الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين:
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
وفي الباب عن أبي هريرة.
حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي، وقد روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا.
حدثنا أبو سلمة -يحيى بن خلف البصري- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جمع الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)).
وحنش هذا هو أبو على الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره، والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.
يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين [في الحضر] " وهذه موجودة في أكثر النسخ، والجمع بين الصلاتين في السفر يأتي، أما المراد بالجمع هنا فهو في الحضر، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في جمعه بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.
قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد -هو ابن السري- قال: حدثنا أبو معاوية" وهو محمد بن خازم الضرير "عن الأعمش -سليمان بن مهران- عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" يقول ابن حجر: "اعلم أنه لم يقع مجموعاً بين الثلاثة الخوف والمطر والسفر في شيء من كتب الحديث" إلا أنه يفهم من الرواية التي معنا أن فيها جمعاً بين الثلاثة، فقوله: "بالمدينة" يدل على أن الجمع لا للسفر، وقوله: "من غير خوف ولا مطر" يكون بذلك اجتمع الثلاثة، من غير سفر لأنه بالمدينة، من غير خوف ولا مطر للتنصيص عليهما، علماً بأنه جاء في بعض الروايات: "من غير خوف ولا سفر" وحقيقةً رواية: "ولا سفر" قد يكون ذكرها من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا لا داعي لذكرها؛ لأن كونه بالمدينة يدل على أنه غير مسافر.
"فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ " لماذا جمع النبي عليه الصلاة والسلام مع عدم هذه الأعذار؟ والأصل أن الصلاة مؤقتة، مفروضة في أوقات لها أوائل وأواخر، الأوقات مشدد في مراعاتها فكيف يجمع؟ قال ابن عباس:"أراد أن لا يحرج أمته" لئلا يقع الحرج من أمته؛ لأن من الأمة من هو صاحب تحري، وحرص على إبراء ذمته، فقد يمسه الضر ولا يجمع، وقد يضطر إلى الجمع فيقع في نفسه من الحسرة ما يقع، لكن إذا سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير هذه الأعذار، وأراد أن لا يحرج أمته أن لا يقع في نفس هذا المتحري المتثبت الحريص على إبراء ذمته شيء من الحسرة، إذا احتاج إلى الجمع لعذر، فنفي الحرج يدل على أن هذا الجمع لوجود حرج، يعني ليس جمعاً غير مبرر، ليس له عذر بالكلية، لا، له عذر لكن غير الأعذار المذكورة، له عذر ولولا هذا الجمع لوقع في الحرج، فدل على أن هناك عذراً غير مصرح به.
جاء في بعض الروايات -على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى-، بل جاء في بعض الأحاديث الترخيص للمريض بالجمع، الترخيص للمستحاضة أن تجمع، كل هذا من أجل نفي الحرج، من لا يستطيع الطهارة ممن حدثه دائم لئلا يقع في الحرج، لكن هل يجمع جمعاً حقيقياً بأن يقدم الثانية إلى الأولى أو يؤخر الأولى إلى الثانية أو يجمع جمعاً صورياً بأن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقتها كما جاء في بعض طرق هذا الحديث من القول بالجمع الصوري؟ وعلى ما سيأتي في الجمع بين الصلاتين في السفر حمل أبو حنيفة ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من الجمع على الجمع الصوري، وأنه لم يجمع جمعاً حقيقياً إلا في عرفة وفي مزدلفة، وأن الجمع للنسك لا للسفر، وكل هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
أراد أن لا يحرج أمته عليه الصلاة والسلام، ففيه دليل على أن لهذا الجمع سبباً غير ما ذكر، يقتضي تركه الحرج على الأمة، ترك الجمع يقتضي الحرج على الأمة، لهذا العذر الذي جمع من أجله، علماً بأن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- قال في علل الجامع في علل كتابه في آخره قال: "ليس في كتابي هذا مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا هذا الحديث، وحديث: قتل الشارب في المرة الرابعة، إذا شرب المرة الرابعة يقتل، نقل الاتفاق على عدم العمل بهما.
قال رحمه الله: "وفي الباب عن أبي هريرة -أخرجه مسلم- قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد" المعروف بأبي الشعثاء "وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي" ورواية أبي الشعثاء في البخاري ومسلم، ورواية سعيد بن جبير هي رواية الباب عند الترمذي، ورواية عبد الله بن شقيق عند مسلم أيضاً.
