المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: (لا تلقوا الركبان - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٣١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح حديث: (لا تلقوا الركبان

ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه، أي ثوب لمسته فهو عليك بكذا، والثياب ملفوفة وموضوعة في الأدراج، يلمس الأول الثاني الثالث، ما يدري عن صفته، فلا بد أن تكون السلعة معلومة، وهذان النوعان من بيوع الجاهلية، وهما محرمان اتفاقاً لوجود الغرر والجهالة، فسرت المنابذة ببيع الحصاة الوارد في بعض النصوص، وهي أي ثوب أو أي رأس من الغنم أو الإبل أو البقر تنبذ إليه هذه الحصاة وتقع عليه فهو عليك بكذا، والجهالة والغرر موجودة.

ونهى عن الملامسة والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه، هذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وحينئذ يتعين المصير إليه؛ لأنه لا قول لأحد مع قوله عليه الصلاة والسلام، وأولى ما يفسر به قوله بقوله عليه الصلاة والسلام، وإذا كان من الراوي الصحابي فمن دونه فالصحابة أعرف من غيرهم بمدلولات الألفاظ، ويغلب على الظن أنه هو الموافق لمراد النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان حديث:((رب مبلغ أوعى من سامع)) يعني أنه قد يأتي من المتأخرين من يفهم مراد النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من فهم المتقدم، لكن (رب) للتقليل، وإلا فالأصل أن مدلولات الألفاظ الشرعية أعرف الناس بها من عاصر النبي عليه الصلاة والسلام، وعرف المقاصد من نصوص الوحيين، هم أعرف الناس وأدرى الناس بذلك، وعلى كل حال إذا كان التفسير من قوله عليه الصلاة والسلام فلا مندوحة لأحد من العمل به، وإن كان من أحد الرواة فلا شك أنهم أولى من غيرهم، لكن يبقى للنظر مجال، للنظر مجال.

الحديث الذي يليه:

‌شرح حديث: (لا تلّقوا الركبان

.. )

ص: 14

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)) أربع جمل ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)) هذه الأربع الجمل هي مروية من طرق كثيرة عن أبي هريرة، وعن ابن عمر وغيرهما، وهي مروية على نسق في المسند من طريق الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عمر، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، بأصح الأسانيد، أحمد عن الشافعي عن مالك، متى يجتمع مثل هؤلاء؟ أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا ما يقال فيه: إنه سلسلة الذهب، فمالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري، وإذا زيد بعد مالك أحد فأولى الناس الشافعي، وإذا زيد بعده أحد فأحمد، وليس في المسند على طوله وكثرة أحاديثه حديث يروى بهذا الإسناد إلا هذا الحديث، توجد رواية أحمد عن الشافعي لكن عن غير مالك، وقد توجد عن مالك لكن عن غير نافع، وهكذا، لكن هذه السلسلة مجتمعة لا توجد إلا في هذا الحديث.

هذا حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلّقوا الركبان))، الركبان: جمع راكب ويقال: ركب أيضاً جمع راكب، كصحب وصاحب، ((لا تلقوا الركبان)) وهذا وصف خرج مخرج الغالب وإلا فلو كانوا مشاة دخل متلقيهم في النهي، الغالب أن من يقدم ومعه سلعة أنه يكون راكباً، يقدم على البلد من بلد آخر أو من البرية في الغالب أنه يكون راكب، لكن إذا كان ماشياً على قدميه فإنه يأخذ الحكم نفسه، ((لا تلقوا الركبان)) والمقصود بهم لبيع السلع التي يحملونها، وجاءوا بها إلى البلد، والمنظور له أمران:

