الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتهمون
لشيخ الإسلام بتنقص علي رضي الله عنه والانحراف عنه
لقد حاولت أن أذكر في هذا المبحث أبرز المتهمين لشيخ الإسلام بتلك الفرية، ممن عثرت على أقوالهم، مع توثيقها من كتبهم أو من كتب الناقلين عنهم، وقد اتضح لي أنهم على نوعين:
الأول: أناس لم يفهموا مقاصد شيخ الإسلام من عباراته التي ذكرها في كتابه " منهاج السنة " والتي ظنوا أن فيها تنقصاً لعلي رضي الله عنه، وأداهم لهذا عجلتهم في الحكم دون ترو، ولا مراجعة لأقوال شيخ الإسلام الصريحة في نفي ذلك عن نفسه، إضافة إلى عدم إدراكهم لعمق مذهب الشيخ في رده لأكاذيب الروافض، فلهذ زلوا هذا الزلة العظيمة. وخير مثال لهؤلاء: الحافظ ابن حجر العسقلاني - عفا الله عنه-
الثاني: أناس قد أشربت قلوبهم مختلف أنواع البدع، فطارت قلوبهم فرحاً عندما عثروا على تلك العبارات التي ظنوها تنقصاً لعلي رضي الله عنه فأذاعوا بها شرقاً وغرباً قاصدين بذلك ذم شيخ الإسلام والتنفير منه ومن كتبه وآرائه التي تخالف مشربهم.
وخير مثال لهؤلاء: ابن حجر الهثيمي، والكوثري، والغماري، والسقاف، والحبشي، وغيرهم - كما سيأتي -.
المتهمون وأقوالهم
1-
فمنهم العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله الذي جرأت كلماته السفهاء على شيخ الإسلام، واتخذوها متكأ للتطاول على مقامه رحمه الله وسهولة كيل التهم له بتنقص علي رضي الله عنه ما دام الحافظ رحمه الله قد ألمح إلى ذلك ومهد لهم الطريق بكلماته في شيخ الإسلام.
ونحن نعلم أن الحافظ رحمه الله هو ممن يقدرون شيخ الإسلام، ويثنون عليه، ويعرفون فضله.
قال العلامة محمود شكري الألوسي: (إن الحافظ ابن حجر العسقلاني موالاته ومحبته للشيخ ابن تيمية مما لا ينكره إلا جاهل، وقد تلقى العلم عن تلامذة الشيخ وأصحابه وانتفع بكتبه، وقرأ كثيراً منها درساً، وهذا هو اللائق به وبأمثاله من أهل الفضل والعلم، وقد قيل: إنما يعرف ذا الفضل ذووه)
قلت: ومن ذلك قول الحافظ: ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السارة، التي انتفع بها الموافق والمخالف: لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته، فكيف وقد
شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن الحنابلة)
أما كلام الحافظ في شيخ الإسلام حول موضوع تنقص على رضي الله عنه فهو اجتهاد خاطئ من الحافظ تعجل في إطلاقه لعدم فهمه مقاصد شيخ الإسلام.
ومن ذلك قوله في لسان الميزان في ترجمة الرافضي الذي رد عليه شيخ الإسلام:
(صنف كتاباً في فضائل علي رضي الله عنه نقصه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في كتاب كبير، وقد أشار الشيخ تقي الدين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة حيث قال: وابن المطهر لم تطهر خلائقه........)
قال ابن حجر: (طالعت الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في الرد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وان كان معظم ذلك من الموضوعات الواهيات، لكنه رد في رده كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان، وكم
من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص على رضي الله عنه .
وقال - أيضاً - في ترجمة الرافضي في كتابه: (الدرر الكامنة) : (له كتاب في الإمامة رد عليه فيه ابن تيمية بالكتاب المشهور المسمى بالرد على الرافضي، وقد أطنب فيه وأسهب، وأجاد في الرد إلا أنه تحامل في مواضع عديدة، ورد أحاديث موجودة وإن كانت ضعيفة بأنها مختلقة) .
