المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ١١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة

شرح سنن الترمذي -‌

‌ أبواب الطهارة (11)

شرح:‌

‌ باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة

، وباب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين، وباب: ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وباب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، وباب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا ولجميع المسلمين:

باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة:

حدثنا أبو كريب وهناد وقتيبة قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة".

وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه، وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ص: 1

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة" ويحتاج إلى تكرار المرة إذا كان ما تعود إليه مكرراً، أما لو كان عضواً واحداً لقيل: باب: ما جاء في الوضوء مرة، يعني لو كان المراد مرة عائدة إلى الوضوء لما احتجنا إلى تكرارها؛ لأن الوضوء إنما يكون مرة واحدة، الواجب للعبادة مرة واحدة، لكن لما كانت المرة عائدة إلى الأعضاء كررت، مرة مرة، يعني لكل عضو مرة، وليس المراد به الوضوء مرة واحدة؛ لأن هذا معروف؛ لأن تكرار الوضوء وتجديد الوضوء سنة إذا فعل به عبادة، أما أن يجدد من غير إحداث عبادة به فهذا زيادة على القدر المشروع، يعني يحتاج إلى تجديد الوضوء إذا فعل بالوضوء الأول عبادة، وليس هو المراد هنا في هذا الباب، المراد غسل الأعضاء مرة مرة، يعني لكل عضو مرة واحدة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو كريب" وهو محمد بن العلاء، من ثقات الرواة من شيوخ الأئمة، "وهناد" بن السري كذلك، "وقتيبة" بن سعيد، وكلهم مروا سابقاً، "قالوا" يعني الثلاثة:"حدثنا وكيع" وهو ابن الجراح، الإمام العلم الزاهد المعروف "عن سفيان" وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، الإمام صاحب المذهب المتبوع، المشهور بعلمه وورعه وزهده، والمقصود به هنا -وإن كان مهملاً- الثوري، كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه، كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وهذه من فوائد المستخرجات تمييز المهمل، فإذا كان في الطبقة الواحدة أكثر من شخص ويهمل، فيقال: حدثنا سفيان ولا يبين، فمن وظائف المستخرجات تمييز المهمل، وتعيينه من بين من يشاركه في الاسم والطبقة والشيوخ والآخذين، وفوائد المستخرجات تزيد على العشرين كما بينت في مواضعها من كتب المصطلح.

ص: 2

"عن سفيان ح" تقدمت الإشارة إلى أن هذه الحاء إنما هي رمز للتحويل من إسناد إلى آخر، وتستعمل عند أهل العلم بكثرة عند مسلم، وعند أبي داود والترمذي والنسائي، وقد يستعملها البخاري -رحمه الله تعالى- بقلة، واستعماله لها قد يختلف عن استعمال غيره لها، فاستعمال مسلم كاستعمال الترمذي هنا، يقصد بها اختصار الأسانيد، والاجتماع على ملتقى .. ، ما تلتقي به الرواة من الشيوخ، فيستفاد منها الاختصار، أما البخاري فكثيراً ما يضعها بعد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا محمد بن بشار، قد يقول هكذا البخاري، وهذا بكثرة عنده، وقد يستعملها للاختصار كاستعمال الأئمة، لكن إذا استعملها بعد نهاية الإسناد ما فيها اختصار، ولذا يترجح قول من يقول من المغاربة: إن المراد بها الحديث، أو هي اختصار لاسمه خاء، ثم أهملت، ظن من النساخ أنها هي حاء التحويل، على كل حال هذه الحاء رمز عند أهل العلم يستعملونها بين الأسانيد في أثنائها للاختصار، وهي حاء التحويل، وتقرأ هكذا ح وقال.