ص: 15

الأول: نفس الركبان، فلا يتلقى الركبان فيغروا بقيمة لا تناسب السلع التي يحملونها، جاهل بسعر البلد هذا الراكب القادم جاهل بسعر البلد، فإذا تلقي من خارج البلد كيف يعرف أن هذه السلعة تستحق كذا من الثمن؟ فيحصل الضرر على البائع بالمقابل ((لا يبع حاضر لباد)) لو تلقي هذا البادي، وأراد هذا الحاضر النصيحة لهذا البادي؛ لئلا يغلب إذا وصل إلى البلد الملحوظ مصلحة أهل البلد، فالشرع بشموله وعنايته بالجميع لا يرضى الضرر لأحد لا للبائع ولا لأهل البلد، كما جاء في الحديث الصحيح:((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) ففي الصورة الأولى: ((لا تلقوا الركبان)) الملحوظ مصلحة الراكب القادم الوافد إلى البلد، فيترك حتى يصل ويدخل البلد ويبيع بما تستحقه سلعته ويستفيد، فلا يغر بالتلقي، ويستوون في ذلك في عموم اللفظ ما الناس بحاجة إليه وما لا حاجة لهم به، بعض الناس يقول: إذا كان الناس بحاجة إلى هذه السلعة منع، وإذا لم يكونوا بحاجة لم يمنع؛ لأن الحاجة نسبية، قد تكون حاجة عموم الناس متعلقة بهذا أو العكس، عموم الناس لا يحتاجون هذا الأمر، لكن قد يحتاجه شخص، فيترك الناس يرزق الله بعضهم من بعض.

ص: 16

((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) شخص اشترى سلعة سيارة بخمسين ألف، فيأتيه من يأتيه فيقول: السيارة غالية ردها على صاحبها وأنا أبيع عليك مثلها بأربعين ألف، هذا باع على بيع أخيه، قد يقول قائل: البيع لزم بالإيجاب والقبول، لزم البيع بالإيجاب والقبول، والنص محتمل لما في مدة الخيار ولما كان بعد انتهاء مدة الخيار، أما كون البيع على بيع البعض في مدة الخيار فظاهر، يذهب المشتري إلى البائع ويفسخ، وإذا كان بعد لزوم البيع وانتهاء مدة الخيار لا شك أن هذا المشتري يذهب إلى البائع ويحرجه بالإقالة، فالضرر حاصل، وإن لم تحصل الإقالة حصلت البغضاء والشحناء، وتكدر خاطر المشتري؛ لأنه اشترى سلعة بأكثر من قيمتها، البشر كلهم مجبولون على هذا، ما في أحد يرضى أنه يغلب ولو بشيء يسير، فإذا كان في مدة الخيار، قال: أنا عندي لك سيارة أفضل منها بأربعين ألف وأنت شاري بخمسين، ذهب وفسخ البيع تضرر البائع، إذا كان بعد مدة الخيار ذهب المشتري وطلب الإقالة وأصر وكدر نفسه وكدر صاحبه، والشرع يوصد جميع الأبواب الموصلة إلى مثل هذه الشحناء، وهذه المشاكل.

((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) ومثل النهي عن بيع البعض على بيع أخيه الشراء، الشراء على شراء أخيه، هذه السيارة التي اشتراها زيد من عمرو بخمسين ألف يأتي شخص إلى عمرو يقول: أنت بعت السيارة بخمسين ألف أنا مستعد أدفع ستين ألف، ويحصل نظير ما حصل في الصورة الأولى، إن كان في مدة الخيار فسخ، وتضرر المشتري، عكس المسألة الأولى، وإن كان بعد انتهاء مدة الخيار طلب البائع من المشتري الإقالة وأحرجه، وأكثر عليه الكلام وكدره، تكدر الطرفان.

ص: 17

((ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا)) جاء في الصحيح: "نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن النجش" هنا ((لا تلقوا .. ، ولا تناجشوا)) وجاء بلفظ النهي، نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن النجش، ولا فرق بين الصيغتين؛ لأن صيغة النهي الأصل فيها (لا) الناهية، ومن صيغ النهي الإتيان بلفظ النهي، فإن كان الناهي مصرحاً به، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش، فلا خلاف في كونه من المرفوع، أما إذا قال الصحابي: نهينا عن تلقي الركبان، ونهينا عن النجش، فجماهير أهل العلم على أنه مرفوع أيضاً، وإن قال بعضهم: إنه موقوف حتى يصرح بالناهي، والمسألة معروفة، لكن جماهير أهل العلم على أنه مرفوع، وقوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، هو في القوة في حكم (لا) الناهية ((لا تلقوا)) فإذا قال: نهى عن النجش، كأنه قال: لا تناجشوا، سواءً بسواء، لا اختلاف بينهما.