وقال في الدرر الكامنة في ترجمة ابن تيمية: (وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث، فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس، كأن هذه العلوم بين عينيه فأخذ منها ما يشاء ويذر، ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زهى على أبناء جنسه، واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم، قعويهم وحديثهم، حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شئ، فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فانكر عليه، فذهب إليه واعتذر واستغفر، وقال في حق علي: أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثم خالف فيها نص الكتاب، منها اعتداد المتوفي
عنه زوجها أطول الأجلين)
وقال ابن حجر - أيضاً -:
منهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم، ولقوله: إنه كان مخذولا حيث ما توجه، وأنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة، وإن عثمان كان يحب المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعلى أسلم صبياً، والصبي لا يصح إسلامه على قول، وبكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل، ومات مانسبها من الثناء على..... وقصة أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها، فإنه شنع في ذلك، فألزموه بالنفاق لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يبغضك إلا منافق ")
2-
ومنهم: ابن حجر الهيتمي الذي قال في فتاواه الحديثية:
(ابن يتمية عبد خذله الله تعالى وأضله وأعماه وأصمه وأذله وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته
وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية.
ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما - والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كل وعر وحزن ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته)
قال: (ولا زال يتتبع الأكابر حتى تمالأ عليه أهل عصره ففسقوه وبدعوه، بل كفره كثير منهم، وقد كتب إليه بعض أجلاء عصره علماً ومعرفة سنه خمس وسبعمائة:
من فلان إلى الشيخ الكبير العالم إمام أهل عصره - بزعمه - أما بعد، فإنا أحببناك في الله زماناً وأعرضنا عما يقال فيك إعراض الفضل إحساناً، إلى أن ظهر لنا خلاف موجبات المحبة بحكم ما يقتضيه العقل والحس، وهل يشك في الليل عاقل إذا غربت الشمس؟ وإنك أظهرت إنك قائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله تعالى أعلم بقصدك ونيتك، ولكن الإخلاص مع العمل ينتج ظهور القبول، وما رأينا آل أمرك إلا إلى هتك الأستار والأعراض باتباع من لا يوثق بقوله من أهل الأهواء والأغراض، فهو سائر زمانه يسب الأوصاف والذوات ولم يقنع بسب الأحياء حتى حكم بتكفير الأموات.
ولم يكفه التعرض على ما تأخر من صالحي السلف حتى تعدى إلى الصدر الأول ومن له أعلى المراتب في الفضل، فيا ويح من هؤلاء خصماؤه يوم القيامة، وهيهات أن لا يناله غضب وأنى له بالسلامة.
وذكر سامعه منه تخطئة الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وقد تقدم، ثم قال: فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ علي بزعمك كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب؟ والآن قد بلغ هذا الحال إلى منتهاه والأمر إلى مقتضاه ولا ينفعني إلى القيام في أمرك ودفع شرك، لأنك قد أفرطت في الغي ووصل أذاك إلى كل ميت وحي، وتلزمني الغيرة شرعاً لله تعلى ولرسوله، ويلزم ذلك جميع المؤمنين وسائر عباد الله المسلمين، بحكم ما يقوله العلماء، وهم أهل الشرع، وأرباب السيف الذي بهم الوصل والقطع، إلى أن يحصل منك الكف عن أعراض الصالحين رضي الله عنهم أجمعين)
قلت: قال صاحب كتاب (جلاء العينين) : السيد نعمان الألوسي بعد نقله لهذا الكلام:
(كان ينبغي من ابن حجر أن يعزو هذا الكلام إلى كتاب الذي نقله منه، ونسبه إلى ابن تيمية)
وقال أيضاً: (إن ما نسبه الشيخ ابن حجر إلى شيخ الإسلام من سوء الاعتقاد في أكابر الصحابة الكرام لا أصل له)
3-
ومن المتهمين لشيخ الإسلام بأنه منحرف عن على المدعو زاهد الكوثري أحد رؤوس البتدعة في هذا القرن والذي سخر كل تآليفه وتعليقاته على الكتب في النيل من علماء السلف ممن لم يوافق مشربه البدعي.