قال- يعني الترمذي-: "وحدثنا محمد بن بشار" المعروف ببندار ثقة من ثقات الشيوخ الأئمة المعروفين، "قال: حدثنا يحيى بن سعيد" وهو الأنصاري "قال: حدثنا سفيان" وهو الثوري السابق في الإسناد الذي قبله، والأئمة الثلاثة الشيوخ الثلاثة أبو كريب وهناد وقتيبة يروون الحديث عن وكيع، ومحمد بن بشار يرويه عن يحيى بن سعيد، وكلاهما –أعني وكيعاً ويحيى بن سعيد- يرويانه عن سفيان الثوري "عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس" حبر الأمة، ترجمان القران، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة".

يعني لكل عضو مرة، فغسل كفيه مرة، وغسل وجهه مرة واحدة، وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه مرة، وغسل رجليه مرة، مع أن من وصف وضوء النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنه بالنسبة لغسل الكفين لغسل الكفين قبل الشروع في الوضوء يذكر ثلاثاً، ولا يذكره مرة واحدة، فالمراد بقوله:"توضأ مرة مرة" يعني الفرائض، فرائض الوضوء الأربعة المعروفة التي هي غسل الوجه، واليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين.

ص: 3

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر" وسيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى- في الباب نفسه من هذا الكتاب، "وجابر -عند ابن ماجه- وبريدة -عند البزار- وأبي رافع -عند الدارقطني والبزار- وابن الفاكه" واسمه: سبرة بن الفاكه، وحديثه أخرجه البغوي في معجمه.

وفي الباب أيضاً عن ابن عمر عند البزار وعكراش بن ذؤيب ذكره الخطيب، وكعب أخرجه ابن ماجه، فالحديث مستفيض مروي في دواوين الإسلام، وحديث ابن عباس حديث الباب مخرج عند الجماعة عدا الإمام مسلم رحمه الله فإنه لم يخرجه.

"قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح" أحسن شيء في هذا الباب وأصح، يعني من الأحاديث التي أشار إليها الترمذي رحمه الله بقوله:"وفي الباب" فهو أحسنها وأصحها، ولا يعني أن جميع ما روي في الباب صحيح؛ لأن أهل الحديث قد لا يجعلون أفعل التفضيل على بابها، فقد يستعملونها في غير بابها، إلا أن أكثرها صحيح، ومنها الحسن، وفيها من فيه مقال عند أهل العلم، لكنها بمجموعها تقرب من التواتر، تقرب من التواتر فهي مستفيضة ومشهورة في دواوين الإسلام، ولو لم يكن في ذلك إلا تخريج الإمام البخاري للحديث، مع من وافقه من الأئمة، فالحديث مخرج عند أحمد والبخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، فلم يخرجه مسلم -رحمه الله تعالى-.

"وروى رشدين بن سعد" المصري أبو الحجاج كان صالحاً في دينه إلا أنه في روايته ضعيف، في دينه صالح ما فيه إشكال، يعني عدالته لا مطعن فيها، لكن ضبطه وإتقانه فيه ضعف، يقول من ترجم له في كتب الرجال: أدركته غفلة الصالحين، وهذا شأن من ينشغل عن العلم، شأن من ينشغل عن مدراسة العلم ومذاكرته، أنه يقع في حديثه الخطأ الكثير؛ لأن العلم يحتاج إلى مدارسة ومذاكرة ومراجعة، يحتاج إلى استذكار مستمر، ومدارسة مع الأقران ومساءلة للشيوخ، وبهذا يثبت العلم، أما بالنسبة لرشدين فإنه انشغل بالعبادة عن المذاكرة والمدارسة فأدركته غفلة الصالحين.

