المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٣٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء:

في بعض النسخ زيادة: "وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" في النسخة التي طبعها الشيخ ذكرها مرتين ولا داعي لها؛ لأنه في الأول عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي، هذه موجودة التفسير هو أبو المنهال موجود في بعض النسخ دون بعض، والذي وجد فيها هذا التفسير وهذا التوضيح لم يوجد فيها ما ذكر في الأخير، وسيارة بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي؛ لأنه حينئذٍ يكون تكراراً، والذي لا يوجد فيها هو أبو المنهال الرياحي، يوجد فيها وسيار بن سلامة هو أبو المنال الرياحي؛ لأنه لا بد من بيانه عند الإمام -رحمه الله تعالى- وحينئذٍ لا يكون فيه تكرار.

أما صنيع الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فارتكب فيه هذا التكرار، والأصل ألا يكون موجوداً؛ لأنه تكرار كلام بحروفه، فلا داعي له.

سم.

‌باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء:

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما".

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين رضي الله عنهم.

قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن، وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي يقال له قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في قصة طويلة.

وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر)).

قال -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء" الباب الأول في الكراهية وهي محمولة على إذا لم يكن ثم حاجة داعية للنوم أو السمر، وهنا الرخصة فيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إلى السمر بعد العشاء، والسهر بعد صلاة العشاء.

ص: 22

قال رحمه الله: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية" الضرير محمد بن خازم، وهو من ثقات الرواة "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" النخعي "عن علقمة" ابن قيس النخعي "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر" وهناك كان يكره، والمعروف والغالب من استعمال كان الاستمرار، وقد تأتي للفعل ولو مرة واحدة، وهنا:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر" يسمر من باب نصر، يعني في ميزانها الصرفي نصر ينصر، "يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما"

الرسول عليه الصلاة والسلام يسمر مع أبي بكر، يعني هل الأولى أن يقال: الرسول يسمر مع أبي بكر أو أن يقال: أبو بكر يسمر مع الرسول؟ لأن المعية تشعر بالتبعية؛ يعني كما قالوا:

وإن يكن لاثنين نحو التزما

فمسلم مع البخاري هما

قالوا: قدم مسلم؛ لأنه أتبعه بمع، والمعية تشعر بالتبعية، فمسلم تابع للبخاري في مثل هذا التقديم، هنا يقول:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر" يعني هل الأولى أن يقال مثل هذا أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ أما قوله: "وأنا معهما" هذا ما فيه إشكال، المعية تابعة، وأفرد نفسه عنهما ليدل على أن منزلته متأخرة عن منزلتهما، رضي الله عن الجميع، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه.

"يسمر مع أبي بكر" يعني هل هذا التعبير أدق أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي عليه الصلاة والسلام؟

الآن المقدم في الذكر تقديم النبي عليه الصلاة والسلام في الذكر وإن عطف عليه أبو بكر بلفظ المعية إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو المقصود بالاحتجاج فقدم من أجل هذا؛ لأن الحجة في فعله عليه الصلاة والسلام، وتقديمه في الذكر من باب عدم التقدم بين يديه، وهذه مصالح ومرجحات فائقة على مجرد المعية التي يفهم منها شيء من التبعية.

ص: 23

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين" يعني للمصالح العامة التي تهم الأمة، ولا شك أن هذه المصالح المتعدية لجميع الأمة عند أهل العلم مقدمة على العبادات الخاصة، فالسمر في مصالح المسلمين بعضهم يرجحه على قيام الليل، مع أن الشرع جاء بالتكامل جاء بالتكامل بين هذا وهذا، فالإنسان كما هو مأمور بالنفع المتعدي هو أيضاً مأمور بالعبادات الخاصة، واتفاقهم على أن المتعدي أفضل من القاصر ليس على إطلاقه، فإذا نظرنا في أركان الإسلام وجدنا أن الصلاة مقدمة على الزكاة، والصلاة نفعها قاصر، والزكاة نفعها متعدي، يعني هذه الإطلاقات من أهل العلم ليست على جهة الإطلاق المطلق، بل فيها إطلاق لكنه مقيد ببعض الصور.

"يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما" ففيه دليل على عدم كراهية السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة عامة أو خاصة، قد تكون الحاجة خاصة، لا سيما إذا كانت هذه الحاجة مما يفوت، إذا كانت مما يفوت فإنها حينئذٍ تقدم ثم ينام الإنسان.

قال رحمه الله: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند أبي داود وابن خزيمة "وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين" يقول الشارح: لم أقف عليهما.

"قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن" الرواة كلهم ثقات حفاظ أثبات إذا نظرنا إليهم واحد بعد واحد كلهم ثقات حفاظ أثبات، لكن أشار المؤلف إلى أن في سنده انقطاع بين علقمة وعمر قال:"وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة عن رجل من جعفي" كذا في الكتاب، فإما أن تحذف (من) فيقال: عن رجل جعفي، أو يقال: عن رجل من جعف، وبعض النسخ فيها (من) وفيها جعف بدل جعفي، وبعض النسخ ليس فيها (من) وفيها جعفي بالنسبة إلى جعف.

البخاري -رحمه الله تعالى- جعفي، لكنه جعفي بالولاء؛ لأن جده أسلم على يد يمان الجعفي، جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ الإمام البخاري.

يقول: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة" بن قيس النخعي "عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس" قيس بن أبي قيس، مروان الجعفي الكوفي صدوق.

ص: 24

صاحب الجوهر النقي ابن التركماني وهم في هذا الإسناد، في تعليقه على البيهقي قال: إن الإسناد متصل، وخطأ الترمذي، وظن أن علقمة المذكور في الإسناد ليس هو النخعي وإنما هو علقمة بن وقاص الليثي الذي يروي عن عمر بن الخطاب حديث:((إنما الأعمال بالنيات)) والحديث مخرج عند الأئمة بما فيه البخاري في سبعة مواضع عن علقمة عن عمر، فهو يظنه علقمة بن وقاص الليثي، وهو في الحقيقة علقمة النخعي، علقمة بن قيس النخعي، فوهم في تعليقه على البيهقي في زعمه أن علقمة هو ابن وقاص راوي حديث: الأعمال بالنيات عن عمر.

ص: 25

"عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في قصة طويلة" في قصة طويلة هذه القصة رواها الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه، وهو بعرفة، قال أبو معاوية: وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر رضي الله عنه فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب وانتفخ عمر رضي الله عنه غيرة على كلام الله أن يخطئ فيه هذا الرجل الذي يملي عن ظهر قلبه، يخشى أن يخطئ هذا الرجل، وليس لكل أحد أن يملي القرآن عن ظهر قلبه، إنما ذلك للحافظ المتقن المجود، وقد نهى الأمام مالك نافعاً القارئ أن يصلي بالقرآن حفظاً في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وهو من أئمة القراء، لماذا؟ قال: أخشى أن تخطئ فيظنها الناس قراءة، ولا شك أن هذا من الغيرة على كتاب الله، عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- غضب وانتفخ، لكن لما عرف القارئ من هو هان عليه الأمر، قال: فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك -والله- ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((سل تعطه، سل تعطه)) فقال عمر رضي الله عنه: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال: فغدوت إليه أبشره فوجدت أبا بكر رضي الله عنه قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا وسبقني إليه".

ص: 26

((من سره أن يقرأ القرآن رطباً)) وفي رواية: ((غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)).

وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية من ترجمة الحجاج أنه قال: "وددت أن أحك قراءة ابن أم عبد بضلع خنزير" ابن أم عبد ابن مسعود له قراءات تفسيرية، والنبي عليه الصلاة والسلام يغري بقراءة ابن أم عبد والحجاج يقول هذا الكلام، مع أنه -نسأل الله السلامة والعافية- له عناية بالقرآن، الحجاج له عناية بالقرآن، وله ورد كبير من القرآن في كل ليلة، يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، لكن مع ذلك يقول مثل هذا الكلام.