يقول هذا الكوثري راداً على شيخ الإسلام تضيفه حديث (رد الشمس لعلي رضي الله عنه) دون اعتبار لتصحيح الطحاوي له:
(فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي لأنه صحح حديث لد الشمس لعلي كرم الله وجهه، فيكون الاعتراف بصحة هذا الحديث ينافي انحرافه عن علي رضي الله عنه، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعلي عليه السلام في كل خطوة من خطوات تحدثه عنه)
ويقول في كتابه " اللإشفاق "
(ولولا شدة ابن تيمية في رده على ابن المطهر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرض لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه على الوجه الذي تراه في أوئل الجزء الثالث منه، بطريق يأباه كثير
من أقحاح الخوارج مع توهين الأحاديث الجيدة في هذا السبيل - لما قامت دولة الغلاة من الشيعة في بلاد الفرس والعراق وشرق الآسيا (كذا) الصغرى وأذربيجان من عهد الملك المغولي " خدابنده " وابن المطهر الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا، قال: كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي، ولكن جوابي يكون بالفعل، حتى سعي سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية من تلك الأقطار غالية في التشيع يحمل " خدابنده " الملك الشعوب على المتذهب بمذهب ابن المطهر، ولم يزل الغلو في التشيع في تلك البلاد منذ علم ابن تيمية هذا، ولم كان يسعى بحكمة لما بعدت شقة الخلاف بين الإخوان المسلمين على الوجه الذي تراه)
قلت: قال الشيخ محمد بهجة البيطار راداً هذا الاتهام عن شيخ الإسلام:
(أقوال: كلامه هذا الصريح في أن الإمام ابن تيمية هو الذي أثار ثائرة الشيعة بتعصبه عليهم، وطعنه فيهم، وتنقيصه علياً عليه السلام بما يأبى مثله الخوارج وأنه هو الذي حمل ابن المطهر على هذا الغلو في التشيع والسعي في نشر المذهب من عهد الملك المغولي " خدابنده " الذي تشيع وقلب دولته شيعية بسعي ابن المطهر الحلي هذا، وأن منهاج السنة النبوية في نقض كلام
الشيعة والقدرية لشيخ الإسلام هو الذي زاد النار ضراماً. ألخ.
سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل على تشوية الحقائق وإفساد التاريخ، فهو ممن زين له سوء عمله فرآه حسناً. وإليك الجواب عن الكذب الصريح:
1-
إن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يؤلف كتابه " منهاج السنة النبوية " ابتداءً، ولكنه ألفه رداً على كتاب الحلي الشيعي الذي سماه " منهاج الكرامة " وقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه:" أما بعد فإنه أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتاباً صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقاً لهذه البضاعة، ويدعو به إلى مذهب الرافضة الإماية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم (إلى أن قال) وذكر من أحضر هذا الكتاب بأنه من أعظم الأسباب في تقرير مذهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم، وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه " خدابنده " وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب " اهـ.
فأنت ترى أن كتاب منهاج السنة النبوية قد كتب رداً لا عتداء من اعتدى على أهل السنة وتهجم عليهم، وطعن في دينهم، وأن شيخ الإسلام قد أحضر إليه كتاب الشيعي ولم يكن رآه، وطلب منه أهل السنة والجماعة رد مفترياته على أهل السنة وهو شيخهم، بل شيخ الإسلام، ومن أولى منه ببيان الحق وأقدر منه عليه؟
2-
إن الملك المغولي " خدابنده " قد ترفض أو تشيع على يد ابن المطهر الحلي قبل صدور رد شيخ الإسلام عليه كما هو
ظاهر من كلامه.
3-
إن أقصى ما في كلام شيخ الإسلام هو الدعوة إلى الاعتدال في الأقوال والاعمال، وتخفيف غلو الغالين في العقائد، وتقليص ظل عصبيات أهل البدع والأهواء، ودفع أكاذيبهم وأباطيلهم، والغرض من ذلك كله تنوير العقول، وتقريب القلوب، وتطهيرها مما تراكم عليها من أوضار الباطل، وأوغار الحقد، وإزالة ما استحكم فيها من جفوة وقسوة.
وهذه نبدة صغيرة من كلام شيخ الإسلام مصدقة لما ذكرناه.
قال رحمه الله: " وأما الرافضي فإذا قدح في معاوية بأنه كان باغياً ظالماً، قال له الناصبي: وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً لما قاتل المسلمين على إمارته وبدأهم بالقتال، وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم، وكان السيف مسلولاً في خلافته على أهل الملة، كفوفاً عن الكفار - إلى أن قال - فالخوارج والمروانية وكثير من المعتزلة وغيرهم يقدحون في على رضي الله عنه وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون " اهـ.
فأنت ترى شيخ الإسلام يحكي كلام الروافض والنواصب والخوارج، ولكنه لا يحكم على فريق، بل يحكم بأنهم مخطئون مبتدعة ضالون، خلافاً لما يزعمه الكوثري، المقلد الغبي، من انتقاص مقام الإمام علي، فما أضيع البرهان عند المقلد.
