يجوز بحال، أما إذا قال: افترض أنه ألف تفسير من غير دافع للنفع العام، ثم جاء من يشتريه منه، إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله، يعني ما ألفه ما الدافع لتألفيه الدنيا، إنما ألفه يبتغي به وجه الله، ثم جاءته الدنيا تبعاً هذا لا يضر، لكن كونه يؤلفه من أجل الدنيا هذا الذي يضر.

لكن افترض المسألة فيما لا يبتغى به وجه الله، أنا أريد كتاب تاريخ في مجلد أنا بعطيك عشرين ألف خلال سنة تحضره لي، يصح وإلا ما يصح؟ ما في ما يمنع، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 32