المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: الوضوء لكل صلاة: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: الوضوء لكل صلاة:

التفتازاني معروف أنه بالنسبة للعقيدة ماتريدي، فيتقى من هذه الحيثية وإلا فالشرح فيه فوائد.

هل ورد حديث في فضل لبس السروال للمرأة تحت ملابسها؟

لا أعرف شيئاً من ذلك إلا أنه من باب الستر، وكل ما كان من باب الستر فهو أفضل.

يقول: ما حكم من ذهب لزيارة الأماكن كغار حراء وغار ثور، ليس للتعبد ولكن يقول: بقصد الزيارة، ورؤية الأماكن التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعبد فيها، ويقوم بوضع بعض أجزاء من جسده كالجبهة يسجد لعله أن يوافق آثار؟

هذه من البدع التي لا يختلف فيها أهل العلم.

يقول: ما نصيحتك لطالب العلم المبتدئ في التقليد والاجتهاد؟

لا، هو في هذه المرحلة حكمه حكم العامي فرضه التقليد وسؤال أهل العلم حتى يتأهل.

ما المراد بعبارة: ووافقه الذهبي، هل المراد أن الذهبي صرح بالحكم أو المراد أنه سكت عنه؟

يطلق على هذا ويطلق على هذا، لكن سكوته لا يكفي، أما إذا صرح بموافقة الحاكم فهذا لا يختلف في أنه هذا رأيه.

هل جد الزوج من ناحية الأم يعتبر محرماً بالنسبة لزوج هذه الزوجة؟

نعم لأنه أب، لأنه أب.

وهل يجوز لها كشف وجهها أمامه؟

نعم؛ لأنه أب.

يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء فما معناه؟

هو التلفلف بالثوب الواحد بحيث لا يستطيع إخراج يديه عند الحاجة إلى ذلك، فقد يعرض له ما يؤذيه فلا يستطيع أن يخرجهما بسهوله.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

‌باب: الوضوء لكل صلاة:

حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، قال: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً.

حديث أنس غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر عن أنس، وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً لا على الوجوب.

ص: 10

وقد روي في حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) وروى هذا الحديث الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الأفريقي وهو إسناد ضعيف، قال علي: قال يحيى بن سعيد القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث فقال: هذا إسناد مشرقي.

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة طاهراً أو غير طاهر، قلت: فأنتم ما كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث، هذا حديث حسن صحيح.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء لكل صلاة" الوضوء لكل صلاة، يعني ولو لم يحدث، أما إذا أحدث فمثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأن الله -جل وعلا- لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، فالمراد بالباب ما لم يحدث يتوضأ وهو على طهارة، وأمره لا يخلو من حالين:

الحالة الأولى: أن يكون قد فعل بالوضوء الأول عبادة لا تفعل إلا بالطهارة، وفي هذا ما يسمى تجديد الوضوء، وهو مستحب عند عامة أهل العلم.

ص: 11

والحال الثانية: أن يكون في وضوئه الأول لم يستعمل في عبادة لا تؤدى إلا بالطهارة، فمثل هذا عامة أهل العلم على عدم استحبابه؛ لأنه زيادة على القدر المشروع في الوضوء من غير حاجة، يفرقون بين هذا وهذا، وإلا فما الذي يمنع من أن الإنسان إذا فرغ من وضوئه أعاده ثانية ثم أعاده ثالثة بزعم تجديد الوضوء؟ فالفارق بين هذا وهذا أن يستعمل الوضوء الأول في عبادة لا تؤدى إلا بطهارة، يعني لو قلنا: إن تجديد الوضوء مستحب ولو لم يستعمل في طهارة لقال من قال: إنه إذا فرغ من الوضوء أعاده ثانية، الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم يعيده ثلاثاً ثلاثاً ثانية وهكذا، ويزعم أنه يفعل تجديد الوضوء المستحب، وهذا لا يمكن أن يقال به، بل هذا أمر مبتدع، لا سيما مع قرب الفاصل بين الوضوئين، أما إذا فعل به عبادة انتفى المحظور، يكون الوضوء الأول للعبادة الأولى والتجديد للثانية وهكذا.

