المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٣٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها:

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) لكن إذا لم توجد المشقة، وجد أناس يتفقون جماعة يتفقون على التأخير ولا يشق على واحد منهم، لا سيما إذا كانوا في غير مسجد مرتب ينتابه الناس، إذا كانوا في صحراء مثلاً أو في استراحة لا يستمعون فيها النداء وهم مجموعة لو تواطئوا على تأخير العشاء إلى ثلث الليل كان ذلك أفضل تحقيقاً لهذه الرغبة النبوية ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) (أو) هذه شك من الراوي؛ لأن الثلث غير النصف، هكذا قرر جمع من الشراح، ومنهم من يقول: إنها للتنويع، فالأوقات تتفاوت وتتنوع، فليالي الصيف مثلاً تصلى الصلاة في الثلث الأول؛ لأنه لو أخرت إلى النصف ما بقي من الليل ما يكفي الإنسان لنومه، وفي الشتاء لو أخرت إلى النصف كان أولى؛ يبقى من الليل ما يكفي النائم، وكونها للشك أوضح من كونها للتنويع.

قال رحمه الله: "وفي الباب عن جابر بن سمرة" عند أحمد في المسند وعند مسلم، وأما حديث جابر بن عبد الله فهو في الصحيحين، الذي في الصحيحين حديث "جابر بن عبد الله" وأما حديث جابر بن سمرة فهو عند الإمام أحمد في المسند وعند الإمام مسلم "وأبي برزة" نضلة بن عبيد عند البخاري ومسلم أيضاً "وابن عباس" عند البخاري والطبراني "وأبي سعيد الخدري" عند أحمد وأبي داود "وزيد بن خالد" ينظر من أخرجه، "وابن عمر" عند مسلم.

"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده

قال رحمه الله: "وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم، ورأوا تأخير صلاة العشاء، وبه يقول أحمد وإسحاق" والليث وكثير من محدثي الشافعية؛ لأحاديث كثيرة دلت على التأخير، منها حديث الباب، وما جاء فيه مما أشار إليه الإمام الترمذي.

سم.

‌باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها:

ص: 14

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عوف قال أحمد: وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها".

وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس.

قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم.

وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان، وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

ص: 15

"باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها" والسمر هو السهر، والتحدث بالليل، وترك النوم، ولا شك أن هذا مكروه، منصوص عليه في حديث الباب "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها" وإذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا العكس تماماً، نجد من ينام المغرب، نجد من ينام العصر وتفوته صلاة المغرب، نجد من ينام المغرب وتفوته صلاة العشاء، كل هذا من أجل الاستعداد للسهر مع الأصحاب والأقران، ما يتصبر حتى يصلي العشاء ثم ينام، يخشى أن يفوته شيء من مجلس أصحابه وأقرانه، وليت هذه المجالس تعمر بذكر الله وما ينفع، لكنها مبنية على القيل والقال غالباً، والناس لا سيما في الإجازات يقلبون السنة الإلهية بدلاً من أن يكون الليل سكن يكون فيه السهر إلى طلوع الفجر، ومنهم من يسهر إلى قبيل طلوع الفجر ثم ينام عن صلاة الصبح، وأما بالنسبة لقيام الليل، وقراءة القرآن، وإحياء الليل بما ينفع فهذا لا يوجد إلا ما ندر، ومن يعمر ليله بالقيل والقال في الكلام المباح فضلاً عن المكروه والمحرم تجده لا يعان على قيام الليل، يسهر إلى قبيل الصبح فإن كان من الحريصين على إبراء الذمة نعم يجعل من يوقظه لصلاة الصبح وإلا يعذر نفسه بالنوم؛ لأن القلم رفع عن النائم، ثم لا ينتبه إلا بعدما ينتشر النهار، هذا حال كثير من الناس في هذه الأيام، بعض الأخيار يسهر ويقول: البخاري ترجم على السهر: باب السمر في العلم ونحوه، ونحن تمر في مجالسنا بعض المسائل العلمية، لكنها وإن مرت إلا أنها غير مقصودة، يعني هذه المجالس ما قصدت من أجل إحياء الليل بالعلم، لا، إنما قصدت للقيل والقال، قد يمر بمسألة ليست مقصودة، لكن مثل هذا لا يدخل فيما ترجم عليه البخاري رحمه الله، وإنما يدخل في السمر المذموم المكروه، لكن إذا سهر الإنسان وحفظ لسانه عن فضول الكلام مع أنه إذا حفظ لسانه عن فضول الكلام ماذا يستفيد من السهر؟ حفظ اللسان من فضول الكلام يدعوه إلى النوم، ويعينه على القيام، لكن الإشكال إذا لم يستطع حفظ هذا اللسان عن فضول الكلام والاسترسال في الفضول هو الذي يميت القلب، ويمرض القلب، فضول الكلام، فضول الأكل، فضول الخلطة، فضول النوم،

