المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٩

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس:

ومن شرط الحكم بالإدراج أن يرد ولو في رواية ما يبين أنه مدرج، يعني لو أنه جاء في رواية عن عبد الله بن زيدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، قال مالك: بدأ بمقدم رأسه إلى أخره، حكمنا عليه بأنه مدرج؛ لأن هذه الرواية بينت، لكن لم يرد في رواية من الروايات إضافته إلى مالك، فدل على أنه من أصل الحديث كما قرر ذلك ابن حجر.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن معاوية" وهو مخرج عند أبي داود، حينما حكا وضوء النبي عليه الصلاة والسلام "والمقدام بن معد كرب" وهو عند أبي داود أيضاً "وعائشة" عند النسائي.

"قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وهو مخرج عند بقية الجماعة في الصحيحين وبقية السنن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، قال ابن عبد البر: المشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره، يعني وإن كانت جملة:"فأقبل بهما وأدبر" تحتمل هذا، تحتمل العكس، بل هو الظاهر منها لو جاء بحرف العطف الذي يقتضي الترتيب لتعين حمله على هذا "فأقبل بهما ثم أدبر"، أو "فأقبل بهما فأدبر" تعين حمله على أنه بدأ بالمؤخرة، لكن لما جاء بالواو التي لا تقتضي الترتيب، وجاء بيانه بنصوص صحيحة صريحة، لا محيد عن القول به، نعم.

عفا الله عنك

‌باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس:

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه، ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً، وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث، منهم وكيع بن الجراح.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 11

"باب: ما جاء أنه يَبدأُ -أو يُبدأُ- بمؤخر الرأس" يعني خلاف ما دل عليه الحديث السابق والترجمة السابقة، والترمذي لم يحكم بحكم يعني لم يترجم بحكم شرعي يجزم به لكن هو يحيل في ذلك كله على ما جاء منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني الترمذي في الغالب لا يترجم بحكم يجزم به، وإنما يترجم بكلام خبري يحيل به إلى ما يورده من دليل، يعني لو قال: باب البداءة بمقدم الرأس، ويحيل على ما جاء، باب ما جاء في مسح الرأس، باب: ما جاء في أنه يبدأ بمؤخر الرأس، وباب: ما جاء أن مسح الرأس مرة، فهو يُحيل على ما في الخبر من حكم، ولا يجزم بشيء معين، اللهم إلا في تعقيبه للأحاديث هذا أصح وهذا أرجح، ولذا تجدون الترمذي يورد النص ويورد ما يخالفه، يعني ميزة السنن وترجيح أهل العلم للسنن على المسانيد لماذا؟ لأن أهل السنن يترجمون بأحكام شرعية، باب: حكم كذا، ثم يورد ما يدل عليه، فإذا ترجم بحكم شرعي فهل يعدل إلى ذكر المرجوح مع وجود الراجح، ويترجم بحكم شرعي، ويريد أن يستدل لهذا الحكم الشرعي، هو أثبت هذا الحكم ويريد أن يؤيد هذا الحكم بدليل شرعي، فهل يذهب إلى دليل مرجوح مع وجود ما هو أرجح منه؟ لا، ولذلك أهل السنة ينتقون أقوى ما عندهم يستدلون به على ما يترجمون به من أحكام، وأما صاحب المسند فإنه يترجم باسم صحابي، وعلى هذا يورد ما بلغه من مرويات هذا الصحابي سواءً منها ما ثبت وما لم يثبت، ولذا رجحت السنن على المسانيد من هذه الحيثية، ولذا يقول الحافظ العراقي:

ودونها -يعني دون السنن-.

ودونها في رتبة ما جعلا

على المسانيد فيدعى الجفلا

ص: 12

يعني تدعى الأحاديث بالعموم من غير تعيين لآحادها، يعني دعوة الجفلا يعني حينما يقف الواحد بباب المسجد ويقول: الليلة زواج فلان لا يخلين أحد، كما كان يفعل قبل البطاقات، هذا يختلف عما لو دخل المسجد وجلس عند فلان وقر في أذنه ثم جلس عند فلان ترك اثنين ثم ذهب إلى الرابع فقر في أذنه، ثم ذهب إلى العاشر فقر في أذنه هذه. . . . . . . . .، يعني يخصص من يريد، وهذه طريقة أهل السنن، أما المسانيد ويدعون الجفلا أي حديث ورد عن فلان يوريدونه ويثبتونه، هذا المزية التي يذكرها أهل العلم للسنن ويبرهنون عليها بأن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي يستدل له بأقوى ما يجد في الباب، توجد عند الترمذي وإلا ما توجد؟ الآن هل الترمذي يجزم بأحكام شرعية في الترجمة ثم يورد ما يدل لها؟ أو يحيل على ما ورد في الاستنباط يحيل على ما ورد من دليل باب ما جاء في كذا؟ نعم؟ يعني له نستطيع أن نقول: اختيار الترمذي رأي الترمذي من خلال الترجمة أنه يبدأ بمقدم الرأس أو بمؤخر الرأس من خلال التراجم ما نستطيع أن نحكم بهذا، لكن في ترجيحاته وتعقيباته في أواخر الأبواب نأخذ اختيارات الترمذي، ولذا تجدونه يترجم باستنباط من حديث ثم يترجم بنقيضه؛ لأنه يروي حديثاً يخالف الحديث الأول، يقول: باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس؛ لأن القارئ حينما يقرأ الترجمة الأولى: باب: ما جاء أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، ثم باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس ويش يستفيد القارئ؟ هل استفاد حكم ثابت متقرر من خلال الترجمتين؟ لا، بينما فقه الأئمة في تراجمهم، فقه الأئمة إنما تؤخذ من تراجمهم للأحاديث.

