الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمدة الأحكام -
كتاب البيوع (3)
باب العرايا - وبيع الميتة - والسلم
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يقول: ما حكم التأمين التجاري؟ وهل هناك فرق بينه وبين التأمين التعاوني؟
التأمين التجاري معروف حكمه أهل العلم يفتون بأنه لا يجوز، التأمين التعاوني إن كان المقصود به أن من الناس من ذوي اليسار من يتبرع بأموال ينفق منها على المحتاجين بحيث لا يدفع المحتاج شيئاً، هذا تعاون بلا شك، وهو تعاون على البر، لكن إذا كان المحتاج يدفع فليس بتعاون حينئذ، حينئذ لا فرق بينه وبين التجاري.
يقول: ما حكم التصوير بالفيديو ومشاهدة الأفلام في الأمور المباحة كالمسرحيات ونحوها، وما رأيك في شرائه للأولاد؟
على كل حال التصوير بجميع صوره وأشكاله، تصوير ذوات الأرواح محرم، بما في ذلك التصوير الشمسي والتصوير بالفيديو إلا ما دعت إليه الحاجة والضرورة وألزم الناس به، هذا لا مناص ولا مفر منه.
على كل حال هذه الأمور هذا الأصل فيها، وعلى هذا يمنع كل ما يشتمل على هذه أو على هذا الأمر المحرم وهو التصوير من أجهزة وصحف ومجلات وغيرها.
يبقى أن شراءه للأولاد، يبقى شراؤه للأولاد الحكم فيه المنع كما قلنا هذا الأصل، لكن قد يقول قائل: أنا أولادي يخرجون إلى الجيران، وعجزت عن ملاحظتهم وملاحقتهم، يذهبون إلى الأقارب وعندهم ما هو أعظم من هذا الفيديو مثلاً، ويذهبون إلى مقاهي إنترنت وغيرها، ما الذي يمنعهم؟ وما الذي يحجبهم؟ ويرتكبون من الضرر ما هو أعظم، نقول: ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر عند علماء الإسلام، ويبقى الحكم المنع، ويبقى أن الحكم في الأصل هو المنع، فإذا اضطر الإنسان إليه لحفظ أولاده الذين لا يستطيع أن يملكهم إلا بهذه الوسيلة فهي أخف ضرراً من أن يخرجوا لمشاهدة ما هو أعظم من ذلك، وأنتم كما ترون وتسمعون المسلمون عليهم في هذه الآلات غزو شديد، نسأل الله السلامة والعافية.
هذا يقول: ما رأيكم في مشاهدة بعض القنوات كالجزيرة مثلاً خاصة الأخبار على أنه يظهر فيها نساء مذيعات؟
أقول: أولاً: من الذي يضمن من نفسه أنه لا يشاهد إلا الأخبار، وإذا ضمن نفسه فمن يضمن له من تحت يده؟ من يضمن له من تحت يده؟ هذه مسألة، المسألة الأخرى: أنه حتى الأخبار الذي يؤديها نساء، والنظر إلى النساء محرم، وهؤلاء النسوة لسن من أهل -في الغالب ولا نُعين أحداً- من أهل العفة والاستقامة فيخشى أن يقع الإنسان في دعوة أم جريج وهو لا يشعر من مشاهدة هؤلاء النسوة، يخشى عليه من ذلك.
الأمر الثاني: حتى لو قدر أن هؤلاء النسوة فيهن من الاحتشام، وهذا يستوي فيه القنوات كلها، في الأخبار في الأخبار العالمية مثلاً على ما تسلط كاميرات التصوير عند مشاهدة الأخبار؟ يحدثنا الذين يرون أنهم لا يهمهم أن يصور الرجال أبداً في الحوادث الذي تقع في الخارج، لا يهمهم أن تصور الرجال، إنما يركز التصوير على النساء، وهذا بحد ذاته منكر لا تجوز رؤيته، والله المستعان.
