المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تعريف الفتن - شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري - عبد الكريم الخضير - جـ ١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ تعريف الفتن

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (1)

‌(مقدمة حول الفتن

،‌

‌ تعريف الفتن

، شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} ، وباب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها))، وباب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء))، وباب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شر قد اقترب))

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد تحدثنا في مناسبات كثيرة عن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وعن صحيحه، وعن منهجه وطريقته، وإبداعه في كتابه، وعن غفلة الناس عن كثيرٍ من أبوابه، وكثيرٌ من طلاب العلم يغفل عن أبواب هم بأمس الحاجة إليها، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في هذه الأبواب التي هي من: بدء الخلق، المغازي، السير، الدعوات، الفتن، الرقاق، الاعتصام بالكتاب والسنة، الإمام البخاري -رحمة الله عليه- أبدع في هذه الأبواب، والناس في غفلة عنها، ويعتني الناس بالأحاديث والأحكام العملية، ويرتبون لها الدورات في المناسبات، وفي مثل هذه الظروف من أنسب ما يقرأ مثل هذا الباب من هذا الكتاب، أو هذا الكتاب من هذا الكتاب، وهو كتاب الفتن من كتاب صحيح الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.

مقدمة حول الفتن:

والفتن كما لا يخفى عليكم بدأت الآن تطل علينا، وإن كانت من قبل لكنها ظهرت ظهوراً واضحاً في وقتٍ تداعت فيه الأمم على هذه الأمة المحمدية.

تعريف الفتن:

ص: 1

والفتن في الأصل: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار، الابتلاء والاختبار، يقولون: فتن الحداد أو الصائغ الذهب إذا أدخله في النار ليختبر جودته، والأمة الآن تفتتن وتمتحن وتختبر لينظر مدى تمسكها بدينها، الله سبحانه وتعالى يفتن ليختبر {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [(35) سورة الأنبياء]{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [(40) سورة طه] ويفتن ويختبر ويبتلي الخلق بعضهم ببعض، فالفاتن من الخلق بإذن الله عز وجل وإرادته ولا يخرج شيء عن إرادته آثم إن لم يتب، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [(10) سورة البروج].

والمفتون: المفتون الطرف الآخر، وهو الأمة الإسلامية في مثل هذه الظروف، الفتنة لها سبب وهو إدبارها عن دينها، إدبارها عن دينها هذا هو السبب، فتنا وابتلينا بأعدائنا، والنتيجة إن استفدنا من هذه الفتن، ورجعنا إلى ديننا صارت الفتنة خيراً لنا، وإن استمر بنا الغي والضلال صارت سوءاً على سوء، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [(35) سورة الأنبياء] ابتلينا سنين بل عقود في هذه البلاد وغيرها بالجوع والخوف والقتل والنهب، وثبت أكثر المسلمين على دينهم، فلم يتنازلوا لا عن دين ولا عرض، ثم ابتلوا بعد ذلك بالسراء ففتحت عليهم الدنيا التي خشيها النبي عليه الصلاة والسلام على أمته، ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) وهذا هو الحاصل، فتحت علينا الدنيا فحصل الخلل الكبير، الابتلاء بالشر، الابتلاء بضيق ذات اليد بالفقر يتجاوزه كثيرٌ من الناس، لكن الابتلاء بالسعة، وانفتاح الدنيا، والغنى هذا قل من يتجاوزه، ولذا حصل ما حصل من الخلل الكبير بعد أن فتحت علينا الدنيا، وهذا أمرٌ تشاهدونه، النعم كفرت على كافة المستويات إلا من رحمه الله، لو نظرنا إلى واقع عموم المسلمين -عامة الناس- وجدناهم لما فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله عز وجل، وتنكبوا عن الجادة، وقل مثل هذا في بعض من ينتسب إلى العلم، وبعض من ينتسب إلى طلب العلم فضلاً عن علية القوم.

ص: 2

ابتلينا فما شكرنا، ابتلينا بالضراء فصبرنا والحمد لله، وتجاوز أهل هذه البلاد وغيرهم من بلاد الإسلام تجاوزوا فتنة الضراء في عقودٍ مضت، ثم توالت عليهم النعم فلم يتجاوزوها، وتنكبوا عن الجادة، وبدلوا نعمة الله كفراً، هذا الواقع في كثيرٍ من بلدان المسلمين، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم] أحل البوار بكثيرٍ من أصحاب الأرض لا سيما في بلاد المسلمين، فنحن بحاجة إلى أن نرجع إلى ديننا، وأن نعتصم بكتاب ربنا ففيه المخرج من الفتن، فنلزم كتاب الله عز وجل قراءةً وحفظاً وتدبراً وفهماً وعملاً، علماً وعملاً، ففيه كل ما يحتاجه المسلم، ونقرأ عليه أو معه ما يعين على فهمه وتدبره، ومن خير ما يعين على فهم الكتاب الذي فيه المخرج من الفتن كلها ما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أصح ما صح عنه عليه الصلاة والسلام ما حواه هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، فمن المناسب ومن الاختيار الموفق أن يختار الإخوة المنظمون لهذه الدروس هذا الموضوع من هذا الكتاب العظيم، فلعلنا نوفق أن نكمل قراءة هذا الكتاب ومطالبه كثيرة جداً، بل لو سرنا على الطريقة المتبعة في شرح الصحيح لاحتاج إلى زمنٍ طويل جداً لا يكفيه، كتاب الفتن لا دورة ولا دورتين ولا ثلاث، ويحتاج إلى مزيدٍ من البسط، لكن المطلوب التسديد والمقاربة؛ لأن الزمن محدود، والكلام كثير في هذا الباب.

ص: 3