الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بالكتاب
موضوع الكتاب:
يُعَدُّ هذا الكتاب من كتب الختم، وهي كتب يصنفها الشيخ أو يصليها برسم الانتهاء من إقرائه لكتاب من كتب الحديث أو السيرة أو الفقه أو غيرها من الفنون، ويكون الكلام فيه على فضائل مصنف الكتاب ومناقبه ومآثره، وخصائص كتابه ومزاياه ومنهجه فيه، ويسوق أسانيده إليه، وقد يشرح آخر حديث في الكتاب، ويتكلم عليه سنداً ومتناً. وتعتبر كتب الختم مرجعاً مهمّاً في دراسة مناهج المصنفين؛ إذا يتضمن كثير منها خلاصة الاستقراء لتلك المناهج (1)، ولذلك فلا ينبغي إهمال الرجوع إليها لِكُلِّ مَنْ رَامَ البحث في تراجم العلماء أو مناهجهم في تصانيفهم أو النظر في أسانيد الكتب ومعرفة مدى انتشارها واهتمام الناس بها.
(1) نبّه على هذا شيخنا الدكتور عبد العزيز بن محمَّد العبد اللطيف رحمه الله وتغمده برحمته في مقدمة تحقيقه لكتاب: "بغية الراغب المتمني في ختم النسائي برواية ابن السني"، ص 5.
وقد بدأت العناية بهذا اللّون من التصنيف تبعاً لظهور التصنيف في افتتاح الكتب، أعني كتب الافتتاحيات، وهي كتب يصنفها الشيخ أو يمليها برسم الشروع في إقراء كتاب من الكتب أو تدريسه، فتكون بمثابة المقدمة أو المدخل لذلك الكتاب، ويتناول فيها المصنف ما يتناوله مؤلفو كتب الختم من ترجمة صاحب الكتاب المراد إقراؤه، والكلام على خصائص كتابه ومنهجه فيه، وَسَوْقِ أسانيده إليه، وَعَرْضِ ما قيل في الثناء عليه نظماً ونثراً.
وأوَّل من علِمته صنّف في ذلك الحافظ أبو طاهر السِّلَفِي (ت 576 هـ) حيث أملى مقدمة على كتاب معالم السنن للخطابي (1)، ومقدمة أخرى على كتاب الاستذكار لابن عبد البر القرطبي (2)، ولم يشتهر التصنيف في الختم إلَاّ مع مطلع القرن التاسع الهجري، فالّف في ذلك العلَاّمة ابن الجزري (ت 833 هـ) كتابه: "المصعد
(1) طبعت في آخر كتاب معالم السنن 8/ 138 - 163.
(2)
قمت بتحقيقها على نسختين خطِّيَّتين، وقد نشرف بفضل الله ضمن سلسلة لقاء العشر الأواخر من رمضان، وممن ألف في الافتتاحيات أيضاً الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ) له كتاب:"افتتاح القاري لصحيح البخاري" مخطوط بمكتبة الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف الكويتية برقم: 286/ 1، وللحافظ السيوطي (ت 911 هـ):"رفد القاري بما ينبغي تقديمه عند افتتاح صحيح البخاري" مخطوط بالخزانة العامة بالرباط برقم: 2711 ك، ولمحمد بن المدني بن الغازي بن الحسني الرباطي كتاب:"ثالث افتتاح لأصح الصحاح" مخطوط بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع برقم: 1821 د.
الأحمد في ختم مسند الإِمام أحمد" (1)، وألّف الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ) في ختم البخاري ومسلم (2) والسيرة النبوية لابن هشام (3) والشفا (4).
ثم أتى بعدهما الحافظ محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي فاعتنى بتصنيف كتب الختم عناية كبرى لا نجدها عند غيره من المصنفين، فألّف ثلاثة عشر كتاباً في ذلك، سماها عندما ترجم لنفسه في الضوء اللاّمع، وكذا في الترجمة التي أفردها لنفسه، وفيما يلي أسماء هذه الكتب مرتبة على حروف المعجم (5):
1 -
الِإلمام في ختم السيرة النبوية لابن هشام (6).
