الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ولنقرب هذا اللون إلى الأحجية أشير هنا إلى أن الحريري لم يبخل بها؛ فقد أوردها منظومة في المقامة السادسة والثلاثين؛ فلتراجع هناك، أما نحن فسنمضي إلى لون آخر.
الجناس:
يبدو أن الحريري يعتبر من أقدر الكتاب في إيراد الجناس والسجع في الكلام، أما السجع فهو من الأمور التي لا تفارق كلامه؛ لهذا لا نتحدث عنه حديثا مستقلا بل ندعوك لملاحظته في كلامه كله وخاصة في النثر، فانظر مثلا إلى هذه القطعة الآتية التي نأتي بها مثالا لمقدرته في الجناس وتفننه فيه، كما شرطنا سنشير إلى كل حكم بصور عامة لا نفصل القول، ولا نتناول الأجزاء والتقسيمات الفرعية.
يقول الحريري على لسان أبي زيد الذي كان سأل غلامه والغلام يجيب: ".. وعم تسأل وفقك الله؟ قال: أيباع هاهنا الرطب بالخطب، قال: لا والله، قال ولا البلح بالملح؟ قال: كلا والله، قال: ولا الثمر بالسمر؟ قال: هيهات والله، قال: ولا العصائد بالقصائد؟ قال: اسكت عافاك الله، قال: ولا الثرائد بالفرائد؟ قال: أين أذهب بك أرشدك الله! قال: ولا الدقيق بالمعنى الدقيق؟.. إلى أن قال الغلام: أما بهذا المكان فلا يَشتري الشعر الشعيرة، والنثر بنثارة، ولا القصص بقصاصة، ولا الرسالة بغسالة، ولا حكمة لقمان بلقمة.. أما هذا الزمان فما منهم من يميح إذا صيغ له المديح، ولا من يجيز إذا أنشد له الأراجيز، ولا من يغيث إذا أطربه الحديث، وعندهم أن مثل الأديب كالربع الجديب إن لم تجد الربع ديمة لم تكن له قيمة ولا دانته بهيمة، وكذا الأدب إن لم يعضده نشب فدرسه نصب"i.
أعتقد أن كلامه هذا لا يحتاج إلى تعليق، إلا أن القارئ قد يتساءل هل هو في النثر فقط أم له منه في الشعر أيضا، فأقول تعال لنطالع بعض أبياته له في الشعر حيث لا حاجة لنا في زيادة الشواهد في النثر، فلنبدأ بالبيتين الآتين:
وقلت للائمي أقصر فإني
…
سأختار المَقام على المُقام
وأنفق ما جمعت بأرض جمع
…
وأسلو بالحَطيم عن الحُطام ii
فقد رأيت جمعه بين المَقام والمُقام والحَطيم والحُطام، فإليك بيتين آخرين يقول الحريري
i راجع المقامة الثالثة والأربعين.
ii المقام مقام إبراهيم. والمقام الثاني الإقامة في الوطن، جمع: اسم مزدلفة لاجتماع الناس فيها، الحطيم: اسم حجر بمكة المكرمة. راجع الشريشي ج 4 ص 142.
لم يبق صاف ولا مصاف
…
ولا مَعين ولا مُعين
وفي المساوي بدا التساوي
…
فلا أمين ولا ثمين i
ففي هذين البيتين جاء بأربع كلمات في كل بيت، وكان كلامه سلسا سهلا أكثر منه في النثر.
وأرى من المناسب أن نقرأ له هذه الأبيات الواردة في المقامة السابعة التي زينها بالجناس، ويشرح فيها أبو زيد حاله فيقول:
لقد أصبحت موقوذا
…
بأوجاع وأوجال
وممنوا بمختال
…
ومحتال ومغتال
وخوان من الإخوا
…
ن قال لي لإقلال
وإعمال من العما
…
ل في تضليع أعمالي
فكم أصلى بأذحال
…
وأمحال وترحال
وكم أخطر في بال
…
ولا أخطر في بال
فليت الدهر لما جا
…
ر أطفا لي أطفالي
فلولا أن أشبالي
…
أغلالي وأعلالي
لما جهزت أمالي
…
إلى آل ولا والي
ولا جررت أذيالي
…
على مسحب إذ لالي
فمحرابي أحرى
…
بي وأسمالي أسمى لي
فهل حرٌّ يرى تخفيـ
…
ف أثقالي بمثقال
ويطفي حر بلبالي
…
بسربال وسروال ii
i مصاف: صادق في رده، معين: بفتح الميم ماء كثير قصد به صاحب كرم فهو استعارة، معين: بضم الميم الذي يعين بماله. الثمين: النفيس الغالي الثمن يريد أن الناس قد استووا في الأفعال السيئة. يشير بذلك إلى الحديث الشريف: لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا استووا هلكوا، ومعنى ذلك أن الناس في الغالب إنما يتساوون في الشر ولا تجدهم كلهم فضلاء، لأن الخير قليل، وعلى هذا بنى الشيوعيون نظرياتهم ولذلك يميلون إلى إثارة الأحقاد والفتن وزرع الشر بين الناس لمحو الخير بينهم.
ii في القاموس المحيط: السراويل: فارسية معربة (وقد تذكر، الجمع: سراويلات أو جمع سروال وسروالة أو سرويل بكسرهن وليس في الكلام فعويل غيرها والسراوين بالنون لغة والشروال بالشين لغة أيضا.