الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على كل حال له شيء من التصرف، لكن التصرف محدود، وإلا فالأصل وجوب العدل بين الرعية، لكن قد يعلم بحاجة فلان ولا يعلم بحاجة فلان، فيعطي فلان ويحرم فلان؛ لأنه لا يعرف حاجته، وقد يعطي فلان لأنه طلب ولم يعط فلان لأنه متعفف، فالمقصود أن الأصل في هذه المسألة العدل بين الرعية، فإذا تقدم إليه اثنان متساويان في الظروف والحاجة لا بد أن يعدل بينهما.
هل يجوز للرجل أن يختلي بامرأة ابنه في حياة الولد وكذلك بعد موته؟ وهل يجوز له الزواج بها بعد وفاته؟
أما كونه يخلو بها نعم؛ لأنها من محارمه في حياته وبعد موته، ولا يجوز له الزواج بها {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [(23) سورة النساء] لا يجوز له أن يتزوج بها البتة، فهي محرمة تحريماً مؤبداً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: اللقطة
عن إنس رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: اللُّقَطة
بضم اللام وفتح القاف، كهمزة ولمزة، والمراد بها ما يلتقط، وهي بهذا الضابط قيل: لا يجوز غيره، والأصل في ذلك إسكان القاف لقْطة، وأما لقَطة كهمزة ولمزة فالأصل في هذه الصيغة أنها للاقط كهمزة ولمزة للهامز واللامز اللقطة اللاقط هذا الأصل، والذي يكثر من الالتقاط كهمزة ولمزة الذي يكثر من الهمز واللمز، وأيضاً الرُحَلَة إذا قيل: فلان رُحَلَة أن يكثر الرِحْلَة، وإذا قيل: رُحْلَة يُرحل إليه ممن يستحق أن يرحل إليه، وعلى كل حال الفقهاء في الاستعمال الاصطلاحي لم يستعملوها إلا بفتح القاف لُقَطَة، قالوا: لا يجوز غيره، والمراد بها ما يلتقط ويوجد، ولا يعرف صاحبه، واللقطة تختلف عما يذكر في كتب الفقه أيضاً والحديث اللقيط، وهو المنبوذ، الولد الذي ينتج من الفاحشة من الزنا نسأل الله السلامة والعافية، فتتخلص منه أمه بنبذه، فيكون لقيطاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-.
"عن أنس رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) متفق عليه"
تمرة وجدت في الطريق فتركها النبي صلى الله عليه وسلم لماذا؟ لأن الصدقة لا تحل له، ولا لآله عليه الصلاة والسلام فتركها ورعاً من هذه الحيثية خشية أن تكون من الصدقة، أما لو كانت من الصدقة على وجه التحقيق لا يجوز له أكلها؛ لأن الصدقة حرام عليه وعلى آله، لكنه خشي وخاف أن تكون من الصدقة فتركها فدل على أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة يأكل وإلا ما يأكل؟ يأكل ليش لا؟ لأنه تركها خاف أن تكون من الصدقة، مفهومه أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة لأكلها، ولهذا أدخل المؤلف هذا الحديث في هذا الباب، يستدل به على أن الشيء اليسير التافه الذي لا تلتفت إليه همة أوساط الناس لا بأس بالتقاطه، ولا بأس بأكله، ولا بأس بتملكه، هذا إذا كان مما لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، منطوق الحديث أنه تركها خشية أن تكون من الصدقة فمفهومه أنه لو جزم بأنها ليست من الصدقة فإنه حينئذٍ يلتقطها ويأكلها، لا سيما أنه في تركها في الطريق امتهان لها، ولا يمنع أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها وجعلها في مكان بحيث لا تتعرض للإهانة بالدوس ونحوه، لا يمنع، إلا أنه الصريح في الحديث أنه لم يأكلها؛ لأنه قال:((لولا)) ولولا حرف امتناع لوجود، امتنع من أكلها لوجود الخشية أن تكون من الصدقة، وهذا لا يمنع أن يكون التقطها وأعطاها مسكيناً ممن تحل له الصدقة، أو أزاحها عن طريق الناس بحيث لا تمتهن ولا تداس، نعم.
