المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٩

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره:

المسألة خلافية بين أهل العلم أيهما أفضل الملائكة أو الصالحين من بني آدم؟ ولا شك أن الأنبياء أفضل من الملائكة، هذا قول مقرر عند أهل العلم، لكن يبقى سائر بني آدم المسألة خلافية بين أهل العلم، والأدلة في الفريقين تكاد تكون متوازنة، وما على الإنسان إلا أن يسعى في إصلاح نفسه وفعل ما ينفعه، وإذا حدثته نفسه الشخص إذا حدثته نفسه أنه يسعى لئن يكون أفضل من الملائكة فليراجع نفسه، يعني غاية ما في الإنسان أن يسعى لخلاصه، وما يوصله إلى مرضات الله -جل وعلا- وجنته، وأن ينجو من عذابه، والمسألة تحتاج إلى توازن، تحتاج إلى توازن، فلا الشخص الذي تعبد سبعين سنة ويقول: إنه لم يسأل الجنة ولا مرة واحدة، يقول: ليس بكفء للجنة إنما يكفيه أن ينجو من النار، لا هذا ولا الشخص الذي إذا جلس في المسجد دقائق معدودة مع غلفة تامة وقلب غير حاضر ينتظر التشميت والتسليم، ممن ينتظر التشميت والتسليم؟ من الملائكة، إذا عطس وهو وحده في المسجد جالس كأنه فعل ما لم يفعله غيره -نسأل الله العافية-، لا هذا ولا ذلك الذي تعبد سبعين سنة ولا يسأل الجنة،

طالب:. . . . . . . . .

وذاك أيضاً قنوط ويأس، لا هذا ولا هذا، لعلنا نكتفي بهذا، الأسئلة كثيرة جداً، ما يستوعبها الوقت.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره:

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز قال: حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن معاوية والمقدام بن معدي كرب وعائشة.

قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في الباب وأحسن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 6

"باب: ما جاء في مسح الرأس" مسح الرأس فرض من فروض الوضوء، لا يصح إلا به، وهو منصوص عليه في آية الوضوء، وأيضاً في جميع الأحاديث التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام في صفة وضوئه بياناً لما أمر الله به -جل وعلا-، فمسحه فرض لا يصح الوضوء إلا به، والمراد بمسحه مسح جميعه كما هو الأصل في الإطلاق، وأن الباء فمسحوا برؤوسكم هذه للإلصاق، يعني أنه لا بد من المسح، وإنه لا يكفي مسحه هواء، وأنه لا بد أن يسمح بالماء خلافاً لمن قال: إنها للتبعيض، وأنه يكفي مسح بعضه، والآية وإن كانت مجملة فقد بينت بفعله عليه الصلاة والسلام، وبيان الواجب واجب، ولم يذكر في حديث واحد أنه عليه الصلاة والسلام اقتصر على مسح بعض الرأس، وأعني بذلك الرأس المكشوف على ما سيِأتي في مسح العمامة.

"أنه يبدأ بمقدم الرأس" يعني بيان كيفية المسح، وأنه يُبدأ بمقدم الرأس، أو يَبدأ بمقدم الرأس ذاهباً إلى مؤخره، والمؤلف في الترجمة بيّن ما جاء في الأحاديث في معنى الذهاب، ذهب بهما، وأقبل بهما وأدبر، وما يحتمله من البداءة بالمقدم أو بالمؤخر، فالمؤلف بيّن بهذه المقدمة أن البداية تكون بمقدم الرأس، وإن كان في قوله:"أقبل بهما وأدبر" ما يفهم منه عكس ذلك.

يقول رحمه الله:

ص: 7

"حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري" هذا تقدم الكلام فيه "قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز" وأيضاً مضى الكلام فيه، وأنه من كبار الآخذين عن الإمام مالك ومن ثقاتهم وأثباتهم "قال: حدثنا مالك بن أنس" الإمام، إمام دار الهجرة "عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن "عن أبيه" يحيى بن عمارة "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم الصحابي، راوي حديث الوضوء، تقدم ذكره، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه" كله كما جاء في رواية ابن خزيمة "بيديه" هذا هو الحاصل، لكن لو مسح الرأس بغيره يديه يجزئ وإلا ما يجزئ؟ عنده منشفة مبلولة بالماء ومسح بها الرأس؟ نعم؟ لأن المقصود المسح، المقصود المسح، ولو أعانه غيره، ووضأه غيره، ولو من غير حاجة، وضأه غيره وغسل وجهه، وغسل يديه ومسح برأسه، وغسل رجليه أجزئه، فقوله: "بيديه" حديث عن الواقع، أن هذا ما وقع منه عليه الصلاة والسلام "فأقبل بهما وأدبر" فأقبل هذا بيان لكيفية المسح "فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه" فأقبل بهما وأدبر هذا بيان لكيفية المسح، وبدأ مقدم رأسه بيان لكيفية الإقبال والإدبار "فأقبل بهما وأدبر" الواو هذه لا تقتضي ترتيب؛ لأن مقتضى قوله والظاهر من قوله أقبل وأدبر لو قلنا: إنه ترتيب لكان المفاد أنه بدأ بمؤخر رأسه؛ لأن الإقبال إلى جهة الوجه، والإدبار إلى جهة الدبر وهو القفا، فيكون مفاد هذه الجملة مخالف ومعارض للجملة التي تليها، بدأ بمقدم رأسه، وعلى هذا يقال: إن الواو هذه لا تقتضي الترتيب، وأن الأصل: أدبر بهما وأقبل بدأ بمقدم رأسه، وإذا قدم أحد المتعاطفين بالواو فلا مانع من ذلك، ولا تدل على الترتيب، في بعض الروايات عند البخاري وغيره، فأدبر بيده وأقبل، فدل على أن الحديث مروي بالتصرف، وأن الراوي جرى على ما تقتضيه الواو، وأنها لا تدل على الترتيب، وسواء قدم المعطوف أو المعطوف عليه لا أثر له، وإلا فمقتضى الإقبال أن يبدأ بمؤخر رأسه ثم يقبل بهما إلى جهة الوجه ثم يذهب بهما إلى جهة الدبر الذي هو الخلف، لكن جاء البيان بالجملة المحكمة بدأ بمقدم رأسه، منهم من يقول: الإقبال والإدبار أمر نسبي إضافي، إيش معنى هذا الكلام؟ يوجه ابن دقيق العيد قوله: فأقبل بهما وأدبر يعني

ص: 8

أقبل بهما إلى جهة القفا وأدبر بهما عنه، لكن هذا خلاف الظاهر، ولا يسلم من تكلف، وعلى كل حال كون الواو لا تدل على الترتيب، وجاءت الجملة بالعكس المعطوف معطوف عليه، والمعطوف عليه معطوف، عملاً بالنص في قوله: بدأ بمقدم رأسه، هذا نص لا يحتمل ما تحتمله الجملة الأولى، فإذا وجد الإجمال يؤخذ بيانه من النص الذي لا يحتمل مثل هذا.

"بدأ بمقدم رأسه -يعني الذي يلي الوجه- ثم ذهب بهما إلى قفاه"، "بدأ بمقدم الرأس ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه" وهو مقدم الرأس "ثم غسل رجليه".

ص: 9

في حديث عبد الله بن زيد -حديث الباب- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مسح بيده فأقبل بهما وأدبر)) إلى هنا متفق على كونه مرفوع، وقوله: بدأ بمقدم رأسه هل هو من كلام عبد الله بن زيد يحكي ما فعله صلى الله عليه وسلم أو مدرج من كلام مالك يفسر به ما نقله عبد الله بن زيد عن النبي عليه الصلاة والسلام؟ يقول ابن حجر: الظاهر أنه من أصل الحديث، وليس مدرج من كلام مالك، الظاهر أنه من أصل الحديث، إذاً هو قد يرد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، دون التوضيح الذي يليه، ويرد كاملاً كما هنا، فهل نقول: إن من رواه ناقصاً اقتصر على الأصل، ومن رواه كاملاً روى الأصل وروى البيان والتفسير المدرج من كلام مالك؟ أو نقول: إن الراوي مرة يرويه ناقصاً ومرة يرويه كاملاً ولا مانع من أن ينشط الراوي ويسوق الخبر بكماله، وأحياناً يقتصر على بعضه؟ والاقتصار اقتصار الحديث واختصاره يجوز عند أهل العلم بشرطه، إذا كان المذكور لا يتوقف فهمه على المحذوف، يعني اختصار الأحاديث جائز عند أهل العلم، شريطة ألا يتوقف فهم المذكور على ما حذف منه، يعني لو تقول مثلاً:((إنما الأعمال بالنيات)) وتسكت، يلام من يقول هذا الكلام؟ لأنه جملة كاملة مستقلة تستقل بمعناها، كما أنه لا يلام إذا قال:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] أو نقول: لا بد أن يكمل الآية؟ ما يلزم، لكن إذا كان المحذوف لا بد منه لفهم المذكور فلا بد من ذكره، إذا كان وصف مؤثر في الحكم إذا كان استثناء لا بد من ذكره، يستطع أحد أن يقول:((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) ويترك ((إذا كان يداً بيد))؟ لا؛ لأن هذا يترتب عليه خلل في الحكم، فلا بد من ذكره، وهنا لا يتأثر الحكم إنما هو مجرد بيان، فيرويه الراوي مرة ناقصاً ومرة كاملاً، ويكون حينئذٍ مقبولاً.

ص: 10