نكتفي بهذا القدر، سم.
شرح باب العرايا وغير ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب العرايا وغير ذلك:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها، ولمسلم بخرصها تمراً، يأكلونها رطباً.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا، في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تقدم في حديث سابق المزابنة، والنهي عنها، وأنها حرام، وهي مأخوذة من الزبن وهو الدفع، ويراد بها بيع الرطب على رؤوس النخل بقدره كيلاً من تمر على الأرض، والسبب في ذلك عدم التساوي، عدم التساوي؛ لأنه لا يمكن التساوي بين رطب وبين جاف، ولذا لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام:((أيرخص الرطب إذا جف؟ )) قالوا: نعم، قال:((فلا إذاً)) هذا الأصل في بيع الرطب باليابس، لا يجوز لعدم تحقق التساوي.
قد يحتاج المرء إلى تمر رطب يأكله مع الناس، وليس لديه ثمن يدفعه، عنده تمر باق من تمر العام الماضي، ويريد أن يشتري بهذا التمر تمر رطب يأكله مع الناس، الأصل في هذا المنع.
جاءت الرخصة في العرايا، العرايا والعرية استثنيت من المزابنة، فعريت عن حكم نظائرها، عريت عن حكم نظائرها، فيجوز لهذا المحتاج أن يشتري رطباً على رؤوس النخل، بمقداره كيلاً من تمر جاف، ولو لم تتحقق المساواة، وهذا مستثنى من الحكم السابق، ولا يقول قائل: لماذا لم يوجه هذا المحتاج إلى أن يبيع اليابس ويشتري الرطب، كما وجه في الحديث السابق:((بع الجمع بالدراهم، واشترِ بالدراهم جنيباً))؟ لماذا لم يقل له: "بع هذا اليابس بالدراهم، الجاف بالدراهم، واشترِ بالدراهم رطباً؟ لماذا لم يوجه؟ لم يقل له هكذا؟ لأن الأول متفكه، عنده رطب يبيعه برطب، وأما الثاني: فهو يريد الرطب يأكل مع الناس، وعنده جاف، لو باعه بالدراهم لخسر خسارة كبيرة، لا سيما إذا جاء التمر الجديد في مقارنته بالتمر القديم لا شك أنه سوف يتضرر علماً بأن المعول على النص، النص هو الذي أباح مثل هذه الصورة ومنع تلك الصورة.
"رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها"، هذا وجه من أوجه تسمية العرية بهذا الاسم، وأنها ملاحظة لحال المحتاج، لملاحظة حال هذا المحتاج أن يشتري التمر الرطب بالجاف، على أن يتحد الكيل بالخرص، والمكيال ما على رؤوس النخلا وجد عندهم الرطب يأتون إلى الفقير فيقولون له: ثمرة هذه النخلة أو يخرص، فيقدر بمائة صاع، مائتي صاع، ثلاثمائة صاع على الخلاف في ذلك الذي سيأتي -إن شاء الله- بقدره من اليابس، من الجاف.
من أهل العلم من يفسر العرية بملاحظة حال صاحب الرطب، كان العرب يحنو بعضهم على بعض، ويراعي بعضهم مصلحة بعض، ويشفق بعضهم على بعض، فكانوا إذهذه النخلات لك، كله أنت وأولادك على التدريج، بإمكانك أن تأتي وتخرف من هذا النخل ما يكفيك ويكفي ولدك، على ألا تتعدى هذا النخل المحدد، ثم يتضرر صاحب البستان، يتضرر صاحب البستان بكثرة دخول هذا عليه من أجل الخراف، فيقول له: بعني هذا التمر الذي على رؤوس النخل بهذا الذي على وجه الأرض، هذا تفسير لبعض أهل العلم والحكم واحد، كله مزابنة، سواءً قلنا: إن الملاحظ فيها مصلحة المحتاج أو مصلحة صاحب النخل؛ لأن بعض الناس يكون عنده بستان كبير، ثم يشفق على جاره أو قريبه المحتاج، فيقول: هذه النخلات لك، خمسة أوسق فما دون، ثم يتضرر صاحب البستان من كثرة ما يدخل هذا؛ لأن بعض الناس يكون فيه شيء من اللؤم، هذا يحسن عليه ثم هذا الذي أحسن إليه قد لا يتحين الأوقات المناسبة للخراف، قد لا يتحين الوقت المناسب، يشوف الوقت لا يكون فيه هذا صاحب البستان هو وأولاده منتشرون في المزرعة، بعض الناس لا يحسن فيتضرر صاحب البستان، ويقول لهذا الفقير المحتاج: خلاص بع علي هذا التمر الذي على رؤوس النخل من النخل الذي على وجه الأرض مجذوذ وجاهز.
"رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها" أن يبيعها بخصرها، يعني من التمر الجاف، ولمسلم:"بخرصها تمراً يأكلونها رطباً" وهذه الرواية تؤيد التفسير الأول للعرية، في مسلم:"بخرصها"، "رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها تمراً يأكلونها رطباً".
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا، في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق.
(أو) هذه للشك، شك من الراوي هل قال النبي عليه الصلاة والسلام: خمسة أوسق؟ أو قال: دون خمسة أوسق؟
هذا الشك يثير شبهة في الخمسة، فهل يجوز للمحتاج ولصاحب البستان أن يتعامل بهذا المقدار الخمسة كاملة؟ أو لا يجوز له أو إلا فيما دون؟ المقصود أن الخمسة مشكوك فيها، والمجزوم به ما دون الخمسة، فمن أهل العلم من يقول: يجوز بالخمسة، ويطرح الشك، اللي هو ما دون الخمسة، ومنهم من يقول: المجزوم به ما دون الخمسة فلا يجوز أن يبلغ بالقدر الذي اتفق عليه في العرايا إلى الخمسة، وهذا هو الأحوط.
خمسة الأوسق، الوسق: ستون صاعاً، والخمسة الأوسق كم تكون؟ ثلاثمائة صاع، المسألة مفترضة في شخص محتاج، شخص محتاج تلاحظ حاجته في هذا، ويخرج عن الأصل الذي هو المنع دفعاً لحاجته، فهل دفع الحاجة يكون بهذا القدر ثلاثمائة صاع؟ ثلاثمائة صاع إيش معناه؟ هل معنى هذا أن أهل هذا البيت يحتاجون كل يوم صاع من التمر؟ الحاجة الآن ثلاثمائة صاع، والذي قررها وحددها الشرع، وإذا كانت حاجته أقل من ثلاثمائة صاع يجوز له أن يتعامل بهذه، بهذا النوع في الثلاثمائة كاملة، أو يقتصر على قدر الحاجة؛ لأنها على خلاف الأصل للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها؟ أو نقول: إن (أو) هنا للتقسيم وليست للشك؟ وحينئذ بعض المحتاجين يحتاج إلى ثلاثمائة صاع، وبعض المحتاجين يحتاج إلى دون خمسة أوسق، دون ثلاثمائة صاع، وحينئذ تكون الحاجة بقدرها، فالذي لا يحتاج رجل وزوجته في بيت، وهم محتاجون إلى أن يأكلوا رطب مع الناس، مثل هؤلاء يمكن يكفيهم وسق واحد طول السنة يكفيهم وسق واحد، هل يجوز لهؤلاء أن يأخذوا خمسة أوسق؟ نقول: هذا مقيد بالحاجة، والحاجة تقدر بقدرها.
