المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما الحكمة من مشروعية الصيام - شرح زاد المستقنع - عبد الكريم الخضير - جـ ١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ما الحكمة من مشروعية الصيام

أقول: الصلاة عبادة بدنية محضة، وما يجب لها مما يحتاج إلى المال مما يحتاج إلى المال، كماء الوضوء مثلاً، قد لا يجد ماء يتوضأ به، يمر البقالة ويشتري بريالين ماء، أو بريال ما يكفيه، لماذا لا نقول الصلاة عبادة مالية؟ لا، نقول: المال ثبت تعباً وليس مقصوداً لذاته، احتاج أن يركب ليؤدي الصلاة بأجرة، هذا المال ثبت تبعاً لا استقلالاً، وليس داخلاً في صلب العبادة، والزكاة مالية محضة، وما يحتاج، أو ما تحتاج إليه من عمل بدني، كإحصاء المال وحسابه ونقله إلى الفقراء، فهو تابع وليس داخلاً في صلب العبادة، لا شك أن الزكاة تحتاج إلى البدن، لكن الأصل فيها المال، يحتاج إلى نقلها إلى الفقراء، يحتاج إلى حسابات، وقيود، مما يقوم به البدن، لكنه تابع على ما ذكرنا، وليس داخلاً في صلب العبادة.

والحج مركب من مال وبدن، والجهاد مثله.

الحج مركب لماذا لا نقول: إن الحج الأصل فيه البدن والمال تبع؟ نقول: الحج المال يشكل جزء كبير منه، ليس المسألة انتقال من مكان إلى مكان قريب يكون تبعاً، الحج فيه جزاءات مالية أيضاً، وفيه الاستطاعة بالمال، والزاد والراحلة، فنصيب المال كبير، وذكرنا أن لشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- رسالة في تنوع العبادات، يحسن ويجدر بطالب العلم الاطلاع عليها كغيرها من كتبه ورسائله رحمه الله.

‌ما الحكمة من مشروعية الصيام

؟

ص: 11

أشار الله سبحانه وتعالى في خاتمة الآية، آية فريضة الصيام التي سبق ذكرها، أشار في آخرها إلى التقوى فقال تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]، وأشار بهذا إلى أعظم حكم الصيام، ليس المقصود من الصيام تعذيب النفس، إنما المقصود من الصيام ما يجر إليه ويؤول إليه من التقوى، فالصيام خير معين على التقوى؛ لأنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته المباحة الميسورة؛ امتثالاً لأمره سبحانه واحتساباً لثوابه، وتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة، والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتنشط نفسه على النهوض بالطاعات، ويصبر عليها، والتقوى هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، كم من شخص جره صيامه إلى ترك المنكرات، والازدياد من الطاعات؛ لأن الذي اعتاد مزاولة بعض المنكرات وصعب عليه تركها لا شك أن الحد من هذا الجموح بالصيام هذه المدة الطويلة النهار كله، والشهر كامل، يسهِّل عليه ترك المعصية، فالمدخن مثلاً هو بين خيارين، إما أن يضحي بركن من أركان الإسلام، أو يضحي بالدخان، والمسألة مفترضة في مسلم، لا شك أنه سوف يصوم، وسوف يتعب في الأيام الأولى، ثم يسهل عليه ترك الدخان، وكم من شخص ترك الدخان بسبب الصيام، فلا شك أن الصيام يجر إلى التقوى، ولذا ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، وهذه هي أعظم حِكَم الصيام. وعرفنا أن التقوى هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وأصلها التوقي مما يكره من الوقاية، فالمتقي هو الذي يجعل بينه وبين عذاب الله –سبحانه وتعالى وقاية، وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورحمه وإيانا وجميع المسلمين- من كبار المتقين، لكن ما يمنع أن يختبر غيره؟ أو ليعرف الحد؛ لأنه قد يوجد عند المفضول ما قد يخفى عن الفاضل، عمر رضي الله عنه يجتنب النواهي ويفعل الأوامر، لا يمنع أن يظن أن عند أبي قدر زائد على هذا، لكن أبياً أجابه بالمثال، وبالمثال يتضح المقال، فقال له:"أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى".