خالف من خالف وقال: إنه لا يعتد بقول الصحابي: أمرنا رسول الله، ولا نهانا رسول الله، حتى ينقل اللفظ النبوي، لكن لا عبرة بمثل هذا الخلاف.

((ولا تناجشوا)) النجش: الزيادة في السلعة ممن لا يريد شرائها، ويستوي في ذلك إرادة الضرر للمشتري أو نفع البائع؛ لأن نفع البائع لا يتم إلا بالإضرار بالمشتري، والعكس، فالنجش منهي عنه، وهو محرم؛ لأن فيه ضرر، والضرر لا بد من إزالته، ((ولا تناجشوا)).

يأذن؟ أذن، أذن يا أخي.

في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلقوا الركبان)) وعرفنا المراد بالتلقي والمراد بالركبان، والبيع على بيع البعض، والنجش والمراد به الزيادة في السلعة ممن لا يريد شرائها ويستوي في ذلك إرادة نفع البائع أو ضرر المشتري؛ لأن هذا لا يحصل إلا بهذا.

((ولا يبع حاضر لباد)) الحاضر: ساكن القرى والأمصار، والبادي: ساكن البادية.

((لا يبع حاضر لباد)) سئل ابن عباس قال: لا يكون له سمساراً، يعني لا يكون دلال، يترك البادي هذا ليبيع لنفسه ليستفيد من ورائه أهل البلد؛ لأنه إذا باع الحاضر للبادي ما ترك فرصة لأهل البلد.

ص: 18

((ولا تصروا الغنم)) المراد بالتصرية: حبس اللبن في ضرع الغنم، وفي حكمها الإبل والبقر وغيرها مما يقصد لبنه، تُصر الغنم، وهل هذا خاص ببهيمة الأنعام، أو يشمل كل ذات اللبن ولو لم يكن اللبن مباح للآدمي؟ لو شخص صرّ أتان الأنثى من الحمر، وباعها في السوق وضرعها كبير؛ لأنها صريت، يؤثر وإلا ما يؤثر؟ يؤثر، لماذا؟ قد يقول قائل: هذا اللبن مآله إلى .. ، نعم، من يشربه؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

الشرب من يشرب؟ نعم، كونه صرّ لبن الأتان، والأتان معروفة أنثى الحمار، الآن التصرية في لبن الإبل والبقر والغنم ظاهر هذا؛ لأنه يستفيد منها الإنسان، ويستفيد منها ولدها كونها تجلب إلى السوق وضرعها كبير، لا شك أن هذا يغرر بالمشتري الذي يظن أن هذاك لبن كثير، وواقعها أقل من ذلك، فهل يسري المنع إلى غيرها من الحيوانات ذوات الألبان ولو لم يكن لبنها مشروباً من قبل الآدمي كالأتان مثلاً؟

النص ورد في الغنم، وجاء التنصيص على الإبل أيضاً، وفي حكم الإبل والغنم البقر، لكن لقلتها في الحجاز ما جاء التنصيص عليها، وهي داخلة في الحكم، والمعنى واحد، وأما تصرية غيرها من الدواب لا شك أنه غرر وجهالة، لكن كونها تصر يعني مقصد لبعض الناس، كون البائع يربط أخلافها لكي تظهر بالمظهر المناسب المغرر بالمشتري يدل على أن هذه التصرية لها أثر، فيعدّ الحكم من هذه الحيثية، ونفعها وإن لم يكن للآدمي فهو لنسلها، وقد يكون نسلها مقصد عند المشتري، حينما كانت الحمر هي وسائل النقل.

((ولا تصروا الغنم)) والمقصود بالتصرية: حبس اللبن في الضرع بأن تربط أخلافها فتظهر بمظهر كثيرة اللبن ووقعها أقل من ذلك، هذا نهي للبائع عن أن يصنع مثل ذلك تغريراً للمشترين.

((ومن ابتاعها -يعني اشتراها- فهو بخير النظرين)) يعني له الخيار إن شاء أمضى البيع، وإن شاء رد، هو بخير النظرين بعد أن يحلبها، ويتبين له حقيقة الحال، إن رضيها أمسكها؛ لأن الأمر لا يعدوه، اشترى سلعة على أساس أنها على مستوى من الجودة فبانت أقل، فرضي بذلك، الأمر لا يعدوه، وإثم البائع عليه يتحمله.

