الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
مَا ورد عَن الْأَئِمَّة فِي ذمّ الْكَلَام
وَنَذْكُر الْآن مَا ورد عَن الْأَئِمَّة فِي ذمّ الْكَلَام
عَن سُهَيْل بن نعيم قَالَ قَالَ الشَّافِعِي كل من تكلم بِكَلَام فِي الدّين أَو فِي شَيْء من هَذِه الْأَهْوَاء لَيْسَ لَهُ فِيهِ إِمَام مُتَقَدم من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فقد أحدث فِي الْإِسْلَام حَدثا
وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا فِي الْإِسْلَام فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا)
وَيَقُول إيَّاكُمْ وَالنَّظَر فِي الْكَلَام فَإِن رجلا لَو سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فِي الْفِقْه فَأَخْطَأَ فِيهَا أَو سُئِلَ عَن رجل قتل رجلا فَقَالَ دِيَته بَيْضَة كَانَ أَكثر شَيْء أَن يضْحك مِنْهُ وَلَو سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فِي الْكَلَام فَأَخْطَأَ فِيهَا نسب إِلَى الْبِدْعَة
فَهَذَا كَلَام الشَّافِعِي فِي ذمّ الْكَلَام والحث على السّنة وَهُوَ الإِمَام الَّذِي لَا يجارى والفحل الَّذِي لَا يُقَاوم
فَلَو جَازَ الرُّجُوع إِلَيْهِ وَطلب الدّين من طَرِيقه لَكَانَ بالترغيب فِيهِ أولى من الزّجر عَنهُ وبالندب إِلَيْهِ أولى من النَّهْي عَنهُ فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن ينصر مذْهبه فِي الْفُرُوع ثمَّ يرغب عَن طَرِيقَته فِي الْأُصُول
وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يبغض أهل الْأَهْوَاء وَينْهى عَن مجَالِسهمْ أَشد النَّهْي وَيَقُول عَلَيْكُم بالأثر وَإِيَّاكُم وَالْكَلَام فِي ذَات الله
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول أَئِمَّة الْكَلَام زنادقة
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (تَفَكَّرُوا فِي خلق الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله)
وَإِنَّمَا ترد الْبِدْعَة بالأثر لَا ببدعة مثلهَا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الإِمَام الْمُقدم قَالَ
إِنَّمَا يرد على أهل الْبدع بآثار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصَّالِحين فَأَما من رد عَلَيْهِم بالمعقول فقد رد بَاطِلا بباطل
فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة هم المرجوع إِلَيْهِم فِي أَمر الدّين وَبَيَان الشَّرْع وَمن سلك طَرِيقا فِي الْإِسْلَام بعدهمْ فإياهم يتبع وبهم يَقْتَدِي وموافقتهم يتحَرَّى فَلَا يجوز لمُسلم أَن يظنّ بهم ظن السوء وَأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِك عَن جهل وَقلة علم وخبرة فِي الدّين
وَمَا هَذَا إِلَّا من الغل الَّذِي أَمر الله بالاستعاذة مِنْهُ فَقَالَ {وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا}
فَتبين لنا أَن الطَّرِيق عِنْد الْأَئِمَّة الهادية اتِّبَاع السّلف والاقتداء بهم دون الرُّجُوع إِلَى الآراء
وَمن هُنَا قَالَ بَعضهم الْعلم علمَان علم نبوي وَعلم نَظَرِي