(1) ألّفه في مكة المكرمة عند ختمه المسند الإِمام أحمد سنة 828 هـ، وقد طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1347 هـ، ثم قامت بطبعه مكتبة السنة بالقاهرة سنة 1410 هـ اعتماداً على طبعة مطبعة السعادة.
(2)
ذكرهما ضمن مؤلفات ابن ناصر الدين: السخاوي في الضوء اللامع 8/ 104.
(3)
طبع بعنوان: "مجلس في ختم السيرة النبوية بتحقيق: إبراهيم صالح عن دار البشائر بدمشق عام 1419 هـ.
(4)
له نسخة خطية بمكتبة أورشليم، وعنها مصورة بمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض.
(5)
انظر: الضوء اللامع 8/ 18، وإرشاد المناوي بل إسعاد الراوي بترجمة السخاوي ل 80/ أ- 81/ أ (مخطوط).
(6)
يوجد مخطوطاً بدار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع برقم: 6662، في خمس ورقات، نسخ بخط محمد بن أحمد بن محمَّد الشلبي الحنفي في =
2 -
الانتهاض في ختم الشفا لعياض (1).
3 -
بذل المجهود في ختم سنن أبي داود (2).
4 -
بغية الراغب المتمني في ختم النسائي رواية ابن السني (3)
5 -
الجوهرة المزهرة في ختم التذكرة للقرطبي.
6 -
رفع الِإلباس في ختم السيرة لابن سيد الناس.
7 -
الرياض في ختم الشفا لعياض (4).
8 -
عجالة الضرورة والحاجة عند ختم السنن لابن ماجه (5).
9 -
عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع (6).
= شوال سنة 1044 هـ، وله مصورة بقسم المخطوطات بالجامعة الِإسلامية بالمدينة المنورة، ويعمل على تحقيقه الأخ الباحث الأستاذ أنس بن الحسن وكاك من المغرب.
(1)
وهو هذا الختم الذي بين أيدينا.
(2)
انتهيت من تحقيقه على نسختين خطيتين، وسيطبع قريباً بإذن الله تعالى.
(3)
طبع بتحقيق شيخنا الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف رحمه الله عام 1414 هـ بمكتبة العبيكان بالرياض.
(4)
منه نسخة باليمن، وأخرى بخزانة الشيخ عارف حكمت بالمدينة ضمن مجموع برقم: 308، يسَّر الله لي تحقيقه ونشره.
(5)
مخطوط بدار الكتب المصرية.
(6)
طبع بتحقيق علي العمران اعتماداً على نسخة دار الكتب المصرية، وهي بخط تلميذ المؤلف القسطلاني ونشرفه دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، ثم نشر مؤخراً بتحقيق د. مبارك الهاجري الكويتي في مجلة كلية الشريعة التي تصدر عن جامعة الكويت/ السنة: 16 العدد: 44 ذو الحجة 1421 هـ - مارس 2001 م، اعتماداً على نسختين: النسخة المشار إليها، ونسخة مكتبة =
1 -
غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج (1).
11 -
القول المرتقي في ختم دلائل النبوة للبيهقي.
12 -
القول المعتبر في ختم النسائي رواية ابن الأحمر (2).
13 -
اللّفظ النافع في ختم كتاب الترمذي الجامع (3).
وقد اهتم السخاوي بإقراء ختومه وإسماعها للطلبة لا سيَّما كتابه في ختم الشفا، يقول في ترجمة أحمد بن محمَّد بن إبراهيم المعروف بابن ظهيرة:"سمع عليَّ الشفا ومؤلَّفي في ختمه، وحضر علي قبل ذلك أشياء"(4)، وقال في ترجمة محمَّد بن محمَّد بن إبراهيم المعروف بابن ظهيرة المكي:"قرأ علي الشفا بمكة ومؤلَّفي في ختمه وسمع قبل ذلك وبعده مني وعلي أشياء"(5).
= تشستربيتي بإرلندا وهي بخط البلبيسي، وهو أيضاً تلميذ للمؤلف، وفاته هو والذي قبله اعتماد نسخة أخرى مهمة محفوظة بخزانة الشيخ عارف حكمت ضمن مجموع برقم:308.
