المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل:

هذا تعريف الجزأين المسند والمسند إليه يقتصر الحصر على الحبشة فقط، يعني يمنع منه الحبشة فقط؟ والسؤال من المسلمين، والتعليل لمنع المسلمين منه لكونه من مدى الحبشة، وقد يقال: إن هذا مخصوص بما كانت أظافره كأظفار الحبشة فيكون العموم مخصوص بمن كانت أظفاره طويلة كالأحباش.

بعض الفقهاء رخص في ترك الأظافير في السفر؛ لأنه قد يحتاج إليها

يحتاج إليها في حل عقدة مثلاً يحتاج إليها في حل عقدة، وحل العقد لا تستعمل بالمدى، أما علة المنع لكونه مدية يستعملها الكفار، فمن هذه الحيثية إذا استعملناه فيما لا يستعمل إلا بالمدية كالذبح ونحوه مثل هذا يتجه المنع.

والأسئلة كثيرة نقتصر على هذا.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل:

حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى مردويه قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال:((إن عامة الوسواس منه)).

قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله، ويقال له: أشعث الأعمى، وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل وقالوا:"عامة الوسواس منه" ورخص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين، وقيل له: إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له، وقال ابن المبارك: قد وسّع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء، قال أبو عيسى: حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي عن حبان عن عبد الله بن المبارك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل" ما جاء في كراهية البول في المغتسل.

ص: 4

"حدثنا علي بن حجر" السعدي "وأحمد بن محمد بن موسى" المروزي أبو العباس السمسار المعروف بمردويه الحافظ، توفي سنة خمس وثلاثين مائتين "قالا" يعني علي بن حجر وأحمد بن محمد مردويه "قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك" المروزي الذي اجتمعت فيه خصال الخير كما صرح بذلك الأئمة، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة "عن معمر" بن راشد الذي تقدم مراراً "عن أشعث بن عبد الله" بن جابر البصري، وثقه النسائي وغيره، وتكلم فيه، ولذا قال ابن حجر: صدوق، تكلم فيه جمع من أهل العلم، ووثقه النسائي على تشدده وغيره "عن الحسن" بن أبي الحسن يسار البصري المتوفى سنة عشر ومائة التابعي الجليل، قد صرح الإمام أحمد بسماعه من عبد الله بن مغفل، لكنه كثير الإرسال والتدليس رحمه الله "عن عبد الله بن مغفل" لا بد أن يصرح الحسن بسماعه من عبد الله بن مغفل، ولو جزم أحمد بأنه سمع من عبد الله بن مغفل، مجرد سماعه من عبد الله بن مغفل في الجملة لا يعني أن سماعه لهذا الحديث على وجه الخصوص ثابت، وتدليسه رحمه الله شديد لا يقبل إلا إذا صرح "عن عبد الله بن مغفل" أبو عبد الرحمن صحابي جليل، توفي سنة سبع وخمسين "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه" يعني في مغتسله، المستحم هو المغتسل، والأصل أن الاغتسال يكون بالماء الحار، الذي هو الحميم فسموا ما يغتسل به مستحم؛ لأن السين والتاء للطلب، يعني يطلب فيه الاستحمام بالماء الحار، والعلة في ذلك نُص عليها، العلة في النهي عن البول في المستحم -في المغتسل- "قال: ((إن عامة الوسواس منه)) وسبب ذلك أنه إذا بال في المستحم ثم وقع عليه الماء -ماء الاغتسال- لا بد أن يتصاعد شيء من هذا البول على جسده، فلهذا منع؛ لأنه ذريعة إلى الوسواس، ذريعة إلى الوسواس، والاحتمال القوي أنه إذا وقع عليه الماء لا سيما إذا كان المغتسل واقفاً ونزل الماء من الأعلى بقوة ينزل على البول ثم يصيب البدن، قد يقول قائل: إن نزول الماء على البول يطهر الأرض، نزول الماء على البول الواقع على الأرض يطهره الماء، هذا الماء الذي نزل على البول واختلط به، يعني إذا كوثر البول بالماء كما في حديث بول الأعرابي يطهره ((أريقوا عليه –أو

