المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: (البيعان بالخيار): - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٣١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح حديث: (البيعان بالخيار):

وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال:

ما عندك "وفي معناه"؟ وما في معناه من حديث حكيم بن حزام؟

طالب: النسخة التي عندي تختلف، أنا اطلعت على نسخة أخرى فيها ما ذكرت.

على كل حال العمدة طبعت طبعات كثيرة، طبعت ضمن مجموعة الحديث النجدية مراراً في الهند وفي مصر وفي غيرها، طبعت في المنار في مصر، وطبعت في مطابع كثيرة؛ لأن لها قبول عند أهل العلم، وهذه النسخ يوجد في بعضها ما لا يوجد في البعض، ثم طبعت أخيراً، وادعى طابعوها أنهم قابلوها على نسخ، لكن من أجود طبعات الكتاب طبعة الشيخ أحمد شاكر؛ لأنه طبع الكتاب ضمن مجموع ضم ألفية العراقي والتدمرية لشيخ الإسلام، والعمدة، نعم.

على كل حال في بعض النسخ: "وفي معناه من حديث حكيم بن حزام" وهو .. ، إلى آخره.

"وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) ".

‌شرح حديث: (البيعان بالخيار):

نعم هذا الحديث الأول من أحاديث البيوع، والثاني، والكتاب: مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، ويجع على كُتب، وأصل المادة للجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ويقال لجماعة الخيل: كتيبة، والكلام في هذه المادة مكرور، ذكر في مناسبات كثيرة.

والبيوع جمع بيع، وهو مصدر باع يبيع بيعاً، والبيع يشمل النوع الواحد والأنواع، إلا أنه جمع هنا لتعدد أنواعه، وإن كان البيع المصدر يشمل الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة، كما أنهم جمعوا الماء على مياه، وهو اسم جنس تدخل فيه جميع أنواع الماء، لكنهم لاحظوا فيه تعدد الأنواع فجمعوا.

مصدر باع يبيع، منهم من يقول: إنه مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للآخر لإبرام الصفقة أولاً، ولذا سميت صفقة، ولأخذ المشتري السلعة والبائع القيمة، كل واحد منهما يمد باعه، وعرفنا أن البيع مصدر، وهل يمكن أن يؤخذ المصدر من غيره، أو المصدر هو الأصل الذي تشتق منه؟ نعم، المصدر أصل وإلا فرع؟ أصل.

. . . . . . . . .

وكونه أصلاً لهذين انتخب

ص: 4

كيف يقولون: مأخوذ من الباع؟ والأصل مصدر يؤخذ منه ولا يؤخذ هو من غيره؟ يمكن؟

طالب: كونه يطلق على اليد وهي أصل.

الباع يطلق على اليد، لكن البيع؟ قلنا: إن البيع مصدر، والمصدر أصل لجميع المشتقات، والأصل يؤخذ منه، يقول ابن مالك:

. . . . . . . . .

وكونه أصلاً لهذين انتخب

يعني للفعل والمشتق، هو الأصل عند البصريين، وإن كان الكوفيون يرون أن الأصل الفعل.

على كل حال النقل أو إيجاد هذا اللفظ للدلالة على العقد هو مجرد نقل وليس اشتقاق، وليس من باب الاشتقاق، نضير ما يقال في لفظ الجلالة (الله) هل هو مشتق أو جامد؟ جمع غفير من أهل العلم يقولون: مشتق، يستدرك عليهم بأن الله سبحانه وتعالى سابق على كل شيء فمما اشتق؟ يقال: إن هذا من حيث الأوزان والأبنية العربية مشتق، وإن كان الله سبحانه وتعالى واللفظ علم على الذات الإلهية لم يسبقه شيء.

البيع عرف بأنه: مبادلة مال بمال، قالوا: ولو في الذمة، أو منفعة مباحة، على سبيل التمليك، والبيع له شروط لا يصح بدونها، وفيه شروط، له شروط وفيه شروط، وفرق بين شروط البيع والشروط في البيع، ويأتي التنبيه عليها من خلال الأحاديث اللاحقة.