(1)
طبع بتحقيق نظر الفاريابي ونشرفه مكتبة الكوثر بالرياض، اعتماداً على نسخة سقيمة محفوظة بمكتبة الحرم المكي، وفاته اعتماد نسختين مهمتين أولاهما: محفوظة بخزانة الشيخ عارف حكمت ضمن مجموع برقم: 358، والثانية: محفوظة بدار الكتب المصرية برقم: 2569 حديث، وكتب عنوان هذه النسخة بخط المؤلف.
(2)
نشرته دار ابن حزم ببيروت بتحقيق جاسم المري.
(3)
مخطوط بدار الكتب المصرية.
(4)
إرشاد الغاوي ل 184/ ب (مخطوط).
(5)
المصدر السابق ل/ 217/ أ.
وَرَافَقَ مجالس ختمه للبخاري احتشاد واهتمام من طرف الولاة والأعيان حيث لم يكن يتخلف منهم أحد عن الحضور في مجلس الختم، بل كانوا يوزعون العطايا والهبات على الطلبة والحاضرين، يقول السخاوي:"وكان لبعض ختوم ذلك أوقات حافلة، وأما بالمدينة فختم في يوم جمعة بالروضة النبوية: البخاري ومسند الشافعي ودلائل النبوة والقول البديع وغيرها، ولم يتخلف عنه كبير أحد، وأنشدت قصائد مبتكرة لغير واحد ذكرتها في محلها، وخلع الخواجا الشمسي ابن الزمن على القراء والمادحين، جوزي خيراً ونرجو القبول والمغفرة"(1).
ويقول في ترجمة أحمد بن عبد الرحيم بن محمود العيني القاهري أحد الوجهاء والمقدمين في مصر: "سار على سيرة أكابر الملوك في الِإنعام والمماليك خصوصاً، فإنه فعل من المعروف والِإحسان شيئاً كثيراً، وعُقِدَ عنده مجلس الحديث فما تخلف كبير أحد عن حضور مجلسه، وصار يعطيهم الصُّرَرَ عند الختم والخلع وغير ذلك
…
" (2).
ويبدو أن الاهتمام بمجالس الختم قد استمر على نفس هذه الوتيرة في العصور التالية، بل ربما قد أولي عناية أكبر، فهذا العلَاّمة أبو سالم العياشي (ت 1090 هـ) يصف مجلس ختم كتاب الشفا على شيخه أبي مهدي عيسى الثعالبي أثناء مقامه بمكة فيقول: "وسمعت من لفظه نحو النصف من كتاب الشفا للقاضي عياض رواية ودراية يقرره
(1) إرشاد الغاوي ل 65/ أ.
(2)
طبقات الحنفية ص 27 (مخطوط بالمكتبة الأحمدية بحلب).
أحسن تقرير، ويبين مقاصده، ويطالع عليه شرح شيخنا شهاب الدين الخفاجي، وكنت أمسكه عليه في حال التقرير وأسرد له المحتاج منه، ويحضر مجلسه فيه غالب النجباء من متفقهي أهل مكة، وكان يوم ختمه يومًا مشهودًا حضره أكابر الفقهاء وأديرت فيه كؤوس الأشربة الحلوة، وأطلقت فيه أنواع البخور والروائح الطيبة، وهذه أنهى تكرمة عند أهل ذلك القطر" (1).
ومما ينبغي التنبيه عليه بخصوص المؤلفات في الختم أن السخاوي قد شَهَر هذا اللون من التصنيف، فَسَارَ على منواله في ذلك الجم الغفير من أهل العلم، وممن ألّف في ذلك من أهل عصره العلَاّمة القسطلاني (ت 926 هـ فله كتاب:"تحفة السّامع والقاري بختم صحيح البخاري"(2)، وبعده ألّف العلَاّمة المحدث محمَّد علي بن علاّن الصديقي المكي (ت 1057 هـ) كتاب:"الوجه الصّبيح في ختم الصحيح"(3)، وكتاب:"الابتهاج في ختم المنهاج"(4)؛ أي المنهاج بشرح صحيح مسلم للنووي، وهو من المختصرات المعتمدة في فقه الشافعية.
