المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية - شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة - جـ ٤٩

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

فهرس الكتاب

- ‌ بيان أن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض

- ‌باب الإيمان بأن الله عز وجل قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرضين، ومن خالف ذلك فهو من الفرق الهالكة

- ‌كل عبد ميسر لما خلق له

- ‌حكم اتكال العباد على المكتوب

- ‌حرص الصحابة على السؤال عن أمر القدر والعلم به

- ‌حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية

- ‌وجوب الإيمان بخلق الله لأفعال العباد خيرها وشرها

- ‌وجوب الجد والاجتهاد في العمل والنهي عن الاتكال

- ‌باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق القلم فقال له اكتب، فكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة

- ‌اختلاف أهل العلم في أول المخلوقات هل هو القلم أو العرش

- ‌كتابة القلم لما علمه الله عز وجل إياه

- ‌الفرعيات لا يبدع فيها المخالف وإنما يؤخذ بالترجيح عند الاختلاف

- ‌رواية الوليد وعبادة بن الصامت في أن أول المخلوقات القلم

- ‌تفسير قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون)

- ‌تفسير ابن عمر لقوله تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق)

- ‌التسليم بالقضاء أصل من أصول الإيمان بالقدر

- ‌تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)

- ‌صفة السلام على غير المسلمين والرد عليهم

الفصل: ‌حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية

‌حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية

يا إخواني! لا يجوز أبداً الاحتجاج بالقدر على المعصية، إنما يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب، أما الذنوب والمعاصي والمعايب فلا يجوز قط الاحتجاج بالقدر عليها؛ ولذلك نقول: لو أن طريقاً ممهداً معبداً سهلاً ميسوراً، وطريقاً آخر قد امتلأ بالحجارة والشوك والصعوبات، وكلا الطريقين يؤدي إلى غرض واحد، وقلنا لك: اسلك أحد الطريقين، فأيهما تسلك؟ فلابد أنك ستسلك الطريق المعبد.

ولو أتيت برجل مجنون فضلاً عن العاقل، وقلت له: هذان الطريقان يؤديان إلى الغرض؛ فلابد أنه سيسلك الطريق المعبد الممهد الذي لا شوك فيه ولا حجارة ولا تعثرات ولا مطبات ولا غير ذلك، فإذا كان العبد قد اختار هذا بعقله الذي هو مناط التكليف؛ فكيف تستبعدون أن يدخل الله عز وجل عبده النار بعد أن أرسل له الرسل، وأنزل عليه الكتب، وحرم عليه المحرمات وبينها له، وأحل له الحلال وبينه له، وجعل له العقل المميز لهذا وذاك، حتى ميز بين الخير والشر، بين الحق والباطل، فاختار بإرادته الباطل، واختار بإرادته الشر، وهو يعلم أنه في نهاية المطاف سيدخل النار.

فكيف تستبعدون دخوله النار، وقد علم الله عز وجل ذلك منه أزلاً فكتبه، وقضاه عليه؟ وليس ذلك من باب أن الله تعالى ظلمه؛ لأن الله لا يظلم الناس شيئاً، وإنما سبق في علم الله الأزلي أن هذا العبد رغم فراغ كل حججه اختار طريق النار، فمعنى مهده له أي: يسر له ذلك، ألا تعلم أن هذه طريق النار؟ تفضل هذه طريق النار اسلكها وفي نهايتها النار، ومع هذا يتجرأ العبد على المعاصي فيسلكها، فلا غرو حينئذ أن يدخل النار.

ولذلك الله تعالى لا يظلم الناس شيئاً، أما إذا كنت تتصور أن الله تعالى خلق الخلق قبل أن يعملوا خيراً أو شراً، فقضى بأن هؤلاء العباد في الجنة، وأن هؤلاء العباد في النار بغير عمل عملوه.

لا والله، إنما قضى عليهم بذلك لعلمه الأزلي السابق أنه بعد إنزال الكتب وإرسال الرسل والتكليف بالعقل السليم يختارون طريق النار، وهؤلاء يختارون طريق الجنة، لما علم الله تعالى ذلك منهم أزلاً كتب ذلك وقضاه، وجعل هذا من أهل الجنة وذاك من أهل النار، إنما كتب الله تعالى الجنة والنار لمن استحق الجنة ولمن استحق النار؛ لما علم أن هذا العبد اختار طريق الجنة، ولما علم أن هذا العبد اختار طريق النار، لكيلا يقول قائل: مادام أن الله كتبني من أهل النار قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ فهذا يعد ظلماً، فأنت لم تعمل شيئاً صحيحاً في ذلك الوقت، لكن الله تعالى علم أزلاً أنك ستعمل الشر فكتبك من أهل النار، وعلم أنك ستعمل الخير فكتبك من أهل الجنة؛ لعلمه الأزلي السابق سبحانه وتعالى، ليس من باب الظلم؛ لأن الله لا يظلم الناس شيئاً.

ص: 6