لو افترضنا أن هذا المحتاج عنده أربع بيوت، كل بيوت مملوء عنده أربع زوجات، وكل زوجة عندها عشرة أولاد، وهؤلاء بحاجة على عشرة أوسق، ما يكفيهم خمسة أوسق، نقول: الشرع حدد الجواز بالخمسة أوسق فما دون، هل لمثل هذا المحتاج أن يتعامل بالعرية مع شخص بخمسة أوسق ومع آخر بخمسة أوسق أخرى؟ أو ليس له ذلك؟ المسألة قيدت بالحاجة، ما قيدت بالحاجة؟ قلنا: إنه إذا كانت حاجته تندفع بوسق واحد يجوز له أن يأخذ أكثر أو لا يجوز؛ لأنها خلاف الأصل؟ لا يجوز، لكن إذا كانت حاجته لا تندفع إلا بعشرة أوسق، مثلما قلنا: أربعة بيوت كل بيت فيه عشرة أشخاص، لا يجوز له أن يتعامل مع شخص واحد بهذه الصورة، لكن لو قال: أنا أتعامل مع هذا بالقدر المحدد شرعاً، وأذهب إلى آخر وأتعامل معه بالقدر المحدد شرعاً، وحينئذ لا تنتهي الحاجة، قد يتعامل مع ثالث ورابع، ويتحايل على تحليل ما حرم الله من بيع المزابنة، وعلى هذا يمنع من الزيادة على خمسة أوسق مهما كانت حاجته، والحاجة كما ذكرنا تقدر بقدرها؛ لأن هذا جاء على خلاف الأصل؛ لأن الأصل المنع في مثل هذا البيع، فأبيح أبيحت هذه الصورة للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، نظير ذلك من أذن له في الأكل من الميتة، هذا مضطر، إن لم يأكل من هذه الميتة يموت، أذن له أن يأكل من الميتة للضرورة، هل يجوز له أن يشبع باعتبار أنه أذن له أن يأكل؟ أو يأكل بقدر ما يقيم صلبه ويدفع به هذه الضرورة؟ يأكل بقدر حاجته، ولذا لو غلب على ظنه أنه لا يجد شيئاً في طريقه يشبع وإلا ما يشبع؟ أو نقول: احمل معك ما يدفع عنك هذه الضرورة إن احتجت إليه إذا غلب على ظنه أنه لا يجد، وحينئذ يقال له: لا تشبع؛ لأن هذا إنما أبيح للضرورة والضرورة تقدر بقدرها، نعم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)) ولمسلم: ((ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع)).
وعنه -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) وفي لفظ: ((حتى يقبضه))، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مثله.
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من باع نخلاً قد أبّرت)) أو أبرت بالتشديد والتخفيف، والمراد بذلك معنى التأبير هو: التلقيح، يؤخذ شيء من طلع الذكر من النخل ويوضع بين ما تنتجه الأنثى، هذا هو التأبير، ((من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع -باع نخل- إلا أن يشترط المبتاع))
النخل يطلق على إيش؟ على الجذع، نعم، والعشب، والجريد، وغيرها، وهل تدخل في الإطلاق الثمرة أو لا تدخل؟ هل يدخل في إطلاق النخل الثمرة أو لا يدخل؟ يعني لو قدر أن هذا الحديث ما هو موجود، هذا الحديث ما هو موجود نفترض أنه ما وجد هذا الحديث، فعند زيد من الناس نخلة مشتملة على الجذع كامل والعشب والطلع أيضاً والتمر، هل يحتاج أن يقول: أنا أشتري النخلة بثمرتها؟ أو يكفي أن يقول: أشتري النخلة ويثبت تبعها كل ما حولها، كل ما يطلق عليه الاسم؟ أو نقول: النخلة شيء والثمرة شيء آخر؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الثمرة موجودة، هذه نخلة التمر يتدلى منها موجود، فقلت لزيد من الناس: بعني هذه النخلة، يحتاج أن تقول: بعني هذه النخلة بتمرها أو لا يحتاج؟ النماء، نماء السلع ينقسم إلى: متصل ومنفصل، متصل ومنفصل، أنت إذا اشتريت شاة في جوفها حمل، وعلى ظهرها صوف، وفي ثديها لبن، يحتاج أن تقول: بعني هذه الشاة بصوفها ولبنها وحملها؟ يحتاج؟ أو تقول: بعني هذه الشاة باعتبار أن هذه الأمور كلها متصلة بها لا يلزم من ذلك ذكر هذه الأمور، واشتراطها معه؟ النماء المتصل، لكن إذا قلت .. ، إذا رأيت مع زيد من الناس شاة ومعها ولد يمشي، نعم، معه رخلة، تمشي معها، هل يحتاج أن تقول: بعني هذه الشاة وهذه الرخلة وإلا ما يحتاج؟ هذا منفصل لا بد أن تذكره، التمر في حكم المنفصل وإلا المتصل؟ نعم، نعم، متصل وإلا منفصل؟ هو وإن كان متصل حقيقة إلا أن الحديث يدل على أنه بعد التأبير في حكم المنفصل، وقبل التأبير في حكم المتصل، ظاهر وإلا مو بظاهر؟
الحديث: ((من باع نخلاً قد أبرت فثمنها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)) يشترط المشتري، بعني هذه النخلة على أن تكون هي وثمرتها، أنا أريد أن أشتري هذه النخلة بطلعها بثمرتها، إذا اشترط لا بأس، المسلمون على شروطهم، لكن إذا لم يشترط فبعد التأبير الطلع للبائع؛ لأنه هو الذي تعب عليه، وقبل التأبير الطلع لإيش؟ لمن؟ للمشتري، وهي من جهة تشبه المنفصل، ومن جهة أخرى فيها شوب اتصال.
نأتي إلى الشاة في المثال السابق، الشعر والظفر عند أهل العلم، الشعر والظفر هل هما متصلان أو منفصلان؟ قاعدة ذكرها ابن رجب وغيره في القواعد، الشعر والظفر، نعم متصل وإلا منفصل؟ وسيأتي ذلك أو الإشارة إلى ذلك في حكم بيع الميتة في الحديث الذي يليه، جمع غفير من أهل العلم يقولون: الشعر والظفر في حكم المنفصل، عند من يقول بنقض الطهارة بمس المرأة إذا مس شعرها وإلا ظفرها ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ إذا مسها بشعرها أو بظفره ينتقض وإلا لا؟ الحكم منفصل لماذا؟ لأنه لا تحله الحياة ولا يحس به، فهو منفصل حكماً، وإن كان في باب الأيمان والنذور يحنث إذا مسه، إذا حلف ألا يمس شاة، فوضع يده على ظهرها، قلنا: حنثت عليك الكفارة، قال: يا أخي أنتم تقولون: الشعر في حكم المنفصل؟ إيش معنى أنه ما ينقض الوضوء وهنا تقولون: يحنث؟ نقول: يحنث، لماذا؟ نعم الأيمان والنذور مبناها على الأعراف، وفي العرف إذا وضع يده على ظهر الشاة وإن كانت موضوعة على الشعر يكون مسها عرفاً وحينئذ يحنث.
((إلا أن يشترط المبتاع)) هذا اشترط الثمرة فهي له، ولو أبرها البائع، ولمسلم .. ، وهذا الحديث في الحقيقية متفق عليه، وهو مخرج في البخاري أيضاً، لماذا المصنف عزاه لمسلم فقط؟ لأنه بحث عنه في كتاب البيوع، في كتاب البيوع فلم يجده في البخاري، وحينئذ حكم عليه أنه ليس في البخاري، كثير من أهل العلم يحكمون على أحاديث معزوة للبخاري أن هذا وهم ولا يوجد في البخاري؛ لأن البخاري له ملاحظ دقيقة قد يجعل الحديث في غير مظنته لأمر خفي دقيق لحظه لم يلحظه غيره، هذا من فقهه رحمه الله، فالإمام -رحمة الله عليه- كثير من أهل العلم يقولون: حديث ضباعة بنت الزبير في الاستثناء في الحج لم يخرج في البخاري، والواقع أن البخاري خرجه، لماذا؟ قالت: إني أريد الحج وأجدني شاكية، قال:((حجي واشترطي فإن لك على ربك ما استثنيت)) بعض العلماء قال: ما خرجه البخاري، وهو في البخاري، لماذا؟ لأنه بحث عنه في كتاب الحج في الإحصار في الفوات ما في شيء، من يتصور أن البخاري يضع هذا الحديث في كتاب النكاح؟ من يتصور أن البخاري يضع هذا الحديث في كتاب النكاح؟ لمعنى دقيق جداً.