(1) ماء الموائد أو الرحلة العياشية 2/ 176.
(2)
ذكره له السخاوي في الضوء اللامع 2/ 104، وانظر نسخه الخطية في الفهرس الشامل للتراث العربي الِإسلامي المخطوط (الحديث النبوي الشريف وعلومه ورجاله) 1/ 341.
(3)
انظر: هدية العارفين لِإسماعيل باشا 2/ 525.
(4)
انظر المصدر السابق.
وأشهر من اعتنى بتأليف كتب الختم بعد عصر السخاوي العلَاّمة المحدث عبد الله بن سالم البصري (ت 1134 هـ) فله ختوم على الموطأ وصحيح البخاري، وجامع الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه (1)، وبعده ألّف العلَاّمة أبو الفضل محمَّد تاج الدين بن عبد المحسن بن سالم القلعي (ت 1149 هـ)"منتخب الدراري في ختم صحيح البخاري"، وختم صحيح مسلم (2)، وعموماً فإن المتأخرين قد أكثروا من التأليف في الختم بحيث يضيق المجال هنا بحصر تصانيفهم في ذلك.
هذا ما حضرني عن كتب الختم ومدى اهتمام العلماء بالتصنيف فيها.
أما عن هذا الكتاب الذي بين أيدينا فهو مجلس في ختم كتاب الشفا للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السّبتي (ت 544 هـ)(3).
وكتاب الشفا من التصانيف البهية في السيرة المحمدية، وهو كتاب مشهور، وبالمحاسن مذكور، أبدع فيه مؤلفه كل الِإبدل، وَسَلَّمَ كَفَاءَتَه فيه جُلّ الأتباع، وكتب له القبول فطارت نسخة شرقاً وغرباً،
(1) لهذه الختوم نسخة بمكتبة الحرم المكي ضمن مجموع. برقم: 3808 فلم: 260 - 264، ولختم الموطأ والترمذي وابن ماجه نسخة أخرى بخزانة المحمودية بالمدينة ضمن مجموع برقم:2600.
(2)
كلاهما مخطوط بمكتبة الحرم المكي ضمن مجموع برقم: 3808.
(3)
تحدثت عن مضامين هذا الختم وقيمته العلمية في المقدمة فأغنى عن إعادته هنا.
بُعداً وقرباً (1)، وأثنوا عليه نثراً ونظماً، وتكلّموا عليه إيضاحاً وفهماً.
وربما انتقد في بعضه، كانتقاد الحافظ الذهبي (ت 748 هـ) له في إيراده للأحاديث الضعيفة والواهية في كتابه، وذكره لبعض التأويلات البعيدة، فإنّه قال في كتابه سير أعلام النبلاء: "تواليفه نفيسة، وأجلّها وأشرفها كتاب الشفا لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عَمَلَ إِمَامٍ لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بشفائه وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلوات الله عليه وسلامه غَنِيٌّ بمدحة التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات، فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب دلائل النبوة
(1) كتب الله لكتاب الشفا القبول، فأخذه عن مؤلفه جم غفير من تلاميذه، فذاع وانتشر، وصار أحد الكتب المعتمدة في حلقات الدرس بالمغرب والمشرق، واستكثر الناسخ من نسخه، واليوم نجد نسخه المخطوطة متوافرة في معظم الخزائن والمكتبات. لا سيما الخزائن المغربية، فنسخه المحفوظة بها تعد بالمئات، ثم إنه من أوائل الكتب التي حظيت بالطاعة فقد طبع بالأستانة بتركيا على الحجر عام 1264 هـ، ثم طبع بعد ذلك مراراً بالمغرب ومصر والهند وغيرها من البلدان تارة مجرداً، وتارة مع شرح من شروحه الكثيرة.
(انظر حول مخطوطاته وطبعاته البحث الحافل لأستاذنا العلَاّمة الفقيه محمَّد بن عبد اللهادي المنوني حول رواة الشفا ورواياته ومخطوطاته الأصيلة ضمن كتابه: قبس من عطاء المخطوط المغربي 1/ 159 - 175، 206 - 208).
