المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الصيام في الأصل في لغة العرب: أطلقوه على الإمساك هذه - شرح زاد المستقنع - عبد الكريم الخضير - جـ ١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: الصيام في الأصل في لغة العرب: أطلقوه على الإمساك هذه

الصيام في الأصل في لغة العرب: أطلقوه على الإمساك هذه حقيقته اللغوية، الصيام في اللغة: الإمساك، هذا من حيث الحقيقة اللغوية، ونعرف أن الحقائق اللغوية لها ارتباط وثيق بالحقائق الشرعية، وليس معنى اختلاف أو ذكر الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية أن الحقائق الشرعية نقلت اللفظ من إطلاق إلى آخر، ولا ارتباط بينهما، بل الذي يقرره أهل التحقيق من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الحقائق الشرعية هي في الأصل اللغوية، لكن الشرع يزيد عليها قيود، يزيد عليها بعض القيود؛ فالعرب قالوا، أو عرفوا الصيام بأنه الإمساك، وترك التنقل من حال إلى حال، فيقال للصمت صوم؛ لأنه إمساك عن الكلام كما قال تعالى مخبراً عن مريم عليها السلام، {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [(26) سورة مريم]، ما الدليل على أن المراد بالصوم هنا الإمساك؟ قولها:{فلن} ، نعم تكملة الآية، {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم]، أي سكوتاً عن الكلام، ومنه قول النابغة:

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

أي خيل ثابتة ممسكة عن الجري، وأخرى جارية.

والصيام في الشرع: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع يعني عن المفطرات، بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وعرف أيضاً بأنه: التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

واشتراط النية في النية في الصيام وإدخالها في الحد هو معنى التعبد لله سبحانه وتعالى، يعني نية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة.

‌حكم الصيام:

ص: 3

وحكم الصيام ركن من أركان الإسلام إجماعاً، دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]، وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) [متفق عليه]. وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بني الإسلام على خمسة)) هناك: ((بني الإسلام على خمس)) أي دعائم، وهنا:((بني الإسلام على خمسة)) أي أركان، وإذا حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث على حد سواء، كما في قوله عليه الصلاة والسلام:((من صام رمضان، وأتبعه ستاً)) وإلا فالأصل ستة، وهي أيام.

((بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج)) فقال رجل لابن عمر: "الحج وصيام رمضان؟ " -يعني كما في الرواية السابقة-، في الرواية السابقة قدم الحج، ((والحج، وصوم رمضان)) وفي الرواية اللاحقة: ((صيام رمضان، والحج)) فاستشكل رجل فقال: "الحج وصيام رمضان"، يرد بذلك على ابن عمر، قال:"لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

اللفظ الأول الذي فيه تقديم الحج على الصيام متفق عليه، فكيف يقول ابن عمر: لا، يعني لا تقل مثل هذا الكلام، صيام رمضان والحج، ثم بين أن ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في إنكار ابن عمر رضي الله عنهما على الرجل الذي قدم الحج، مع أن ابن عمر رواه كذلك.

ص: 4

يقول النووي في شرح مسلم: "الأظهر -والله أعلم- أنه يحتمل أن بن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بتقديم الحج، ومرة بتقديم الصوم، فرواه أيضاً على الوجهين في وقتين" يعني رواه مرة في وقت بتقديم الحج، ومرة أخرى في وقت آخر بتقديم الصوم، فلما رد عليه الرجل، وقدم الحج قال ابن عمر:"لا ترد علي ما لا علم لك به، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر، ويحتمل أن ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين كما ذكر، ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي ذكره فأنكره.

وعلى كل حال الصوم والحج ركنان من أركان الإسلام اتفاقاً، وكون الحج يقدم على الصوم، أو الصوم يقدم على الحج لا يقلل من شأن الآخر، المؤخر.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- اعتمد على الرواية التي فيها تقديم الحج على الصوم، وبنى عليها ترتيب كتابه، فقدم الحج على الصيام في كتابه، ولعل ذلك لما ورد من التشديد في ترك الحج مما هو أكثر من التشديد في ترك الصيام، من الأحاديث المرفوعة والموقوفة؛ إضافة إلى قوله تعالى:{وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران]، وهذا في إيش؟ في الحج.

وأجمع العلماء على وجوب الصيام، وأنه ركن من أركان الإسلام، وعلى كفر من جحد وجوبه، واختلفوا في تكفير من تركه مع اعترافه بوجوبه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى في كتاب الإيمان: "وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، يعني ولو وقر الإيمان في قلبه، لكنه لم يتمكن من النطق بالشهادتين"، هذا يصدق عليه أنه لم يأت بالشهادتين، فالنطق بالشهادتين لا بد منه لصحة الإيمان، لكن إذا وقر الإيمان في قلبه، ومنعه من النطق بهما مانع إن كان المانع خِلقي، أبكم، فلا يؤثر، وإن كان المانع غير ذلك لضيق الوقت وشبهه، فإن هذا مؤثر، لا يحكم بإسلامه حتى ينطق، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، لكنه في الدنيا ما لم ينطق فإنه يعامل معاملة الكفار:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) حتى ينطقوا.

ص: 5