شرح حديث: (إذا تبايع الرجلان .. ):

" عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا تبايع الرجلان)) "

ص: 5

وفي حكم الرجال كل من هو جائز التصرف من امرأة ونحوها، كصبي مميز فيما يسوغ له التصرف فيه، والعبد فيما وكل إليه التصرف فيه، رجلان خرج مخرج الغالب، وإلا فالنساء مثله، الحكم واحد، ((إذا تبايع الرجلان)) التبايع والمبايعة من المفاعلة، تكون من طرفين، تكون من طرفين، فإذا وجد العقد من الطرفين ((فكل واحد منهما بالخيار)) له أن يختار أحد النظرين من إمضاء البيع أو فسخه، وهذا هو معنى الخيار ((ما لم يتفرقا)) بأبدانهما في قول أكثر العلماء، وهو ظاهر الحديث، وإن قال مالك والحنفية: إن المراد التفرق بالأقوال، الظاهر من اللفظ يدل على أن المراد التفرق بالأبدان، ((وكانا جميعاً)) يعني في مكان واحد، هذا دليل على ثبوت خيار المجلس، وهو كالصريح في الدلالة له، وما يجيب به من لا يرى خيار المجلس كالمالكية والحنفية هي مجرد شبه لا ترقى لمعارضة مثل هذا الخبر الصحيح، فهم يحملون التفرق على التفرق بالأقوال، ويقولون -المالكية على وجه الخصوص- يقولون: إنه خلاف عمل أهل المدينة، وعمل أهل المدينة عندهم حجة، ومالك قد روى الحديث، شدد بعضهم في حق الإمام مالك -رحمة الله عليه-، حتى قال ابن أبي ذئب: ينبغي أن يستتاب مالك، يعني لا مندوحة له عن العمل بهذا الحديث، فكيف يحمله على التفرق بالأقوال؟ نعم لو لم يرد من طريقه لقلنا خفي عليه الحديث، لكن ورد الحديث من طريق مالك.

كيف يسمى المتعاقدان بيعان؟ وكيف يتم التبايع ما لم يتم العقد بالإيجاب والقبول؟

معنى الحديث عند المالكية والحنفية: ((إذا تبايع الرجلان)) يعني تساوم ((فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)) يعني بالأقوال، فإذا تفرقا بالأقوال فقد وجب البيع، إذا قال البائع: بعت، وقال المشتري: اشتريت، تفرقا بالأقوال، لكن هل يظهر من السياق أو من دلالة اللفظ ما يؤيد هذا القول؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- احتج بعمل أهل المدينة، وأن عملهم على خلاف هذا الحديث.

ص: 6

ابن عمر وجمع غفير من الصحابة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، وابن المسيب والزهري وهما من كبار فقهاء المدينة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، فكيف يقال: إنه خلاف عمل أهل المدينة؟ ولو قدر أن أهل المدينة قاطبة خالفوا العمل بالحديث، يلتفت إليهم؟ مع وجود النص الصحيح المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا حجة بقول أحد، فالسنة تقضي على غيرها، ولا يقضى عليها بغيرها، ودعوى تأويل الحديث أن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، نقول: لم يحصل بيع حتى ينظر في هذا التفرق، وإنما يتم البيع ويسمى كل من العاقدين بيعين أو متبايعين إنما يسمى إذا تم الإيجاب والقبول.

ابن عمر فهم من الحديث التفرق بالأبدان، ولذا كان رضي الله عنهما يمشي خطوات لكي يقطع الطريق على البائع في حالة ما إذا كان مشترياً، أو على المشتري في حالة ما إذا كان بائعاً، يقطع عليه الطريق الموصل إلى الخيار، ويأتي النهي عن مثل هذا العمل، لكن ابن عمر لم يبلغه هذا النهي، هذا المظنون به رضي الله عنه وأرضاه-، يهمنا أن ابن عمر فهم أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، وليس المراد به التفرق بالأقوال، ولذا لكل من العاقدين المتبايعين الخيار، وما يسميه أهل العلم خيار المجلس، ما داما في مكانهما، وكانا جميعاً كما جاء في الحديث، والتفرق أمر نسبي، فإذا قام كل واحد عن الآخر مولياً إياه دبره، فقد حصل التفرق، وإن كان في بيت فخروج أحدهما تفرق، وإن كان البيت ذا أدوار فطلوع أحدهما أو نزول أحدهما إلى دور آخر يسمى تفرق، وإن لم يخرجا عن البيت، إذا كانا في برية فإذا قام أحدهما وترك المجلس فإنه يعد تفرقاً، وحينئذ يلزم البيع، وليس لأحدهما مندوحة، وليس لأحدهما إبطال البيع إلا بالإقالة.