للبيهقي، فإنه شفاء لما في الصدور، وهدى ونور" (1).
وقد علَّق الحافظ السخاوي على كلام الذهبي هذا قائلاً: "وهو مَاشٍ في الِإنكار على طريقته، بل قد أدخل أبا القاسم الطبراني وغيره من أئمة النقد والحفظ في ميزانه المعقود لمن تكلم فيه لكونهم يروون الموضوعات ونحوها بأسانيدهم ساكتين عنها، ولكن كان يمكنه التعبير هنا بألين من هذه العبارة؛ لأنه لا يخفى عليه ولا على غيره من أئمة الإِسلام المتأخرين عن القاضي عياض جلالته سيَّما في الحديث بحيث اعتمده جمهور من جاء بعده كما صنعه بعض من وافقه على التعرض للقدح في بعض أحاديثه مع التحامي عن تدوينه اعترافاً بحقه وصوناً لهذا الكتاب البديع، في الجناب الرفيع، عن تنقيصه وتوهينه.
فقال البرهان الشارح مع كونه ممن تعرض لشيء من ذلك، كما صرّح به في خطبة كتابه حيث قال: وقد تكلمت على بعض أحاديث فيه، وعلى الجملة في ذكره إياها من مكان، وقد يكون في الكتب الستة أو بعضها ما نصه، وقد بلغني عن شيخنا حافظ الوقت الزين العراقي أنه أراد أن يعزو أحاديثه ويتكلم عليها ثم رجع عن ذلك، قلت معللاً لرجوعه بقوله (2): هذا كتاب قد تلقي بالقبول فلا أحب التعرض له حكاه لنا شيخنا رحمه الله، وهو ممن كان أيضاً يقول: أيعجب من القاضي مع جلالته في إيراد أسانيده في كثير من الأحاديث التي ينقلها عن مشهور الكذب ويترك إفادتنا تعيين المكان الذي نقل منه ما لا نعرفه إلَاّ منه.
(1) السير 20/ 216.
(2)
كذا في الأصل.
والذي عندي في الجواب عن القاضي رحمه الله أن توجهه لهذا الأسلوب الرائق، والمطلوب الفائق، الذي يلتذ به السامع، وتصير حواسه كلها لطربه به مسامع، والأجوبة الحسنة المتضمنة للمثوبة البينة، وكون القصد المشي في الطريق الذي لم نر من سار فيه كسيره منه من التشاغل بتمييز الصحيح من غيره؛ سيَّما وهي في الفضائل المتسامح فيها بين الأوائل، وإن فقد في بعضها بعض الشروط، كما هو مقرر مضبوط، فكان القاضي لا يتقيد به، هذا مع أنه قد قال في أثناء كتابه أنه اقتصر في كثير من الأحاديث وغريبها على ما صحّ واشتهر، لا يسأل من غريبه مما ذكره مشاهير الأئمة، وحذفنا الإِسناد في جمهوره طلباً للاختصار، بل يتكلم في الأمور الضرورية غالباً".
ثم ذكر السخاوي نماذج من كلام القاضي عياض على بعض أحاديث الشفا، ثم قال: "وهو شاهد لما اعتذرت به عنه من كونه لا يسكت عن الضروري بخلاف غيره من الفضائل ونحوها، فكلامه مشعر به، ولذا مشى عليه خاصة في شفائه، وأما ما قاله الذهبي في التأويلات (1)، فالقاضي رحمه الله يحكي الأقوال ويرجح ويختار
…
" (2)، إلى آخر كلامه رحمه الله.
وفيما ذكره السخاوي رحمه الله مواضع تحتاج إلى توضيح وتعليق، لكن الذي ينبغي التنبيه عليه هنا هو أن المآخذ على كتاب
(1) مما أخذ عليه الغلو في مسألة العصمة. (انظر: أزهار الرياض 5/ 9، 10، ومجموع الفتاوى 4/ 319، 15/ 148).
(2)
الرياض في ختم الشفا لعياض ل/8 ب- 9/ أ (مخطوط).