الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذه صفة المنافقين -نسأل الله العافية- {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَاّ قَلِيلاً} [(142) سورة النساء] وبعض المسلمين لا يقوم إلى الصلاة إلا وهو كسلان، إذا أيقظ لصلاة الصبح تجده يتثاقل ويتلوم ويتبرم ولا يقوم إلا على حد الإقامة أو بعد الإقامة، لا يقوم إلا وهو كسلان، هل نقول: إنه بهذا الوصف صار منافقاً؟ هو أشبه المنافقين، لكن ليس بمنافق، والفرق بينه وبين المنافق أن المنافق لولا رؤية من يراه ما صلى أصلاً، إنما يصلي من أجل الناس، وهذا المسلم يصلي ولو لم يره أحد، لكنه أشبه المنافقين بالتثاقل عنها.
((فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) والحديث عند مسلم وأبي داود والنسائي "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في مسلم وغيره.
سم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر:
حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه".
وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه، ووجدت في كتابي أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج وحدثنا بشر بن معاذ البصري قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه وهذا أصح.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر" تأخير صلاة العصر لا يراد به التأخير الذي يراه الحنفية من اعتصار وقتها إلى آخره قبيل أن تصفر الشمس، ليس هذا هو المراد، وإنما يراد به عدم العجلة والمبادرة في صلاة العصر بعد دخول وقتها مباشرة؛ لأنه في الحديث الأول قد يفهم منه أنه بمجرد مصير ظل كل شيء مثله تقام الصلاة، يؤذن لها ثم تقام، لا، تؤخر قليلاً، تأخيراً نسبياً، والتقديم والتأخير أمور نسبية، فالتعجيل بحيث لا يتمكن المصلي من الوضوء، وصلاة أربع ركعات التي جاء الحث عليها، خلاف هديه عليه الصلاة والسلام، هذا التعجيل خلاف هديه عليه الصلاة والسلام، لكن التأخير إلى ما يراه الحنفية وغيرهم أيضاً هو خلاف هديه عليه الصلاة والسلام، إنما تؤخر بعد دخول وقتها تأخيراً يمكن من الاستعداد لها، وصلاة أربع ركعات، وقراءة شيء يسير من القرآن لمن تعجل، بحيث يلحق من تأخر شيئاً يسيراً، ولا يعد هذا تأخير، وإنما هو تأخير نسبي، وليس التأخير الذي يحتج به الحنفية.
قال رحمه الله: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر".
قال: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلاً للظهر منكم" يعني يبادر بصلاة الظهر وأنتم تؤخرونها، "وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" والتعجيل والتأخير المذكوران في الحديث لا يعني أنه تعجيل لا يمكن من فعل ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام ويحث عليه من فعل الرواتب، والتأخير لا يعني أكثر من ذلك، إنما هو تعجيل وتأخير نسبي، أحياناً تجد بعض الأئمة يعجل صلاة بالنسبة لسائر الناس، ويؤخر أخرى بالنسبة لهم.
دعونا من بعض الناس الذين يفعلون ذلك تبعاً لظروفهم وفراغهم وشغلهم؛ لأنه يوجد من الناس من يفعل هذا، إذا كان لديه ارتباط وإلا شيء عجل، وإن كان ارتباطه قبل الصلاة أخر، هذا لا عبرة به، لكن بعض الناس يكون عنده ديدن يعجل الظهر مثلاً ويؤخر العصر، لملاحظة بعض الأمور الطارئة التي قد تكون بالنسبة لبعض المصلين معه؛ لأن هناك حدث أمور، ولها أثر، فعند الناس ما كان عندهم دوام يلتزمون به، الناس عندهم دوام الآن، فبعض المسئولين يقول: نؤخر صلاة الظهر إلى قبيل نهاية وقت الدوام، لماذا؟ لأن إقامة الصلاة في أثناء الدوام تخل بالدوام، وما دمنا في الوقت ما المانع أن نؤخرها من أجل أن يجتمع الموظفون وكلهم يصلون ثم ينصرفون؟ وهذا يفعل في بعض المدارس، يؤخرون الصلاة إلى قرب نهاية الدراسة ثم بعد ذلك يصلون فينصرفون، وقد يعجلون العصر مثلاً لا سيما إذا كان الدوام في رمضان لئلا يشق عليهم أن يؤخروا الصلاة بعد وقت الدوام بكثير يصلون ثم ينصرفون إلى بيوتهم ليرتاحوا بعد الدوام.
