المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد:

القرآن يسره الله -جل وعلا- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(22) سورة القمر] القرآن ميسر، ومع ذلك يحتاج إلى متابعة، وهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها، أشد تفلتاً فعلى من يحفظ أن يكثر المراجعة، ولا يكلف نفسه أكثر مما يطيق يختبر حافظته إن كان يستطيع أن يحفظ وجه صفحة أو وجهين ورقة يختبر نفسه أو لا يستطيع يحفظ خمس آيات نصف وجه، ثلاث آيات، آيتين، آية إذا كان لا يستطيع ويش المانع؟ وإذا حفظ آية في كل يوم في عشرين سنة ينهي القرآن، أحسن من لا شيء، ولو حفظ ورقة في أقل من سنة ينهي القرآن، على كل حال يختبر الإنسان نفسه فإذا استقر أمره على قدر معين، آية، آيتين، ثلاث، خمس، صفحة صفحتين، على قدر استطاعته، يجعل هذا حزب ورد يومي يكرره حتى يحفظه، ثم بعد ذلك يقرأ الحزب الذي يليه، ثم من الغد يراجع ما حفظه بالأمس خمس مرات، ويحفظ الورد الذي يليه الخمس الآيات الثانية، ثم بعد ذلك في اليوم الثالث يقرأ نصيب اليوم الأول الذي حفظه في اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني خمس مرات، ثم في اليوم الرابع يقرأ ثلاث مرات، أربع مرات، خمس مرات، ويحفظ نصيب اليوم الجديد، في اليوم الخامس يقرأ مرتين، ثلاث، أربع، خمس .. إلى آخره، بهذه الطريقة يحفظ ويتقن الحفظ، وعليه أن يثابر ويتابع، والله يهدي إلى سواء السبيل.

اللهم صل على محمد.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

‌باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد:

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن جابر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ص: 17

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد" والنهي: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) الأصل فيه التحريم، وعلى هذا فالكراهية هنا كراهية التحريم.

"باب: كراهية البول في الماء الراكد" الراكد جاء تفسيره في رواية البخاري: الذي لا يجري، وهو الدائم، كما جاء في بعض الروايات.

قال رحمه الله: "حدثنا محمود بن غيلان" العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي، ثقة من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين، يعني ومائتين.

قال: "حدثنا عبد الرزاق" بن همام الصنعاني، إمام معروف "عن معمر" بن راشد، ثقة حافظ "عن همام بن منبه" بن كامل الصنعاني المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" وهذه جملة من الصحيفة صحيفة همام عن أبي هريرة المشتملة على أكثر من مائة وثلاثين جملة، يعني أكثر من مائة وثلاثين حديث، ساقها الإمام أحمد مساقاً واحداً، في مسند أبي هريرة، وانتقى منها الإمام البخاري ما انتقى، ومسلم انتقى منها أيضاً، لكن جرت عادة البخاري رحمه الله أنه إذا أراد شيئاً من هذه الصحيفة مما يحتاجه، مما يستدل به على ما ترجم عليه "قال: عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم))

إلى آخره.

وأما بالنسبة للإمام مسلم فهو ينتقي من هذه الصحيفة ويقول: فذكر أحاديث لما يذكر الإسناد يقول: فذكر أحاديث منها: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) هذه طريقة البخاري وهذه طريقة مسلم ليدلا على أن الحديث ليس بمستقل يعني كامل بهذا السياق، إنما هو قطعة من أحاديث.

"عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولن)) "(لا) هذه ناهية، ويبولن: فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية منع منه البناء؛ لأن المضارع هنا مبني على الفتح، المضارع مبني على الفتح ومحله الجزم بـ (لا) الناهية، مبني على الفتح لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد المباشرة التي لم يفصل بينها وبين الفعل بفاصل.

. . . . . . . . .

وأعربوا مضارعاً إن عريا

من نون توكيد مباشر ومن

. . . . . . . . .