ص: 12

يعني على الإنسان، على المسلم أن يشمر ويجد ويجتهد في طاعة ربه، والوصول إلى مرضاته وجناته بفعل جميع ما أمر به، دون خيرة ولا تردد، وترك جميع ما نهي عنه.

يقول القرطبي في تفسيره: التقوى فيها جماع الخير، وهي وصية الله للأولين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان، وهي خير ما يستفيده الإنسان، كما قال أبو الدرداء، وقد قيل له: إن أصحابك يقولون الشعر، وأنت ما حفظ عنك شيء فقال:

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي

وتقوى الله أفضل ما استفادا

وفي هذا إشارة إلى تصحيح القصد بهذه العبادة، فمن لم يصم بنية صالحة، ويقصد بصيامه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فإنه لا ترجى له هذه الملكة، التقوى، فليس الصيام في الإسلام من أجل تعذيب النفس، بل لتربيتها وتزكيتها، المقصود من الصيام الشرعي غير ما يفعله أهل الرياضات من المتصوفة الضلَاّل.

الفارابي في آخر عمره لزم الصيام، صار صواماً، في آخر عمره، لكن هذا الصيام جره إلى التقوى؟ لا والله، لماذا؟ لأنه يفطر على الخمر المعتَّق، وأفئدة الحُمْلان، قلوب الخراف الصغيرة، فمثل هذا الصيام يجر إلى التقوى؟ لا، كيف يرجو أن يصل إلى هذه المرتبة من يفطر على المعصية، ويوجد بين المسلمين -مع الأسف الشديد- من يفطر على ما حرم الله.

أحمد أمين في أيامه التي سطر فيها حياته، كتاب له اسمه (حياتي) قال: إنه درسهم في مدرسة القضاء الشرعي شيخ وصفه بأنه جليل، صار بينه وبينه ارتباط، ثم إنه فجأة فقده عشر سنين لا يدري أين ذهب، فقدر له أن سافر إلى تركيا فوجده، فوجده قد ترهب واعتزل الناس، فصار صواماً قواماً، لكن ما نوع هذا الصيام؟ يصوم من بعد طلوع الشمس إلى الليل، سأله لماذا لا تصوم الصيام الشرعي من طلوع الفجر؟ قال: تحته، في الشقة الذي تحته عائلة ما أدري قال يهودية أو نصرانية، فيخشى أن يشوش عليهم إذا قام في آخر الليل يجهز السحور وكذا.

ص: 13

أي صيام هذا؟ هل مثل هذا الصيام يجر إلى التقوى؟ لا والله، الصيام الذي يتعبد به بنية خالصة على وفق ما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ولذا قالوا: في هذا إشارة إلى تصحيح القصد بهذه العبادة، فمن لم يصم بنية صالحة ويقصد بصيامه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فإنه لا ترجى له هذه الملكة، لن يصل إلى التقوى من خلال الصيام الذي لا يقصد به التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فليس الصيام في الإسلام من أجل تعذيب النفس بل لتربيتها وتزكيتها، والصيام أيضاً ينمي لدى الصائم ملكة المراقبة؛ فالصائم يمتنع عن ملاذ الدنيا وشهواتها، وما يمنعه من ذلك سوى اطلاع الله سبحانه وتعالى عليه، ومراقبته له، هذا الذي يمنع، وإلا إذا خلا في غرفته الخاصة التي يوجد فيها ما يستطيع أن يتناوله من غير اطلاع أحد عليه، وقد تكون معه في الفراش زوجته، حديث العهد بها، فيتركها لوجه الله سبحانه وتعالى، فلا شك أن ترك مثل هذه الأمور دليل على مراقبة الله سبحانه وتعالى، ولا جرم أنه يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل، ملكة المراقبة لله تعالى، والحياء منه سبحانه أن يراه حيث نهاه، وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمه وتقديسه أكبر معد للنفوس، ومؤهل لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا ولسعادتها في الآخرة، المراقبة منزلة من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وهي الإحسان التي سئل عنها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل.