وعن زيد ابن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)) قال: فضالة الغنم؟ قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) قال: فضالة الإبل؟ ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) متفق عليه.
"وعن زيد ابن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة" يعني مما يمكن التقاطه مما يوجد في مكان لا يعرف صاحبه فيه، لكن لو وجدت كتاباً عليه اسم صاحبه، نسخة فلان ابن فلان ابن فلان، هذه لقطة وإلا ليست لقطة؟ ما دام صاحبه معروف هذه ليست لقطة، بل يجب أن يؤدى إلى صاحبه، أن يسلم إلى صاحبه، فلا يدخل هذا في أحكام اللقطة.
"فقال: ((اعرف عفاصها)) " قبل أن تتصرف فيها أدنى تصرف ((اعرف عفاصها)) وهو الوعاء الذي وضعت فيه، الكيس الذي وضعت فيه، الظرف الذي يشتمل عليها ((ووكاءها)) الرباط الذي يربط به هذا العفاص الوكاء الحبل الذي يشد به فم هذا العفاص هذا الوعاء لا بد أن يعرف هذا؛ لكي يسدل بهذا على صدق مدعيها؛ لأنه لو لم يعرف هذا العفاص ولا الوكاء فإنه لا يمكن ردها إلى أحد يدعيها، كيف ترد؟ وإذا كان الوعاء لا يمكن الاستدلال به عليها بأن توحد الأوعية في بلد ما مثلاً، توزع البلدية أكياس تحفظ فيها الأمتعة الآن البلدية توزع أكياس للقمامة مثلاً موحد لكن لو قدر أنها وعاء موحد للأمتعة قالت: من اشترى شيئاً أو حمل شيئاً يحطه في هذا الوعاء فصار الناس يتداولونه بكثرة بحث .. ، نعم وهذا الوعاء فيه رباطه منه، العفاص والوكاء يغلب على الظن أنه في مثل هذا الموزع على جميع الناس، هذا ما يستدل به على هذه اللقطة، الإنسان بيقول في ما يغلب على الظن أنه في الوعاء الموحد، ويصف هذا الوعاء؛ لأنه يعرفه، فمثل هذا يطلب منه قدر زائد على ذلك، بوصف ما في جوفه بدقة، لو كان المستورد من الأبواك التي تحفظ فيها النقود من ماركة واحدة، شكل واحد، كله لونه واحد، وما عرف أنه دخل البلد إلا كذا، وأتى واحد عند باب المسجد وقال: من ضاع له كذا، أو من فقد شيئاً؟ قال: نعم أنا فقدت فلوس في البوك الذي لونه كذا، وحجمه كذا، وهو يعرف أنه ما ورد البلد إلا مثل هذا، هذا لا كفي في الاستدلال بها على صاحبها، بل لا بد أن يطلب منه ما هو أدق من ذلك، وإلا لو كانت الأوعية متفاوتة، وكل واحد يحمل متاعه في وعاء خاص به، فإذا عرفنا العفاص الذي هو الوعاء، إذا عرفه المدعي قال: لونه كذا، وحجمه كذا، ووكاؤه حبل من بلاستيك لونه كذا، أو من صوف وما أشبه ذلك، فإنه يستدل بذلك على صدقه، وتدفع إليه، مع أنه يسأل عما في جوفه، هل هو مال؟ أو متاع أو ما أشبه ذلك؟ فإذا أجاب تدفع إليه، وهل يحتاج مع ذلك إلى إقامة بينة بأن يحظر بينة أن هذا له هذا قد ضاع منه؟ الحديث يدل على أنه لا يحتاج إلى بينة، يعني إذا عرف العفاص والوكاء وعرف ما في داخل هذا الوعاء من نقود أو متاع لا يحتاج أن يقيم على ذلك
بينة، وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه هذا الحديث، فليس فيه قدر زائد على ذلك، من أهل العلم من يرى أنه لا بد أن يقيم البينة على دعواه؛ لأنه مدعي، وحديث:((البينة على المدعي)) يشمل اللقطة وغير اللقطة، لكن البينة أعم من أن تكون بالشاهد، بل البينة ما أبان الحق، والوصف الدقيق لا شك أنه يبين الحق، فمثل هذا لا يحتاج إلى بينة في القول الراجح، وهو الذي يدل عليه هذا الحديث.