قال رحمه الله: "حدثنا محمد بن حميد -بن حيان- الرازي" حافظ، ضُعف من قبل أهل العلم، ضعفوه، توفي سنة ثمان وأربعين، يعني ومائتين "قال: حدثنا سلمة بن الفضل" الأبرش، مولى الأنصار، قاضي الري، صدوق كثير الخطأ، من التاسعة "عن محمد بن إسحاق" إمام أهل المغازي، كلام أهل العلم فيه طويل جداً، كذبه مالك، وقال: دجال من الدجاجلة، ووثقه غيره، والتوسط في أمره أن يقال: صدوق، صدوق، أما إذا حدث في المغازي فلا يقدم عليه غيره، اللهم إلا إن كان من ثقات الأئمة كموسى بن عقبة وغيره، أما ابن إسحاق فهو إمام أهل المغازي، والكلام في روايته عند أهل العلم معروف، الكلام فيه يستوعب مصنف، والتوسط في أمره أن يقال: صدوق، لكنه أيضاً مدلس، فيحتاج في روايته إلى التصريح بالتحديث أو السماع "عن حميد" بن أبي حميد الطويل، ثقة عند أهل العلم "عن -الصحابي الجليل- أنس -بن مالك- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة" يعني مفروضة "طاهراً أو غير طاهر" طاهراً أو غير طاهر،

ص: 12

"قال: قلت لأنس" يعني حميد يقول: "قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً" يعني لجميع الصلوات ما لم نحدث، على ما سيأتي في الحديث الذي يليه، يصلون الصلاة بوضوء واحد، قال: كيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً، فيصلون به الصلوات ما لم يحدثوا، يتصور أن الإنسان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد، هذا متصور لتقارب ما بين هذه الصلوات، لكن هل يصلي الظهر بوضوء الفجر أو الفجر بوضوء العشاء؟ هذا بعيد، لكن ذكر عن بعض أهل العلم أنه مكث سنين يصلي الفجر بوضوء العشاء، لكن مثل هذا يلزم عليه إحياء الليل كله، وما عرف عنه عليه الصلاة والسلام أنه أحيا ليلة كاملة كما تقول عائشة وغيرها، لكنه في العشر الأواخر على وجه الخصوص يشد المئزر، يشد المئزر فالظاهر أنه كان يُحيي الليل كله في العشر الأواخر، وأما ما عداها فلم يعرف عنه أنه أحيا ليلة كاملة، فالسنة أن ينام الإنسان ليتقوى بهذا النوم على عباداته من نافلة في قيام الليل أو صلاة الصبح يتقوى بها والجلوس بعدها إلى انتشار الشمس، فلا شك أن النوم إذا قصد به التقوي على العبادة فهو عبادة، يكون عبادة يؤجر عليه الإنسان.

"قال أبو عيسى: حديث حميد عن أنس حديث حسن غريب" قالوا: تفرد به محمد بن إسحاق، قاله الشارح وغيره، قالوا: غريب؛ لأنه تفرد به محمد بن إسحاق، لكن الحديث الذي يليه برقم ستين، قال:"حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن هو ابن مهدي قالا: حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصاري قال: سمعت أنس" فعمرو بن عامر متابع لحميد عن أنس، متابع لحميد عن أنس، وأيضاً: سفيان الثوري متابع لابن إسحاق فارتفعت الغرابة، اللهم إلا إذا كان يريد غرابة نسبية يعني من طريق حميد فقط فقد تفرد بالرواية عنه محمد بن إسحاق، فالغرابة هنا يمكن أن توجه بأنها نسبية.