4-
وأوضح وأفضح مما تقدم أن هذا المعتدي على التاريخ، دعواه أن ابن تيمية هو سبب الغلو في التشيع، وبسط سلطانه في الأرض، ويوهم كلامه أو يفهم أن السلطان " خدابنده " قد ترفض ونشر مذهب ابن المطهر بسبب ابن تيمية، وتحامله على الشيعة في منهاج السنة النبوية.
وقال: وابن المطهر الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا، قال: كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي، ولكن جوابي يكون بالفعل حتى سعى سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية من تلك الأقطار إلى دولة غالية في التشيع يحمل " خدابنده " الملك الشعوب على التمذهب بمذهب ابن المطهر، ولم يزل الغلو في التشيع متغلغلاً في تلك البلاد منذ عمل ابن تيمية هذا. اهـ.
ونحن ننقل لك بعد هذا الكلام ما ذكره الشيعة الإمامية أنفسهم في سبب ترفض الملك " خدابنده " ليعلم مبلغ هذا الرجل من تحريف التاريخ وقلب الحقائق الواقعية بكل وقاحة وصفاقة، ونسجل عليه حقده وتعصبه على رجال الإسلام العظام، وافتراءه عليهم الكذب الصريح.
جاء في كتاب " روضات الجنات في تراجم الشيعة " تأليف ميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري الميلاد، والأصفهاني الموطن والمهاد - في ترجمة الحسن بن المطهر الحلي ما نصه:
ثم نقل عن كتاب شرح مولانا التقي المجلس علي الفقيه نقلاً عن جماعة من الأصحاب أن الشاه " خدابنده " المذكور غضب يوماً على امرأته فقال لها: أنت طالق ثلاثاً، ثم ندم وجمع العلماء فقالوا: لا بد من المحلل فقال: عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة، أو ليس لكم هنا اختلاف؟ فقالوا: لا، فقال: أحد وزرائه: إن عالماً بالحلة وهو يقول ببطلان الطلاق، فبعث كتابه إلى العلامة وأحضره - وهنا أطال في وصف اجتماعه بعلماء السنة ومناظرته لهم، بما يضحك الثكلى ويشبه كلام الصبيان ثم قال: وعلى أي حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل، لأنه لم يتحقق شروطه، ومنه العدلان، فهل قال الملك بمحضرهما؟ قال: لا ثم شرع في البحث مع العلماء حتى ألزمهم جميعاً فتشيع الملك وبعث إلى البلاد والأقاليم حتى يخطبوا بالأئمة الإثني عشر، ويضربوا السكك على أسمائهم، وينفقوها على أطراف المساجد، والمشاهد منهم (ثم قال) والذي في أصفهان موجود الآن في الجامع القديم الذي كتب زمانه ثلاثة مواضيع منه، وكذا في معبديه - مكوار لنجان، ومعبد الشيخ نور الدين النطنزي من الفرقاء، وكذا على منارة دار السيادة التي تممها هذا السلطان من بعد ما أحدثه أخوه غازان. اهـ.
(ثم قال) : وهذه اليد العظمى والمنة الكبرى التي له على أهل الحق مما لم ينكره أحد من المخالفين والموافقين، حتى أنه في بعض تواريخ العامة (أي أهل السنة) رايت التعبير عن هذه
الحكاية بمثل هذه الصورة. ومن سوانح سنة سبع وسبعمائة، أظهر " خدابنده " شعار التشيع بإضلال ابن المطهر. اهـ.
أعلمت الآن أيها القارئ الكريم السبب الذي من أجله ترفض هذا الجاهل الأعجمي المغولي وأنه مسألة شخصية، لا دخل فيها لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولا لكتاب منهاج السنة النبوية، وهو كونه طلق زوجته ثلاثاً وهو غضبان، واستفتى أمثال الكوثري من علماء عصره فأفتوه بالمحلل، وهو الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم التيس المستعار، وقال الملك لهم: عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة، أو ليس لكم هنا اختلاف؟ قالوا: لا، لابد من المحلل - أي الملعون بلسان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المحلل له، فاستنكف الملك عن هذا التحليل الذي هو زنا صريح، ولو أخذوا بما كان عليه الطلاق الثلاث في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عهد صاحبيه، لخرجوا من جحر الضب الذي أوقعوا الملك معهم فيه، ولو اهتدى إلى شيخ الإسلام ابن تيمية لوجد لمسألته عنده حلاً نبوياً سنياً غير شيعي، ولكن الكوثري يلبس شيخ الإسلام ذنب غيره فعليه ما يستحق من ربه، ولماذا تسكت أيها الكوثري عمن أحرجوا الملك فأخرجوه من بينهم، وتطعن في دين من يرده وقومه إلى حظيرة السنة؟
أكان بالله إثما أن يؤلف ابن تيمية كتاب " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية "؟ ويرد به ضلالات ابن المطهر الحلي
والكوثري السني فيما يزعم يتبجح بقول الحلي الشيعي لإمام السنة: كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي.