هناك أمور لا شك أنها أثرت على أداء الصلوات تقديماً وتأخيراً، يعني في إطار الوقت الشرعي، وقد يكون وجد عند هؤلاء ما يقتضي شيئاً من ذلك، فهم يؤخرون الظهر أكثر مما كان يؤخرها النبي عليه الصلاة والسلام لأمور اقتضت ذلك، وإذا كانت هناك أعذار تبيح ترك الجماعة عند أهل العلم فلئن يباح تأخير الصلاة شيئاً يسيراً عن وقتها -تأخيراً نسبياً- يكون من باب أولى، نظراً للمصالح الراجحة، وأم سلمة تقول:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" يعني أنهم يعجلون العصر، لا يؤخرونها، لكنهم يعجلونها أكثر من تعجيل النبي عليه الصلاة والسلام "وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" بخلاف الظهر.
وقلنا: إن التعجيل والتقديم والتأخير أمور نسبية، ولا يراد بذلك التعجيل إما قبل وقتها أو في أول وقتها الذي لا يمكن معه المصلي من ما ندب إليه أو لا يتمكن من القيام بشروط الصلاة قبلها، هذا التعجيل ليس بمطلوب، وليس من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يؤذن فيقيم، إلا ما كان في وقت الجمع بين الظهرين بعرفة، والعشاءين بمزدلفة.
"قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث عن إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه" عن ابن جريج يعني بدل عن أيوب، عن ابن جريج يعني بدلاً من أيوب، وكلاهما عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، فهذه متابعة لابن جريج أو من ابن جريج لأيوب السختياني، وكلاهما ثقة.
قال: "ووجدت في كتابي: أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم -هو ابن علية- عن ابن جريج وحدثنا بشر بن معاذ البصري قال: حدثنا إسماعيل بن علية -بشر بن معاذ متابع لعلي بن حجر- قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه وهذا أصح".
قوله: "وجدت في كتابي"
…
إلى آخره، هذه زيادات من نسخة من النسخ يذكر فيها من تابع علي بن جعفر وبشر بن معاذ ومن تابع أيوب وابن جريج.
هذه لا توجد في أكثر النسخ، "وجدت في كتابي" هذا يسمى وجادة وإلا ما يسمى وجادة؟ وجدت في كتابي، الرواية بالوجادة من طرق التحمل المعروفة عند أهل العلم، وإن كان أكثرهم يحكم عليها بالانقطاع، ويقول: إن فيها شوب اتصال، وجدت في كتابي، هل بالضرورة أن يكون قد رواه مباشرة عن شيخه هذا؟ ومن القائل: وجدت في كتابي؟ هل هو الترمذي أو الراوي عنه؟ الذي يظهر أنه في كتاب الراوي عن الترمذي، وجدت في كتابي عن المؤلف -رحمه الله تعالى-، قال: أخبرنا علي بن حجر، فهذه وجادة، فهل رواها عن الترمذي بطريق الإخبار كما في سائر الكتاب أو وجدها وجادة في كتابه من غير رواية بالتحديث أو الإخبار؟ وكثيراً ما يقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي، وهذا موجود في المسند كثير.
فالرواية بالوجادة معروفة عند أهل العلم لكنها المحكوم عليها عند أكثرهم بالانقطاع، قالوا: وفيها شوب اتصال، لكن لا بد أن يجد بخط شيخه الذي لا يشك فيه؛ لأنه قد يجد كلام في كتابه أُدخل بغير خط الشيخ، وحينئذٍ لا يجوز له أن يرويه عنه، يعني التعاليق، التعليقات على الكتب من هذا النوع، تجد كتاب عليه تعليق، اشتريته مستعمل وجدت عليه تعليقات بخط شخص لا تشك في خطه تقول: وجدت بخط فلان، وإذا كنت لا تعرف الخط تقول: وجدت بخط أو وجدت على هامش كتاب كذا خط نسبة قول إلى قائل مثلاً، وجدت معلقاً عليه اختار شيخ الإسلام ابن تيمية كذا، هل تنسب هذا القول لشيخ الإسلام أو تذكر أنه وجادة؟ وجدته على حاشية كتاب الترمذي منسوب إلى شيخ الإسلام، فمثل هذا لا يجزم بنسبته حتى تجزم بخط الكاتب وأنه ثقة إذا نسب لا ينسب إلا عن تيقن، أما إذا شككت في الخط فلا تنسب.
وعلى كل حال التثبت في مثل هذا لا سيما فيما يشك فيه مطلوب، أما إذا كان معروف مشهور عن شيخ الإسلام أنه يقول مثل هذا الكلام هذا لا ما يحتاج تطلب له تأكد ولا سند، فما يوجد بحواشي الكتب هل تنسب إلى من نسبت إليه، مثلاً وجدت الترمذي قرئ على الشيخ فلان، وعليه تعليقات، هل تجزم أن هذه التعليقات من الشيخ فلان أو قد تكون اجتهادات من صاحب النسخة؟ منها ما هو اجتهاد؛ لأن بعض الطلاب يجتهد ويراجع الشروح وينقل من الشروح ويعلق، فلا تجزم بنسبة هذا الكلام إلى الشيخ وإن قلت: وجدت بحاشية كتاب الترمذي أو جامع الترمذي المقروء من قبل فلان ابن فلان على فلان، تبين الواقع كما هو؛ لأن من بركة العلم إضافة القول إلى قائله، لكن أسوأ من هذا بكثير أسوأ من ترك الإضافة أن يضاف القول خطأ إلى غير قائله.
