الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وأما الأعمال الأربعة" يقول شيخ الإسلام، يعني الأركان، من غير الشهادتين، فاختلفوا في تكفير تاركها، والقول بكفر من ترك واحدة منها رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، واختارها طائفة من أصحاب مالك".
فتارك أحد الأركان مع القدرة على فعله على خطر عظيم، فقد بني الإسلام على هذه الأركان، وكل بناءٍ ترك بعض أركانه يوشك أن يتهدم.
والقول المرجح عند جماهير العلماء: أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة على خلاف بينهم في حكم تاركها أيضاً، وقد نقل اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على كفر تاركها، وإن كان معترفاً بوجوبها.
فضل الصيام:
وفضل الصيام عظيم، وثوابه جسيم، جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة المخرجة في الصحيحين وغيرهما من دواوين الإسلام من السنن والجوامع، والمصنفات وغيرها، والمسانيد، ويكفي من ذلك أن الله سبحانه وتعالى خصه بالإضافة إليه، كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرئ صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ثم قال: للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) [متفق عليه].
هل فرح الصائم بفطره فرح لانقضاء هذه العبادة والفراغ منها؟ أو أن هذا فرح جبلي؟ فالنفس تتوق إلى الأكل والشرب، وغيرهما من الممنوعات، لا شك أن هذا فرح جبلي لا ينقص من أجر الصوم، ولا يخل بصيام المرء، يعني هل يكون الذي يتمنى أن لو طال النهار أفضل ممن يفرح بفطره؟ يعني إذا أذن المغرب تمنى أن لو مدد النهار زيادة، تلذذاً بهذه العبادة، هل هو أفضل أو الذي يفرح بفطره؟ لا شك أن فرحه بفطره جائز، كما نص عليه هذا الحديث:((للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح)) هذا فرح جبلي.
ولا شك أن هذه المسألة فرع عن مسألة كبرى وهي أن من يؤدي العبادة مع التلذذ بها والاشتياق إليها أفضل؟ أو الذي يؤديها على نوع من تحمل المشقة والعسر في أدائها؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، هل هذا أفضل أو ذاك؟ لكن المرجح عندهم أن من يتلذذ بالعبادة أفضل من الذي يؤديها مع نوع من المشقة؛ لأنه لم يصل إلى تلك المرحلة حتى اجتاز هذه، ولذا كان السلف يعالجون من قيام الليل الشدائد، ثم لا يزالون أن يتلذذوا به، ومثله الصيام، وغيره من العبادات.
يقول القرطبي في تفسيره: "وإنما خص الله سبحانه وتعالى الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات:
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.
قد يقول قائل: الصلاة تمنع من ملاذ النفس وشهواتها، الصلاة تمنع، لكن الوقت الذي يقضيه في الصيام، والمنع الذي يترتب على الصيام أطول من المنع الذي يترتب على الصلاة، وإلا ما في أحد يزاول شهواته وهو يصلي، فهما مشتركان في هذا، لكن الوقت الذي يمضيه في الصوم أطول من الوقت الذي يمضيه في الصلاة وغيرها من العبادات.
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه، ولعل هذا أظهر، لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، فلربما فعله تصنعاً ورياءً فلهذا صار أخص بالصوم من غيره.
يقول ابن عبد البر: "كفى بقوله: ((الصوم لي)) فضلاً للصيام على سائر العبادات"؛ لأن الذي يضاف إلى سبحانه وتعالى إنما هو الشريف؛ فالإضافة إلى الله سبحانه وتعالى تقتضي التشريف، ولذا يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله:"كفى بقوله: ((الصوم لي)) فضلاً للصيام على سائر العبادات".
لكن ينبغي أن يلاحظ أن الصوم المذكور هنا هو الصيام الذي سلم من الخوارم، ولذا يقول ابن حجر في فتح الباري:"اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً" اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً" جاء في الحديث: ((العمرة إلى العمرة)) وجاء أيضاً: ((الصلوات الخمس)) وجاء: ((رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها)) فالمراد بهذا الصيام الذي يكفر هو: الصيام التام الموافق لمراد الشارع. الصلاة المكفرة -كما يقول شيخ الإسلام- المراد بها الصلاة الكاملة. شيخ الإسلام يقرر هذا ويؤكد عليه وإلا فصلاة من لم يخرج من صلاته إلا بعشرها ماذا تكفر من السيئات؟ الصلاة التي لم يخرج صاحبها منها إلا بعشرها؛ لأن المصلي ليس له من صلاته إلا ما عقل، هذه على حد رأي شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عسى أن تكفر نفسها.
الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة الكاملة، وإلا فكم من شخص يصلي ويزاول المنكرات، وهذا يمشي تماماً مع قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة]، والمراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، لا نفي الصحة، وإلا فالإجماع قائم على أن الفساق لا يؤمرون بإعادة العبادات، كما هو معروف، فنفي القبول هنا المراد به نفي الثواب المرتب، ترتب آثار هذه العبادة عليها؛ فالعبادة الكاملة من التقي تترتب عليها آثارها، فصلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، صيامه يجره إلى التقوى التي ذيلت بها آية الصيام، على ما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى.
وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) ((من صام يوماً في سبيل الله)) ما المراد بسبيل الله هنا، هل هو الجهاد؟ فيكون هذا الثواب خاص بالمجاهد الصائم، أو المراد به في سبيل الله ابتغاء وجه سبحانه وتعالى؟