المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حصول العذاب لغير المقبورين - شرح سنن أبي داود للعباد - جـ ٥٣٩

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌[539]

- ‌المسألة في القبر وعذاب القبر

- ‌شرح حديث البراء في سؤال القبر

- ‌تراجم رجال إسناد حديث البراء في سؤال القبر

- ‌شرح حديث أنس في عذاب القبر

- ‌سؤال القبر يكون عن ثلاثة أمور

- ‌تبشير المؤمن بالنجاة من العذاب في قبره

- ‌انتهار الكافر في القبر وتعذيبه

- ‌تراجم رجال إسناد حديث أنس في عذاب القبر

- ‌شرح حديث أنس في عذاب القبر بزيادة يسيرة

- ‌شرح حديث البراء بن عازب في أسئلة القبر للمؤمن والكافر

- ‌عذاب القبر ونعيمه غيب يجب التسليم به

- ‌سؤال الكافر في القبر وعذابه فيه

- ‌تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في أسئلة القبر للمؤمن والكافر

- ‌شرح حديث البراء في سؤال القبر من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

- ‌الأسئلة

- ‌عذاب القبر غير خاص بهذه الأمة

- ‌حكم من ينكر عذاب القبر

- ‌حصول العذاب لغير المقبورين

- ‌انقطاع عذاب القبر ودوامه

- ‌عذاب القبر ونعيمه جزء من نعيم الجنة أو عذاب النار

- ‌فتنة القبر للموحد العاصي

- ‌لا يسأل الأنبياء في قبورهم

- ‌الحكمة من كون الملك الذي يعذب الكافر في القبر أعمى أبكم

- ‌مدى صحة القول بأن عذاب القبر يستمر أربعين ليلة

- ‌الدعاء للميت بعد دفنه جماعياً

- ‌حكم تلقين الميت في القبر

- ‌كشف عذاب القبر لبعض الناس

- ‌حكم التقليد في الاعتقاد

- ‌الدفن في البقيع لا يشفع للإنسان

- ‌تخفيف العذاب عن الميت بالصدقة عنه

- ‌وضع الميت في صندوق في السواحل

- ‌معنى صلاة الميت في قبره

- ‌تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضيلة

- ‌من الذي ينفخ في الصور

الفصل: ‌حصول العذاب لغير المقبورين

‌حصول العذاب لغير المقبورين

‌السؤال

قوله صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث: (إن المسلم إذا سئل في القبر) هل له مفهوم؟

‌الجواب

ذكر القبر هنا ليس له مفهوم من ناحية أنه لا يسأل إلا من كان مقبوراً، بل كل واحد يسأل، ولكن ذُكر القبر لأن الغالب على الناس أنهم يقبرون، والحالات الأخرى التي هي غير الدفن في القبور ليست بشيء بالنسبة لمن يدفن، وذلك كمن تأكله السباع، أو يغرق في البحر، أو تأكله الحيتان، أو يحترق بالنار ولا يبقى له رفات، فلا يقال إن هذا يسلم من عذاب القبر، فإن عذاب القبر سيصل إلى من يستحقه وإلى من هو أهل له، سواء قبر أو لم يقبر، والله عز وجل على كل شيء قدير، فهو قادر أن يوصل العذاب إلى من يستحقه وإن لم يقبر.

وأمور البرزخ تختلف عن أمور الدنيا، فعلى الإنسان أن يؤمن بما جاء به الوحي ويؤمن بالغيب وإن لم يدرك الكنه والحقيقة، ولا يكون الإنسان مؤمناً بالمشاهدة والمعاينة فقط، بل عليه الإيمان بالغيب، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما يجري في القبور من العذاب تسمعه البهائم، وقد سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخفى الله ذلك عن الجن والإنس، ولو ظهر لهم ذلك وأدركوا ما يجري في القبور من الأهوال لما تدافنوا.

وأيضاً: شاء أن يكون من الناس من يؤمن بالغيب، ومنهم من لا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة ولا يؤمن بالغيب، فشاء الله أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، حتى يتميز من يكون موفقاً ومن يكون مخذولاً، ولو حصل للناس ما يجري في الآخرة لما صار الناس إلى هذا الانقسام الذي شاءه الله من شقي وسعيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، كما ثبت في صحيح مسلم، ولو سمعوا ما يجري في القبور لأصابهم الذعر والخوف وقد يحصل لهم الموت ولا يدفن بعضهم بعضاً لكثرة من يموت بسبب ذلك، فالله عز وجل شاء أن يخفى هذا على الناس وأن يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا فإن البهائم والحيوانات تسمع بما يجري في القبور من العذاب، والجن والإنس لا يسمعون، كما جاء في بعض الأحاديث.

فالحاصل أن العذاب يصل إلى كل من يستحقه سواء قبر أو لم يقبر، ولا يقال: كيف يصل إليه وقد تفرقت أجزاؤه في البحر أو في البر؟ فإن الله على كل شيء قدير، وأمور الآخرة تختلف عن الدنيا، والواجب التصديق بكل ما جاء به القرآن والسنة من كل غيب، وعدم التردد في ذلك.

ومعلوم أيضاً أن من دفن فإن الأرض تأكله وتذهب أجزاؤه فيها، والله يعيد تلك الأجزاء من التراب:{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:2 - 3]، وقال الله عز وجل:{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:4]، يعني: فنحن نستخرجهم من الأرض، فجميع الذرات التي اختلطت بالتراب يستخرجها الله تعالى، ويعود الجسم كما كان، كما جاء في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه وقال لأولاده:(إذا أنا مت فأحرقوني وذروا نصف الرماد في البر ونصفه في البحر، فأخشى إن قدر الله علي أن يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ففعلوا، فأمر الله عز وجل البحر بأن أخرج ما فيه، والبر أخرج ما فيه، حتى عادت كل ذرة إلى مكانها).

ثم أيضاً لو فتح القبر لم نر جنة ولا ناراً، مع أن الجنة والنار موجودتان، وقد أري رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاة الكسوف، ورأى العناقيد المتدلية، ومد يده، ورأى الصحابة يده تمتد ولم يروا ما مدت إليه؛ لأنهم ما رأوا الجنة، ولما عرضت عليه النار تكعكع ورجع القهقرى، ولما فرغ من صلاته سألوه فقال:(عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد العنب متدلية، ومددت يدي لآخذ عنقوداً منها ثم تركته، ولو أخذت منه لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)، ولكن الله شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً ولا تكون علانية؛ ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن، ومن يكون من أهل الشقاء ومن يكون من أهل السعادة.

ص: 19