((فإن جاء صاحبها)) بعد تعريفها سنة، يقول:((ثم عرفها سنة)) سنة قمرية اثنا عشر شهراً، بالأشهر القمرية، يعرفها في مكان وجودها، وفي مجامع الناس ومحافلهم عند باب المسجد، وعند باب الجامع، وفي المناسبات، والأسبوع الأول من التقاطها يعرفها كل يوم، في الأسبوع الثاني يخل ببعض الأيام، في الأسبوع الثالث ثم بعد ذلك يعرفها كل جمعة بأن ينادي على باب الجامع: من فقد شيئاً فليأتني، وهكذا، فإن جاء صاحبها خلال العام الاثنا عشر شهراً ((وإلا فشأنك بها)) أي تصرف بها، ويقول: شأنك منصوب على الإغراء، وبعضهم يرفعه ويجعله مبتدأ، أو اسم كان المحذوفة وإلا فيكون شأنك بها، المقصود أن التقدير سهل، إذا جاز الأمران وإلا فالنصب على الإغراء.
"قال: فضالة الغنم؟ " شأنك بها يعني كناية عن جواز تصرفه فيها ببيعها، بأكلها، باستعمالها "قال: فضالة الغنم؟ " الضالة: هي اللقطة إلا أنها خاصة ببهيمة الأنعام، ضالة الغنم، الشاة، أو العنز، أو الكبش، أو التيس وما أشبه ذلك يضل عن صاحبه، يخرج من بيته، أو في القفار أو البراري يكون بعيداً عن صاحبه، وعن غنم صاحبه "قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) " يعني التقطها وكلها، هل يلزم أن يعرفها سنة؟ هي تحتاج إلى مؤنة ومؤنتها لمدة سنة أكثر من قيمتها، وأيضاً هي معرضة للتلف، فعلى هذا يلتقطها، فهي إما له أو لأخيه لصاحبها إن وجدها، أو لشخص ثالث يقف عليها فيلتقطها بدلاً منك، أو للذئب، و (أو) هنا للتقسيم (أو) هنا للتنويع، فدل على أن ضالة الغنم تلتقط، "قال: فضالة الإبل؟ قال: ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها)) " ما ذكر ضالة البقر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما يمكن أن تضل البقرة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو في الغالب ما يضل من بهيمة الأنعام ما يكون في البراري، والعادة ما جرت برعي البقر في البراري، إنما الذي يرعى في البراري هو الغنم والإبل فقط، وهي التي تضل عن صاحبها، أما بالنسبة للبقرة فهي توصد عليها الأبواب، إما في البيوت، أو في المزارع، أو ما أشبه ذلك، فيندر أن تضل البقرة، ولذا الحكم للغالب، وإلا فلو ضلت مثلاً فلها حكمها الشرعي "قال: فضالة الإبل؟ " ما حكمها؟ "قال: ((مالك ولها، معها سقاؤها)) " أي جوفها الكبير الذي هو بمنزلة السقاء بحيث إذا امتلأ من الماء لا خوف عليها من العطش، يعني لا يخشى عليها أن تموت من العطش ((وحذاؤها)) يعني خفها الذي يحتمل المشي الطويل في الحر والبرد، في السهول في الوعر، المقصود أن معها حذاء يقيها من الانقطاع، ويعينها على متابعة المشي حتى يجدها صاحبها ((ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) فلا خوف عليها، ولا خطر عليها كما هو شأن الغنم، وحينئذٍ لا يجوز التقاط الإبل، وأما الغنم فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) هل الأفضل للإنسان أن إذا وجد لقطة أن يلتقط أو يترك؟ إنسان وهو في طريقه إلى المسجد وجد بوك مملوء بالدراهم هل الأفضل أن يترك أو يلتقط ويعرف؟ المسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل، فإن كان هذا الإنسان لديه القدرة على التعريف لمدة سنة، وأيضاً يأمن من نفسه أن تطمع فيها؛ لأن الإنسان مع طول الوقت يعني قد يرفضها في أول يوم ثاني يوم ثالث يوم تنازعه نفسه، ويعينها شيطانه، ثم بعد ذلك يقول: خلاص لو كان لها كان حاء ما جاي أحد، ثم يستعملها قبل أن يتم الحول، فمثل هذا الذي تنازعه نفسه ولا يأمن من نفسه مثل هذا اتركها في مكانها، أو ليست لديه قدرة على التعريف لمدة سنة، أما إذا كانت لديه القدرة على التعريف، ويأمن من نفسه أنها لا تنازعه في تملكها قبل الحول فإن هذا الأفضل له أن يلتقطها.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) رواه مسلم.