ص: 18

فإذا كانت نون التوكيد مباشرة ملتصقة بالفعل بني على الفتح، يعني جاء في التحذير من ترك الجمعة:((لينتهين أقوام)) هذا مبني؛ لأن النون متصلة بالفعل ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين)) ليكونن هذا ما هو بمبني هذا معرب؛ لأن النون فصل بينها وبين الفعل بالواو، واو الجماعة.

" ((لا يبولن أحدكم)) " وهو شامل للذكر والأنثى " ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) " في البخاري: ((الذي لا يجري)) وهو تفسير للدائم، وجاء بلفظ:((الراكد)) " ((ثم يتوضأ منه)) " وعند الشيخين وغيرهما: ((ثم يغتسل فيه)) يتوضأُ ويغتسلُ هنا قال ابن حجر: بضم اللام على المشهور: يغتسلُ ومثلها ثم يتوضأُ، إذا كانت ثم عاطفة فشأن الفعل أن يكون مجزوماً؛ لأنه معطوف على مجزوم، لكن لماذا قال: المشهور ضم اللام ثم يغتسلُ؟ لأن يغتسل أو يتوضأ كما في لفظ الحديث الذي معنا ليس من عطف الفعل على الفعل، وإنما هو من عطف جملة على جملة، فيقدر هو ثم هو يغتسل منه، ومثله حديث:((لا يضرب أحدكم امرأته ثم يضاجعها)) لأنه قد يحتاج إليها، ثم هو يضاجعها، فلا يكون معطوف الفعل على الفعل، وهنا:((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) ثم يحتاج إليه فهو يتوضأ منه، أو يغتسل منه، هذا على القول المشهور أو الرواية المشهورة بضم اللام.

وقال ابن مالك: يجوز الجزم عطفاً على يبولن؛ لأنه مجزوم الموضع بـ (لا) الناهية، يبولن مجزوم، وإن كان مبنياً على الفتح لكنه مجزوم بـ (لا) الناهية، ويجوز أن يعطف عليه بالجزم ثم يتوضأ منه، هذا قاله ابن مالك: يجوز الجزم عطفاً على يبولن؛ لأنه مجزوم الموضع بـ (لا) الناهية.

بعضهم قال: لا يجوز الجزم؛ لأنه لو جاز لقال: ولا يغتسلن، أو ولا يتوضأن، كما قال: لا يبولن، لكن لا يمنع أن يعطف الفعل غير المؤكد على الفعل المؤكد، لا يمنع أن يعطف الفعل غير المؤكد على المؤكد، وذلك للتفاوت بينهما، النهي عن الاغتسال مثل النهي عن البول؟ لا، تأثير البول في الماء أشد من تأثير الاغتسال ومن تأثير الوضوء فلا مانع من العطف حينئذٍ، ولو لم يؤكد الثاني.

قال القرطبي: لا يجوز النصب، ومنهم من قال: يجوز النصب ثم يتوضأَ.

ص: 19

يقول القرطبي: لا يجوز النصب إذ لا تضمر (أن) بعد (ثم)، نعرف أن (أن) تضمر بعد واو المعية، وبعد فاء السببية، إذا تعقبت الأمور التسعة المعروفة عند النحاة.

لا تضمر (أن) بعد (ثم) وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكم الواو، تعطى ثم حكم الواو، وحينئذٍ يجوز النصب، وتعقبه النووي تعقب ابن مالك، إذا قلنا: بجواز النصب تعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون النهي عن الأمرين معاً، النهي عن الجمع بين الأمرين، ولا يدل على النهي عن البول وحده أو الاغتسال والوضوء وحده، وهذا يبطل فائدة الحديث على حد زعم النووي؛ لأنه إذا قلنا: النهي عن الأمرين معاً، جاز البول وحده، وجاز الوضوء وحده، وفي الأحاديث ما يدل على منع البول وحده، وما يدل على منع الاغتسال وحده، فهذا يبطل دلالة هذا الحديث، هذا كلام النووي.