ص: 5

أهريقوا- عليه سجلاً من ماء)) يطهره بلا إشكال، لكن هذا الماء الذي اختلط بالبول وتعدى منه إلى البدن مثل هذا يؤثر وإلا ما يؤثر؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

يؤثر في الجملة لكن هل هو مجزوم مقطوع به أو مظنون؟ مظنون، ومثل هذا الظن يتردد في النفس إلى أن يصير وسواس؛ لأن هذا التردد الهاجس والخاطر الذي حصل في النفس بسبب هذا يقوى من كثرة ما يردد في النفس حتى يصير هو الأرجح من ضده، فيصير الوهم ظن، ومن كثرة ما يقع منه مثل هذا الأمر يصير إلى حد الوسواس، والوسواس داء خطير أدى ببعض الناس إلى ترك الصلاة، والأسئلة لا تنقطع عن هذا الداء الخطير، ابتلي كثير من الناس بالوسواس ثم في النهاية تركوا الصلاة، وأدى بهم إلى ما يشبه الجنون، تجده في معاملاته العادية عاقل تصرفاته صحيحة، لكن في عباداته شبه مجنون، يطرق الباب في الساعة الثامنة صباحاً في الشتاء، وقد مضى على صلاة العشاء كم؟ اثنا عشر ساعة أو أكثر، ويقول: إنه إلى الآن يحاول يصلي العشاء فما استطاع، وترك الوظيفة بسبب أنه (مِن) يدخل في الوظيفة يتردد على الدورة ليتوضأ لصلاة الظهر ليصلي مع الجماعة ثم ترك الوظيفة، مثل هذا إشكال كبير في حياته اليومية، يعني خراب، وقد ابتلي به كثير، والأصل يكون بمثل هذا، يكون شيء يسير ثم بعد ذلك يتطور، فمثل هذه المادة التي تورث مثل هذا الداء الخطير يجب حسمها من بداية الطريق، ولا يلتفت إليها.

"قال: ((إن عامة الوسواس منه)) " فإذا وقع الماء -ماء الاغتسال- على البول الذي باله في المغتسل والمستحم وأصابه الرشاش -رشاش الماء المختلط بهذا البول- لا شك أن هذا من أقوى ما يورث الوسواس "قال: وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" مخرج عند أبي داود والنسائي، عند أبي داود بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول في مغتسله" وسكت عنه أبو داود.

ص: 6

"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب" خرجه مع الترمذي أبو داود والنسائي وابن ماجه "غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث أشعث بن عبد الله ويقال له: أشعث الأعمى" أولاً: فيه عنعنة الحسن وهو شديد التدليس، فلا يقبل إلا ما صرح به، الأمر الثاني: تفرد أشعث بن عبد الله ووثقه النسائي وغيره، وتكلم فيه، وابن حجر توسط في أمره، وقال: صدوق، لكن هل مثل هذا مما يحتمل تفرده بالخبر، هل فيه من الثقة والضبط والإتقان بحيث يقبل ويحتمل تفرده؟ مثل هذا يحكم عليه بعض الأئمة بأنه منكر، وقد يقال عنه: شاذ، إذا تفرد بالحديث من لا يحتمل تفرده، فمثل هذا يضعف في هذا، لكن لا شك أن العلة لها حظ كبير من النظر، العلة لها حظ كبير من النظر، فالحكم ثابت ولو لم يثبت الخبر، الحكم ثابت؛ لأنه يؤدي إلى الوسواس، والوسواس ممنوع، وكل ما أدى إلى ممنوع فهو ممنوع، والوسائل لها أحكام المقاصد.