"وقد روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا" أي مما يخالف هذا الحديث، وهو قوله:"حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري –صدوق- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه -سليمان التيمي- عن حنش" وهذا لقب، واسمه: حسين بن قيس الرحبي، وكنيته أبو علي -على ما سيأتي في كلام الترمذي- لكنه متروك الحديث، ضعفه شديد "عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من جمع بين الصلاتين من غير عذر)) " كسفر ومرض ومطر، يعني مما جاءت به الأخبار ((فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)) أولاً: الحديث ضعيف، بل شديد الضعف؛ لأن فيه حنش الرحبي هذا، وهو متروك الحديث، لكن {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] أي مفروضاً في أوقات محددة، جاء بيانها الإجمال جاء في الكتاب، والبيان جاء في السنة، فمن أخر صلاة عن وقتها فقد ارتكب عظيمة من عظائم الأمور، وكذلك من صلاها قبل وقتها فهي باطلة، والحديث وإن كان معناه صحيح من أخرج الصلاة عن وقتها أو قدمها عليها هذا أتى باب من كبائر الذنوب من العظائم وإن كان الخبر ضعيفاً.
تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر، والحديث ضعيف كما سمعنا، والجمع في السفر لعذر والحديث على فرض قبوله فيه هذا القيد من غير عذر، أما من جمع لعذر فقد ثبت الجمع عن النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره في الصحيحين وغيرهما، على ما سيأتي، وأنه جمع حينما جد به السير، وجمع وهو نازل في تبوك.
"قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس" فيكون اسمه: حسين، ولقبه: حنش، وكنيته: أبو علي، ونسبته: إلى الرحبة، الرحبي "وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره" يقول البخاري: أحاديثه منكرة، ويقول العقيلي في حديثه:((من جمع بين الصلاتين فقد أتى باباً من الكبائر)) يعني حديث الباب لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له، ضعفه أحمد وغيره، فالحديث ضعيف جداً، ولذا قال بعضهم: إن هذا الحديث لا أصل له.
"والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة" السفر هذا قول الجمهور، وبعرفة قول أبي حنيفة.
"ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق" وقال عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء، كذا في صحيح البخاري معلقاً؛ لأنه قد يحتاج إلى النوم فلا يستطيع انتظار صلاة العشاء، فلا مانع من أن يجمع بينهما، وقد يضطره المرض إلى النوم قبل صلاة العشاء أو قبل صلاة المغرب فيؤخرها إلى صلاة العشاء، وهو معذور في هذا، والمشهور عند الإمام الشافعي أن المريض لا يجمع بين الصلاتين.
"وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" والمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وهو المشهور أيضاً عند الحنابلة أن الجمع بسبب المطر إنما هو بين المغرب والعشاء لا بين العصر والظهر، مع أن الصحيح والمرجح أنه كما يجمع بين المغرب والعشاء يجمع بين العصر مع الظهر، كما في حديث الباب أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر وجمع بين المغرب والعشاء.
"ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين" وصح الجمع للمستحاضة، والاستحاضة نوع مرض، وبسط ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأهل الأعذار.
يقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على قوله: ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين، يقول: حكى الترمذي الأقوال هنا وقال في آخر كتابه في أول العلل: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين، حديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر في المدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر -من مجموع الروايات وإلا لم يثبت الجمع بين الألفاظ الثلاثة كما قال ابن حجر- وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)) وقد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب، وهو هنا لم يبين علة لحديث ابن عباس، بل ذكر حديثاً يعارضه من طريق حنش، وضعفه من أجله، وإنما احتج بالعمل فقط، ونقل أقوال الفقهاء.
وقد رد النووي على الترمذي في شرح مسلم فقال: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، يقول: بينا علته في الكتاب، في العلل يقول: بينا علته في الكتاب يعني الجامع، وعلته النسخ، ولذا في كتب المصطلح يقولون: إن الترمذي سمى النسخ علة، في هذا الموضع سمى النسخ علة، ولا شك أنه وإن كان ليس بعلة بالنسبة لثبوت الخبر بل هو علة بالنسبة للعمل به، الخبر صحيح ثابت، المنسوخ صحيح لكن العلة منعت من العمل به، ولم تمنع من ثبوته.