وقال ابن دقيق العيد: أنه لا يلزم أن تؤخذ جميع الأحكام من حديث واحد، يعني يؤخذ تحريم البول وحده من إفراده في بعض الروايات، ويؤخذ تحريم الاغتسال والانغماس وحده مما جاء في بعض الروايات، ويؤخذ الجمع بينهما من رواية النصب، من رواية النصب التي جوزها ابن مالك.

وقال ابن دقيق العيد: إنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث على رواية النصب إن ثبتت وإلا هذا مجرد تجويز من ابن مالك، ويؤخذ الإفراد من حديث آخر، فجاء عند مسلم من حديث جابر:"نهى عن البول في الماء الراكد" وعنده من حديث أبي هريرة: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) فجاء النهي عن البول وحده، وجاء النهي عن الاغتسال وحده، والجمع بينهما من باب أولى، سواءً ثبتت رواية النصب أو لم تثبت، سواءً ثبتت رواية النصب أو لم تثبت؛ لأن النصب تجويز من ابن مالك، ولم يذكر في ذلك رواية، وعلى كل حال إذا ثبت البول وحده والاغتسال وحده يثبت من باب أولى الجمع بينهما، يثبت النهي عن الجمع بينهما من باب أولى.

((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)) قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح" ومخرج في الصحيحين وغيرهما، حديث الجماعة، "وفي الباب عن جابر" عند مسلم نهى عن البول في الماء الراكد، هذا عند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 20

البول المقصود به: إيصاله إلى الماء بأي طريقة أو وسيلة، ولا يختلف أن يبول فيه مباشرة، أو يبول في إناء ثم يصبه فيه، أو يبول خارجه ثم ينساب إليه كل هذا لا يختلف إذا قصد من المكلف، ومن لازم المذهب عند الظاهرية أنه إذا بال في إناء ثم صبه فيه لا يدخل في النهي، وهذا لائق بظاهريتهم، والنهي عن البول عند الجمهور من باب أولى ما هو أشد منه، كالغائط من باب أولى، لكن عند الظاهرية أن التغوط فيه ما فيه إشكال، وهذا لازم على مذهبهم، من حيث الجمود على الظاهر، لكن عامة أهل العلم على أن التغوط أشد وهو من باب أولى لا يجوز.

((أحدكم في الماء الدائم)) الدائم هو الساكن، وهو الذي لا يجري، والدائم من الأضداد يطلق على الساكن كما أنه يطلق على المتحرك، فهو من الأضداد كما بين ذلك ابن الأنباري وغيره، والمراد به هنا ما جاء تفسيره في بعض الروايات أنه الذي لا يجري وهو الراكد.

((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه)) في بعض الروايات: ((ثم يغتسل فيه)) وسئل أبو هريرة ماذا يصنع؟ قال: يتناوله تناولاً.

منهم من يقول وهذا قريب جداً من مذهب الظاهرية أنه يتحايل على الماء الدائم فيلقى فيه حصاة مثلاً فإذا تحرك انغمس فيه، انتفى عنه الوصف، وهذا قريب من رأي الظاهرية، يتحايل عليه.

من أنواع الماء ما له معين ينبع مستمر مثل العيون الكبيرة التي لها معين فالماء فيها متجدد، ومثل ذلك الماء، البرك التي فيها فلتر، فلتر معروف في المسابح فلتر، يجدد الماء ويغيره باستمرار فهل هذا نقول: راكد وإلا ساكن؟ هذا حكمه حكم الجاري.

هناك قاعدة من قواعد ابن رجب في الماء الراكد أو الماء الجاري هل حكمه حكم الماء الراكد أو كل جرية لها حكم الماء المنفصل؟ فتراجع هذه في أوائل قواعد ابن رجب، وفيها فروع تنفع في شرح هذا الحديث.

ص: 21