المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث علي (اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون للسعادة) - شرح سنن أبي داود للعباد - جـ ٥٢٦

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌[526]

- ‌ما جاء في القدر

- ‌الإيمان بالقدر من أركان الإيمان

- ‌مراتب الإيمان بالقدر

- ‌لا تنافي بين كون أفعال العباد من كسبهم وهي من خلق الله عز وجل

- ‌شرح حديث (القدرية مجوس هذه الأمة

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (القدرية مجوس هذه الأمة)

- ‌شرح حديث (لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر)

- ‌شرح حديث (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض)

- ‌شرح حديث علي (اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون للسعادة)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث علي (اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون للسعادة)

- ‌ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقلاً عن كتاب (عشرون حديثاً من صحيح البخاري)

- ‌شرح حديث الجنازة نقلاً عن كتاب (عشرون حديثاً من صحيح البخاري)

- ‌الأسئلة

- ‌معنى الكلمات الشرعية والكونية، والفرق بينهما

- ‌أقسام القدرية

- ‌من نفى علم الله تعالى فهو من غلاة القدرية

- ‌الإيمان قول وعمل واعتقاد

- ‌يكون الكفر بالتكذيب وغير التكذيب

- ‌ردّ المرجئة للأدلة التي فيها التنصيص على زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌حكم بيع الأرض بالأرض متساوياً ومتفاضلاً

- ‌حكم الاحتفال باليوم العالمي للمعلم

- ‌الخلع فسخ وليس بطلاق

- ‌هل الخلع بينونة صغرى أو كبرى

- ‌وجه قول السلف في تعريف الإيمان: قول وعمل، ولم يذكروا الاعتقاد

- ‌حكم الموعظة عند كل قبر

- ‌أصل مقولة: إن القدر سر الله في خلقه

- ‌حكم دعوة أهل البدع إلى حفل الزفاف من أجل دعوتهم

- ‌حكم الطبق الخيري

- ‌الجمع للمطر

- ‌هل يخرج النبي عن طور البشرية عند نزول الوحي عليه

- ‌الاعتماد على ما صح من السيرة

- ‌حكم استضافة الداعية عمرو خالد

- ‌حكم فتح باب الجرح والتعديل لكل أحد من الناس

- ‌الليل والنهار في الجنة

- ‌ذكر التفويض في لمعة الاعتقاد

- ‌قول الرجل لأخيه: وجدتك صدفة

- ‌إذا ركع الإمام قبل أن يكمل المأموم قراءة الفاتحة فماذا يفعل

- ‌جواز إنابة خطيب الجمعة من يصلي بالناس

- ‌حكم اتباع جنازة المبتدع

الفصل: ‌شرح حديث علي (اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون للسعادة)

‌شرح حديث علي (اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون للسعادة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا المعتمر سمعت منصور بن المعتمر يحدث عن سعد بن عبيدة عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: (كنا في جنازة فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببقيع الغرقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجلس ومعه مخصرة، فجعل ينكت بالمخصرة في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا قد كتب الله مكانها من النار أو من الجنة، إلا قد كتبت شقية أو سعيدة، قال: فقال رجل من القوم: يا نبي الله! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فمن كان من أهل السعادة ليكونّن إلى السعادة، ومن كان منا من أهل الشقوة ليكونن إلى الشقوة؟ قال: اعملوا فكل ميسر؛ أما أهل السعادة فييسرون للسعادة، وأما أهل الشقوة فييسرون للشقوة، ثم قال نبي الله {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10])].

أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في البقيع وكانوا معه، فجلس ومعه مخصرة -وهي عصا صغيرة-، فجعل ينكت بها في الأرض) أي: يخطط بها، وهذا -كما يقولون- عمل المهموم (فقال عليه الصلاة والسلام: ما من نفس منفوسة).

ما من نفس منفوسة أي: مولودة، والمرأة إذا ولدت يقال لها: نفساء؛ لأنه يسيل منها الدم، ونفست يعني: خرج منها الدم، ويقال للدم: نفس، وهناك كلمة مشهورة عن إبراهيم النخعي قال فيها: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، أي: ما لا دم له سائل، فالمراد بقوله:(منفوسة) أي: مولودة، (إلا وكتبت شقية أو سعيدة، وكتب مكانها من الجنة أو النار)، وهذا شيء قد سبق به القضاء والقدر، وقد كتب ومضى، (فقال رجل: يا رسول الله! ألا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) أي: ما دام أنه قد سبق القضاء والقدر بأن الشقي شقي، وأن السعيد سعيد، وأن الذي في الجنة في الجنة، والذي في النار في النار، فما دام الأمر كذلك ألا ندع العمل، وسيصير الكل إلى مكانه: إما إلى الجنة وإما إلى النار؟ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعملوا) أي: إنّ هذه الغايات والنهايات التي قدرها الله عز وجل من الشقاوة والسعادة قد قدّر الله تعالى أعمالاً تؤدي وتوصل إليها، فالذي يعمل خيراً ويوفق لسلوك طريق الخير ينتهي به الحال إلى الغاية الحميدة المقدرة وهي السعادة، وإذا سلك واختار طريق الشر -وهذا بمشيئته وإرادته وعمله- فإن ذلك سيؤدي به إلى الغاية السيئة وهي الشقاوة، وبهذا تكون الغاية مقدرة، والوسيلة مقدرة، والله تعالى قد قدّر أن هذا سيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهل الجنة، وأن هذا سيعمل بعمل أهل النار فيكون من أهل النار.

وهذا الذي فعله الإنسان بمشيئته وإرادته لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل هو تابع لمشيئة الله، فما قدره وقضاه لابد أن يكون، حيث قدر أن هذا يعمل بعمل أهل السعادة وينتهي إلى السعادة، وأن هذا يعمل بعمل أهل الشقاوة وينتهي إلى الشقاوة، فالوسيلة مقدرة والغاية مقدرة، وكل شيء يقع في الوجود فقد سبق به القضاء والقدر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب أن المطلوب هو التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، والناس مأمورون بما يعود عليهم بالخير، ومنهيون عما يعود عليهم بالشر، وقد بين الله عز وجل لهم طريق الخير من طريق الشر كما قال:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]، فمن وفقه الله عز وجل فإنه يعمل الأعمال الصالحة التي تفضي به إلى السعادة، ومن خذله الله عز وجل ولم يوفقه فإنه يعمل الأعمال الخبيثة التي توصله إلى الشقاوة وإلى النار.

وهذا البيان من أوضح البيان في أن المقصود هو العمل، والقدر سر من أسرار الله عز وجل في خلقه، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

ص: 12