المراقبة كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مدارج السالكين: "دوام علم العبد، وتيقنه أو دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين والغافل عن هذا بمعزل".

ص: 14

من أدلتها قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [(235) سورة البقرة]، قال تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا} [(52) سورة الأحزاب]، وقال تعالى:{وهو مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [(4) سورة الحديد]، وقال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [(14) سورة العلق]، وقال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [(19) سورة غافر]، إلى غير ذلك من الآيات؛ فالذي يكون بحضرة الناس، وتمر أمامه الفاتنة التي استشرفها الشيطان ويسارقها النظر قد يخفى على من بجواره، لكن لا يخفى على الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإحسان فقال له: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، والمراقبة كما قال ابن القيم أيضاً:"هي التعبد بأسماء الله سبحانه وتعالى، الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها، حصلت له المراقبة".

وهذه من أعظم فوائد معرفة الأسماء الحسنى، كثير من الناس لا يعتني بهذا الشأن وهذا الباب، بل معرفة الأسماء الحسنى ومعانيها وما تدل عليه من أولى ما يعتني به طالب العلم؛ لأن لها مدلولات، وصنفت فيها المنصفات في معانيها، وشرحها العلامة ابن القيم في نونيته شرحاً جميلاً مناسباً، فمن حفظ ما يتعلق بها أدرك شيئاً من ذلك، ويرجى له أن يدخل في حديث:((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة)). فالمراقبة من آثار معرفة هذه الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى.

ومن حكم الصيام: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة، والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر، والحلم، والجود، والكرم، ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.

ص: 15

ومن ذلك أن العبد يعرف نفسه، ويعرف حاجته وضعفه وفقره لربه، ويتذكر بذلك عظيم نعم الله عليه، ويذكره ذلك أيضاً حاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله سبحانه وتعالى والاستعانة بنعمه على طاعته، يعني إذا حرمت الشراب وأنت بحاجته في الأيام الشديدة الحر، تتذكر أن هذا الشراب نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، فإذا انتهى الشهر وفرحت بفطرك تتذكر أن لك رباً حرمك من هذه النعمة لفائدة، حرمك من تناول الشراب والطعام لتشكره على هذه النعم، تعرف قدر هذه النعم، إذا أتيح لك استعمالها، وتعرف أن لك إخواناً لا يستطيعون الحصول لها سائر العام، فضلاً عن رمضان، فتتذكر بذلك النعم ويحملك ذلك على الشكر، ومواساة إخوانك الفقراء، والإحسان إليهم، فإن الإنسان عندما يجوع يتذكر من لا يجد قوتاً فيحمله ذلك التذكر على الرأفة والرحمة الداعيتين إلى البذل والصدقة، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه رءوف رحيم، ويرتضي لعباده المؤمنين ما ارتضاه لنبيه عليه الصلاة والسلام، ولذلك أمرهم بالتأسي به، ووصفهم بقوله:{رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [(29) سورة الفتح]، وكان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كما جاء في الحديث الصحيح.

من فوائد الصيام: التذكير بقول الله سبحانه وتعالى، أو التذكير بعدل الله سبحانه وتعالى، ومساواته بين خلقه.

من فوائد الصيام وهي فائدة جليلة ينبغي التنبه لها: التذكير بعدل الله سبحانه وتعالى، ومساواته بين خلقه، حيث جعل هذا الركن فرضاً على جميع المسلمين غنيهم وفقيرهم، ملوكهم وسوقتهم، وبذلك يتذكر الملوك العدل الذي فرض عليهم إقامته بين رعاياهم.