ص: 16

فضول البصر، فضول السمع، هذه المنافذ إلى القلب لا شك أنها هي أسباب مرضه ثم موته، فإذا قال: أنا أسهر لكن لا أرتكب محرم، نقول: تسهر لأي شيء؟ قال: نسمر مع الإخوان، ونتجاذب أطراف الحديث المباح، نقول: العادة جرت بأن من يسترسل في الكلام المباح لا بد أن ينجر إلى الكلام المكروه، الذي تركه أولى، ثم بعد ذلك ينفذ هذا الكلام المكروه، ولا بد من الكلام، لا يمكن أن يجلسوا بدون كلام، ثم يضطرون إلى أن يقربوا من الحرام كالراعي يرعى حول الحمى.

وهذا موجود في جميع استعمال المباحات من الكلام والنظر والاستماع والأكل والشرب واللبس والسكن وغيرها، كلها تجر، ولذا يعرف عن سلف هذه الأمة وأئمتها الإعراض عن تسعة أعشار الحلال خشية أن يجرهم إلى الحرام.

ص: 17

قال رحمه الله: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم" هو ابن بشير الواسطي ثقة، عرفنا مراراً أنه يدلس، وهنا صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" انتفت تهمة التدليس هنا لأنه صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أيضاً "قال أحمد" يعني ابن منيع شيخه "وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي" وهو ثقة أيضاً لكن ربما وهم "وإسماعيل بن علية" إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، "جميعاً عن عوف" عباد وإسماعيل جميعاً عن عوف، لكن هل معهم هشيم؟ لأن هشيماً يروي عن عوف، لما قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف؛ لأن هشيم معروف بالتدليس، فتصريحه بالإخبار ينفي تهمة التدليس، وعباد بن عباد وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف، يعني بصيغة (عن) ولا يحتاج في مثل هذا إلى تصريح، "عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" البصري، ثقة "عن أبي برزة" نضلة بن عبيد الأسلمي، صحابي "قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء" لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى النوم عنها فتفوته الجماعة أو يفوته الوقت المختار وقد يفوته الوقت كله، وإذا تسبب الشيء في فوات مستحب كره، وإذا تسبب في فوات واجب حرم، ولذا قد يقال: إن السهر بالنسبة لبعض الناس مكروه، وبالنسبة لبعض الناس محرم، فالذي يفوته السهر قيام الليل، واستغلال الوقت فيما ينفع أقل ما يقال فيه الكراهة، وإذا فوته السهر صلاة الجماعة أو الصلاة في وقت صلاة الفجر في وقتها فإن هذا يحرم عليه أن يسهر، إذ لا بد من بذل الأسباب للقيام للواجب، ولا بد من انتفاء الموانع، ما يقول: النائم مرفوع عنه القلم وأنا نائم، لا، هل في يوم من الأيام نام عن الامتحان أو نام عن الدوام؟ هذا يندر جداً أن ينام، بينما تجده ينام عن صلاة الفجر في الأسبوع المرتين والثلاث، وقد ينام في الأسبوع الكامل عن صلاة الصبح فضلاً عن كونه يتعمد عدم القيام إلا إلى الدوام أو للدراسة أو نحوها، هذا عاد حكمه آخر، شأنه أعظم، كونه يركب المنبه يضبط المنبه على الدوام والصلاة يمر وقتها من أوله إلى آخره ولا يستيقظ لأدائها، هذا على خطر عظيم، وأفتى فيه بعض أهل العلم بفتوى عظيمة جداً، يعني إذا كان يتعمد ذلك وهذا

ص: 18

ديدنه أفتوا بكفره -نسأل الله العافية-، إذا كان يضبط المنبه على الدوام، وحينئذٍ لا يصلي، أقول: لا يصليها بعد وقتها، ما دام تعمد إخراجها عن وقتها لا يصليها كما لو صلاها قبل وقتها، وذكرنا فيما مضى أن ابن حزم نقل الإجماع على هذا أنها لا تصلى إذا أخرجها عن وقتها متعمداً، مع أنه وجد من أهل العلم من ينقل الإجماع على أنه يصليها، وهذا قول جماهير أهل العلم أنه يصليها وإثمه عظيم، إثمه عظيم ولا يكفر بذلك، لكن إثمه عظيم.

"كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها" لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن قيام الليل.