يقول: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، دل الإجماع على نسخه، هذا الإجماع الذي ذكره النووي في شرح مسلم متعقب، بل يرى بعضهم أنه محكم، وأن المدمن حده القتل، المدمن يقتل، مدمن الخمر بهذا الحديث، وعمل به بعض العلماء، والجمهور على عدم العمل به؛ لأنه منسوخ.
وشيخ الإسلام وابن القيم يرون أنه ليس بمنسوخ وليس بحد، وإنما هو من باب التعزير، فللإمام أن يقتل المدمن إذا رأى أن الحد لم يردع شارب الخمر، كما فعل عمر رضي الله عنه، كان الحد أربعين، فزاده إلى ثمانين من باب التعزير، ويختلفون في الحد هل هو الثمانين أو الأربعين وزيادة تعزير؟ وكل هذا يتبع انتشار هذه الجريمة وهذه المعصية، وهذه الكبيرة من كبائر الذنوب في مجتمع ومع
…
أو قلتها، يعني إذا كان الشراب قليل، أو الشارب شرب مرة أو مرتين أو هفوة أو زلة أو زلتين، تختلف معاملته عما إذا كان مدمناً، أو كان هذا المنكر شائع في بلد من البلدان، والحد الأصلي لا يمنع من ارتكابه، فللإمام أن يعزر بما هو فوق ذلك، كما فعل عمر رضي الله عنه.
قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين، وهو ضعيف، لماذا؟ لأن المطر منصوص على نفيه، هو ضعيف بالرواية الأخرى:"من غير خوف ولا مطر" ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها وهذا أيضاً باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه بالنسبة للمغرب والعشاء.
في غيم ما ترى الشمس صلوا الظهر لما انكشف الغيم رأوا أن وقت العصر قد دخل فصلوا العصر بعد صلاة الظهر مباشرة بسبب الغيم، قال: هذا ضعيف، لماذا؟ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فإنه لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، لكن لو قيل بمثله في المغرب والعشاء في غيم، أخروا صلاة المغرب هذا على سبيل التنزل، فلما انكشف الغيم بان أن الشفق قد غاب، صلوا العشاء، هذا الاحتمال أدنى من حيلولة الغيم دون الشمس من احتمال حيلولة الغيم دون الشفق، لماذا؟ لأن الغيم مهما كثف فإنه لا يجعل النهار مثل الليل، نعم قد يغيب الشمس، ويختلط وقت الظهر مع وقت العصر، لكن لا يمكن أن يختلط بسبب الغيم وقت العصر عن وقت المغرب.
قال: ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس أنه لما صلى العصر جلس يتكلم في مسائل من العلم حتى غابت الشمس، حتى غاب الشفق وهو لم يصلِ المغرب فأورد الحديث مستدلاً به؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل.
ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه فيما في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة له.
طيب بعذر المرض، يعني إذا تصورنا أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بعذر المرض فهل الجماعة الذين صلوا خلفه كلهم مرضى؟ نعم؟ ما يلزم، إذاً هذا الجمع أيضاً ضعيف.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس:"أراد أن لا يحرج أمته" فلم يعلله بمرض ولا غيره.