ص: 4

وللشيخ رحمه الله الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- تعليقات على التقريب وقال: إن إطلاق مثل هذا الكلام لا ينبغي "أدركته غفلة الصالحين" إنما يقال: بعض الصالحين، إنما يقال: بعض الصالحين فإن في بعضهم غفلة، لا سيما إذا انشغلوا عما هم بصدده من العلم، وأقبلوا على العبادة وتركوا مذاكرة العلم، أما إطلاق غفلة الصالحين فيلزم منه أن جميع من كان صالحاً فإنه مغفل وليس الأمر كذلك، فأصلح الناس وأتقاهم وأخشاهم وأعبدهم لله -جل وعلا- على الوجه المشروع النبي عليه الصلاة والسلام، وصحابته الكرام بدءاً من الخلفاء الأربعة وحفاظ الأمة مثل أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وغيرهم، فلا يطلق مثل هذا الكلام، وهذه لفتة طيبة من الشيخ -رحمة الله عليه- لأن الوصف بالغفلة هذا طعن في الراوي، طعن في الراوي، وإذا قلنا: غفلة الصالحين أضفناها إلى الصالحين كلهم، طعنا في الصالحين كلهم، وليس الأمر كذلك، فعلى رأس الصالحين النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، وحفاظ الأمة وأئمتها هم رؤوس وسادة الأمة وصالحوها، فلا ينبغي أن تنسب الغفلة إلى جميعهم، إنما بعضهم نعم فيه غفلة، ينصرف عن مذاكرة العلم، وقد يكون حفظه من الأساس في ملكة الحفظ عنده فيها ضعف، وهذا معروف ولا يحتاج إلى استدلال، فالناس يتفاوتون في هذا الباب، لكن من كان ضعف حافظته بسبب غفلته عن مدارسة العلم إما لصلاحه وإقباله على العبادة، أو لأنه منشغل بأمر آخر من أمور الدين أو الدنيا، فلا تضاف هذه الغفلة إلى الجميع.

"وروى رشدين بن سعد وغيره" كابن لهيعة "الحديث عن الضحاك بن شرحبيل" الغافقي المصري، وهو صدوق كما قال الحافظ يهم، من الرابعة، "عن زيد بن أسلم عن أبيه" أسلم مولى عمر رضي الله عنه، "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة"، وهذه الرواية أخرجها ابن ماجه وفي إسنادها رشدين بن سعد وهو ضعيف كما تقدم آنفاً، وابن لهيعة ضعفه الجمهور، والضحاك بن شرحبيل صدوق يهم، يعني يخطئ له أوهام، فالرواية فيها ما فيها، ولذا قال الإمام -رحمه الله تعالى-:"وليس هذا بشيء"، "وليس هذا بشيء".

ص: 5

قد يقول قائل مثلاً: ابن رشدين ضعيف، وابن لهيعة مختلف فيه والجمهور على ضعفه، وروايته إذا انضمت إلى ابن لهيعة صارت شيئاً، إذا انضمت رواية ابن لهيعة إلى رواية رشدين يشد بعضها بعضاً، فتصير شيء، فبانضمام ابن لهيعة إلى رواية رشدين قد يحكم على الحديث بأنه حسن لغيره، أما الترمذي قال: وليس هذا بشيء، يعني ابن لهيعة متابع لرشدين، يعني متابعة لرشدين، والضعيف إذا كان ضعفه ليس بشديد يقوى بالمتابع، يقوى بالشاهد، وضعف ابن لهيعة ليس بشديد، بل وثقه بعض أهل العلم، وجرحه آخرون، والمرجح ضعفه، لكن على هذا يكون ضعفه ليس بشديد، وحسّن له ابن حجر بمفرده.

قول الإمام -رحمه الله تعالى-: "وهذا ليس بشيء" هل لأن الرواية لا ترتقي بالمتابع أو لأنه حكم عليها بأنها من باب الخطأ؟ يعني لو لم يرد حديث ابن عباس السابق، يعني رشدين بدلاً من أن يجعلها من حديث ابن عباس عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس جعلها رشدين عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، فهل نقول: إن هذا شاهد لحديث ابن عباس ويتقوى برواية رشدين إذا انضمت إلى رواية ابن لهيعة؟ أو نقول: إن إضافتها إلى عمر خطأ من هؤلاء الضعفاء؟ والصواب ما تقدم مما خرجه البخاري عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس؛ لأن هذه من المضايق التي لا يدركها آحاد الطلاب، بل هي من العلل الخفية؛ لأن من ينظر إلى الإسناد الأول يحكم عليه بالصحة بلا شك، وهو مخرج في الصحيح، وليس لأحد له فيه كلام، الحديث الثاني يقول: لماذا لا يكون عن ابن عباس وعن عمر رضي الله عنهما؟ فيكون حديث عمر شاهد لحديث ابن عباس المخرج في الصحيح فيحكم له بالصحة، لا سيما وأنه ليس فيه مخالفة في المتن، قول الإمام الترمذي:"ليس هذا بشيء" يدل على أن إضافة الخبر وإسناده إلى عمر خطأ، وأن المحفوظ أنه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس.