ص: 13

"حسن غريب من هذا الوجه" يعني من طريق حميد فقط "والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس" الذي سيأتي ذكره في آخر الباب "وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً لا على الوجوب" يرى الوضوء لكل صلاة استحباباً لا على الوجوب، بل أكثر العلماء على ذلك، يعني استحباب تجديد الوضوء إذا فعل بالأول عبادة أكثر العلماء على استحباب التجديد، وذهب بعضهم إلى وجوب فعل ذلك لفعل النبي عليه الصلاة والسلام، أنه يتوضأ لكل صلاة، فيجب على المكلف أن يتوضأ لكل صلاة، لكن دلت الأدلة الأخرى أن مثل هذا العمل كان في أول الأمر ثم نسخ.

يقول ابن حجر في فتح الباري: اختلف السلف في معنى قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] الآية فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم محدثين، إذا قمتم محدثين، يعني منهم من قال: إذا قمتم من النوم، وهو داخل في كلام ابن حجر؛ لأن النوم مظنة للحدث، فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم محدثين ومن العلماء من حمله على ظاهره، وقال: الوضوء لكل صلاة، الوضوء لكل صلاة كان واجباً ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمه؟ هل نسخ أو استمر حكمه؟ ومما يدل على نسخه حديث عمرو بن عامر الذي يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.

وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي، ثم استقر الإجماع بعد ذلك على عدم الوجوب، يعني ارتفع الوجوب وبقي الاستحباب هذا في التجريد.

"وقد روي في حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) "

ص: 14

"قال: وروى هذا الحديث الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الأفريقي وهو إسناد ضعيف" الآن المؤلف -رحمه الله تعالى- قدم المتن مع الصحابي على الإسناد، الأصل أن يقول: حدثنا الحسين بن حريث المروزي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الجادة أن يقدم الإسناد ثم يذكر المتن، وهنا قدم المتن وأخر الإسناد، وأهل العلم يقولون: سواء قدم المتن أو أخر الإسناد لا فرق، لا فرق، المقصود أن الصورة واضحة، الإسناد متكامل سواءً قدم أو أخر، والمتن ما فيه إشكال، يعني سواءً قدم أو أخر، إلا عند ابن خزيمة في صحيحه، ابن خزيمة يرى بل نص على أنه إذا قدم المتن فإنه لا يقدمه إلا لعلة في الإسناد، إلا لعلة في الإسناد، والجادة عنده تقديم الإسناد على المتن فإذا أخره كان ذلك لعلة، وأما غيره من أهل العلم فلا يعرف عندهم تفريق.

قال" وقد روي في حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من توضأ على طهر -يعني مع كونه طاهراً- كتب الله له به عشر حسنات)) يحتمل أن يكون المراد كتب الله به عشر وضوءات، يعني كأنه توضأ عشر مرات، ويحتمل أن يكون أجره على هذا الوضوء عشر حسنات، وهل يكفي في الوضوء الحسنة الواحدة؟ حسنة واحدة ثم يكتب له بالتجديد عشر حسنات، أي حسنة يفعلها المسلم حسنة مقبولة فإنها تضاعف إلى عشر، فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، يعني فضل الله واسع؛ لأنه جاء في حديث عند أحمد في المسند وفيه كلام لأهل العلم قالوا: إن الله يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، إلى مليونين حسنة، فضل الله واسع، لكن الحديث فيه كلام لأهل العلم، يبقى أن أقل مضاعفة عشر حسنات، فما ميزة هذا الوضوء الذي يضاعف إلى عشر حسنات؟ أو نقول: إن هذا من باب الترغيب؟ الترغيب في تجديد الوضوء، وأنه يضعف إلى عشر حسنات كغيره، وأنه عمل صالح بدليل المضاعفة؟

ص: 15

يقول البغوي في شرح السنة: تجديد الوضوء مستحب إذا كان قد صلى في الوضوء الأول، وكرهه قوم إذا لم يصلي بالأول، ذكرنا سابقاً أنه إذا لم يصل بالأول سواءً تأخر عن الوضوء الأول أو صار قريباً منه، أكثر أهل العلم على أنه

طالب:. . . . . . . . .