الآن في بعض الأوقات أهل مكة في أوقات المواسم يركب السيارة قبل صلاة المغرب ولا يتسنى له النزول منها إلا بعد دخول وقت العشاء، أو يركب قبل صلاة الظهر ولا يتيسر له النزول منها إلا بعد دخول وقت صلاة العصر، ومثل هذا في البلدان المزدحمة، أحياناً بعض المشاوير في الرياض تأخذ ساعتين ثلاث، لا يستطيع أن ينزل من سيارته بين الزحام في السيارات، ولا يستطيع أن يؤدي الصلاة على وجه ناقص وهو حاضر، وهي فريضة لا تفعل على الراحلة، وإنما الذي يفعل على الراحلة النافلة فيضطر إلى الجمع، إلى تأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية، وهنا لو قلنا له: صلِ كل صلاة في وقتها للزم على ذلك الحرج الشديد؛ لأن بعض الناس يمكن يقول: أنا اطفي السيارة وأنزل يصير اللي يصير، الصلاة رأس المال، تسحب السيارة، يصنعون ما شاءوا، غرامات ما أدري إيش؟ سجن، يصير ما يصير، الصلاة رأس المال، لكنه حرج شديد هذا، حرج لك وحرج لغيرك، يعني إيقاف السيارة في طريق مزدحم يضاعف الازدحام مرات، وما سبب هذه الازدحامات إلا بسبب وقوف السيارات بحوادث أو غيرها، وإلا لو كانت السيارات سالكة ما صار ازدحام، على كل حال مثل هذا الحرج قد يكون مبرراً للجمع إذا كان من غير طوعه ولا اختياره، ولم يتحرَ الخروج في هذا الوقت، لكن خرج في هذا الوقت ما حسب له حساب، أو وجد حادث في طريقه ما استطاع أن يعبر، أو يروح يمين وشمال ليؤدي الصلاة حينئذٍ يجمع بين الصلاتين رفعاً للحرج.
وكلام الخطابي في المعالم نصه: "هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد، إنما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول به، ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي عن ابن المنذر، ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس أخبر بالعلة، وهي قوله: "أراد أن لا تحرج أمته" أو "أراد أن لا يحرج أمته" واللفظ مروي على الوجهين، وعلى كل حال نفيه للحرج يدل على وجود حرج لولا هذا الجمع، فالجمع بعذر، وأما الجمع من غير عذر فلم يقل به أحد من أهل العلم.
وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً من الجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة، وهذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الأحاديث، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة للجمع بين الصلاتين، ويتأثمون من ذلك ويتحرجون، ففي هذا ترفيه لهم، وإعانة لهم على الطاعة، ما لم يتخذ عادة كما قال ابن سيرين.
وعلى كل حال على الإنسان أن يهتم بدينه، وأن يحتاط لصلاته، وأن يراقب الله -جل وعلا- فيها، وأن لا يخرجها عن وقتها، وأن لا يفعلها قبل وقتها إلا لحرج متحقق، بعض الناس إذا كان بيده أدنى عمل يمكن تأجيله قال: الدين يسر، وأراد أن لا يحرج أمته، وجمع بالمدينة من غير كذا وكذا، ويتعذر بمثل هذه الأعذار، بل وجد من يبرر الجمع بين الصلاتين وتأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية لأن المحاضرة امتدت في الجامعة إلى وقت الثانية، والطالب لا يستطيع الحضور، والمعلم يتذرع بمثل هذه الأعذار، وهي في الحقيقة ليست بأعذار، هذه ليست بأعذار، ما المانع أن تقطع المحاضرة من بداية الأذان إلى أداء الصلاة؟ والعلم لا خير فيه إذا لم يكن عوناً على الدين، العلم لا خير فيه وليس بعلم إذا صد عن الدين، والله المستعان.
يقول: عندي زكاة أريد أن أجعلها في الأقارب.
يا إخوان درس الغد -إن شاء الله تعالى- الآن وقفنا على كتاب الأذان، باب: ما جاء في بدء الأذان، وذكرنا بالأمس أننا لا نستطيع أن نأخذ منه شيء، يعني يمكن فصله عن بقية الكتاب، أبواب الأذان طويلة، وفيها خمسة وعشرون حديثاً، فنأخذها متتابعة، ويكون درس الغد خاص بتنقيح الأنظار.
هذا يقول: عندي زكاة أريد أن أجعلها في الأقارب، لكن في البيت من تجب له النفقة كالوالدين والأخوات، ومن لا تجب له كالأخ وأولاده فكيف أفعل؟
ادفعها لأخيك وأولاده ما دامت لا تجب عليك نفقته، وإذا أكل منها الوالد أو الوالدة أو من لا تصح ولا تجوز له الزكاة فإنها لأخيك صدقة، ولبقيتهم هدية، كما تصدق على بريرة فأكل منها النبي عليه الصلاة والسلام وهي لا تحل له الصدقة، فقال:((هي لها صدقة ولنا هدية)) والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب: وأنا أصلي جيت والإمام يرفع وهو يرفع وأنا أسجد ....
وأنت تركع، هو يرفع وأنت تركع؟ ما أدركت الصلاة، ما أدركت.
طالب: ما أدركت ....