الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصود أن عكرمة خرج له البخاري في الأصول معتمداً عليه، وإن مسَّ بضربٍ من التجريح من قبل غيره، واتهم برأي الخوارج، لكنه لم يثبت عنه، لم يثبت عنه، الآن الخبر الذي يرويه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) هل نقول: إن عكرمة متهم، وهذا يؤيد تلك البدعة؟ لأن الخبر:((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم .. )) الذي يكفر القاتل من هو؟ من الذي يكفر القاتل؟ الخوارج إذا لم يستحل، هو مذهب الخوارج، فهل نتهم عكرمة لأنه روى هذا الحديث ونقول: إن هذا الحديث يؤيد بدعته؟ نقول: نسبة البدعة إليه لم تثبت، نسبة البدعة إليه لم تثبت، بل فندها وردها أهل العلم، الحافظ الذهبي في السير، والحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، تكلموا بكلامٍ طويل حوله.
ثم قال: "حدثنا سليمان بن حرب -الأزدي البصري- قال: حدثنا شعبة عن علي بن مدرك –النخعي- قال: سمعت أبا زُرعة –هرم- ابن عمرو بن جرير -بن عبد الله البجلي- عن جده جرير -بن عبد الله- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع -عند جمرة العقبة-: ((استنصت الناس)) " استنصت الناس: يعني مرهم بالسكوت والإنصات، "ثم قال -بعد أن أنصتوا وسكتوا عليه الصلاة والسلام:((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) "، وهذا تقدم الحديث فيه، وهو أن القتل هو من شأن الكفار، من شأن الكفار، فلا ترجعوا بعدي كالكفار يضرب بعضكم رقاب بعض، أو كفاراً إن استحللتم ذلك، كما هو مقرر عند أهل العلم.
شرح: بابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم:
بابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم.
حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال إبراهيم: وحدثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً فليعذ به)).
حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به)).
يقول رحمه الله: "بابٌ: تكون فتنةٌ" يعني عظيمة، التنوين هنا للتعظيم، "القاعد فيها خيرٌ من القائم"، هذا نص الحديث، فترجم على الحديث بجزءٍ منه.
ثم قال: "حدثنا محمد بن عبيد الله -بن محمد بن زيد- قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه -سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف- عن –عمه- أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، قال إبراهيم" إبراهيم بن سعد، "وحدثني -يعني متابعاً لأبيه- صالح بن كيسان عن ابن شهاب" الزهري، وصالح بن كيسان من أخص طلاب الزهري، وإن كان أكبر منه سناً؛ لأنه ما تعلم إلا بعد أن طعن في السن، "عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتن)) " عند أبي ذر: ((فتنة))، ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي)) يعني أن من شارك في الفتن فيهم تفاوت بحسب توغلهم فيها، ليس المراد من القعود الجلوس والمشي على الأرجل، وإن كان هذا هو الأصل، إلا أن بعضهم يكون أشد توغلاً في هذه الفتنة، وبعضهم أخف، فمن اعتزل هذه الفتن لا شك أنه سالم، ولذا قال:((فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً فليعذ به)) فليعتزل، إن كان وضعه العلمي أو الاجتماعي يستدعي دخوله فيها، بعض الناس لا سيما إذا كان من أهل العلم لا يسوغ له أن يعتزل إذا كان يستطيع التأثير في التخفيف من هذه الفتن، يعني إذا اعتزل أهل العلم والحلم والرأي فلمن تترك هذه الفتن؟! الفتن كالنار تأتي على كل شيء، وأهل العلم وأهل الحلم والخبرة والدراية والعقل بهم أو بسببهم يقضى على الفتن -بإذن الله-، على كل حال من اضطر أو من احتيج إليه لمشاركته في هذه الفتن عليه أن يسعى لإخماد هذه الفتن من مهدها إن تمكن، لكن لا يجوز له أن يساهم في إذكائها ولو بكلمة، ومن يساهم في إذكائها وتأجيجها هؤلاء متفاوتون بحسب أعمالهم فيها، منهم المحرض، ومنهم المستوشي، ومنهم .. ، المقصود أنهم متفاوتون، وعبر في الحديث عن هذا التفاوت بالقيام والقعود والمشي، فمن كان أثره في هذه الفتن أقل كان خيراً من .. ، كان أثره أعظم.
((إنها ستكون فتن القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف -أي تطلع لها واستشرف- تستشرفه)) تهلكه بأن تجعله يشرف على الهلاك، لا سيما الفتن التي لا يظهر فيها وجه الصواب، ولا يظهر فيها رجحان إحدى الكفتين، ((من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً -أو ملاذاً- فليعذ به)) وليلذ وليعتزل، وفي الصحيح:((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن))، وهذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-، فالعزلة والسلامة لا يعدلها شيء؛ لأن الإنسان قد يدخل في مثل هذه الأمور ظناً منه أنه يصلح، لكنه قد يكون الأمر في غير مقدوره وطاقته فلينجُ بنفسه.
ثم قال رحمه الله: "حدثنا أبو اليمان -الحكم بن نافع- قال: أخبرنا شعيب -هو ابن أبي حمزة- عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة -بن عبد الرحمن- أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه)) "، يعني التحذير، هذا فيه التحذير من المشاركة في الفتن، وهذا معروفٌ أنه مما لا يتبين فيه وجه الصواب، أما إذا تبين وجه الصواب بأن اعتدي على أحد تدخل يا أخي، ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) بغى على ولي الأمر بغاة، يساعد ولي الأمر بقمعهم، المقصود أنه إذا بان وجه الصواب ما تكون فتنة، وإلا لو بغى على ولي الأمر بغاة ثم تركوا يتصارعون، وكلٌ قال: هذه فتنة القاعد فيها إلى آخره .. ، ولنعتزل، من وجد معاذاً أو ملاذاً، تكون الأمور أعظم، ولا بد من الأخذ على يد مثل هؤلاء، ولا شك أنهم إن كان لهم تأويلٌ سائغ يقبل منهم تأويلهم، ويحاجون، ويناقشون، ويقنعون، والبغاة عند أهل العلم ليسوا بكفار، لكنهم لا شك أنهم معرضون للعقاب في الدنيا والآخرة، بقدر ما يترتب على فعلهم من أثر، فلو كان كل شخص يقول: أنا أعتزل مثل هذه الأمور صارت الدنيا ضياع، ما استقامت أمور الناس، حتى يقمع من أراد أن يشق عصا المسلمين، ويفرق جمعهم، ويثير المشاكل بينهم.