يقول: والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 6

لذا قال: ليس بشيء، وقال: والصحيح يعني ما رواه الجماعة الأئمة الثقات، جمع من الثقات رووه مخالفين لما ذكره رشدين، فلا شك أنه ليس بشيء في مقابلة هؤلاء، وعلى هذا يحكم على روايته بأنها خطأ، والصحيح ما رواه الجماعة؛ لأن بعض الناس ممن له عناية بالمتون فقط ويقرأ الكتب مجردة عن أسانيدها قد لا يلوح له مثل هذا الكلام، وهذا له شأن عظيم عند أهل العلم؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً من المتفقهة الذين لا عناية لهم بالحديث يقول: توضأ النبي مرة مرة سواءً كان هذا من حديث ابن عباس أو من حديث عمر إيش الفرق؟ ما الفرق؟ المقصود أنه ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ مرة مرة، نقول: هذا بالنسبة للفقيه لا فرق، لكن بالنسبة لأهل الحديث هذا شأنه عظيم، وإذا كان الأمر فيما اتحد لفظه كما هنا، فماذا يصنع فيما يختلف لفظه؟ بل بما يختلف معناه؟ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لو روي بهذا الإسناد مثلاً بغير هذا اللفظ بما يخالف حديث ابن عباس يقول: حديث آخر، حديث آخر، لكن أهل الحديث أطباء الصنعة لا يخفى عليهم مثل هذا الكلام ولا يمشي عليهم، ولا يطوف عليهم مثل هذا.

ص: 7

يقول النووي -رحمه الله تعالى- في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وبهذا يتم الامتثال، ليس من كلام النووي، لكن لتوضيحه، هذا الإجماع مستند إلى الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إلى آخرها، يتم امتثالها بالغسل مرة مرة، وقد بينها النبي عليه الصلاة والسلام بفعله، بفعله في أحاديث، وبيان الواجب واجب، يقول النووي -رحمه الله تعالى-: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاث سنة، وقد جاءت السنة الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وبعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين، يعني ملفق، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، واختلافها دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ، الواحدة تجزئ والثلاث هي الكمال، وسيأتي في الأبواب اللاحقة الوضوء مرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، والاختلاف في غسل الأعضاء على ما سيأتي.

سم.

عفا الله عنك.

باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين.

حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: حدثني عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله من الفضل وهو إسناد حسن صحيح، وقد روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين" وهذا يقال فيه ما قيل في سابقه، وأن التثنية ليست للوضوء وإنما هي لغسل الأعضاء، كل عضو يغسل مرتين مرتين، لا أنه يتوضأ مرتين.