ص: 7

"وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل، وقالوا: عامة الوسواس منه" يعني إما استدلالاً بهذا الحديث أو عملاً بما يؤدي إليه هذا العمل من الوسواس "ورخص فيه بعض أهل العلم" رخصوا في البول في المستحم لا سيما إذا أجري عليه الماء، بال في مستحمه ثم أجرى عليه الماء ثم اغتسل فيه انتهى الإشكال، انتهى ما يحذر من الوسواس "ورخص فيه بعض أهل العلم منهم -محمد- بن سيرين" الأنصاري أبو بكر البصري المتوفى سنة عشر ومائة "وقيل له إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له" يعني فهو المتوحد في خلقه، لا دخل للبول في المغتسل في شيء؛ لأننا إذا جعلنا البول في المغتسل يورث هذا الأمر كأننا أشركناه مع الله -جل وعلا- في الابتلاء، والله -جل وعلا- وحده لا شريك له هو المؤثر الحقيقي، لكن هل هذا كلام متجه؟ هذا مؤداه إلى إلغاء تأثير الأسباب، هو سبب، البول في المستحم سبب من أسباب الوسواس، والسبب ينكر الأشعرية أن له أثر في المسبب، يقولون: لا أثر له في المسبب البتة ووجوده مثل عدمه، وأن المسبب يحصل عنده لا به، ويقابلهم المعتزلة الذين يقولون: إن السبب يفعل بنفسه مؤثر بذاته، وأما أهل السنة يرون أن للأسباب تأثراً لكن بجعل الله -جل وعلا- هذا التأثير فيها، لا أنها تستقل بهذا التأثير، الأشعرية طرداً لمذهبهم هذا في إلغائهم تأثير الأسباب قالوا: يجوز لأعمى الصين أن يرى بقة الأندلس، كيف الأعمى في أقصى المشرق يرى أصغر البعوض في أقصى المغرب؟! قالوا: نعم لأن البصر سبب والسبب لا أثر له وجوده مثل عدمه، فيجوز عقلاً في عقولهم الكبار التي وصلت إلى هذا الحد، لما تبعوا ولهثوا وراء علم الكلام وأعرضوا عن النصوص، قد يلزمون في أول الأمر بلوازم تقتضيها مذاهبهم ثم تأخذهم العزة بالإثم فيلتزمون بهذه الوازم، قد لا يقول الأشعري في أول الأمر مثل هذا الكلام، لكنه إذا ألزم بهذا نتيجة لإلغائه تأثير الأسباب التزم، التزم به وقد صرحوا به ما هو مجرد إلزام، يعني الكلام الذي ذكرته بحروفه موجود في كلامهم، يجوز لأعمى الصين أن يرى بقة الأندلس، وكلام محمد بن سيرين الإمام لأنه قد يغفل أحياناً عن هذا السبب أو يكون بين أناس يبالغوا في تأثير

ص: 8

الأسباب فتكن ردة الفعل منه مثل هذا الكلام: "ربنا الله وحده لا شريك له" هذا ما في أحد يختلف فيه في أن الله -جل وعلا- لا شريك له، وأنه هو المتفرد بالخلق والإيجاد والنفع والضر، لكن الله -جل وعلا- جل في الأسباب شيء من التأثير، وإلا هل يمكن أن يقول الأشعري: إنه يغتسل ويخرج في أشد أيام البرد عريان ولا يتأثر؟ أو يقول: إن النار لا تدفئ، ما يكن أن يقول هذا، لكنه يقول: إن البرد حصل عند هذا لا به، وأن الدفء حصل عند النار لا بها، طرد لمذهبهم الفاسد في هذه المسألة، ولا شك أن إلغاء الأسباب خلل في العقل، والاعتماد على الأسباب خلل في الشرع في الديانة من قبل الأشخاص، ابن سيرين لما قيل له: إن عامة الوسواس منه قال: ربنا الله لا شريك له، يعني مثل هذا الكلام في الآثار التي هي مجرد احتمال قد يقال مثل هذا الكلام، لكن الآثار التي اطردت العادة بتأثيرها بإذن الله -جل وعلا- مثل الدفء والبرد مثلاً أمور مطردة، يعني هل يقول إنسان عاقل: إن تأثير الجو مثل هذه الأيام مثل تأثيره في أيام أشد أيام البرد، يخرج عاري سواء في مثل هذه الأيام أو أشد البرد لا فرق؟ هذا لا يقوله عاقل، في مثل المسألة التي معنا عامة الوسواس منه، ابن سيرين رأى أن هذا الرجل بال في المستحم وأتبعه الماء مثلاً بعد أن استنجى اتبع هذا الماء وذهب هذا الماء بذلك البول انتهى إشكاله، ما صار له أثر؛ لأنه طهر بهذه الطريقة، وعلى كل حال لا شك أن البول في المستحم مؤثر، مثل المستحمات الموجودة الآن محل قضاء الحاجة في جهة ومحل الاستحمام في جهة، يعني في الدورات المجودة الآن لا يتنزل مثل هذا الكلام، ولا يؤثر أن يبول الإنسان في جهة ويتبعه الماء بعد الاستنجاء ثم يغتسل في جهة أخرى، ولا أثر له البتة.