وَالْعلم النظري مُحْتَاج إِلَى الْعلم النَّبَوِيّ لِأَن الْعلم النَّبَوِيّ جَاءَ من الله وَهُوَ مقرون بِالصَّوَابِ على كل حَال
وَالْعلم النظري مَا يستنبط وَيجوز أَن يكون صَوَابا وَيجوز أَن يكون خطأ
وَمِثَال ذَلِك مَا قيل المَاء ماآن مَاء نزل من السَّمَاء وَمَاء نبع من الأَرْض
فالماء النَّازِل من السَّمَاء على طعم وَاحِد من اللَّذَّة وَالطّيب وعَلى لون وَاحِد من الصفاء والنقاء وعَلى جَوْهَر وَاحِد من الطَّهَارَة والنظافة كَذَلِك الْعلم النَّازِل من السَّمَاء كالوحي
وَالْمَاء النابع من الأَرْض فعلى أَنْوَاع مِنْهُ صَاف طَاهِر على مُوَافقَة وَحي الله وَمِنْه خَبِيث كدر لمُخَالفَته وَحي الله
وَقَالَ بَعضهم الحَدِيث أصل والرأي فرع وَلَا يجوز أَن يكون الأَصْل وَالْفرع سَوَاء وَلَا حَالهمَا فِي الرُّتْبَة والتقدمة وَاحِدَة
أَلا ترى إِلَى قَوْله صلى الله عليه وسلم لِمعَاذ بن جبل حِين بَعثه إِلَى الْيمن (بِمَ تحكم) قَالَ بِكِتَاب الله قَالَ (فَإِن لم تَجِد) قَالَ بِسنة رَسُول الله قَالَ
(فَإِن لم تَجِد) قَالَ أجتهد رَأْيِي قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله)
فَكَانَ الْمصير إِلَى الحَدِيث بِمَنْزِلَة المَاء فِي الطهارات وَالْقِيَاس والرأي بِمَنْزِلَة التُّرَاب وَإِنَّمَا يُصَار إِلَى التُّرَاب عِنْد عدم المَاء كَذَلِك لَا يُصَار إِلَى الرَّأْي إِلَّا عِنْد عدم الحَدِيث فَكَانَ مثل من آثر الرَّأْي وَالْقِيَاس وقدمهما على الحَدِيث والأثر مثل من يعدل عَن الطَّهَارَة بِالْمَاءِ فِي وَقت السعَة ويؤثر التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ الَّذِي وضع للضَّرُورَة والعدم
وَلَقَد أحسن سعيد بن حميد حِين يَقُول
(فَإنَّك حِين تطرحني لقوم
…
هم عدم وَفِي صور الْوُجُود)
(كمن هُوَ تَارِك مَاء طهُورا
…
وراض بِالتَّيَمُّمِ بالصعيد)
وأنشدوا أَيْضا
(دين النَّبِي مُحَمَّد آثَار
…
نعم المطية للفتى الْأَخْبَار)
(لَا تغفلن عَن الحَدِيث وَأَهله
…
فَالرَّأْي ليل والْحَدِيث نَهَار)
(ولربما غلط الْفَتى سبل الْهدى
…
وَالشَّمْس بازغة لَهَا أنوار)
وأنشدوا أَيْضا
(أهل الْكَلَام وَأهل الرَّأْي قد جهلوا
…
علم الحَدِيث الَّذِي ينجو بِهِ الرجل)
(لَو أَنهم عرفُوا الْآثَار مَا انحرفوا
…
عَنْهَا إِلَى غَيرهَا لكِنهمْ جهلوا)
وأنشدوا أَيْضا
(أهل الْكَلَام دَعونَا من تعسفكم
…
كم تَبْتَغُونَ لدين الله تبديلا)
(مَا أحدث النَّاس فِي أديانهم حَدثا
…
إِلَّا جعلتم لَهُ وَجها وتأويلا)
وَلأبي بكر بن أبي دَاوُد السجسْتانِي
(تمسك بِحَبل الله وَاتبع الْهدى
…
وَلَا تَكُ بدعيا لَعَلَّك تفلح)
(ولذ بِكِتَاب الله وَالسّنَن الَّتِي
…
أَتَت عَن رَسُول الله تنجو وتربح)
(ودع عَنْك آراء الرِّجَال وَقَوْلهمْ
…
فَقَوْل رَسُول الله أزكى وأشرح)
وَأنْشد أَيْضا
(خُذ مَا أَتَاك بِهِ الْأَخْبَار من أثر
…
شبها بشبه وأمثالا بأمثال)
(وَلَا تميلن يَا هَذَا إِلَى بدع
…
تضل أَصْحَابهَا بالقيل والقال)