نعم، لا سيما إذا قرب، يعني توضأ وانتهى، ثلاث وثلاث، ثم توضأ ثانية مباشرة لا شك أن هذه بدعة، لا يقول أحد لمجرد الكراهة، بل المتجه تحريم مثل هذا الفعل؛ لأنه زاد على ما شرع الله -جل وعلا-، متعبداً بذلك.

قال: ((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) قال: وروى هذا الحديث الأفريقي" تقدم اسمه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، والجمهور على تضعيفه، وإن قواه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه، لكن الجمهور على أنه ضعيف "عن أبي غطيف الهذلي" وهو مجهول، لا يدرى من هو؟ "عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي" وهو إمام ثقة من الطبقة العاشرة، "قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي" وهو أيضاً ثقة عابد "عن الأفريقي وهو إسناد ضعيف".

قلنا: إنه لضعف الإفريقي وجهالة أبي غطيف، لضعف الإفريقي وجهالة أبي غطيف "قال الإمام علي بن عبد الله السعدي المعروف بابن المديني، إمام من أئمة المسلمين، كأن الله -جل وعلا- خلقه لهذا الشأن، والأئمة الكبار يستصغرون أنفسهم عنده كأحمد وغيره "قال يحيى بن سعيد القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث فقال: هذا إسناد مشرقي" ما معنى مشرقي؟ استشكل كلمة مشرقي، يعني مقتضاها أن الرواة كلهم من المشرق، والإفريقي من إفريقية من المغرب، قال: هذا إسناد مشرقي، واستشكل كون في إسناده الإفريقي وهو مغربي، من إفريقية في المغرب، فالإشكال قائم، لكن بعض أهل العلم يطلق الكلام لأدنى مناسبة، فلعل سياق الحديث أو سياق الإسناد أو ما أشبه ذلك فيه شبه من سياق المشارقة، فيه شبه من سياق المشارقة، لا سيما من قبل الإفريقي نفسه؛ لأنه مغربي، والمغاربة لهم طريقتهم في سوق الأسانيد والمتون وتتبعهم لها، والمشارقة لهم ذلك فلعل هذا هو المراد وإلا فالأمر مشكل؛ لأن الإفريقي مغربي.

ص: 16

قال الترمذي رحمه الله: "سمعت أحمد بن الحسين يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان" يعني يحيى بن سعيد القطان هو الذي ذكر لنا الخبر السابق عن هشام بن عروة، وأمر آخر لعل هشام بن عروة يقصد من بعد الأفريقي، يعني من بعد الإفريقي في صياغة الإسناد؛ لأن الإفريقي بعد هشام بن عروة فوفاته بعده بخمسة عشر سنة، يقول أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، أحياناً يقول العالم: ما رأيت مثل فلان، بل ولا رأى مثل نفسه إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: ما رأيت مثل فلان، بل ولا رأى مثل نفسه هل معنى هذا أنه معجب بنفسه ما رأى أن غيره مثله؟ أو أن المراد أنا ما رأيت في شيوخي مثل فلان وهو أيضاً ما رأى في شيوخه مثله؟ ولو لم يصرح بذلك، يعني إذا نظرنا في الطبقات شيخ الشيخ أو شيوخ الشيخ مثلاً إذا جئنا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قد يقول ابن القيم: إني ما رأيت مثل شيخ الإسلام كلام حق، وقد يقول ابن القيم:"ولا رأى مثل نفسه" يعني شيخ الإسلام كلام حق؛ لأنه رأى شيوخه وعاصرهم وليسوا مثله، فشيخ الإسلام لا يقول: بأني ما رأيت مثل نفسي ما يمكن، لكن ابن القيم يقولها لجزمه بأن شيوخ شيخ الإسلام دونه في المنزلة، دونه في المرتبة في العلم والعمل، فيقال مثل هذا الكلام، ولا يظن به أن الشيخ صرح بذلك أنه ما رأى مثل نفسه؛ لأنه توجد مثل هذه العبارة كثير في التراجم فقد يظن طلاب العلم أن الشيخ نفسه قال هذا الكلام.

