المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به:

كيف تكون الرواية محفوظة ورواية زهير عن أبي إسحاق بأخرة كما صرح بذلك الترمذي ووافقه ابن حجر في التقريب؟ وافقه بن حجر في التقريب فيكف تكون محفوظة وقد روى عنه بعد التغير؟ الراوي إذا تغير واختلط هناك التغير الكلي المطبق بحيث لا يحفظ شيئاً من حديثه، ولا يعي شيئاً من أقواله، ومثل هذا لا يمكن أن يروى عنه، لا يروي عنه زهير ولا غير زهير، حتى من دون زهير ما يمكن أن يروي عن مثل هذا، إنما يروي زهير عمن تغير ومثل زهير إنما يروي عن الراوي إذا تغير إذا كان يضبط شيئاً ولا يضبط شيئاً، يضبط بعض أحاديثه ولا يضبط بعض الأحاديث، فيكون ما رواه زهير عنه بعد التغير منه مما ضبطه وأتقنه، وكلكم يعرف الإنسان إذا تغير في أخر عمره إذا وصل الثمانين أو تعدها وحصل عنده بعض الاختلاف بعض القصص والأحداث يسوقها كما هي، كما كان يسوقها في العشرين من عمره، وبعضها يحصل عنده شيء من الاضطراب في سياقها، والتقديم والتأخير والنقص وبعض التغير؛ لئلا يقول: كيف يكون زهير روى عنه بعد التغير وتكون روايته عنه محفوظة؟ لماذا الحافظ ابن حجر يقول: محفوظة ويعترف أن زهير في التقريب إنما روى عن أبي إسحاق بعد التغير، نقول: نعم تكون محفوظة وروايته عنه بعد التغير لكن المتغير يحفظ شيئاً ويضيع أشياء، فيكون هذا مما ضبطه وأتقنه، إذاً هذا ظاهر.

اقتراحات من بعض الإخوان أن مثل هذه الأمور لا نعرج عليها ولا نلتفت إليها، ونكتفي بمتن الحديث إذا صح، ونقرر المسائل الفقيهة على ضوئه.

نقول: إذا ما تعرضنا ما تعرضنا لمثل هذه الأمور، نأخذ متن فقهي يكون أريح لنا شوي، لكن تخريج طالب العلم على مثل هذه الأمور في غاية الأهمية، نعم بعض الإخوان قد يكون تحصيله لا يؤهله إلى مثل هذه الأمور، لكن يلحق -إن شاء الله-.

سم.

عفا الله عنك.

‌باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به:

حدثنا هناد قال: حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن)). وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر.

ص: 16

قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن

الحديث بطوله، فقال الشعبي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن)) وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وفي الباب عن جابر وابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 17

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" أي بيان الأشياء التي يكره الاستنجاء بها، والكراهة هنا يراد بها التحريم، وجاءت بها النصوص من الكتاب والسنة وأكثر إطلاقات السلف لهذا اللفظ إنما يقصد به ويراد به التحريم، وإن اصطلح العلماء على جعل الكراهة للتنزيه، الكراهة القسيمة للتحريم حملوها على التنزيه، وأكثر النصوص نصوص الكتاب والسنة جاءت الكراهة يراد بها التحريم، وجاءت أيضاً على لسان الصحابة والتابعين والأئمة، حتى على لسان مالك وأبي حنفية وأحمد والشافعي، الأئمة الكبار يطلقون الكراهة ويريدون بها التحريم، ومنها ما معنا، "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" لئلا يقول قائل: الإمام ترجم بالكراهة، والكراهة تعني أن الحكم -حكم هذا مكروه- الاستنجاء بما يذكر مكروه، من روث وعظام، وإذا راجع كتب الأصول وجد أن المكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، فإذا احتاج إلى ما ذكر زالت الكراهة، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، ويحصل خلط كبير حينما تختلف الحقائق العرفية الاصطلاحية مع الحقيقة الشرعية، حينما تختلف الحقيقة العرفية الاصطلاحية عند أهل العلم مع الحقيقة الشرعية، في مثل هذا إذا حملنا الكراهة على الكراهة الاصطلاحية ارتكبنا محظور كبير، وقل مثل هذا فيما إذا حملنا قول النبي عليه الصلاة والسلام:((غسل الجمعة واجب)) إذا حملنا هذا النص على الحقيقة العرفية الاصطلاحية وهو التأثيم وقعنا في المحظور نفسه، إلا أن هذا في ارتكاب المحظور، في التساهل في ارتكاب المحظور، وذاك في التشديد في أمر لم يوجب شرعاً، فهذه الاصطلاحات حصلت من أهل العلم واتفقوا عليها، وتداولوها وتناولوا عليها كتبهم، لكن إذا قارناها بالاصطلاحات سواء كانت اللغوية أو الحقائق الشرعة وجدنا فيها نوع من الاختلاف، نعم كل ما قرب الاصطلاح العرفي الاصطلاحي عند العلماء من الاستعمال الشرعي كان أولى، لئلا يحصل مثل هذا الاضطراب، لكن إذا حصل الاصطلاح ولا مشاحاة في الاصطلاح عند أهل العلم لا بد أن ننظر إلى الحقائق كل شيء في موضعه، كل حقيقة في موضعها، يعني لو نظرنا