((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) من يتصور أن البخاري يخرج هذا الحديث في كتاب الوصايا، وهكذا، فعلى طالب العلم ألا يجزم بنفي الحديث من خلال البحث في موضعه، فإن البخاري له ملاحظ دقيقة تخفى على كثير من أهل العلم، فضلاً عن المتعلمين، ولذا الحافظ عبد الغني من كبار الحفاظ عزاه لمسلم، وهو موجود في البخاري، والله المستعان.
((من ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع)) العبد له مال؟ العبد له مال؟ يملك العبد؟ لا يملك، العبد لا يملك، وإن قال مالك: إنه يملك بالتمليك، على كل حال على قول مالك إذا ملكه العبد فماله تبع، ماله للذي باعه لسيده إلا أن يشترط المبتاع، يقول: اشتريت هذا العبد وما لديه من مال، على قول من يرى وهم الأكثر أن العبد لا يملك بالتمليك، كيف يكون له مال؟ أدواته الخاصة به، ثوبه، شماغه، حذاؤه، نظراته، قلمه، هذه أمواله، تنسب إليه باعتبار أنه هو الذي يباشرها، وهذه الأموال تكون تبعاً له في البيع أو تكون لسيده الذي باعه إلا أن يشترطها المبتاع؟ نعم، مقتضى الحديث أنها للسيد للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع.
حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) يعني حتى يقبضه بكيله أو وزنه، الاستيفاء يكون بالكيل والوزن، ولذا جاء باللفظ الآخر، وفي لفظ:((حتى يقبضه)) وهذا أعظم من أن يكون مكيلاً أو موزوناً، فالقبض أعم من الاستيفاء بالكيل والوزن، وما زال الأمر في الطعام، ((من ابتاع طعاماً)) وعن ابن عباس مثله:((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) نهى أن يبيع الرجل طعامه حتى يستوفيه، وفي لفظ لمسلم:((حتى يقبضه)) وفي آخر: ((حتى يكتاله)) وعلى هذا لا يجوز بيع الطعام بحال حتى يقبض وحتى يستوفى، إن بيع بالكيل يستوفى بالكيل، إن بيع جزاف يستوفى بإيش؟ جزاف وإلا لا بد أن يكال؟ ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) عرفنا الاستيفاء يكون بالكيل والوزن، هذه سيارة وقفت في سوق التمر مثلاً، وعلى ظهرها ألف صندوق من التمر، نقول: فرغ هذه الصناديق في المكاييل أو الموازين، أو يكفي أن تباع جزاف؟ تباع بالصندوق هكذا، متى نتحاج إلى أن نستوفيها بالكيل؟ الآن بيع التمر جزاف يجوز وإلا ما يجوز؟ صبر التمر، كوم التمر، تباع وإلا ما تباع؟ بغير كيل؟ يمكن أن تباع جزاف؟ يمكن إذا بيعت بغير جنسها، إذا بيعت بغير جنسها، لكن إذا بيعت بتمر لا بد من الكيل، إذا بيعت بالدراهم تباع جزاف، ومثل هذا التمر الذي مثلنا به وهو على ظهر السيارة يباع بالصندوق، وحينئذ لا يجوز أن يبيعه المشتري حتى يقبضه.