وفي كتاب " روضات الجنات " في تراجم الشيعة الذي لخصنا عنه ما تقدم (ص171 - 174) نقلاً عن تذكرة الشيخ نور الدين علي بن عراق المصري - أن الشيخ تقي الدين بن تيمية الذي كان من جملة علماء السنة معاصراً للشيخ جمال الدين العلامة المذكور - منكراً عليه في الخفاء كثيراً - كتب إليه العلامة بهذه الأبيات:
لو كنت تعلم كل ما علم الورى
…
طراً لصرت صديق كل العالم
لكن جهلت فقلت إن جميع من
…
يهوى خلاف هواك ليس بعالم
فكتب الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي في جوابه هذه القطعة وأرسلها إليه:
يا من يموه في السؤال مسفسطاً
…
إن الذي ألزمت ليس بلازم
هذا رسول الله يعلم كل ما
…
علموا وقد عاداه جل العالم
وترى الكوثري ينوه بكلمة ابن المطهر الحمقاء التي أخذها من شعره ولكنه لم يذكر جوابها السديد لبعض علماء السنة.
ويمكنك أن تقف مما أوردناه لك على دخيلته، وتعرف حقيقة نحلته وخبيئته.
وجملة القول: أن هذا الرجل لا يتعد بعقله ولا بنقله ولا بعلمه ولا بدينه. ومن يراجع تعليقاته يتحقق صدق ما قلناه فيه، على أنا أوردنا شواهد منها دلت على سائلها وعرفنا حقيقة قائلها، فمن بقي له شك فيها فليرجع إليها، ليرى كيف أن التعصب يعمي ويصم، والله عليم بذات الصدور)
4-
قلت: ومن المتهمين لشيخ الإسلام بالانحراف عن علي رضي الله عنه المدعو: عبد الله الغماري أحد مبتدعي زماننا الذي يقول في رده على الشيخ الألبان أثناء كلامه على حديث " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي عليه السلام "
قال الغماري: (حديث صحيح، أخطأ بان الجوزي بذكره في الموضوعات، ورد عليه الحافظ في القول المسدد، وابن تيمية لانحرافه عن عليه السلام كما هو معلوم لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه)
وقال الغماري - أيضاً - في موضع آخر من رسالته السابقة -
متحدثاً عن الألباني - حفظه الله -.
(وحاله في هذا كحال ابن تيمية، وتطاول على الناس فأكفر طائفة من العلماء، وبدع طائفة أخرى، ثم اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما: إحداهما: قوله بقدم العالم، وهي بدعة كفرية - والعياذ بالله تعالى - والأخرى: انحرافه عن علي عليه السلام، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: " لا يحبك إلى مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ")
5-
ومن المتهمين - أيضاً - المدعو حسن بن علي السقاف أحد المبتدعة المعاصرين الذي عول على الغماري في هذا الاتهام الباطل فقال في كتابه: " التنبيه والرد على معتقد قدم العالم والحد " نقلاً عن عبد الله بن الصديق الغماري من كتابه " الصبح السافر "(وابن تيمية يحتج كثير من الناس بكلامه، ويسميه بعضهم (شيخ الإسلام) وهو ناصبي عدو لعلي عليه السلام، واتهم فاطمة عليها السلام بأن فيها شعبة من النفاق)
6-
ومنهم صاحب كتاب " التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني ومؤلفه كما على غلافه (لجماعة من العلماء)
يضع هذا الزائغ عنواناً في صفحة (85) يقول فيه: (افتراؤه على الإمام على) أي افتراء ابن تيمية على علي رضي الله عنه ثم نقل تحته أقوال الحافظ ابن حجر السابقة، وشيئاً من أقوال شيخ الإسلام زاعماً الرد عليها.
7-
ومن المتهمين لشيخ الإسلام بهذا الاتهام الشنيع: المدعو: عبد الله الحبشي وذلك في قوله: (وابن تيمية هذا طعن في علي بن أبي طالب.
وقال: إن حروبه أضرت بالمسلمين.