ص: 18

إلى قول الحنفية في زكاة الفطر أنها ليست فرض وإنما هي واجبة بناءاً على أن الاصطلاح عندهم أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والصحابي يقول:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر" على كل حال مسألة اختلاف الاصطلاحات واختلاف الحقائق الثلاث لا بد من مراعاتها.

ص: 19

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" بن السري، الثقة الحافظ المعروف "قال: حدثنا حفص بن غياث" بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي أيضاً ثقة "عن داود بن أبي هند" القشيري مولاهم ثقة أيضاً "عن الشعبي" عامر بن شراحيل، ثقة فقيه معروف "عن علقمة" بن قيس النخعي، كذلك ثقة فقيه "عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن)) " لا تستنجوا (لا) ناهية، والأصل في النهي التحريم، ((بالروث)) يعني الرجيع، رجيع الدواب، ((ولا بالعظام)) جمع عظم، وتقدم الكلام فيهما، في الدرس الماضي والعلة في ذلك ((فإنه زاد إخوانكم من الجن)) وفي رواية مسلم في قصة ليلة الجن وسألوه عن الزاد فقال:((لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم)((فإنه زاد إخوانكم من الجن)) فإنه يعود إلى أقرب مذكور وهو العظام، فإنه يعني العظام، وأما الروث فإنه علف دوابهم كما جاء مفصلاً على رواية مسلم، سألوه عن الزاد فقال:((لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم)) جاء التعليل بهذه ((فإنه زاد إخوانكم من الجن)) وجاء التعليل في رواية الدارقطني: بكونهما لا يطهران، التعليل بأكثر من علة كونه زاد إخواننا من الجن، أو علف دوابهم ظاهر، تكون العلة لهذا، وهو إفساد للطعام والعلف، وعلى هذا يطرد في زاد الإنس وعلف دواب الإنس، لا يجوز الاستنجاء به، إذا قلنا: العلة الواردة في هذا الحديث هي مناط الحكم، فإنهما لا يطهران تطهير حقيقي أو تطهير حكمي؟ تطهير حقيقي وإلا تطهير حكمي؟ بمعنى أنه لو أتينا بروث أو عظم لو أتى شخص بروث أو بعظم ما وجد غيره فاستعملهما وأنقيا المحل، يكفي وإلا ما يكفي؟ أنقيا المحل، وطهراه كما تطهر الحجارة؟ نعم؟ فإنهما لا يطهران، المنفي هنا الطهارة الحقيقية أو الطهارة الحكمية؟

طالب: الطهارة الحكمية.

ص: 20

نعم الطهارة الحكمية، الطهارة الحكمية منتفية، وقد يقول قائل: إنه قد يحمل على الطهارة الحقيقية، بمعنى أن الروث ركس، والركس هو الرجس، والرجس النجس، فالنجس لا يطهر يزيد المحل نجاسة، لا سيما إذا كانت روثة حمار كما في الحديث السابق، لكن إذا كانت روثة مأكول اللحم لا يتجه إلى القول بأنها طهارة حكمية، أما الطهارة الحقيقية فقد تحصل، هذا بالنسبة للروث، بالنسبة للعظم قد تحمل الطهارة على الحقيقية، وهي فيما إذا كان العظم طري أملس لا يزيل النجاسة، لكن إذا كان خشن يزيل النجاسة حقيقة يبقى أنه لا يزيلها حكماً، وعلى هذا النهي عن الاستنجاء بالروث والعظام لذات المنهي عنه أو لأمر خارج؟ لأنه قد يقول قائل: النهي ثابت والتحريم حاصل والإثم لازم، لكن ما وجدت إلا هذا وتنظفت، تصح الطهارة حينئذٍ وإلا لا؟