ص: 8

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع" القشيري النيسابوري، وهو ثقة عابد، من الحادية عشرة، "قالا: حدثنا زيد بن حباب" أبو حسين العكلي، صدوق من التاسعة، قال: "عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان" العنسي الزاهد، صدوق يخطئ، من السابعة "قال: حدثني عبد الله بن الفضل" الهاشمي، ثقة من الرابعة "عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج" هو الأعرج، هو الأعرج، وبعض النسخ: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وفي بعضها: عبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج، وتقدمت الإشارة إلى أن الأئمة يأتون بضمير الفصل (هو)، وأحياناً يقولون: يعني الأعرج، إذا لم يكن الراوي منسوباً من قبل الشيخ، وإنما زاده من بعده، فيبين أن هذه الزيادة من عنده بقوله: (هو) أو (يعني) وإلا لو حذفناها أو ذكرناها لا يختلف الكلام، "عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين" يعني غسل أعضاء الوضوء مرتين مرتين، فغسل الوجه مرتين، وغسل اليدين مرتين، ومسح الرأس، مقتضى ذلك مرتين، مقتضى الإطلاق هنا، وسيأتي تفسير ذلك وتفصيله في أحاديث لاحقة -إن شاء الله تعالى-، وأن الرأس إنما يمسح مرة واحدة وقد تقدم.

مرتين مرتين، يعني كل عضو من أعضاء الوضوء يغسل مرتين.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر" وهو مخرج عند ابن ماجه "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" في الباب عن جابر قلنا: إنه أخرجه ابن ماجه، وعن عبد الله بن زيد أخرجه البخاري وأحمد، "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" أخرجه أبو داود، قال: "لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله من فضل وهو إسناد حسن صحيح".

ص: 9

في الأول قال: هذا حديث حسن غريب، وفي النهاية قال: وهو إسناد حسن صحيح، فهو يحكم على المتن بالحسن مع الغرابة، ويحكم على الإسناد بالحسن مع الصحة، أيهما أولى مثل هذا الكلام أو العكس من الناحية الاصطلاحية؟ هذا حديث حسن غريب، ويريد بذلك المتن، ثم قال: وهو إسناد حسن صحيح، يعني هل هناك تلازم بين المتن والإسناد؟ بمعنى أنه لا يصح المتن إلا إذا صح الإسناد أو العكس؟ أو قد يصح المتن مع ضعف الإسناد ويصح الإسناد مع ضعف المتن؟ نعم لا تلازم بينهما، لا تلازم بينهما، فقد يصح الإسناد ولا يصح المتن لوجود مخالفة، وقد يصح المتن والإسناد ضعيف لوجود المتابع والشاهد، لوجود الطرق التي يصح بها، وهنا قال: عن الحديث يعني عن المتن: حسن غريب، وقال عن الإسناد: إنه حسن صحيح، فهل فيه مخالفة ليصح الإسناد ولا يصح المتن؟ أما بالنسبة لغرابته فقد بينه بقوله:"لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل" وهذه الغرابة نسبية وإلا مطلقة؟ نسبية، نسبية يعني من هذا الوجه فقط، وإلا فهو معروف من طرق أخرى عن غير أبي هريرة، له طرق عن جابر وعن عبد الله بن زيد، حديث عبد الله بن زيد في الصحيح، وستأتي الإشارة إليه، بل يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، الآن في كلام الترمذي:"هذا حديث حسن غريب" ويريد بذلك المتن، مع قوله:"هذا إسناد حسن صحيح" يريد بذلك الإسناد.

في حاشية الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- يقول: كتب العلامة الشيخ أحمد الرفاعي بخطه بحاشية نسخته عند قوله: "حسن غريب" ما نصه: "ما هنا متعلق بالحديث وما بعده بالإسناد، ولا يلزم من غرابة الحديث غرابة الإسناد ولا عكسه، وإيضاحه في مصطلح الحديث"، قال الشيح أحمد شاكر: وهذا غير جيد، وهذا غير جيد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد، وإنما الغرابة في الإسناد حيث انفرد به ابن ثوبان، ثم صحح الترمذي الإسناد نفسه ولا منافاة بين الغرابة والصحة وفيه .. إلى آخره.