قال رحمه الله: "وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" يعني قد يقول قائل: يتعجب الإنسان حينما يعرف عن بعض الناس هذه العناية بكلام الله وهو الذي نقط المصاحف، وشكلها، وأعجمها، وله ورد في كل ليلة ربع القرآن يقرأ ثم يقول مثل هذا الكلام، والمسألة إنما هي الفتن تورث مثل هذا وأعظم؛ لأنه ليس مثل هذا بأعجب من قتل الخليفة بين المهاجرين والأنصار في قعر داره، الذي شهد له النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة، وتستحي منه ملائكة الرحمن، والمهاجرون والأنصار متوافرون في المدينة، ويقتل ويمكث ثلاث ليال ما دفن، وينزل عليه في قبره ويكسر ضلعه يدفن بالليل، هذه هي الفتن، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإلا كيف يقول قائل مثل هذا، مثل هذا الكلام؟! الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)) وهذا يقول: وددت أن أحك قراءة ابن مسعود بضلع خنزير.

المسألة مسألة تدرج، فعلى الإنسان أن يكون راسخاً ثابتاً، لا يتنازل في بداية الطريق ثم يضطر إلى التنازل ثم التنازل إلى أن يجد نفسه لا شيء، يعني من يتصور مسلم يقول: لا إله إلا الله، يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل؟ شيء لا يمر على عاقل فيستسيغه، يعني شيء لا يتصوره مسلم فضلاً عن أن ينطق به، إنما هي الفتن يجر بعضها بعضاً، والسيئة تقول: أختي أختي، ويقول القائل:

ص: 27

ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ

وتنطمس البصائر والقلوبُ

والله -جل وعلا- يقول: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] ومع ذلك أمثال هؤلاء تدّعى لهم الولاية، ويصرف لهم بعض أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تصرف لهم، يدعون في الملمات وفي قضاء الحوائج من دون الله أمثال هؤلاء، وتدّعى لهم الولاية، والله المستعان.

لا أعني الحجاج، ما في أحد ادعى له الولاية، لكن من قال:

ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ

. . . . . . . . .

هذا قبره يعبد من دون الله الآن، ويقال له: محيي الدين، وقدس سره، وكذا وكذا، وفي بعض الأقطار إذا حصل الجدب أخرجوا كتاباً من كتبه التي فيها إلحاد يستسقون بها، والله المستعان.

"وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" واحتجوا بما جاء من الصريح من قوله عليه الصلاة والسلام، ومن كراهية الحديث بعدها "ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج" وبوب البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب السمر في العلم "وأكثر الحديث على الرخصة"

واحتجوا بما جاء مما يدل على ذلك كحديث عمر في الباب الذي ذكره، وحملوا أحاديث الكراهية على السمر الذي لا مصلحة فيه كما يفعله أكثر الناس اليوم.

"وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر)) " قال الحافظ ابن حجر: رواه أحمد بسند فيه راوٍ مجهول، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، فأما أحمد وأبو يعلى فقالا: عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود، هذا هو المجهول الذي أشار إليه ابن حجر، عن رجل عن ابن مسعود، وقال الطبراني: عن خيثمة عن زياد بن حدير، ورجال الجميع ثقات، وعند أحمد في رواية: عن خيثمة عن عبد الله يعني ابن مسعود بإسقاط الرجل، انتهى، يعني:"لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر".

ورواه الضياء المقدسي في المختارة من حديث عائشة مرفوعاً: ((لا سمر إلا لثلاثة: مصلٍ أو مسافر أو عروس)).

على كل حال إذا وجد السبب المقتضي للسمر، السبب المباح المقتضي للسمر فإنه لا مانع منه، وإذا كان السمر في مستحب أو واجب فمن باب أولى، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 28