هذا نوع من أنواع الخيار خيار المجلس.

ص: 7

النوع الثاني: أو يخير أحدهما الآخر بإسكان الراء، وهو المعروف بخيار الشرط، إذا اشترط أحدهما الخيار، أو اشترط أحدهما على ألا خيار له أو لغيره، فالأمر حينئذ لا يعدوهما، لو اشترط البائع أن له خيار ثلاثاً له ذلك، اشترط المشتري له خيار ثلاثاً له ذلك دون صاحبه، اشترط أحدهما على ألا خيار له من الآن يثبت البيع قبل التفرق، ويبقى الخيار لصاحبه، خيار المجلس، إذا اتفقا على ألا خيار لأحدهما من تمام العقد الأمر لا يعدوهما، ((فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)) يعني لزم، وحينئذ تترتب الآثار على هذا البيع، بمعنى أن السلعة تنتقل إلى ملك المشتري، والقيمة تنتقل إلى ملك البائع، ويتصرف كل واحد منهما بما انتقل إليه تصرفاً مطلقاً.

((وإن تفرقا)) تكملة الحديث، وهذا موجود في الكبرى دون الصغرى، وذكرت أني أشير إلى الزيادات التي في الكبرى لنجمع الفائدة من الكتابين.

ص: 8

((وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) هذا تأكيد، منطوق هذا الكلام تأكيد لمفهوم أول الحديث، وفي معناه، في معنى حديث ابن عمر الحديث الثاني حديث حكيم بن حزام، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا)) هو في معنى الحديث السابق، فلا حاجة إلى شرحه، ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما))، إن صدقا صدق كل واحد منهما صاحبه، فصدق البائع في بيان الصورة الكاملة للسلعة، وما فيها من محاسن ترغب المشتري، وما فيها من عيوب، إن صدقا في كل ما يتعلق بالعقد، السلعة وما يرغب فيها، وما ينفر عنها، وفي القيمة كماً وكيفاً، فالمشتري يبين ما في نقوده من عيب، لما كانت النقود الدراهم والدنانير يدخلها ما يدخلها كالسلع، فلا بد حينئذ من البيان من قبل المشتري، إذا حصل البيان والصدق حصلت البركة، والبركة شيء محسوس وملحوظ بين الناس، التاجر الصدوق الأمين لا شك أنه يبارك له في ماله، والقدر اليسير من المال الذي يكسبه بهذه الطريقة ينفعه أكثر مما يكسب من أضعافه بالطرق الأخرى، والناس يعتمدون هذا الرجل الصادق الذي ينصح لهم، ويقبلون عليه، وينفرون من ضده، كثير من الناس يذهب إلى التاجر الصادق وإن كانت سلعته أغلى من غيرها، وأكثر قيمة، بينما ينفرون من المخادع الغشاش، وإن عرض السلع بأقل من غيره، شواهد الأحوال كثيرة على هذا، فالقدر والعدد ليس بعبرة، هذا موجود في جميع الأعمال، الموظف الذي يؤدي عمله على الوجه المطلوب تجد في دخله من البركة ما لا تجده في من هو أكثر منه بالدخل، إذا لم يكن مخلصاً نفسه، مبرئاً لذمته، وكم سمعنا ونسمع في الدوائر الحكومية من المستخدَمين وصغار الموظفين ممن يقرض الكبار ويداينهم، هذا موجود، والسبب في ذلك الحرص على براءة الذمة في الأعمال، والله المستعان.