ص: 13

يقول: "حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن المفضل" بن لاحق الرقاشي، وهذا تقدم، ثقة، ثبت توفي سنة سبع وثمانين ومائة "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" وهذا أيضاً تقدم في الحديث الثالث، تقدم في الحديث الثالث، وتقدم قول الترمذي فيه: صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وتقدم قول البخاري: مقارب الحديث "عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء" من المبايعات تحت الشجرة رضي الله عنها وأرضاها- "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه" البيان: مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، البيان هذا بيان للمسح أو بيان للعدد حينما قالت: مسح برأسه مرتين ثم بينت بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه؟ نعم؟ بيان للمسح، يعني كرر هذا مرتين لا شك أن أكثر ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام مفصلاً من فعله عليه الصلاة والسلام أن المسح مرة واحدة، وأما ما جاء ما يدل على أنه كرر المسح هذه من أحاديث مجملة، أما من قول الراوي:"توضأ ثلاثاً ثلاثاً" فأدخلوا فيها الرأس، وسيأتي أن مسح الرأس مرة يأتي الخلاف فيه -إن شاء الله تعالى-، لكن لكي تمشي الأحاديث في مساق واحد قال أهل العلم: قولها: بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه بيان للمرتين، بيان للعدد، أنه مرة بدأ بمؤخر الرأس ثم المرة الثانية بدأ بمقدمه، بمعنى أنه أمر اليدين على الرأس مرتين ذهاباً وإياباً، ولا يعني أن المسح وقع مرتين، فقولها: بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه بيان للمرتين وليستا مسحتين، كما يفيده ظاهر اللفظ؛ لتتفق النصوص، وقال ابن العربي: هذا تحريف من الراوي بسبب فهمه، فإنه فهم من قوله:"فأقبل بهما وأدبر" أنه يقتضي الابتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم منه وهو مخطئ، يعني فهم منه أن الإدبار والإقبال مسحة، فحكم بأن المسح مرتين، الراوي أحياناً مع قول جماهير أهل العلم بجواز الرواية بالمعنى قد يهجم على ذهنه فهم معين ثم يروي الحديث من خلال هذا الفهم، يعني كما جاء في صحيح مسلم في حديث أنس: كان النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" فهم الراوي أنهم لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم فصرح بما

ص: 14

فهم، فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في أخرها، صرح بما فهمه من المتن من النص، أولاً: هو فهم من الراوي ثم بعد ذلك لما فهم صرح بفهمه بناء على جواز الرواية بالمعنى، وفي هذا يقول الحافظ العراقي:

وعلة المتن كنفي البسملة

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

وابن حجر يقول: إنه يحمل عدم الذكر على عدم الجهر، يعني لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً في أول قراءة ولا في أخرها، ومثل هذا يستحسن صيانة للصحيح، فهنا الراوي لما سمع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقبل بيده ويدبر أنه يمسح مرتين، مرة للإقبال ومرة للإدبار، وهذا تحريف معنوي، هذا ما قاله ابن العربي في العارضة، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، الرواية هنا (ثم) الراوية الأولى أقبل وأدبر، نقول: الواو لا تقتضي الترتيب لكن (ثم) إذا أثبتنا هذه الرواية لا بد أن نقول: إنه يبدأ بمؤخر الرأس، كما قلنا في السابق: إنه يبدأ بمقدمه، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، ولا شك أن الحديث السابق حديث عبد الله بن زيد أرجح؛ لأنه في الصحيحين، فمقدم على هذا الحديث ولذا قال أبو عيسى:"هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً" لأنه في الصحيحين، وحسن حديث الباب للكلام المذكور في عبد الله بن محمد بن عقيل الذي تقدم، ومثله يحسن له.

"بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه" إذا قلنا: بالترجيح رجحنا حديث عبد الله بن زيد كما فعل الإمام الترمذي، وإذا قلنا كما قال بعضهم أنه ثبت مثل هذا الفعل بالبداءة بمؤخر الرأس لبيان الجواز، وأنه لا مانع من أن يبدأ بمقدم الرأس أو بمؤخره، الأمر فيه سيان، المقصود أنه يعم الرأس مرتين ذهاباً وإياباً، لا أن المسح يكون مرتين إنما الإقبال والإدبار يكون مرتين، الذهاب مرة والإياب مرة، والفائدة من الإقبال والإدبار والمسح ذهاب وإياب، قالوا: ليعم المسح الشعر، ما أقبل منه وما أدبر، يعني الجهة؛ لأن كل شعرة لها جهات، الشعرة له جهات، يعني لو مسحه مرة من هنا إلى الآخر ما أدبر به مرة ثانية كان مسح وجه واحد للشعر، لكن لما أعاده مسح الوجه الثاني من الشعر.

ص: 15