ص: 17

قال رحمه الله: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد -وهو القطان- وعبد الرحمن -وهو ابن مهدي وكلهم أئمة، محمد بن بشار شيخ الأئمة المعروف ببندار، ويحيى بن سعيد القطان إمام مثلما قال الإمام أحمد، وعبد الرحمن بن مهدي أشهر من نار على علم "قالا: حدثنا سفيان بن سعيد" بن مسروق الثوري وهو أيضاً ليس دونهم "عن عمرو بن عامر الأنصاري" وهو ثقة، كوفي ثقة "قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة" كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، وكان تدل على الاستمرار، وظاهره أن تلك عادته، أن تلك عادة النبي عليه الصلاة والسلام، ثم عدل عنها عام الفتح وقبل ذلك في خيبر، صلى الصلاتين بوضوء واحد، وسيأتي في الباب الذي يليه، عدل عن ذلك عام الفتح وقبله في خيبر "يتوضأ لكل صلاة، قلت" القائل عمرو بن عامر التابعي:"فأنتم" يعني الصحابة -رضوان الله عليهم- ما كنتم تصنعون؟ يعني يسأل أنس ومن بحضرته إن وجد من الصحابة فأنتم؛ لأنه جمع "فأنتم ما كنتم تصنعون؟ " أو يسأل أنس عن حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، "ما كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث" يعني بهذا القيد، أما إذا وجد الحدث فلا كلام؛ لأن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في البخاري وغيره، مخرج في البخاري وغيره "وحديث حميد عن أنس حديث جيد غريب حسن" حديث جيد غريب حسن، يعني جيد من الألفاظ النادرة عند الترمذي، يعني ما أطلقها إلا في مواضع يسيرة، حديث جيد غريب حسن، فإذا قال: جيد حسن فكأنه قال: حسن صحيح، عند أهل العلم جيد، مثل صحيح، إلا أن ابن حجر رحمه الله أبدى نكتة لطيفة وهو أن الترمذي لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، خدش يسير إما في الإسناد أو في المتن، ولولا ذلك لقال: حسن صحيح كعادته.

وفي إسناده –يعني حديث حميد عن أنس الذي تقدم- في إسناده ابن إسحاق وأيضاً الفضل بن محمد وعرفنا أنه صدوق وهو يخطئ، فلا شك أنه أنزل من حديث عمرو بن عامر عن أنس، ولذا قال:"هذا حديث حسن صحيح، وحديث حميد عن أنس حديث جيد غريب حسن".

طالب:. . . . . . . . .

ص: 18

إيش فيه؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا موجود في كثير من النسخ، في بعض النسخ موجودة.

يقول: الزيادة من عين، وهي زيادة لا بأس بها.

طالب:. . . . . . . . .

نعم، كلام الشيخ أحمد شاكر، طالب العلم ترى لا يمكن أن يستغني عن طبعة الشيخ أحمد شاكر، طبعة أحمد شاكر حقق جزأين فقط الأول والثاني، وأما الثالث فكمله محمد فؤاد عبد الباقي، وضعيف يعني إخراجه ضعيف، وهو أفضل من الرابع والخامس الذي وجودهما مثل عدمهما، إبراهيم عطوة عوض، وجودهما مثل عدمهما، فيعنى طالب العلم بالمجلدين أعني تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وإذا ضم إلى ذلك نسخة بشار عواد معروف فيجتمع له الأمران.

يقول: الزيادة من عين وهي زيادة لا بأس بها، وحديث حميد عن أنس متابعة جيدة لرواية عمرو بن عامر، واستغراب الترمذي له لا أوفقه عليه، فإن الحديث الغريب من ينفرد به أحد الرواة، والذي ينفرد .. ، وهذا لم يتفرد به حميد إلا إن كان يريد غرابته عن حميد نفسه، ولذا قيد قوله: غريب في بعض النسخ بأنه من هذا الوجه، وفي بعضها: من حديث حميد، ولا عبرة بقول الشارح إلى آخره، يعني الذي ذكرناه أولاً.

