الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول ابن حجر: "حاصل ما حمل عليه حال المذكورين -يعني هؤلاء الذين يذادون عن الحوض الذين رجعوا القهقرى- حاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم كانوا ممن ارتد عن الإسلام"، وحينئذٍ فلا إشكال في تبرئ النبي عليه الصلاة والسلام منهم، وإن كانوا ممن لم يرتد لكنه أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعةً من اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعاً لأمر الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته عليه الصلاة والسلام لأهل الكبائر من أمته، فيخرجون من النار بعد ذلك، كما يخرج سائر العصاة، فالحديث محتمل، هؤلاء الذين يذادون إن كانوا ممن ارتد فلا إشكال هؤلاء أحدثوا ويستحقون أن يذادوا عن الحوض، ويقال لهم: سحقاً سحقاً، وإن كانوا ممن لم يرتد الردة الكاملة وإنما كان رجوعهم للقهقرى ونكوسهم على أعقابهم إنما هو فيما دون ما يخرج عن الملة بإحداث بدعة يعمل بها من بعدهم، أو باقتراف جريمة فمثل هؤلاء يعاقبون، هم مستحقون للعقاب، ومن العقاب ذودهم من الحوض، وقد يدخلون النار فيعذبون وينقون بقدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها كما يخرج سائر العصاة، نعم.
شرح: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم
-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)).
باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)).
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا زيد بن وهب، قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها)) قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)).
حدثنا مسدد عن عبد الوارث عن الجعد عن أبي رجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)).
حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان قال: حدثني أبو رجاء العطاردي، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)).
حدثنا إسماعيل قال: حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو مريض قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.
حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن أسيد بن حضير أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: استعملت فلاناً ولم تستعملني؟ قال: ((إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني)).
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم -يعني للأنصار-: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)) النبي عليه الصلاة والسلام قال للأنصار: ((سترون بعدي أموراً تنكرونها)) سترون أثرةً بعدي؛ لأن أمر الولاية ليس لهم، بل الأئمة من قريش، والغالب أن من ليست بيده الولاية تقع عليه الأثرة، يؤثر عليه غيره، ولذا قال لهم عليه الصلاة والسلام:((سترون بعدي أموراً تنكرونها))، وقال عبد الله بن زيد بن عاصم قال النبي عليه الصلاة والسلام للأنصار:((اصبروا)) على ما تلقون يعني على ما تلقون بعدي من الأثرة ((حتى تلقوني على الحوض)).
يقول رحمه الله: "حدثنا مسدد" وهو ابن مسرهد السدوسي الإمام المعروف، ذكر بعضهم -وقد لا يصح بالصيغة المجتمعة المذكورة- مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل هذه ذكرت في ترجمته، لكن بهذا التركيب بهذه الصيغة يستنكرها كثيرٌ من أهل العلم، "قال: حدثنا يحيى بن سعيد" الإمام القطان المعروف "قال: حدثنا الأعمش " سليمان بن مهران "قال: حدثنا زيد بن وهب -الجهني- قال سمعت عبد الله" يعني ابن مسعود "قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون بعدي أُثرة)) " أو أَثرة، ابن مسعود يقول: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" ابن مسعود من الأنصار وإلا من المهاجرين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، والخطاب الأول موجه للأنصار كما جاءت بذلك الروايات، وكونه يخص الأنصار من الذكر لأنه ليس لهم من الأمر شيء، ليس لهم من الولاية شيء فهو مظنة لأن يجدوا أثرة، وابن مسعود ومن في حكمه وإن كان من غير الأنصار إلا أنه لبعده عن التطلع عن هذه الأمور لا بد أن يقع عليه شيء من الأثرة؛ لأنه لا يستشرف لمثل هذه الأمور، ولا يتصور أنه يلي أمر من أمور المسلمين لانصرافه عن الدنيا، وعن زهرتها، وعن حظوظها إلى الآخرة.
"قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون بعدي أثرة)) " سترون ممن يلي الأمر، من ولاة وأمراء بعدي أثرةً، يعني استئثار واختصاص بالحظوظ الدنيوية، فيؤثرون بها غيركم من أقاربهم ومعارفهم، فعلى الإنسان الذي يحس ويشعر بأن غيره أوثر عليه أن يوثر نفسه بما يرضي الله عز وجل، فإذا انصرف الناس وتعلقوا واستشرفوا إلى أمور الدنيا فعلى طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون نظره إلى الآخرة، ومع ذلكم كما قال الله -جل وعلا-:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]((إنكم سترون بعدي أثرة)) الضبط الآخر: أُثرة وأَثرة، ((وأموراً تنكرونها)) يعني من أمور الدين، سوف تجدون تغير، ولا يزال التغير يزداد، وكل زمانٍ يزداد السوء بالنسبة لما قبله، ((لا يأتي على الناس زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)).
"قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ " يعني أن نفعل، ماذا نفعل إذا وجدنا مثل هذا؟ إذا وجدنا مثل هذا التغير من ولاة الأمر من أمراء وأعوان ماذا نفعل؟ يعني هل نقاومهم؟ هل نرضى بالأثرة؟ قال عليه الصلاة والسلام:((أدوا إليهم حقهم)) يعني مما يجب لهم من السمع والطاعة، وأدوا إليهم الزكاة، وجاهدوا معهم، وصلوا وراءهم ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)) يعني ما يحصل فيه التقصير سلوا الله عز وجل، فلا يجوز للإنسان أن تكون همته الدنيا، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعطَ منها لم يرضَ، إن أعطي من أمور الدنيا وفى، وإن لم يعطَ من أمور الدنيا لم يفِ، ليكن همه الآخرة، وما يأتيه من أمور الدنيا مما يعينه عليها من غير استشراف يأخذ، كما جاء في حديث أبي ذر عند مسلم، الذي يأتي المسلم من غير استشراف، ولا يغلب على ظنه أنه يراد له مقابل يأخذه، إن تورع عنه فالورع له باب، لكن إن أخذ لا بأس، إن جاءه من غير طلبٍ ولا استشراف، يقول أبو ذر:"فإن كان ثمناً لدينك فلا"، النبي عليه الصلاة والسلام لما قالوا، لما أخبرهم أنه سيكون هناك أُثرة وأَثرة، وتقديم وتأخير، وزيادة ونقص، وإبعاد وتقريب، هذا موجود على مدى العصور، من بعد الخلفاء الراشدين ظهر هذا الأمر، وكل سنة يزداد الأمر، طيب ماذا نفعل يا رسول الله إذا حصل هذا؟ يعني مقتضاه أن هذا منكر، والمنكر يجب تغييره، فهل نغير؟ قال: لا ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقهم)) ولا يمنع هذا من النصح، فالنصيحة هي الدين، كما جاء في حديث تميم:((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) فلا يعني أن الإنسان يقف وهو ممن آتاه الله القدرة على النصح، والقدرة على التأثير والبيان أن ينصح ولاة الأمر بالرفق واللين، بالأسلوب المجدي النافع الذي يحقق المصلحة دون ترتب أي مفسدة، ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)).
ثم قال: "حدثنا مسدد عن عبد الوارث -بن سعيد- عن الجعد -أبي عثمان الصيرفي- عن أبي رجاء -العطاردي عمران- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كره من أميره شيئاً)) " يعني سواءً كان من أمر الدين أو من أمر الدنيا، ((من كره من أميره شيئاً فليصبر)) يصبر؛ لأن بعض الناس -والباعث له الغيرة- قد لا يصبر، لكن النتيجة؟ النتيجة أن يترتب على فعله وعدم صبره ومخالفته للتوجيه النبوي ((فليصبر)) المسألة تحتاج إلى علاج مناسب، لا يعالج المنكر بما هو أنكر منه، بمفسدة أعظم منه، تحتاج إلى دراسة للأمر، ودراية بالأساليب النافعة الناجعة التي تقضي على المنكر أو تخفف منه بقدر الإمكان، ولا يترتب عليها مفسدة، قال:((فليصبر، فإنه من خرج من السلطان -يعني عن طاعته- شبراً -يعني ولو بشيء يسير- مات ميتة جاهلية)) كانت هيئة ميتته كهيئة ميتة من عاش في الجاهلية؛ لأن عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، والفوضى من سمات الجاهلية، القوي يأكل الضعيف، وإنكار المنكر وإن كان مطلوباً إلا أنه ينكر بطرق مناسبة، والبيان والنصح والتوجيه لا بد أن يكون بأسلوب مناسب مؤثر، لا تترتب عليه مفاسد، إذا كان المنكر الذي يزال ترتب عليه منكر أعظم منه ما استفدنا، المنكر ما زال، المقصود أن على من رأى ما ينكر، وما أثر ما ينكر في العصور المتأخرة، هذه سنة إلهية، فساد الأزمان، وفساد أهل الزمان في آخر الزمان معروف مستفيض بالنصوص، والواقع يشهد لذلك، لكن من رأى ما ينكر فليصبر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:((فإنه من خرج من السلطان -يعني من طاعته- شبراً مات ميتةً جاهلية)) فكيف بمن خرج ما هو أكبر من الشبر وأعظم منه؟! ويأتي الضابط لما يوجب الخروج، يأتي الضابط وهو الكفر البواح الذي فيه من الله برهان.