وجاء ما هو أعم من ذلك نهى أن تباع السلع، نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، منهم من قال: السلع مطلقة والطعام مقيد، والقبض والحيازة خاص بالطعام، إلا أن ابن عباس يرى أن هذا يعمل به وذاك يعمل به، وحينئذ يكون من باب العموم والخصوص، السلع لفظ عام، والطعام لفظ خاص، والتنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، وعلى هذا لا بد من القبض في السلع كلها، ولذا يقول ابن عباس: وما أرى بقية السلع إلا كذلك، يعني مثل الطعام، لا بد أن تقبض، لا بد أن تستوفى، واستيفاء كل شيء بحسبه، نهى أن تبتاع السلع، أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، والسلع وإن كان عاماً إلا أنه يراد به الخصوص، هل هو مخصوص بالطعام؟ يخص بالطعام وإلا لا؟ يعني عندنا السلع لفظ عام الطعام خاص، يخص الخاص العام بهذا الخاص الطعام، أو نقول: الحكم حكم العام والخاص فلا يقتضي التخصيص، ولذا قال ابن عباس: ولا أرى بقية السلع إلا كذلك، في مثل هذه الصورة لا يقتضي التخصيص، لكنه مع ذلكم هو عام أريد به الخصوص حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، اشتريت أرض كيف تحوزها إلى رحلك؟ يمكن، يمكن تحوز الأرض إلى رحلك؟ ما يمكن، اشتريت ألوف الأطنان من البضائع الثقيلة الكبيرة كيف تحوزها إلى رحلك، ما لا يمكن حيازته إلى الرحل يقبض بالتخلية، يخلى بينك وبينه، وحينئذ يقول جمع من أهل العلم أو جمهور أهل العلم: إن قبض كل شيء بحسبه، قبض كل شيء بحسبه، على كل حال لا يجوز لك أن تتصرف في السلع حتى تقبضها، إن كانت طعاماً فلا بد من حيازتها، وإن كانت غير طعام فالأمر فيها أخف لوجود الخلاف، لكن إذا أمكن نقلها فهو الأصل، وإن لم يمكن فبالتخلية.
السلعة طعام والمثال الذي ذكرناه شخص جاء بسيارة على ظهرها مئات الصناديق من التمر، وحرّج عليها بسوق التمر وباعها، كم الصندوق خمسة، عشرة، عشرين، ثلاثين نصيبك، هذا الذي اشترى يريد أن يبيع، هل نقول: يلزمك أن تحوز هذا التمر إلى رحلك، ثم تبيعه متى شئت؟ أو نقول: يكون حكمه حكم السلع الأخرى اقبضه بمثل ما تقبض غيره من السلع؟ أو نقول: هذا طعام لا بد أن تستوفيه، وأن تحوزه إلى رحلك، ثم بعد ذلك تأتي به لتبيعه؟
((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) وفي لفظ: ((حتى يقبضه)) هذه الألفاظ تدل على أنه لا يلزم أن ينقله من مكانه، بل يقبضه القبض المعتبر، ويستوفيه بالكيل والوزن على ما تقدم، لكن نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم يقتضي أنه لا بد من نقلها، وحينئذ تخرج هذا التمر من السوق، ثم إذا أردت أن تجلبه يوماً آخر وهذا هو الأحوط، لكن هل الناس يفعلون هذا؟ في أحد يفعل هذا؟ إذا اشترى سيارة على ظهرها مئات الصناديق من التمر، وهو يريد بيعها، لا يريد كنز هذا التمر وأكله وادخاره، لا، يريد البيع،. . . . . . . . . يبيعها، اشترى الصندوق بعشرين يحرج عليها ويقطع الصندوق بثلاثين، وهو بمكانه، لا شك أن الورع أن يحوزه إلى رحله، ثم يجلبه مرة أخرى، وهذا أبعد عن الشبهة.