ص: 9

((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) كم من شخص يبيع بالأموال الطائلة في اليوم الواحد، ومع ذلكم لا يستفيد من هذه الأموال، وإن كثرت عنده الأموال؛ لأنه ليس العبرة بكثرة العرض، وليس الغنى هو مجرد كثرة العرض، كما جاء في الحديث الصحيح:((الغنى غنى النفس)) فإذا تصورنا أن شخصاً دخله في اليوم الواحد عشرة آلاف عشرين ألف وهذا موجود، وآخر دخله مائة مائتين تجد أحياناً صاحب المائة والمائتين مستفيد من هذا المبلغ فائدة على الوجه المطلوب وكما ينبغي، بينما ذاك تذهب سدى، وينفقها في غير وجهها غالباً، والسبب الصدق والحرص على براءة الذمة وعدمه.

كم من شخص له من الأموال والأرصدة ما يستفيد منه البنوك، وقد حرم منه صاحبه، كم من شخص له الملايين في البنوك، هذا وإن كان المبلغ موجود لكنه محروم من بركته لا يستفيد منه، إن أراد أن يأكل فهو محجوب، إن أراد أن يتزوج ما يستطيع، إن أراد أن ينفق يده مقبوضة، نسأل الله السلامة والعافية، وقل مثل هذا في بركة البدن، كم من شخص تضيع عليه الأوقات سدى لا يستفيد من نفسه، ولا يستفيد منه غيره، ومن الناس ولا يقال الآن: الأوقات ما فيها بركة، لا، هذا يختلف من شخص إلى شخص، يعني يعرف من الشباب من يقرأ القرآن في سبع، ويحضر ثلاثة دروس في اليوم، ويؤدي عمله اليومي على الوجه المطلوب، ويزور المقابر كل أسبوع، ويزور المستشفيات والمرضى كل أسبوع، ويصل رحمه، ويأنس بأحبابه وأترابه، وكل هذا موجود، وما ضاع ولم يضع عليه من أمور دنياه شيء، ما فاته شيء من أمور الدنيا، وبعض الناس لهث وراء هذه الدنيا وقد ضيع نفسه وأهله ولم يدرك من الدنيا إلا ما كتب له، وإن أدرك منها شيء لم ينتفع به، والله المتسعان.

المقصود أن الصدق له أثر مشاهد وواضح في نماء الأموال وبركتها والإفادة منها، والكذب على الضد من ذلك.

ص: 10

هنا في الكبرى قال في الحديث الأول: "متفق عليه"، وفي الثاني:"متفق عليه"، وهذا لا يوجد في الصغرى، لماذا؟ نقول: في الصغرى لا يحتاج إلى تنصيص؛ لأنها في الأصل من الصحيحين، فلا يحتاج إلى أن يقال: متفق عليه، بينما الكبرى وقد أدخل فيها المؤلف أحاديث ليست من الصحيحين يحتاج أن ينص على المتفق عليه.

والحديث الذي يلي هذين الحديثين وهو من زيادات الكبرى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) ((فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) يعني يحتال لإسقاط الخيار من أجل تفويت هذه الفرصة الممنوحة من الشرع لكل من المتعاقدين؛ لأن المتعاقدين أو أحدهما قد يكون في أموره مستعجلاً يقدم على إبرام العقود من غير نظر ولا روية، فتركت له هذه الفرصة من الشارع لكي يستدرك ما يتضرر به بواسطة إقدامه على هذا العقد، وكم من شخص اشترى وندم، فمنهم من يتدارك المجلس، ومنهم من لا يتدارك فيندم بعد فوات الأوان، ولا يبقى حينئذ أمامه إلا الإقالة، ((فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) وعرفنا أن ابن عمر كما في الصحيح يفعل ذلك رضي الله عنه، وهذا وهو المظنون بمثل هذا الصحابي المؤتسي أنه لم يبلغه مثل هذا الخبر، هو مخرج في سنن أبي داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن، وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والاختلاف في الاحتجاج بمثل هذا الإسناد معروف عند أهل العلم، والخلاف ومنشأه، والراجح أن ما يرد بواسطة هذه السلسلة إن كان من فوق أو من بعد عمرو بن شعيب مقبولاً فأقل أحواله أن يكون من قبيل الحسن.

ص: 11