ص: 19

((وإن سخطها –يعني لم يرضها المشتري- ردها -رد هذه الدابة من الغنم أو الإبل والبقر- وصاعاً من تمر)) ((ردها وصاعاً)) حينئذ يجوز العطف على ضمير النصب المتصل من غير فاصل كما هنا، بخلاف ضمير الرفع، ((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) يعني ورد صاعاً من تمر في مقابل اللبن الذي ثاب واجتمع في ملك البائع، أما اللبن الذي ثاب واجتمع بعد الشراء فإنه في مقابل العلف والغنم مع الغرم، والخراج بالضمان.

((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) إن رضيها أمسكها، في هذا ما يدل على صحة البيع مع وجود هذا النهي، البيع صحيح، والنهي مقتضٍ للتحريم، فيحرم على البائع أن يصري، يحرم على البائع أن يفعل هذا الفعل الذي هو التصرية، لكن العقد صحيح؛ لأنه ليس كل نهي يقتضي البطلان، فإن عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، إلى حقيقة الشيء، أو إلى شرطه، فإنه حينئذ يبطل العقد، تبطل العبادة بهذا، لكن إذا عاد إلى أمر خارج لا إلى ذاته، ولا إلى شرطه، فإنه يصح مع التحريم، وإن قال من قال من أهل العلم: إن النهي مقتضي للبطلان مطلقاً كالظاهرية.

ص: 20

ظهوره في العبادات واضح، يعني شخص صلى وعليه عمامة حرير عند الظاهرية صلاته باطلة، منهي عن لبس الحرير فكيف يتعبد وهو عاصٍ؟ لكن جمهور أهل العلم على أن صلاته صحيحة والجهة منفكة؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج عن الذات والشرط، وهنا عاد النهي إلى أمر خارج لا يعود إلى ذات العقد، ويدل على ذلك:((إن رضيها أمسكها)) دل على صحتها، ((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) هذا الحكم في المصراة أن المشتري بالخيار، لكن هل للبائع الخيار؟ حصلت التصرية من البائع، هذه الناقة صريت ثلاثة أيام وثاب في ضرعها عشر لترات من اللبن، وهي في الحقيقة لا يجتمع في اليوم إلا لتر أو لترين، نعم، فاشتراها زيد من الناس فاحتلبها فتبين أنها مصراة، كون الخيار للمشتري ظاهر بالنص، وهو الذي يقتضيه المعنى أيضاً، لو جاء شخص للبائع قال: أنت فعلت ما فعلت، وأنت بعت هذه الناقة بألفين، ثلاثة أنا اشتريها بأربعة، نقول: له خيار؟ الخيار أثبت للمشتري؛ لأنه غر بالتصرية، لكن هل الخيار يثبت للطرف الثاني؟ أو نقول: لزم البيع بشروطه، وتم العقد وليس لك حق، والخيار إنما هو لطرف واحد.

((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) وفي لفظ: ((وهو بالخيار ثلاثاً)) وهو يعني المشتري، أقرب مذكور.

((لا تلقوا الركبان)) فتلقيهم قبل وصولهم إلى السوق داخل في النهي، وهل يكفي مجرد دخول البلد وقبل وصول السوق، دخل في النطاق العمراني لكنه لم يصل إلى السوق الذي يعرف به حقيقة الأمر وما تستحقه هذه السلعة، يعني دخول طرف البلد يكفي وإلا لا؟ المعنى يقتضي أنه لا يكفي، حتى يصل إلى مكان يعرف فيه الواقع وحقيقة الأمر، لكن لو حصل التلقي وباع الراكب على هذا المتلقي العقد صحيح وإلا باطل؟ النهي يعود إلى إيش؟ التلقي هو ذات العقد أو شرطه؟ أو أمر خارج عن العقد والشرط؟ أمر خارج عن الشرط، لكن يبقى أن الراكب هذا إذا كان قد غبن في الثمن ثبت له خيار الغبن، ورد إلى البلد وتلقاه شخص اشترى منه قبل وصوله إلى السوق بنصف القيمة له الخيار، ثلثي القيمة له الخيار، ثلث كثير، الغبن في الثلث كثير.