ص: 16

الله سبحانه وتعالى حكم عدل، ساوى بين الناس في التشريع العام، نعم فضل بعضهم على بعض، من أجل الامتحان، هل يشكر المفضَل، هل يصبر المفضول للمفضل عليه؟ لكن بالنسبة للتشريع العام الذي يشترك فيه الناس كلهم الناس سواسية، لا يقال: الملك يمكن أن يعفى عن هذا الركن، أو يعفى من هذا الركن وهو قادر مستطيع، لا، المسكين بدل ما يصوم شهر يصوم شهرين، لا، الناس سواسية في التشريع العام، هذا يجب عليه خمس صلوات، وهذاك يجب عليه كذلك، وذاك يجب عليه خمس صلوات، الغني والفقير، الرئيس والمرؤوس، الحمال والزبال يشترك في ذلك مع أعظم ملك في الدنيا.

بهذا العدل من الله سبحانه وتعالى يتذكر الملوك العدل الذي فرض عليهم إقامته بين رعاياهم.

ومن ذلك يعني من فوائد الصيام أنه وجاء للصائم، ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشهوة، ويقوى سلطان الإيمان، ولذلك وجه من لا يجد القدرة على النكاح إلى الصيام، فقال عليه الصلاة والسلام:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).

الصوم أيضاً له فوائد صحية؛ ذلكم أنه يقضي على المواد المترسبة في البدن، لا سيما أبدان المترفين، أولي النهم في الأكل، قليلي العمل، فإنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويذيب الشحوم، أو يحول دون كثرتها في الجوف، وهي شديدة الخطر على القلب، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء، وعالجوا به كثيراً من الأمراض.

لا شك أن فائدة الصيام من الناحية الصحية ظاهرة، ويوصى كثير من المرضى بالحمية، بترك الأكل والشرب، لكن من نصح بترك الأكل والشرب قيل له: لا بد من الحمية، فقال: بدلاً من أن أحتمي أصوم، والناهز له والباعث له على هذا الصيام الحمية، يؤجر وإلا ما يؤجر؟ نقول: هذا تشريك في العبادة، لكنه تشريك بمباح.

ص: 17

نعم لا شك أن الذي ينهزه إلى الصيام الرغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى أكمل وأفضل، لكن الذي نصح بالحمية نصحه الطبيب أن لا يكثر الأكل، قال، كما يقول العوام حج وقضينا حاجة، نحتمي وأصوم، أحصل الأجر، وأحصل الصحة، نقول: هذا تشريك في العبادة، لكنه تشريك بمباح، وهو جائز.

ومسألة التشريك في العبادة تحتاج إلى شيء من التفصيل والبسط والتمثيل والتنظير، تشريك عبادة بعبادة له حكم، تشريك عبادة بمباح له حكم، تشريح عبادة بمحرم له حكم.

الشخص الذي أمر بكثرة المشي فقال: بدلاً من أن أجوب الأسواق طولاً وعرضاً أطوف، أحصل على ما أريد، وأحصل على الأجر أجر الطواف، نقول: يؤجر على طوافه؛ لأنه ما عدل من هذا إلى ذاك إلا طلباً للثواب، وما عدل عن الحمية وترك الطعام والشراب من غير صيام إلى الصيام إلا قاصداً بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، نعم أجره أقل.

الإمام إذا أطال الركوع من أجل الداخل تشريك في العبادة، إطالة الركوع كان الإمام ناوي أن يسبح سبع مرات، سمع الباب فتح فقال في نفسه: لعل هذا يدرك هذه الركعة، فسبح عشر مرات من أجل الداخل، الجمهور على أنه لا بأس بذلك، وهو من باب الإحسان إلى أخيه، وإن أدخله المالكية في الممنوع، في الممنوع؛ لأنه أطال الصلاة من أجل فلان، فيدخل في الممنوع، لكن إذا جاز تقصير الصلاة من أجل بكاء الطفل من أجل أمه، فإنه يجوز تطويلها نعم مع عدم طروء الرياء من أجل الإحسان إلى هذا الداخل من باب أولى، والرسول عليه الصلاة والسلام يدخل في الصلاة يريد إطالتها، فإذا سمع بكاء الصبي خفف، رأفة به وبأمه، عليه الصلاة والسلام، وهذا فعله وهو المعصوم، المشرع.