يقول المؤلف رحمه الله:
"وعنه" أي عن زيد بن خالد "رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) " هذا فيه أن عدم الالتقاط أولى؛ لأنه وصف بالضلال نسأل الله السلامة والعافية؛ لكنه محمول على من لا يستطيع التعريف، والصبر عليها لمدة سنة، أو من تنازعه نفسه في تملكها قبل تمام الحول، أما من التقطها بنية التعريف لمدة حول مع كونه يأمن من نفسه أن تطمع فيها فمثل هذا التقاطه لها أفضل؛ لأنه يحفظها، واحتمال أن يأتي من يلتقطها ممن لا يؤمن عليها.
((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) دل على أنه إذا عرفها وقام بما كلف به من هذا التعريف فإنه ليس بضال، بل هو محسن، معرفة اللقطة معرفة تامة اعرف عفاصها ووكاءها عرفنا أنه ليتم امتحان من يدعيها بذلك، وأيضاً ليعرفها من بين ماله، قد يكون عنده أموال في أكياس فإذا عرف هذا الكيس، وهذا الوعاء، وعرف هذا الوكاء تميزت عن أمواله، فعلى هذا إذا عرفها بعد أن عرَفَها حولاً كاملاً ساغ له أن يستعملها، إذا عرفها سنة ثم بعد ذلك لم تعرف فإنه حينئذٍ يستنفقها ويستعملها، وحينئذٍ تكون عنده في حكم المضمون بأنه لو أنفقها بعد سنة ثم جاءه بعد سنتين صاحبها فإنه يضمنها له ((فإذا جاء طالبها يوم من الدهر فأدها إليه)) كما جاء في بعض الروايات.
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل؛ وليحفظ عفاصها ووكاءها ثم لا يكتم ولا يغيب، فإن جاء ربها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء)) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عياض بن حمار" بلفظ الحيوان المعروف "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل)) " لماذا؟ لئلا ينسى أنها لقطة؛ لأن المسألة تحتاج إلى حول إلى سنة كاملة فقد ينساها، فهذا الشاهد أو هذان الشاهدان يذكرانه إذا نسي، ويشهدان عليه إذا جاء من يدعيها؛ لأن الإنسان قد يلتقط شيئاً يجد ساعة من الماركات الغالية، أو قلم من الأقلام الغالية، ثم يضعها مع متاعه يعرف أنها لقطة لمدة معينة، ثم بعد ذلك ينساها، فكونه يشهد عليها هذا لا شك أنه من باب الاحتياط لبراءة الذمة، يشهد عليها، ويسجل عنده في مذكرته أنه في يوم كذا في مكان كذا وجد كذا في وعاء كذا ووكائه كذا، يكتب بالتفصيل ما يتعلق بها، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم كيساً غير مفرط حازم، لا يفرط في أموره التي هي عرضة للنسيان؛ لأن الضبط ممكن، وغداً الحساب، وبعض الناس يتزوج، وبعد مضي مدة قصيرة يحصل منه طلقة، وبناءً على أنه لن ينسى هذه الطلقة لا يقيدها، ما يكتب أنه طلق زوجته في يوم كذا ثم راجعها، لا يكتب يراجعها ويستمر معها وبعد عشر سنين تحصل منه طلقة ثانية مثلاً، وقد نسي الأولى لأنه لم يقيدها، ثم بعد عشرين سنة تحصل طلقة ثالثة، وقد نسي إحدى هذه الطلقات، ثم بعد ذلك يعاشرها على غير الوجه الشرعي، فمثل هذه الأمور يحتاط لها الإنسان، فإذا حصل لديه شيء من ذلك لا سيما من يسهل عليه الطلاق، بعض الناس سهل عليه أنه يتلفظ به لأدنى سبب، فمثل هذا لا بد أن يقيد، وبعض الناس لا بد أن يتحرى ويتشدد في مثل هذه الأمور فتنحفر في قلبه، فمثل هذا يذكرها طول عمره، لو حصلت منه مرة يذكرها لن ينساها، أما بعض الناس عادي عنده أنه في بكل مناسبة، وفي كل تصرف يرمي هذا الطلاق مرسلاً أو مقيداً، المقصود أن في مثل هذا الذي له أثر في حياته سواء كان في ما يتعلق بزوجته كالطلاق لا بد من تقييده، وكذلك هذه اللقطة لا بد من تقييدها لئلا ينساها وحينئذٍ يتصرف بها قبل الإذن بالتصرف.