ص: 21

((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) عرفنا أن في حكمه الشراء على الشراء، والبيع مع النجش، بل في جميع هذه الصور عند أكثر العلماء العقد صحيح مع الإثم، ومن أدل الأدلة على ذلك:((إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها)) مع ثبوت هذا النهي؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج، كم باقي من الوقت؟ كم باقي للإقامة؟

طالب:. . . . . . . . .

باقي خمس، شوف لنا سؤالين.

الأسئلة كثيرة جداً يا إخوان نأخذ منها:

يقول: هل أدعو على من غشني وقد سألته عن السلعة فمدحها وعندما تفرقنا اتضح أنه غشني فيها حيث أخذ مبلغاً كبيراً عليها ولم أجده بعدها؟

على كل حال الدعاء بالشر على أخيك المسلم هو جهر بالسوء من القول، والله سبحانه وتعالى لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وأنت حينئذ مظلوم، لك أن تدعو عليه بقدر مظلمتك، لكن إن تركت الحق ليقتص منه في الآخرة، فهو أعظم لأجرك، وإن أبحته وأعفيته من هذا الغش، من أثر هذا الغش فهو أعظم وأعظم للأجر ما لم يترتب على ذلك استرسال منه للغش؛ لأن بعض الناس إذا ترك زاد شره، فمثل هذا لا ينبغي أن يترك، إذا تبين أنه يغش يحاسب، ويبحث عنه، ويوقف عند حده.

يقول: هو رجل مصاب في قدمه فهل يعذر عن الحج حيث أنه لا يستطيع أن يسير مسافة طويلة؟

على كل حال إذا كان هو أعرف بنفسه، وإذا كانت إصابته تعوقه عن أداء الأركان، واستيفاء الشروط والواجبات فهو معذور.

يقول: دخلت المسجد والناس يصلون صلاة الظهر، وقد فاتني ركعة فأحرمت معهم ثم سها الإمام وأتى بركعة خامسة لهم ورابعة لي فهل علي أن آتي بركعة أخرى مع أني صليت أربعاً؟

الأصل أنه إذا زاد خامسة لا تجوز متابعته، لا ممن أدرك الصلاة كاملة ولا ممن فاته شيء من الصلاة، هذا بالنسبة لمن يعلم، والغالب أنه يعلم حتى المسبوق يعرف ترتيب الركعات، فلا تجوز متابعته، وإذا توبع على ذلك فهذه الركعة باطلة، لا يدرك بها شيء، تعتبر لاغية باطلة من تابعه عمداً بطلت صلاته، وهو عالم أنه زيادة ومتعمد لذلك تبطل صلاته، فيعيد الصلاة من جديد، الجاهل يعفى عنه لجهله، وعلى هذا السائل الذي أتى بثلاث ركعات مع الإمام وتابعه في الركعة الزائدة عليه أن يأتي بركعة، وإذا طال الفصل عليه أن يعيد الصلاة.

ص: 22

يقول: هل لك أن تبين ما الإقالة وأمثلة منها؟

الإقالة طلب فسخ البيع اشتريت سيارة بخمسين ألف فوجدت أنك لست بحاجة إلى هذه السيارة فبدلاً من أن تذهب إلى المعارض لبيعها بخسارة تذهب إلى صاحبها وتقول له: أقلني، وجاء في الخبر:((من أقال نادماً أقال الله عثرته يوم القيامة)) تذهب إلى صاحبها وتطلب منه أن يفسخ البيع، ومثله البائع إذا تبين أن له حاجة ماسة إلى هذه السلعة، وأن بيعها يترتب عليه ضرر بالنسبة له، يستقيل المشتري وهكذا.

هذا يطلب حث الحاضرين على التبرع لصالح حلقات التحفيظ في هذا الجامع؟

لا شك أن تعليم القرآن وتعلمه من أفضل الأعمال ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فالذي لا يستطيع أن يعلم بنفسه يستطيع أن يعلم بماله، والله المستعان.

يقول: نرجو توضيح مسألة هل يثبت الخيار للبائع في بيع المصراة؟

لا يثبت له الخيار؛ لأنه لم يحصل له غرر ولا جهالة، ولا أي شيء يستدعي الخيار.