من زوائد الكبرى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل)) ولا شك أن هذا أبرك، ((إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل)) يعني إذا بعت فاستعمل المكيال؛ لأنه أبرأ للذمة، وإذا ابتعت، إذا اشتريت فاكتل، والحديث معلق في البخاري بصيغة التمريض، ويذكر عن عثمان، ومقتضى الرمز (خ) أنه في البخاري أصل من الأصول؛ لأن علامة التعليق غير علامة تخريج الأصول، رمز التعليق إيش؟ خاء تاء، (خت)، بهذا نعرف أن البخاري خرجه معلقاً، وهنا قال: خاء، ففي هذا إيهام أن البخاري خرجه في الأصول.
((إذا بعت فكل)) هذا أمر بالكيل، ((وإذا ابتعت فاكتل)) أيضاً أمر بالاكتيال، وأقل الأحوال الاستحباب، أقل الأحوال، وإن كان الأصل الوجوب في الأمر.
عائشة رضي الله عنها كان عندها شعير تأكل منه، طالت مدته، طالت مدة هذا الشعير فكالته ففني، يقول:((إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل)) هذا أحوط لا شك وأبرأ للذمة بيعاً وشراءً، نعم، وجمع من أهل العلم يقولون: أبرك أيضاً، يبارك له إذا امتثل هذا الأمر، نعم، عائشة لما كالت الشعير فني، وقبل اكتياله تأكل منه مدة طويلة، وهو شيء يسير، كان مبارك ولما كالته فني ذهبت عنه البركة، ما وجه ذلك؟ ما وجه ذلك؟ السلعة قبل تمام ملكها إنما تملك بالكيل والاستيفاء الدقيق إبراءً للذمة، إبراءً للذمة، فإذا ملكت هذا الشعير مائة صاع ابتعته واكتلته هات الصاع وكله واحداً بعد الآخر حتى تتم المائة، لا شك أن هذا أبرأ للذمة، فإذا اشتريته وتم ملكك عليه ووديته للبيت سواءً كان شعير حنطة تمر حينئذ لا تكله، لئلا تنزع منه البركة، لماذا؟ لأن مسألة الكيل كل يوم تدخل للمستودع زاد نقص، تعدد، ما شاء الله هذا بقي واحد اثنين ثلاثة أربعة ليش نقص هذا؟ ليش زاد هذا؟ في المستودع، مثل هذا يدل على عدم الثقة بالله عز وجل، أنت واثق بما عندك من التموين على ما يقول الناس، ليش زاد واحد؟ ليش نقص واحد؟ اتركه فإذا انتهى قالوا: انتهى وهات غيره، لا تكن دقيقاً في مثل هذه الأمور ليبارك لك في ذلك، وبعض الناس إذا دخل البيت أول ما ينحر المستودع، ليش زاد هذا؟ ليش نقص هذا؟ هذا يعاقب بنزع البركة، ومن فوض أمره إلى الله، واعتمد عليه واتكل عليه وترك الأمور كما هي تمشي بالبركة كما يقول الناس: يبارك له فيها، ومتى ما فني، متى ما انتهى يقال: هات، هو من هذه الحيثية الدقة في الحسابات أيضاً دليل على شيء من عدم الثقة بالله عز وجل، قد يقول قائل: إن بعض الناس يحسبون بدقة الميزانية، الراتب كذا يخرج منه كذا لكذا وكذا وكذا، وهذا على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد الميزانيات، وبعض الناس يأتي بالراتب ويرميه في الصندوق وكل يوم يسحب منه ما يحتاج، ويبارك له فيه، ودليل على أنه واثق بالله، مطمئن بما عنده، لماذا؟ لأن هذه الدنيا ليست مقصد، هي دار ممر ليست دار مقر، لكي تحسب وتتعب نفسك، وتفني عمرك فيما لا ينفع، زاد، نقص، انتهى، فني، ليش؟ الرسول عليه الصلاة والسلام-