((فليشهد ذوي عدل)) لأنهما يعينانه عليها إذا نسي ويذكرانه ((وليحفظ عفاصها)) الذي هو الوعاء، والظرف الذي توضع فيه ((ووكاءها)) والوكاء وهو الرباط الذي يربط به الوعاء ((ثم لا يكتم ولا يغيب)) لا يكتم هذه اللقطة، بل عليه أن يعرفها ويشهر أمرها؛ لكنه مع ذلك لا يبين من حالها ما يبين لبعض من يدعيها وهي ليست له؛ لأن بعض الناس قد يستجر ويستدرج، فإذا قال عند باب المسجد: من فقد مالاً فليأتني، ثم جاءه شخص من أهل الحيل وأهل الاستدراج، وأخذ المعلومات من حيث لا يشعر الإنسان، بعض الناس يستدرج حتى يأخذ جميع ما عندك من معلومات، وأنت ما تشعر، يصير لديه معرفة وخبرة بهذا الأمر، ثم أنت تقر له بأمور يستدل بها على بعض أوصاف هذه اللقطة، ثم يصفها لك وقد استنبط هذه الأوصاف من تصرفاتك، مثل هذا لا يجوز أن تبوح له بما يستدل بها عليها، وأنت أيضاً لا يجوز لك أن تكتم، يقول لك: الوكاء كذا الوعاء كذا، وأنت تقول: لا هذا ما هو صحيح لتفوت الفرصة عليه حتى تتم السنة ثم تضيع عليك الاستفادة منها ((ولا يغيب)) يعني يترك التعريف بها حتى يغلب على ظنه أن صاحبها أيس منها فلا يبحث عنها ((فإن جاء ربها)) يعني صاحبها، والرب يطلق مع الإضافة على غير الله -جل وعلا-، أما من غير إضافة فلا يطلق إلا على الله -جل وعلا-، الرب هو الله -جل وعلا-، وأما رب الدابة، ورب الدار، ورب ما أضيف إليه فإنه يجوز ذلك، ورب الأسرة، لكن ما يقال له: الرب، ((فإن جاء ربها فهو أحق بها)) من غيره يعني خلال السنة، وإن لم يأت إلا بعد مضي السنة أو لم يأت أصلاً ((فهو مال الله يؤتيه من يشاء)) يعني لك أن تستعمله، يعني لك أن تستعمل هذه اللقطة، وتستفيد منها بنية ضمانها، إذا جاء صاحبها يوم من الدهر.
"يقول: رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان" هذا الحديث لا سيما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مال الله يؤتيه من يشاء)) يستدل به من يقول: إن اللقطة تملك ولا تضمن بعد الحول، وهذا القول معروف عند الظاهرية، وأما الجمهور فعلى الضمان، نعم.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم.
يقول المؤلف رحمه الله:
"وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم".