يقول: "حدثنا أبو النعمان -محمد بن الفضل- قال: حدثنا حماد بن زيد -بن درهم- عن الجعد -بن دينار الصيرفي- أبي عثمان، قال: حدثني أبو رجاء -عمران- العطاردي، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه)) " يكرهه يعني من أمور الدنيا أو من أمور الدين ما لم يصل إلى حد الكفر البواح ((فليصبر))، ((فإنه –واسم إن ضمير الشأن- فإنه من فارق الجماعة -جماعة المسلمين- شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)) يعني: فيه خصلة من خصال الجاهلية قد مات عليها، ولا يعني أن يكون بذلك قد خرج عن دائرة الإسلام وصار جاهلياً، لا، إنما فيه خصلة من خصال الجاهلية، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر:((إنك امرؤٌ فيك جاهلية)) وفرقٌ بين أن يكون الرجل جاهلياً وبين أن تكون فيه جاهلية، وبين أن يكون منافقاً وفيه نفاق، وبين أن يكون مشركاً وفيه شرك، كما قرر ذلك أهل العلم، اليهود والنصارى مشركون أو فيهم شرك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيهم شرك، فيهم شرك ولذا يختلفون في الأحكام عن المشركين، يختلفون في الأحكام عن المشركين هم أهل كتاب لكن فيهم شرك، {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(6) سورة البينة] ولذا اختلفت أحكامهم عن المشركين الذين استحقوا الوصف الكامل، وكونهم أهل كتاب وفيهم شرك وليسوا بمشركين شركاً مطبقاً كغيرهم لا يعني أنهم على هدى، بل هم كفار خالدون مخلدون في النار، نسأل الله العافية، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(6) سورة البينة] لا يعني أنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، أنهم يرجى لهم شيء، لا، هم كفار على كل حال.
"حدثنا إسماعيل" بن أبي أويس، "قال: حدثني ابن وهب عن عمرو -بن الحارث- عن بكير -بن عبد الله بن الأشج- عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية -السدوسي- قال: دخلنا على عبادة بن الصامت" عبادة بن الصامت أحد النقباء في العقبة، وقد شهد البيعات الثلاث: الأولى والثانية والثالثة، وإن كانت عاد الثالثة لا يثبتها كثيرٌ من أهل العلم، لكن نص ابن عبد البر وغيره في ترجمته أنه شهد الثلاث، وليس هذا محل بسط ما يتعلق بالبيعات الثلاث، لكن يهمنا هذه البيعة التي بين أيدينا، "دخلنا على عبادة بن الصامت -وهو مريض- قلنا: أصلحك الله" مريض صحابي جليل، "قلنا: أصلحك الله" بعض الشراح يقول: أصلح أمور دنياك، وإلا هو في دينه صالح، هو صالح ولا شك أحدٌ في صلاحه، ومع ذلكم بحاجة إلى مزيد الصلاح، والرسول عليه الصلاة والسلام مهتدي، والمؤمنون على هدى، ومع ذلكم يقولون:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] لا يعني أن الشخص إذا كان صالحاً لا يدعى له بالصلاح، ولذا يغضب كثير من الناس إذا قلت: الله يصلحك، أو أصلحك الله، وإيش أنت ملاحظ؟! كأن الناس تعارفوا على أن هذه اللفظة إنما تقال لصغار السن، فبعضهم يستنكر إذا قيل: أصلحك الله،. . . . . . . . . كل شخص بحاجة لأن يكون صالحاً، والله المستعان.
"قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم -ليلة العقبة- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا" يعني بما اشترط علينا "أن بايعنا على السمع والطاعة" له، السمع والطاعة له، يعني وفي حكمه من يلي أمر المسلمين بعده إلى قيام الساعة من المسلمين، "في منشطنا -يعني في وقت نشاطنا- ومكرهنا" يعني فيما ننشط للاستجابة إليه، "وفي مكرهنا" فيما نكره الإجابة إليه مما يطلبه ولي الأمر، يعني في نشاطنا وعجزنا، فيما نريده وما لا نريده إذا لم يكن معصية لله عز وجل، "وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا" لو حصلت الأثرة بايعناه على أن نفي لمن ولاه الله أمرنا، "وأن لا ننازع الأمر أهله" الملك لا ينازع من تولاه، ويستوي في ذلك من تولى باختيارٍ من أهل الحل والعقد ممن تتوافر فيه الشروط، أو تولى بقوته وسلطانه وسيفه، ولو تخلفت فيه بعض الشروط، ففي حال الاختيار لا يجوز أن يولى على المسلمين إلا من اجتمعت فيه الشروط، في حال الإجبار والإكراه إذا تولى بقوته على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ولو كان عبداً حبشياً، وإن كان في الأصل لا يجوز تولية العبد الحبشي ابتداءً واختياراً، لكن إذا تولى بقوته فإنه حينئذٍ يجب له السمع والطاعة.
"وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً" بواحاً ظاهراً بادياً لا يختلف فيه، قد يوجد من بعض الأمراء مما يرتكبه من المخالفات ما يختلف فيه هل هو مكفر أو غير مكفر؟ هل يخرج من الملة أو لا يخرج؟ مثل هذا لا يجوز الخروج عليه لماذا؟ لأنه ليس بكفرٍ بواح، لأنه ليس بكفرٍ بواح، إنما الموجب للخروج ونزع اليد من الطاعة إنما هو الكفر البواح الظاهر البادي، "عندكم فيه من الله برهان" يعني نصٌ من القرآن أو السنة لا يحتمل التأويل، فإذا كان عندنا برهان، نص من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام على كفر مرتكب هذا العمل مما لا يحتمل التأويل فإنه حينئذٍ لا سمع ولا طاعة.
ثم بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "حدثنا محمد بن عرعرة -القرشي- قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير -الأنصاري- أن رجلاً -هو أسيد نفسه- أن رجلاً أتى النبي عليه الصلاة والسلام" جرد أسيد من نفسه رجلاً تحدث عنه، هذا يسمونه أسلوب التجريد، "أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: استعملت فلاناً -عمرو بن العاص- ولم تستعملني؟ " يعني وليته على أمر من أمور المسلمين ولم تولني، استعملت: يعني وليت، والوالي في عرف المتقدمين عامل، عامل استعمل فهو عامل، وكان عاملاً لعمر وكان عاملاً لفلان، عامل، لما كانت الولايات ينظر فيها نفع المسلمين، والقيام بخدمتهم، والسهر على مصالحهم يسمى عامل، "استعملتَ فلاناً ولم تستعملني، قال:((إنكم سترون بعدي أثرة)) " يعني أعظم من ذلك؛ لأن ما فعلته إنما نظرت فيه للمصلحة العامة، وعمرو بن العاص ممن يصلح لهذه الولايات، ليس معنى هذا أن الشخص الذي يولى ينظر فيه مصلحة خاصة، والذي لا يولى ينظر فيه إلى أنه قريبٌ أو بعيد لا، إنما النظر فيمن يحقق المصلحة، ولو كان غيره أفضل منه في ذاته، وكل عملٍ ينتقى له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه ممن يقوم به على أحسن وجه، والخلل بهذا من علامات الساعة، ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) قد لا يكون الشخص أفضل الناس، بل ولا من أفضل الناس بل هو رجلٌ تقوم به الحاجة، ويسد هذا المكان أفضل من غيره، والقوة مع الأمانة مطلبٌ في مثل هذه الولايات، فإذا كان قويٌ في نفسه أمينٌ في تصرفاته فإنه يستحق حينئذٍ أن يولى على مثل هذه الأمور العامة، وعمرو بن العاص بهذه الصفة.