المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان آداب الداعية وما ينبغي أن يكون عليه من التدرج في الدعوة - شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال - جـ ٨٥

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الجهاد والسير - جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام

- ‌باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام

- ‌شرح حديث نافع مولى ابن عمر في الإغارة على بني المصطلق

- ‌مذاهب العلماء في حكم إنذار العدو قبل الإغارة

- ‌حكم استرقاق العرب

- ‌باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها

- ‌شرح حديث بريدة بن الحصيب في وصية النبي لأمير السرية والجيش

- ‌توصية الأمير بتقوى الله في خاصة نفسه ومن معه من المسلمين

- ‌الوصية ببدء الغزو بذكر الله وفي سبيل الله

- ‌النهي عن التمثيل والغدر والغلول

- ‌ذكر الخصال التي يدعى إليها المشركون قبل قتالهم

- ‌إعطاء الأمير للعدو ذمته وذمة أصحابه إن أراد المعاهدة

- ‌إنزال الأمير العدو على حكمه واجتهاده في ذلك

- ‌باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير

- ‌شرح حديث: (بشروا ولا تنفروا)

- ‌شرح حديث: (يسروا ولا تعسروا)

- ‌بيان آداب الداعية وما ينبغي أن يكون عليه من التدرج في الدعوة

الفصل: ‌بيان آداب الداعية وما ينبغي أن يكون عليه من التدرج في الدعوة

‌بيان آداب الداعية وما ينبغي أن يكون عليه من التدرج في الدعوة

وفي هذا الحديث: الأمر بالتبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضاً، فترى الواعظ لا يعرف للجنة طريقاً، تخصصه دائماً نار، فلا يحسن أن يتكلم إلا عن النار، وفي ذلك تنفير للناس من رحمة الله عز وجل، فتجد ضعيف الإيمان في أول طريقه يقول: ما دامت المسألة كلها نار نار نار فلماذا نصلي؟ ولماذا نصوم؟ ولماذا نزكي ونحج؟ ويترك الفرائض والواجبات ويرتكب المحرمات حتى يقع في الشرك البواح؛ لأن هذا الواعظ ما أحسن أن يأخذ بمفاتيح قلبه، ولا بد للواعظ أن يكون عالماً بما يريح القلوب، عاملاً به، فمثلاً المحسوسات لو أردت أن تفتح باب المسجد بمفتاح ليس هو مفتاحه، فمن الممكن أن تقف مائة عام على الباب ولا يمكن أن تفتح هذا الباب وهو جماد؛ وذلك لأنك لم تُحسن اختيار المفتاح الذي يُستخدم في فتح هذا الباب، ولكل قلب مفتاح، فعلى الداعية أن يتلون على كل وجه، كأن يكون لطيفاً مع الناس، وهذا يفتحه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يفتحه بالكلام عن القلوب وأنواع القلوب، وهذا يفتحه بمسألة فقهية، وهذا بمسألة علمية، وهكذا.

فينبغي أن يكون الداعية أهلاً لهذا كله، يعرف مغاليق القلوب، ومفاتيح القلوب كذلك.

قال: (وفيه: تأليف من قرب إسلامه).

يذكر أن شخصاً أسلم وحضر مجلساً إسلامياً، فقال له الشيخ: أنت أسلمت لماذا؟ قال: يا شيخ! لأن الإسلام هذا جميل وحلو.

قال الشيخ: فأين مظاهر الجمال؟ أقول لك: لا تظن أننا سعيدون بإسلامك أبداً، فنحن عندنا ملايين المسلمين، فنحن غير محتاجين إليك، والله لو تذهب في داهية فهو أحسن لنا.

والله حدث هذا الكلام، وهذا شيء سيئ جداً والله!! وكانت هناك راهبة كبيرة وكان لها تأثير عجيب في وسط النساء النصرانيات، فأخذت ما يزيد على (200) من نساء النصارى، وذهبت بهن إلى مكان من الأمكنة حتى يشهرن إسلامهن، وهذه المرأة الراهبة معروفة بإسلامها وجهدها الطيب على نساء النصارى، وكانت تعرف المفاتيح والأقفال، فقالت لأحد المسئولين: أتيتك بغنيمة، وهي أن (200) امرأة تم إسلامهن على يدي، فقال لها: لا أريد أحداً أن يسلم، خذيهن واذهبي بهن إلى الخارج.