على كل حال هذه مسألة لها بحث آخر ولها فروع وتفاصيل ومسألة جديرة بالعناية.

ما يروى عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: "صوموا تصحوا" هذا رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب، حديث ضعيف جداً، لا يثبت عنه عليه الصلاة والسلام وإن كان معناه صحيحاً.

كذلك ما يروى عنه عليه الصلاة والسلام مرفوعاً: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء" لا أصل له، وهو في الموضوعات، وإنما هو من قول الحارث بن كلدة طبيب العرب.

ص: 18

هنا مسألة يسأل عنها كثيراً وهي البشارة بشهر رمضان.

روى ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، وهذه الكلمة يستعملها ابن خزيمة كثيراً، يستعملها ابن خزيمة كثيراً، مما لا يتأكد من صحته، أو مما في سنده ضعف، يقول: إن صح الخبر، ثم ساق بسنده عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: ((أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، شهر يزداد فيه رزق المؤمن

الحديث بطوله)) لكنه حديث ضعيف، في إسناده يوسف بن زياد البصري منكر الحديث، وفيه أيضاً علي بن زيد بن جدعان ضعيف أيضاً، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر، لكنه ضعيف.

فالحديث بهذا الإسناد ضعيف، وفضائل شهر رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة.

يبقى مسألة البشارة والتهنئة مما تعارف عليه الناس وتواطؤوا عليه، يهنئ بعضهم بعضاً بدخول رمضان، وبإتمام صيامه مثلاً، ويهنئ بعضهم بعضاً في المناسبات.

الإمام أحمد رحمه الله يقول: لا بأس أن يقول: تقبل الله منك، نعم لا بأس أن يقول: تقبل الله منك، فهذه الأساليب التي تتضمن دعاء، تتضمن الدعاء، ولا يلتزم فيها لفظ بحيث يشبه بالمنقول، حينئذ تواطأ الناس عليه ويعتمدونه ولا يحاد عنه إلى غيره، البشارة بما يسر لها أصل في الشرع، البشارة بما يسر لها أصل في الشرع، فبشر كعب بتوبة الله عليه، وكافأ من بشره، المقصود أن البشارة بما يسر وهذا مما يسر له أصل في الشرع على أنه لا ينكر على من جاء بعبارة تتضمن الدعاء والثناء على الله مما لا يتعبد بلفظه، ولا يعتقد أنه لا يحاد عنه، والإمام أحمد رحمه الله يقول: لا بأس أن يقول: تقبل الله منك، يعني في العيد مثلاً يهنئ الناس بعضهم بعضاً، ويدعو بعضهم لبعض، والله المستعان.

مثل هذه المسائل لا يشدد فيها.

نقرأ وإلا ما يمدينا؟

ترى ما احنا مطولين، أسئلة، لو ودنا ما بداية الكتاب يكون البث طيب.

طالب: ....

ص: 19

الآن انتهت المقدمة بقي أصل الكتاب وتحليله.

الكتاب ليس بطويل، يعني ورقة أو ورقتين لعلنا نأتي منه على.

يقول: لو أن شخصاً أثار غضبي فتكلمت بكلام خارج عن العقل، فهل أنا آثم أم من أثار غضبي؟

أنت مباشر لهذا الكلام، إن كان محظوراً فلا شك أنك آثم، وقد أمرت بأن لا تغضب، أو نهيت عن الغضب، والذي أثارك متسبب وهو شريك لك، لكن هذا لا يعفيك، اللهم إلا إذا كان الغضب يصل بك إلى حد لا تعقل ما تقول، يصل بك إلى حد الجنون، هذا نقص بلا شك، لكن عليك أن تعالج نفسك.

ص: 20