سم.

عفا الله عنك

باب: ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر: "إنك فعلت شيئاً لم تكن فعلته؟ قال: ((عمداً صنعته))

ص: 19

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وروى هذا الحديث علي بن قادم عن سفيان الثوري وزاد فيه: توضأ مرة مرة، قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وهذا أصح من حديث وكيع، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحباباً، وإرادة الفضل، ويروى عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات)) وهذا إسناد ضعيف، وفي الباب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوء واحد.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد" على خلاف عادته عليه الصلاة والسلام السابقة لخيبر أو الفتح، كان يصلي والصلوات بوضوء واحد، جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد، خلافاً لعادته لما اعتاده، ولذلك قال له عمر: إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟ قال: ((عمداً فعلته، أو صنعته)) ليبين الجواز، وأن ما كان يفعله سابقاً إنما هو على طريق الاستحباب أو لنسخ ما كان يصنعه سابقاً إن قلنا: إنه كان يفعله على جهة الوجوب.

قال رحمه الله: "حدثنا محمد بن بشار" مر ذكره مراراً "قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن علقمة بن مرثد" وثقه أحمد والنسائي "عن سليمان بن بريدة عن أبيه" هذا الإسناد صحيح لا مطعن فيه من وجه البتة "قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح" فلما كان عامَ أو عامُ؟ إذا قلنا: عامُ قلنا: كان تامة، يعني وجد في عام الفتح، وإذا قلنا أيضاً: عامَ فهو منصوب على الظرفية أو بحرف محذوف خافض، وإذا نزع الخافض انتصب ما بعده، عامَ يعني في عام الفتح.

ص: 20

"صلى الصلوات كلها بوضوء واحد" صلى الصلوات كلها، كلها مقتضاه أنه صلى الصلوات الخمس، لكن هو صلى ما اجتمع له مما أمكن اجتماعه من هذه الصلوات بوضوء واحد "ومسح على خفيه، فقال عمر: "إنك فعلت شيئاً لم تكن فعلته؟ " كذا في نسخة الشيخ، في بعض النسخ: تفعله "قال: ((عمداً)) وهذا تمييز ((فعلته)) أو: ((صنعته)) كما في بعض الروايات والنسخ، ((عمداً فعلته)) لبيان الجواز، والضمير في فعلته راجع لما ذكر في الحديث، راجع لما ذكر بالحديث.

"إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟ " هل المراد بقول عمر في هذا الاستفهام جمع الصلوات بوضوء واحد أو المراد به المسح على الخفين أو الجميع؟ لأن الضمير يعود الأصل إلى الجميع، لكن إذا لم يمكن عوده إلى الجميع فيعود إلى ما يمكن أن يعود إليه، ويخرج بالأدلة والقرائن ما لا يمكن عوده إليه "فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد ومسح على خفيه، ثم قال: ((عمداً فعلته)) " يعني ليس بسهو أو غفلة، لا، إنما فعله عمداً ليبين الجواز، لبيان الجواز؛ لأنه لو استمر على الصلوات كل صلاة بوضوء مستقل واستمراره من عدم إخلال على ذلك يدل على الوجوب مع الأدلة الأخرى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] ونحوها.

والضمير في فعلته راجع للمذكور، وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد، وبعضهم يقول: والمسح على الخفين أيضاً، والوجه أن يكون راجعاً إلى الصلوات فقط، إلى الصلوات فقط، وأما المسح على الخفين فكان قبل ذلك.