ص: 10

ماذا نفهم من كلام الرفاعي؟ يقول: "ما هنا متعلق بالحديث، هذا حديث حسن غريب هذا صحيح، وما بعده وهو إسناد حسن صحيح متعلق بالإسناد هذا واضح من كلام الترمذي رحمه الله، ولا يلزم من غرابة الحديث غرابة الإسناد ولا عكسه، ذكرنا أنه لا تلازم بينهما، لا تلازم بينهما، وإيضاحه يقول: في مصطلح الحديث، قال الشيح أحمد رحمه الله: وهذا غير جيد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد، وإنما الغرابة في الإسناد حيث انفرد به ابن ثوبان، كلام الرفاعي توجيهاً لكلام الترمذي إنما يقصد بالحديث حديث أبي هريرة، وتعقب الشيخ أحمد شاكر في قوله: هذا غير جيد؛ لأنه نظر إلى مجموع الأحاديث الواردة في الباب، كحديث عبد الله بن زيد وجابر، إضافة إلى حديث أبي هريرة، فالرفاعي ويومئ إليه كلام الترمذي، بل هو ظاهر كلام الترمذي أنه نظر إلى حديث أبي هريرة بمفرده، فهو غريب لأنه تفرد به ابن ثوبان، وكلام الشيخ أحمد شاكر لأنه قال: المتن معروف من غير هذا الإسناد، يعني كلام الشيخ أحمد شاكر لم يصب المحز الذي أراده الترمذي ولا ما أراده الرفاعي حينما علق على كلام الترمذي، فالترمذي كلامه منصب على حديث أبي هريرة بغض النظر عن الأحاديث الأخرى، وكلام الشيخ أحمد شاكر ضم هذا إلى هذا وقال: المتن معروف من غير هذا الإسناد هذا ما فيه إشكال، والترمذي أشار إلى شيء من ذلك بقوله: وفي الباب عن جابر، وذكر الترمذي حديث عبد الله بن زيد يعني لا يخفى عليه، بحيث يستدرك عليه مثل هذا الكلام، وكلام الرفاعي في توجيه كلام الترمذي كلام ظاهر الصحة.

ص: 11

"قال أبو عيسى: وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء" وهذا الكلام لا يوجد في بعض النسخ، "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً"، حديث أبي هريرة الأول توضأ مرتين مرتين، حديثه الثاني: توضأ ثلاثاً ثلاثاً وهذا سيأتي، سياقه هنا للحديث الثاني والترجمة مرتين مرتين هل يفهم منه أن الترمذي رحمه الله يعل إحدى الروايتين بالأخرى؟ أو أن هذه رواية تختلف عن الأخرى بل هي حديث آخر؟ يعني هل مراد الترمذي -رحمه الله تعالى- إعلال إحدى الروايتين بالأخرى؟ أولاً: رواية: توضأ ثلاثاً ثلاًًثاً من حديث أبي هريرة ستأتي -إن شاء الله تعالى- قريباً، فهل إيراده لهذا إعلال للرواية السابقة أو العكس؟ أو أنه يريد أن يشير إلى أنه كما أن أبا هريرة روى المرتين مرتين، روى ثلاثاً ثلاثاً وهذا سيأتي، وكلها صحيحة، يعني كلامه في الباب السابق في مسألة الإعلال ظاهر، لكن هنا لماذا أتى بالحديث الثاني وهو حديث آخر غير الحديث الأول؟ هل بإيراده حديث أبي هريرة الثاني نفهم منه أنه يعل الرواية الأولى أو العكس؟ يعل إحدى الروايتين بالأخرى أو أنه أراد أن يبين مستعجلاً خبر أبي هريرة قبل أوانه؟ وإلا فالترجمة للوضوء مرتين مرتين، أما ثلاثاً ثلاثاً فسيأتي ذكرها في الباب الذي يليه.

طالب: يسموه إعلال؟

إعلال للأولى أو للثانية؟ يعني حديث أبي هريرة أن النبي توضأ مرتين مرتين، يعل بها أنه لم يثبت من حديث أبي هريرة إلا ثلاثاً ثلاثاً، وإنما ثبت مرتين مرتين عند عبد الله بن زيد في البخاري؟ .... رواية حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً سيأتي قريباً، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 12