وخرجت هذه المرأة من عنده وهي تقول: ما خرجت مترددة في ترك الإسلام إلا في هذا الموقف، وما قالت هذا الكلام إلا من فرط غضبها.

قال: (وفيه: تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه).

يقول العلماء: لا تُطلق أحكام الكفر على المعيّن إلا بعد قيام الحجة عليه، فربما كان جاهلاً أو قريب عهد بجاهلية أو قريب عهد بالإسلام، فكلاهما يصلح.

أذكر أن امرأة أسلمت في أمريكا وكانت تزني -عياذاً بالله- لتنفق على أولادها، وحينما كلمناها في حرمة الزنا، قالت: والله أنا لا أعلم أن الزنا حرام، كنت أظن أن الزنا فقط مجرد عيب، وأنا الآن متعبة وأستحي من هذا العمل.

وتسميه عملاً.

تقول: فأنا أتعاطى حبوباً أو شيئاً من الحقن حتى لا أشعر بهذه العملية الفظيعة في أثناء وقوعها.

وكذلك من قارب البلوغ من الفتيات، فعندما نعرف أن البنت حاضت، نريد أن نجري عليها أحكام الإسلام كما لو كانت بنت ابن تيمية، فتجد الأب من أول لحظة يقول لها: أنت الآن أصبحت مكلّفة بجميع تكاليف الإسلام وأحكامه وشرائعه، ويبدأ يملي عليها ويقعد لها كالصقر، مع أنها من سن السابعة إلى يومنا هذا لم يعلمها أبوها شيئاً، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(علموا أولادكم الصلاة لسبع).

ومذهب الجماهير: أن الصلاة ليست مذكورة لعينها، بل يقاس عليها غيرها من تكاليف الإسلام وأحكامه من حلال وحرام وفرائض وغير ذلك؛ حتى إذا بلغ سن التكليف كان قد تجاوز مرحلة التدريب العملي على الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج وغير ذلك، والصحابة رضي الله عنهم قاموا بذلك خير قيام، فكانوا يعطون الحلوى أو الدينار أو غير ذلك للولد إذا صام إلى الظهر، أو إذا صام إلى العصر، وكانوا يدربونهم على الصلاة، حتى إذا بلغوا كانوا قد تعلموا أحكام الإسلام، لكنك أنت تريد أن تلزمها بفرائض الإسلام وأحكامه بمجرد أن تبلغ، دون أن يسبق ذلك فترة تعليم أبداً، وهذا تصرف لا يصح.

أذكر أنه في السودان لما أعلنوا تطبيق الشريعة الإسلامية والعمل به بدءوا بإقامة الحدود، وهذا تخبّط.

هل تقام الحدود على أمة غرقت مئات السنين في العلمانية وفي المعاصي ومخالفة الأمر والابتعاد عن كتاب الله وسنة رسوله؟ فهم أناس لا يعلمون شيئاً عن دينهم، فكان لا بد أن يسبق هذه المرحلة مدة من الزمان تبلغ السنوات؛ لتعليم هذه الأمة أحكام دينها، ثم بعد ذلك تبدأ العقوبة.

ومن ارتكب معصية وتاب، ترى من يعرف ذلك يشدد عليه حتى ييأس من رحمة الله عز وجل! والمفروض أن المرء إذا تاب يؤخذ بالرفق والرحمة واللين، بخلاف الإنسان الذي يعصي وهو يعلم أنه يعصي ويُدعى إلى التوبة فيستهزئ ويسخر، فمثل هذا تحذره من شفير جهنم، بخلاف من وقع في معصية ثم تاب منها وأتاك يضطرب قلبه وجلاً خائفاً، فلا شك أن التنفير في هذا الموطن يجعل المرء ييأس من

ص: 17