سبق في خصائص مكة أن لقطتها لا تحل إلا لمنشد، إلا لمن يعرفها فقط، لا على نية أنه بعد تعريفها مدة سنة يستنفقها، ويستفيد منها؛ لأن لقطة الحرم -وهذا من خصائص مكة- لا تحل لآخذيها مطلقاً، وهنا في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج الحاج إذا ضاع منه شيء في مكة، أو في حدود الحرم دخل في الحديث الأول، يعني بين هذا الحديث والحديث السابق عموم وخصوص من وجه، فهذا أعم، لقطة الحاج أعم من لقطة مكة؛ لأن لقطة الحاج قد تكون بمكة وقد تكون خارج مكة، قبل أن يصل إلى مكة، أو بعد أن يرجع من مكة، فلا تلتقط، ما يلتقط ما سقط وضاع وضل من الحاج، لا في ذهابه ولا في إيابه، ما دام يطلق عليه حاج، في هذه الرحلة المباركة، هو حاج فلا تحل لقطته، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج ولو كانت خارج الحرم، فالحاج خاص لمن تلبس بالحج، أو أراده، لكنه عام في المكان، خرج من بغداد يريد الحج، وفي طريقه فقد شيئاً هذا يسمى لقطة هذه اللقطة لا تحل لملتقطها البتة، بل نهي عن التقاطها، وإذا وصل إلى مكة حاجاً صارت اللقطة أشد النهي عن التقاطها إلا لمنشد أشد، لا بنية التمليك بعد سنة؛ لأنه اجتمع فيها الأمران، كونها لقطة مكة، وكونها لقطة حاج، اللقطة في مكة تشمل لقطة الحاج وغير الحاج، لكن خاصة في هذا المكان، فبين الحديثين عموم وخصوص وجهي، فهذا أعم من وجه، وأخص من وجه، وذاك كذلك أعم من وجه، وأخص من وجه، فالحاج الذي يريد أن يؤدي هذه الفريضة التي هي ركن من أركان الإسلام، وتكلف وتجشم، وقد يكون قد اقترض للحج، ونفقة الحج، فمثل هذا لا يفوت عليه ماله كغيره ممن هو في السعة، ومنهم من حمل هذا الحديث على الحديث السابق، فالمراد بلقطة الحاج إذا كانت بمكة، فيكون مفاد الحديثين واحداً، نعم.
وعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا لا يحل ذو ناب من السباع، ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها)) رواه أبو داود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا لا يحل)) " فإذا نفي الحل (ألا) حرف تنبيه و (لا) نافية، ويحل يباح، فإذا نفي الحل والإباحة ثبت الضد وهو الحرمة، يعني يحرم ذو ناب من السباع والحمار الأهلي، سيأتي في الأطعمة تحريم ما له ناب من السباع، أو مخلب من الطير، وتحريم الحمار الأهلي سيأتي هذا كله في كتاب الأطعمة ((فلا يحل)) أي يحرم كل ذي ناب من السباع، والحمار الأهلي، وقد كان مباحاً ثم حرم في خيبر ((ولا اللقطة من مال معاهد)) المعاهد الذي أعطي العهد والميثاق، وأقر في بلاد المسلمين، فإن هذا لا يحل ماله؛ لأنه معصوم الدم والمال، وقد ضمن له العيش والقرار في بلاد المسلمين على ما يشترط عليه من مال أو غيره ((ولا اللقطة من مال معاهد)) فمال المعاهد مثل مال المسلم له حرمته، ولا يجوز الاعتداء عليه ((إلا أن يستغني عنها)) ما الذي يدري الملتقط أنها لقطة معاهد؟ القرائن التي تدل على ذلك، ومن ذلك كون الحي الذي وجد فيها هذه اللقطة لا يدخلها إلا هذا النوع من الناس، يعني خاص بهذه الفئة من غير المسلمين، مثل هذا يستدل به على أنها لقطة معاهد، أو وجد من العلامات التي تدل على أنها ليست لمسلم ((إلا أن يستغني عنها)) فدلت القرائن على أنه ليس بحاجة عنها؛ لكونها شيئاً لا يلتفت إليه فإنه حينئذٍ يلتقطها واجدها، أحياناً يستغنى عن بعض المتاع فيترك، أنت تريد أن تنتقل من بيت إلى بيت، أو من بلد إلى بلد، أو كنت مسافر، ثم بعد ذلك السيارة ما تحتمل جميع العفش، ثم بعد ذلك فاضلت وتركت بعض العفش؛ لأن السيارة ما تحتمل، وليس في نيتك أن تعود إليه، هذا استغنيت عنه، لكن كيف يستدل الواجد له أنك استغنيت عنه، يعني تركت على الرصيف عندك متاع كثير، وتركت ربع هذا المتاع على الرصيف؛ لأن السيارة لا تستطيع حمله، ولو استأجرت سيارة أخرى تحمل معك لاحتاج من الأجرة أكثر من قيمته، ومثل هذا تلتفت إليه همة أوساط الناس، يعني يستحق قيمة معتبرة، لكن المسألة موازنة بين أرباح وخسائر، الآن لو عندك اشتريت ثلاجة جديدة، وعندك ثلاجة قديمة، استغنيت عن هذه الثلاجة، وهي شغالة تشتغل، لكن أنت اشتريت ثلاجة أنظف
وأجد وأوسع، ثم هذه الثلاجة لما جئت بالسيارة لتحملها إلى أماكن البيع وجدت الأجرة أكثر مما تستحقه من قيمة، أحياناً تأتي بسيارة لتحمل هذه الثلاجة يقول لك: أوديها الحراج بمائة، ثم تطلع بها إلى الحراج ما تجيب لك مائة، فتقول: بدل أن نتْعَب ونُتعِب خلها عند الباب، والذي يمر بالباب ما يدري هل أنت استغنيت أو ما استغنيت؟ هذا إذا كان الإنسان ما وفق لتصرفاته وإلا لو دفعها إلى من يستفيد منها من الجيران، أو من الأقارب، أو من الجمعيات الخيرية لما ضاعت عليه، لكن هو يقول: أنا إن ذهبت بها إلى الحراج لاحتاجت السيارة التي تحملها أكثر من قيمتها، وهذا حاصل، أحياناً يحمل المتاع بأكثر من قيمته، فبعض الناس من أول الأمر ينتبه لهذا، ويجعلها على الرصيف ما يحتاج يوديها ولا يجيبها، يقول: بدل ما نخسر خلها مكانها، هذه استغنى عنها صاحبها، لكن ما الدليل على أنه تركها؟ يحصل مثل هذا كثير، يوجد عند الأبواب من الأثاث والمتاع أحياناً إنسان يجدد أثاثه ثم يرمي الباقي في الشارع، فأنت ما تدري هل رماه مستغنياً عنه، أو رماه ريثما يأتي بسيارة تحمله إلى مكان آخر؟ وإذا نظرت وجدت فيه أشياء يغلب على الظن أنها تأتي بقيمة، فهل مثل هذا يلتقط وإلا ما يلتقط؟ يعني ما يوجد إنسان يغير المتاع وهو نضيف؟ بعض البيوت بيوت الأثرياء سنوياً يغير الأثاث في كل سنة، فيرمى الأول ولو كان جديداً، فأنت إذا مررت وأنت في طريقك على الرصيف دالوب يصلح للكتب من أحسن ما يكون، هل أنت تلبق السيارة وتشيله من غير إذن صاحبه التي ظهر أنه يغلب على الظن أنه استغنى عنه أو تنتظر وتقرع الباب وتقول: هل لكم نظر في هذا الدالوب أو لا؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أفترض أنك قرعت الباب ما وجدت أحد، مسافرين ما هم موجودين، وهذا الدالوب إذا ما أخذته أنت أخذه غيرك.
طالب:. . . . . . . . .
ما تدري أنت، أنت مار في الشارع وجدت هـ الدالوب النظيف، اللي لو تبي تشتريه من السوق أخذ عليك مبلغ.
طالب:. . . . . . . . .
طيب يجي واحد يأخذه ثاني.
طالب:. . . . . . . . .
هو لك أو لأخيك أو للبلدية.
طالب:. . . . . . . . .