قال رحمه الله: "وفي الباب عن عائشة" خرجه ابن ماجه "وعبد الله بن مسعود" أيضاً عند ابن ماجه، "وأنس" يقول الشارح: لم أقف على من أخرجه.

ص: 19

"قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، أخرجه الأئمة كلهم في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعند أحمد "وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء" لكن إذا كان النوم يخشى منه أن ينام عن الصلاة، وعدم النوم يخشى منه عدم الإقبال على الصلاة والخشوع فيها لمزيد التعب، تعب في نهاره كله، ثم لما صلى المغرب قال: أستعد لصلاة العشاء فأنام قليلاً لأستيقظ نشطاً لأؤديها بقلب حاضر، معروف أن الإنسان إذا صلى وهو متعب لا سيما إذا كان بعد صلاة العشاء تراويح أو تهجد أو ما أشبه ذلك فإنه يحتاج إلى شيء من الاستعداد، فإذا كان هذا هو السبب فالأمور بمقاصدها إذا نام ليستعد للصلاة، إذا نام ليستعد للصلاة على أنه لو نام على مقتضى السنة الإلهية ما احتاج إلى مثل هذا؛ لأن النصوص يساعد بعضها بعضاً، ولا يناقض بعضها بعضاً، أحياناً يؤتى بمقدمات غير شرعية ثم بعد ذلك نتوقع نتائج شرعية، هذا شخص سهر الليل ويقول: لو صليت الفجر في أول وقتها ما أقبلت عليها، فلا بد أن أنام لأستعد لصلاة الفجر، نقول: أصل المقدمة غير شرعية فكيف تطلب النتيجة الشرعية من هذه المقدمة؟ الأصل أن ينام النوم الكافي في الليل، ويضيف إليه ما يحتاج إليه من القيلولة في منتصف النهار، وحينئذٍ لا يحتاج إلى أن ينام العصر أو ينام المغرب، لكن لو عرض له عارض كما يعرض للنبي عليه الصلاة والسلام أحياناً ما يشغله عن ذكر أو عن راتبة أو نحوها، يعرض له ذلك، لكن ليس هذه عادة وديدن، وقت المسلم ينبغي أن يكون مرتباً منظماً، فلا يحتاج إلى نوم في وقت الاستيقاظ، ولا يحتاج إلى استيقاظ في وقت النوم، لا نقول: ينام المغرب ليستعد لصلاة العشاء، اللهم إلا إذا جاءه ما يشغله من أمر عارض، أو علة طارئة، ما استطاع معها أن ينام، نقول: نعم، لا مانع من أن ينام، على أن لا يضيع الصلاة مع الجماعة، وحينئذٍ تنتفي الكراهة في حقه؛ لأن الكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، لكن إذا ترتب على فعل المكروه أمر محرم أو ترك واجب فإنه لا يجوز بحال.

ص: 20

"وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم" يقول ابن حجر: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه" يعني الإيقاظ الذي يترتب عليه الاستيقاظ، بعض الناس لا يستيقظ إلا بمشقة وجهد شديد، فيقول: أنام قبل صلاة العشاء وأركب المنبه، أضبط المنبه، وهو يعرف أنه لن ينتبه بالمنبه، يقول: بذلت السبب والباقي على الله -جل وعلا-، نقول: أنت ما بذلت السبب؛ لأن هذا السبب ليس بكافي، ابذل السبب الذي تترتب عليه آثاره من الاستيقاظ، وأنت تعرف أنك لا تستيقظ بالمنبه لا يكفي هذا السبب.

يقول: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه، أو عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم" يعني بعض الناس نومه خفيف، يعني تجد بعض الطلاب ليالي الامتحان يذاكرون في المساجد، ويجتمعون، فبعضهم يقول: أريد أن أنام عشر دقائق ربع ساعة لأرتاح قليلاً، وتجد بالفعل يضع رأسه ثم بعد ربع ساعة يرفع رأسه، وبعض الناس يريد أن يصنع ذلك فلا يوقظ إلا للامتحان، الناس يتفاوتون، إذا عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم لا مانع؛ لأن المسألة مسألة الخشية على فوات الجماعة، أو الخشية على فوات أمر مطلوب شرعاً.

"ورخص في ذلك بعضهم، وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية" كراهية النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها "ورخص بعضهم في النوم قبل العشاء في رمضان" استعداداً لصلاة العشاء وما بعدها من قيام الليل، إذا كان النوم من أجل الاستعداد للصلاة فلا شيء فيه، بل قد يكون مطلوباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، إذا كان لا يتسنى له الإقبال على صلاته إلا بالنوم يقال له: نم، لكن لا يترتب على هذا ارتكاب محظور أو ترك مأمور.

ص: 21