ص: 21

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ولا إشكال في صحته؛ لأن إسناده متصل، ورجاله ثقات، ومخرج في صحيح مسلم، يعني لا كلام في الحديث، أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه، قال:"وروى هذا الحديث علي بن قادم" الخزاعي الكوفي، صدوق "عن سفيان الثوري وزاد فيه: توضأ مرة مرة" توضأ مرة مرة،، علي بن قادم صدوق تقبل زيادته، تقبل زيادته عند من يقبل الزيادات مطلقاً، وأما من ينظر إلى الإثبات والنفي بالقرائن فإنه يقول: السند الذي كالشمس ما ذكر فيه مرة مرة، والذي دونه ذكر فيه مرة مرة، ولو كانت هذه محفوظة لذكرها الأئمة: عبد الرحمن بن مهدي وسفيان، ومن سواهم من رجال الإسناد، فقد تعل هذه الرواية بأنها لم تذكر في رواية الثقات، ومن يقبل الزيادات مطلقاً يلزمه قبول هذه الزيادة.

ص: 22

"قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث" وعلى كل حال هذه الزيادة لها ما يشهد لها من أدلة أخرى، المقصود أنه توضأ وضوءاً مجملاً بينته هذه الزيادة، ولو لم توجد هذه الزيادة فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ مرة مرة "قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار" محارب بن دثار السدوسي الكوفي القاضي، ثقة إمام زاهد "قال: وروى سفيان الثوري هذا الحديث أيضاً عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة" هذه الرواية هذا الطريق مرسل بلا شك؛ لأن سليمان بن بريدة لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يروي هذا الخبر عن أبيه "ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه" نعم يروى عن محارب من طريقين، عن سفيان عن محارب من طريقين، الأول يرويه سفيان الثوري عن محارب عن سليمان بن بريدة مرسلاً "ورواه وكيع عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، قال: ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا أصح من حديث وكيع" يعني حديث وكيع المتصل، حديث وكيع المتصل، الذي أشار إليه بقوله: "ورواه وكيع عن سفيان عمن محارب عن سليمان بن بريدة عن أبيه، رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً" فرجح رواية عبد الرحمن بن مهدي لموافقة غيره له على رواية وكيع لتفرده بها وإن كان إماماً، وإن كان إماماً، ومعلوماً أن الوصل والإرسال إنما هو في رواية محارب، أما رواية علقمة بن مرثد الذي تقدمت فإنه موصول على كل حال.

ص: 23

قال: "رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا أصح من حديث وكيع" فالمرسل عند الترمذي هنا أصح؛ لأن رواته أكثر، والاختلاف إنما هو في رواية محارب فقط، أما الرواية الأولى فهي سالمة من هذا الاختلاف، وإذا اختلف في الوصل والإرسال بالنسبة للخبر، في الوصل والإرسال، يرويه بعضهم مرسلاً ويرويه بعضهم موصولاً، فالخلاف بين أهل العلم في الترجيح بين هذه الروايات المختلفة معروف، وفيها أقوال، منهم من يقول: الحكم لمن وصل؛ لأن الوصل زيادة ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، ووكيع إمام، هذا الوصل زيادة من إمام الذي هو وكيع فلا مناص ولا مفر من قبولها، وأطلق الاتفاق على ذلك، "بعضهم حكى بذا إجماعاً" كما قال الحافظ العراقي، ومنهم من يقول: الحكم لمن أرسل؛ لأن الإرسال هو المتيقن، وذكر بريدة في الخبر مشكوك فيه، مرة يذكر ومرة ما يذكر، فهو مشكوك فيه فالحكم لمن أرسل.

ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، ولا شك أن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد كما قال الإمام الشافعي، ومنهم من قال: الحكم للأكثر، وهذان القولان يؤيدان قول الترمذي كالقول الذي قبله، يعني ثلاثة أقوال تتظافر في ترجيح كلام الترمذي، الحكم لمن أرسل هذا يؤيد كلام الترمذي، الحكم للأكثر هذا أيضاً يؤيد كلام الترمذي، الحكم للأحفظ ولا شك أن الأكثر أحفظ، فالجماعة أولى بالحفظ من الواحد كما قال الإمام الشافعي، فالمرسل أصح؛ لأن الرواة أكثر، والكلام كله في رواية محارب بن دثار، أما الرواية الأولى فلا كلام فيها، مخرجة في صحيح مسلم ومتصلة ما فيها إشكال.

ص: 24