يقول: ما يحصل الآن من بعض الأشخاص عندما يريد أن يبيع السيارة فإنه يقوم بتغسيلها وتنظيفها أليس هذا من الغرر؟

لا هذا ليس من الغرر، وما زاد عليها إلا أن نظفها والنظافة مطلوبة، لكن على المشتري ألا يسترسل ويغتر بالبريق واللمعان، ينظر إلى المؤثرات الحقيقية في السيارة، العكس بعض الناس يغر الناس بالغبار، إذا أراد أن يبيعها زاد الغبار عليها ليخفى بعض العيوب، ويعرف الناس أن السيارات الجديدة تأتي بالغبار، فيظهرها في مظهر الجديدة والنظيفة أما تغسيلها هذا ما فيه، ما فيه غرر.

هذا يسأل عن فتح المغيث للسخاوي؟

جاري طبعه الآن -إن شاء الله تعالى-.

يقول: زيادة بعض الروايات ألفاظها على الروايات الأخرى هل يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام قاله بألفاظ متعددة؟

زيادة بعض الألفاظ قد يكون الحديث واحد، لكن حفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر، فروى هذه الزيادة، وقد يحفظ هذا الراوي مثلما يحفظه غيره، وينسى بعض الجمل ويوردها غيره.

يقول: قول بعض الباعة: السلعة أمامك، أو على النظر أو نحو ذلك بحيث لا يذكر عيوب السلعة المباعة فما حكمه؟ وذكر عيوب كثيرة في السلعة شيء منها .... ؟

ص: 23

هذا تغرير كونه يعرف العيوب لا بد من بيانها، العيوب الظاهرة لا تحتاج إلى بيان، العيوب الظاهرة لا تحتاج إلى بيان، لكن إن بين فهو من تمام النصح، وزيادة في البركة، أما العيوب الخفية التي لا يدركها إلا أهل الخبرة التامة هذه لا بد من بيانها، بعض الناس يذكر عيوب في السلعة، ويضيف إليها عيوب ليست حقيقية، فإذا قال: السيارة تبي جير، وتبي مكينة، وتبي وتبي، وهي ما تبي إلا واحد من هذه الأمور بحيث إذا فحصها المشتري وشاف أنها ما تبي جير، قال: أكيد إنها ما تبي مكينة بعد، بس هذا من زود الورع يذكر هذه الأمور، لا يجوز له ذلك، لا يجوز له أن يغرر، هذا من أساليب التغرير.

يقول: إذا اشترى الإنسان سلعة عن طريق الإنترنت أو الهاتف فكيف يكون التفرق في هذا البيع؟

التفرق بمغادرة المكان.

يقول: ما تعليقكم على عقود البيع التي تبرمها البنوك مع راغب الشراء للحصول على المال أو على العقار أو السيارات خاصة أن بعضها لديها هيئة شرعية؟ وهل التعامل معهم جائز أم لا؟

ص: 24

إذا عرف من هذا الشخص أو من هذه الجهة أنها تتعامل بالمعاملات الربوية المحرمة أو فيها عقود ممنوعة في الشرع فالتعاون معهم إذا وجد غيرهم، لا شك أنه تعاون على الإثم والعدوان، أما إذا لم يوجد غيرهم فالإنسان لابد أن يقضي حاجته، والنبي عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود، وهم يتعاملون بالربا، باع واشترى ورهن واقترض، المقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام حيث لم يجد غيرهم تعامل معهم، وإلا فالأصل أن التعاون على البر والتقوى، تتعامل مع شخص يستفيد من هذا المال فائدة على الوجه المشروع، أما شخص يستفيد من هذا المال الذي أعنته به على معصية الله، مثل هذا تعاون على الإثم والعدوان، لكن إذا لم تجد غيرهم واستوفت العقود الشروط الشرعية، وانتفت الموانع، وتوافرت .. ، حينئذ لا مانع من التعامل معهم، فإذا كان البنك مالك للسلعة التي يريد بيعها عليك، وأنت تريد هذه السلعة بعينها، أو تريد قيمتها على سبيل التورق فجماهير أهل العلم إذا كان البائع الأصلي مالك لهذه السلعة اشتريتها أنت وقبضتها القبض الشرعي المعتبر وحزتها وبعتها بنفسك أو وكلت ثقة يبيعها لك وأخذت قيمتها تبيعها على طرف ثالث لا يبيعها على الطرف الأول؛ لئلا تكون عينة، يبيعها على طرف ثالث فلا مانع -إن شاء الله تعالى-.