"وجدت في كتابي قال: أخبرني علي بن حجر" يقول الشيخ أحمد شاكر: هذه الزيادات من أول قوله: "ووجدت في كتابي" من نسخة (ع) وهي زيادات جيدة زاد لنا بها إسنادان لهذا الحديث، زاد بها إسنادان لهذا الحديث، وأراد الترمذي -لأنه قال في الأخير: وهذا أصح- وأراد الترمذي بكل هذا أن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية روي عنه هذا الحديث من طريقين، أحدهما: عن ابن جريج والآخر عن أيوب، ورجح الترمذي أن الأصح أن ابن علية رواه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة.
أيوب ثقة حافظ لا مغمز فيه ولا مطعن، وابن جريج كذلك ثقة، لكن ما الذي جعل الترمذي يرجح رواية ابن جريج على رواية أيوب؟ وهل نحن بحاجة إلى هذا الترجيح أو لسنا بحاجة؟ لأنه ما في اختلاف ولا تعارض؟ نعم اختلاف في إسناد، لكن ما في تعارض في المتن، ألا يمكن أن يروى الحديث من طريقين من طريق أيوب عن ابن مليكة ومن طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة؟ هذا مثل ما ذكرنا مراراً أن هذه وظيفة المتأخر، ليس عنده أكثر من هذا، لكن الأئمة قد يحكمون على حديث يرويه أيوب بأنه خطأ، وما تجد فيه مخالفة ولا معارضة، يقول: أخطأ فيه أيوب، وهو ثقة حافظ ثبت، ما في أدنى إشكال، والسبب ما أشرنا إليه في درس الأمس؛ لأن عندهم من القرائن ما يستدلون به على خطأ بعض الرواة، وضبط بعضهم، وإن كان الجميع ثقات، وليس عندنا من القرائن ما نستدل به على مثل ما فعلوا.
يقول الشيخ أحمد شاكر: "وهي زيادات جيدة زاد لنا بها إسنادان لهذا الحديث، وأراد الترمذي بكل هذا أن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية روي عنه هذا الحديث من طريقين: أحدهما عن ابن جريج والآخر عن أيوب، ورجح الترمذي أن الأصح أن ابن علية رواه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة".
يقول: "وهذا الترجيح عندنا تحكم لا دليل عليه" إن أراد بالدليل الذي نفاه دليل ظاهر يدركه كل أحد فهذا الكلام صحيح، وإن أراد أن الدليل من القرائن الخفية التي تخفى على المتأخر ويدركها المتقدم فكلامه ليس بصحيح، يقول: وهذا الترجيح عندنا تحكم لا دليل عليه؛ لأن علي بن حجر رواه عن ابن علية على الوجهين كما ترى، وعلي بن حجر ثقة حافظ متقن، فلا نرميه بالوهم في روايته عن ابن علية في أيوب إلا لدليل صحيح قوي، ولم يوجد.
مثل ما قلنا: إذا أراد بالدليل الظاهر الذي يدركه كل أحد من متقدم ومتأخر نقول: كلامك صحيح، ما فيه شيء، وإن أراد بالدليل الخفي من القرائن التي لا يدركها إلا من عاش في عصر الرواية، أو ساوى ووازى من عاش في عصر الرواية بكثرة المروي والمحفوظ فنقول: هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الإمام قد يقول هذا الكلام خطأ، طيب ليش خطأ؟ الله أعلم، ما يذكر لماذا صار خطأ، وهذا أكثر تعليل الأئمة الكبار بهذه الطريقة، ابن أبي حاتم يقول: سألت أبي وأبا زرعة عن كذا فقالا: خطأ، منكر، ويش الدليل؟ ما ذُكر، فمن تأخر عنهم قد لا يدرك بعض هذه الأمور.
قال: وأما رواية بشر بن معاذ وغيره للحديث عن ابن علية عن ابن جريج فإنما تكون تأييداً لرواية ابن حجر الثانية، وإثباتاً لأن ابن جريج حفظه عن ابن علية من الطريق الأخرى، يعني كونه جاء من طريقين، من طريق علي بن حجر وبشر بن معاذ كلاهما عن إسماعيل بن علية عن بن جريج لا يعني أن ما جاء عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية عن أيوب خطأ، هذا ما يريد أن يقرره الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.