ص: 9

"وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" لأنه إذا جرى فيه الماء يطهر المكان لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فأتبعوه ذنوباً من ماء "قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" بعضهم يحمل هذا النهي على أنه في المكان الذي ليس فيه منفذ للبول، يعني مكان يستحم فيه فقط، وليس فيه محل خاص للبول ينفذ منه، فإذا بال فيه واستقر في المكان ثم جاءه الرشاش وانتقل إلى البدن لا شك أن مثل هذا يتجه القول بمنعه.

ص: 10

"قال أبو عيسى: حدثنا بذلك" يعني خبر ابن المبارك: "قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء" قال: "حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي" أبو جعفر، صدوق من الحادية عشر "عن حبان عن عبد الله بن المبارك" حبان بن موسى بن سوار السلمي، ثقة، عن عبد الله بن المبارك، والوسواس بفتح الواو وكسرها مصدر وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة، وقد يطلق الوسواس بالفتح ويراد به الشيطان، ولابن قدامة رسالة في ذم الموسوسين، ولا شك أن مثل ما تقدم أن الوسواس آفة تقضي على دين الإنسان وهو لا يشعر، وينسلخ من دينه من غير إرادته، يحمله هذا إلى أن يترك الدين بالكلية لأن يتعذب، فبدلاً من أن يرتاح بالصلاة تكون الصلاة عذاب عليه، ثم يترك مستدلاً بقول الله -جل وعلا-:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] وهذا أمر لا يطيقه إذاً لا يكلف بمثل هذا، كثير من الموسوسين وصل به الأمر إلى حد الجنون، وقد أفتي بعضهم بترك الوضوء، ترك النية، بعضهم يقول: إنه إذا مسك الباب -باب الحمام- تنجس ثم رجع يعيد الوضوء، ومرة جاء شخص إلى المسجد وقال: أنا ما استطعت أن أصلي المغرب فلو أحسنت وصليت بي، أستطيع أن أصلي مأموم لكن لا أستطيع أن أصلي منفرد ولا إمام، فلما كبرت جلس، أتممت الصلاة نافلة وسلمت قلت: ما بالك؟ وما شأنك؟ قال: لما كبرت على أني في صلاة المغرب وإذا أمامي الأجزاء الثلاثة المكتوب عليها العُشر الأخير فلما قرأت العشر الأخير ظننتها صلاة الأخير يعني العشاء فالتبس عليّ الأمر، أنا أريد أن أصلي المغرب فدخلت صلاة الأخير -نسأل الله العافية-، وذهب ما صلى، ما صلى، مرتين أكبر وثلاث ما في فائدة، فعلى الإنسان أن يحسم المادة إذا خشي من هذا الأمر ولو وقع في شيء من التساهل في الوسائل، يعني النية هذه التي هي كارثة بالنسبة للموسوسين يتوضأ ثم يقول: ما نويت، ويتوضأ ثانية ويقول: النية والله فيها شيء، يا أخي توضأ بدون نية، النية شرط لكن إيش معنى النية؟ النية إن قصدت هذا المكان لتغسل فروض الوجه واليدين وتمسح الرأس هذه هي النية، تقصد هذا المكان لهذا العمل هذه هي النية، لا أكثر ولا أقل، فيقال له: توضأ بدون نية، سبحان الله النية شرط

ص: 11