قلت: وقد رد عليه الشيخ عبد الرحمن دمشقية - حفظه الله - في كتابه: " المقالات السنية في تبرئة شيخ الإسلام ابن تيمية ورد مفتريات الفرقة الحبشية "
8-
ومن المتهمين لشيخ الإسلام بهذه التهمة: حسن المالكي الذي
…
اشتهر بين أهل العلم بمحبته للمخالفة والانفراد بأقوال شاذة يلتقطها من كتب المبتدعة، ويثيرها عند أهل السنة، وليس هذا مقام ذكرها.
وقد سمعت هذا المالكي يقول في أحد المجالس بأن ابن تيمية (فيه شئ من النصب)
وأما في كتبه - أي المالكي - فقد ألمح إلى هذه التهمة ولم يصرح، فمن ذلك قوله في كتابه " نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي "(أقول لكم - وبلا فخر - خذوا مني هذه الحقائق التي هي خلاصة دراسة استمرت أربع سنوات في كتب التاريخ، وهي: أن الكتب المفتقدة للتحقيق العلمي المتشدقة بمنهج أهل الحديث بالإضافة إلى ما سبق هي.........) ثم ذكر مجموعة من الكتب التي ينبغي عدم اعتمادها - كما يزعم - ثم قال في الحاشية، (كنت يومها قد ذكرت كتاب (منهاج السنة) لابن تيمية ضمن هذه الكتب التي تفتقد التحقيق ويقلده المؤرخون بلا محاكمة للنصوص، وقد حذفت دكره هنا مؤجلاً الحكم النهائي بعد دراسة الكتاب دراسة مستفيضة)
قلت: ونحن على شوق إلى رؤية هذه (الدراسة المستفيضة) لكتاب شيخ الإسلام.
ومن أقوال المالكي التي تلمح إلى هذه التهمة قوله في كتابه الآنف عن شيخ الإسلام: (وهو معروف بدفاعه عن الخلفاء الثلاثة) وليس الأربعة؟ نعوذ بالله من الظلم والبهتان.
9-
وممن قد يعد من المتهمين لشيخ الإسلام - أيضاً - أم مالك الخالدي، وهي زوج حسن المالكي فقد ألفت كتاباً
بعنوان " البرهان الجلي في دفاع ابن تيمية عن خلافة علي رضي الله عنه " ألمحتت إلى هذه التهمة بشئ من الحذر حيث أبهمت العبارة في أن لشيخ الإسلام أخطاءً عدة في كتابه: " منهاج السنة"، وأن له أقوالاً متناقضة...... إلخ اتهامها الذي لم تذكر عليه أي مثال ليتبين مرادها بدلاً من هذا التعمية والتعتعة وإليك شيئاً من أقوالها، لعل أحداً من القراء يفهم ما لم أفهمه من هذا الغموض المطبق على حروفها:
تقول: (يوجد لابن تيمية أقوال ظاهرها يناقض بعض ما أوردناه هنا فلعل ما أوردناه هو آخر ما كان عليه الشيخ لأنه الحق ومن عرف الحق يستبعد أن ينحرف عنه)
قلت: ولم توضح - هداها الله - هذه الأقوال المتناقضه لشيخ الإسلام، أو الأقوال التي فيها لبس واشتباه، وكان الواجب عليها ما دامت تعتقد أن ما تقوله هو الحق أن تصرح بهذه الانتقادات لشيخ الإسلام وترد عليها رداً علمياً، لا أن تطلق هذه العبارات والأقوال التي (فيها لبس واشتباه)
هؤلاء هم أبرز المتهمين لشيخ الإسلام بهذا الاتهام وهم
كما ترى من أقحاح أهل البدع - ما عدا ابن حجر العسقلاني - فلا يستغرب منهم هذا الكذب والافتراء على شيخ الإسلام الذي هذم بدعهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد فلهذا توارثوا هذا العداء الدفين له على مر الأجيال، إلي أن يشاء الله.
وكما قلت سابقاً: لوكان المتهم للشيخ هم هؤلاء المبتدعة وحدهم لما أقمت لأقوالهم أي أهميمة، لأننا قد تعودنا منهم الكثير من مثل هذه الافتراءات والتهم على علماء السلف، ولكن وقوف الحافظ ابن حجر في صفهم ولو بالتلميح هو الذي دفعني لرد خطئه على شيخ الإسلام لكي لا يتسرب دون علم إلى ناشئة المسلمين، أو يستغله أحد مرضى النفوس ممن في صدورهم إحن خفية على شيخ الإسلام لسبب من الأسباب الله أعلم به.