ترى الأسئلة كثيرة جداً، أنتم ما بغيتوا الإقامة؟

طالب:. . . . . . . . .

انتهى، لا بأس نترك بقية الأسئلة، الأسئلة كثيرة جداً، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لدينا مجموعة من الأسئلة كثيرة جداً بقيت من الأسبوع الماضي، نبدأ ببعضها حتى يكتمل عدد الأخوة الذين يحضرون.

في البداية هذا تنبيه من أحد الأخوة، وله أو لشخص آخر تنبيه نظير له، نظير لهذا التنبيه إلا أن الأول قال: خاص، والثاني هذا قال: وأرجو التنبيه لذلك، أو التنبيه على ذلك، ولا علاقة له بالدورة، لكن يقول هذا -طالب التنبيه- جزاه الله خير.

ص: 25

يقول: قلتم أمس في شرح مختصر البخاري في الإذاعة: يعاتبني قومي بالدين، والصحيح أنه بالدَين.

وجاء تنبيه آخر في الأسبوع الماضي، وليس المراد أمس، أمس القريب، السبت الذي قبله؛ لأن هذه الورقة أرسلت في الأسبوع الماضي.

أنا أدركت هذا، وعرفت أنها .. ، وهي سبقت لسان فقط، وعرفت أنه وقع قبل أن يذاع، وطلب من المخرج أن يعدل، لكنه وعد بذلك وكأنه نسي، وعلى كل حال الصحيح كما ذكره الإخوة، يعاتبني قومي بالدَين، وليس بالدِين.

يقول: باع الحاضر للبادي ما هو العلة في النهي؟

بيع الحاضر للبادي العلة ملاحظة مصلحة الجماعة، وهو أن البادي يأتي ليبيع سلعته بما تستحقه في السوق، وقد يحصل لعموم الناس منفعة من هذه السلعة برخص ونحوه مما لا يتضرر به البادي، فإذا تولى الحاضر البيع للبادي واستقصى في قيمتها، ولذا قال ابن عباس:"لا يكون له سمساراً" يعني دلال، يستقصي القيمة كلها فلا يستفيد الناس من روائه، فالعلة في ذلك في النهي إفادة الجماعة من سلعة هذا الوارد على البلد، كما جاء في الحديث:((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) يقابل هذا النهي عن تلقي الركبان، لئلا يتضرر هذا الراكب الوافد بتلقيه، فالشارع كما يلاحظ مصلحة الجماعة يلاحظ أيضاً مصالح الأفراد، وفي الشريعة من التوازن ما يجعل الكل على البال.

يقول: لقد ذكرت في حديث أبي هريرة أن هناك نفس تلقي الركبان، ولم نسمع؟

على كل حال هو فرع من السؤال الماضي، هو فرع من السؤال الماضي، النهي عن تلقي الركبان لئلا يتضرر هذا الراكب فيتلقاه شخص يشتري منه سلعته بثمن أقل.

يقول: هناك تاجر لديه سفينة قادمة من خارج المملكة محملة بالبضائع، وقبل أن تصل إلى ميناء جدة بيوم جاءته العروض من تجار البلد، هل يبيع أم ماذا يفعل؟

هذا ليس براكب، ليس بوافد على البلد، وإنما هو في البلد، هو في السوق موجود، وبضاعته قادمة من بعيد، فلا يدخل في هذا.

يقول: إن رضيها أمسكها، يعني المصراة وإن لم يرضها إلى آخره، يقول: لكن الذهاب إليه والبحث عنه يكلفان كثيراً، وكذلك فإن نقل الإبل يكلف مالاً ووقتاً فهل يتحمل البائع هذا المبلغ أم لا؟

ص: 26

شخص اشترى ناقة مصراة من الرياض مثلاً، ونقلها بسيارته فوراً إلى أقصى الشمال أو أقصى الجنوب، ثم بعد ثلاث تبين له أنها مصراة، هل يردها ويتحمل من الخسائر في نقلها أكثر من تحمله من الغرر الناشئ من التصرية، هو أعرف بمصلحته إذا كان الضرر اللاحق بالسلعة بسبب التصرية أعظم من أجرة النقل يرده، وهو أدرى بمصلحته.

ص: 27