عرفنا أنه إذا كان النهي عائد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإن العبادة تبطل، أو العقد أيضاً يبطل مع التحريم، إذا عاد إلى أمر خارج فإنه يصح مع التحريم، فالنهي هنا لذات المنهي عنه إذا قلنا: العلة فإنهما لا يطهران، صار لذات المنهي عنه؛ لأنه لا يطهر، أما إذا عللنا بأنه زاد إخواننا من الجن قلنا: النهي لأمر خارج فيحصل التطهير به مع التحريم، وإذا ثبتت رواية:"فإنهم لا يطهران" وهي عند الدارقطني، وأثبتها بعضهم انتهى الكلام، لكن لو لم يرد في النص إلا حديث الباب:((فإنها زاد إخوانكم من الجن)) قلنا: النهي زاد لأمر خارج عن العبادة، ولا ارتباط له بها كمن صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو مسبل لا أثر لذلك على الصلاة وإن كان محرماً.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "في الباب عن أبي هريرة" وهذا عند الإمام البخاري "وسلمان" عند مسلم والأربعة "وجابر" عند مسلم "وابن عمر".

ص: 21

"قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم" بن مقسم الأسدي، المعروف بابن عُلية، ثقة ثبت "وغيره عند داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، الحديث بطوله" بنصب الحديث أي: أتم الحديث، أو اقرأ الحديث بطوله "وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم" المعروف بابن عُلية ثقة "وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن .. الحديث بطوله، فقال الشعبي: أن البني صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن)) " لكن ثبت في صحيح مسلم وفي جامع الترمذي أن ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجني "ما صحبه منا أحد" أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن في هذا الحديث الذي يرويه ابن عُلية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود، سند ظاهره الصحة، في صحيح مسلم وجامع الترمذي ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- يقول:"ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، المؤلف -رحمه الله تعالى- يقول:"وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث" إسماعيل بن علية يقول: روايته أصح من رواية حفص بن غياث، يعني التي سيرويها المؤلف بإسناده فيما يأتي في كتاب التفسير، يعني متأخر جداً، وهي في صحيح مسلم أيضاً، والعلة في ذلك لأن راوية إسماعيل مقطوعة، ورواية حفص بن غياث مسندة ففي رواية إسماعيل هي من كلام الشعبي، وراية حفص إلى ابن مسعود.

ص: 22

انتبهوا لهذا يا إخوان، الآن رواية إسماعيل أصح، ورواية حفص أصح من رواية حفص لماذا؟ لأن رواية إسماعيل مقطوعة، كيف تكون أصح وهي مقطوعة ورواية حفص بن غياث مسندة؟ في رواية إسماعيل الكلام للشعبي وليس لابن مسعود، ورواية حفص من كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول:"ما صحبه منا أحد" والذي عندنا عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان ما قال: عن عبد الله كنت، ننتبه يا إخوان، الذي ينظر إلى إسناد الترمذي يقول: ما في إشكال، إسناد متصل ويش لونك تقول: رواية مقطوعة؟ يقول: عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الكلام لمن؟ ظاهر اللفظ، ظاهر الإسناد أنه لعلقمة، وعلقمة يحكي قصة لم يشهدها فهي مقطوعة، ورواية حفص بن غياث من كلام ابن مسعود قال:"ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، إذا كان الأمر كذلك رواية الشعبي مقطوعة، رواية إسماعيل مقطوعة، ورواية حفص مسندة، كيف يقول: رواية إسماعيل أصح من رواية حفص؟ هل لأن رواية إسماعيل مثبِتة ورواية حفص نافية والمثبت مقدم على النافي أو لماذا؟ لأن الأوجه التي ذكرت تقتضي العكس في الحكم، وجه الترجيح الذي ذكر رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث لماذا؟ رواية حفص هي التي خرجها المؤلف وخرجها مسلم، ورواية إسماعيل هي التي ذكرها الترمذي هنا، يقول:"رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث" العلة ويش السبب؟ السبب قالوا: لأن رواية إسماعيل مقطوعة وعرفنا وجه القطع فيها؛ لأن الراوي يحكي قصة لم يشهدها.

ص: 23