المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: ذم شيخ الإسلام للنواصب - شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبيا

[سليمان الخراشي]

الفصل: ‌أولا: ذم شيخ الإسلام للنواصب

‌أولاً: ذم شيخ الإسلام للنواصب

مما يدفع هذه الفرية عن شيخ الإسلام أنه كان شديد الذم للنواصب بطوائفهم، والخوارج الذين اتخذوا بغض علي رضي الله عنه ديناً يدينون الله به، وتجرأ بعضهم على تكفيره، أو تفسيقه، أو سبه وشتمه، والعياذ بالله.

وكان رحمه الله يكثر من ذم هؤلاء في كتابه " منهاج السنة " فلو كان ناصبياً كما يزعم أعداؤه لأثنى عليهم، أو دافع عن مواقفهم، والتمس العذر منهم.

ولكنه مع هذا الذم لهم يرى أنهم خير من الرافضة، أهل الكذب والنفاق.

يقول شيخ الإسلام: (لا تجد أحداً ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو شر منه، ولا تجد أحداً ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوراج من هو خير منه، فإن الروافض شر من النواصب، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب.

وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين، ويتكلمون بعلم وعدل، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرؤن من طريقة الروافض والنواصب جميعاً، ويتولون السابقين والأولين كلهم، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم، ويرعون حقوق

ص: 69

أهل البيت التي شرعها الله لهم، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين، فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة، لا عثمان ولا علي ولا غيرهما)

ويقول: (وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافراً، وقتله أحد رؤوسهم " عبد الرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا: إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفاراً مرتدين، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة، وما ثبت بالكتاب السنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم، وثناء الله عليهم، ورضاء عنهم، وإخباره بأنهم من أهل الجنة، ونحو ذلك من النصوص، ومن لم يقبل هذه الحجج لم يمكنه أن يثبت إيمان علي بن أبي طالب وأمثاله.

فإنه لو قال هذا الناصبي للرافضي: إن علياً كان كافراً، أو فاسقاً ظالماً، وأنه قاتل على الملك: لطلب الرياسة، لا للدين وأنه قتل " من أهل الملة " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجمل، وصفين، وحروراء، ألوفاً مؤلفة، ولم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كافراً، ولا فتح مدينة، بل قاتل أهل القبلة، نحو هذا الكلام - الذي تقوله

ص: 70

النواصب المبغضون لعلي رضي الله عنه لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلا أهل السنة والجماعة، الذين يحبون السابقين الأولين كلهم، ويوالونهم.

فيقولون لهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، ونحوهم، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم، والرضى عنهم، وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خصوصاً وعموماً، كقوله في الحديث المستفيض عن:" لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً "، وقوله:" إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر "، وقوله عن عثمان:" ألا أستحي ممن نستحي منه الملائكة "؟ وقوله لعلي: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله علي يديه " وقوله: " لكل نبي حواريون، وحواريي الزبير " وأمثال ذلك.

وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض علياً من النواصب، كما يمكن ذلك أهل السنة، الذين يحبون الجميع)

قلت: وفي كلام شيخ الإسلام الآتي صرح رحمه الله بأنه ليس ناصبياً، وأن الشام كلها لم يبق فيها نواصب، وهو قول صريح من الشيخ يرد به على من يظن به هذا الظن.

ص: 71

قال رحمه الله:

(وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسئلة في الجنائز، فإن موتى المسلمين يصلي عليهم برهم وفاجرهم، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه، لكن الحال الأولى أوسط وأعدل، وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة، وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات، فسألني فيما سألني: ما تقول في يزيد؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه.

فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين؟

فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحججاج بن يوسف وأمثاله: نقول كما قال الله في القرآن: (ألا لعنه الله على الظلمين) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن.

وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

قال: فما تحبون أهل البيت؟

ص: 72

قلت: محبتهم عندنا فرض واجب، يؤجر عليه، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً، بين مكة والمدينة فقال " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال:" وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " قلت لمقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "

قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟

قلت: من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

ثم قلت للوزير المغولي: لأي شئ قال عن يزيد وهذا تتري؟

قال: قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب.

قلت بصوت عال: يكذب الذي قال هذا، ومن قال هذا فعليه لعنة الله، والله ما في أهل دمشق نواصب، وما علمت فيهم ناصبياً ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون عليه، لكن كان قديماً - لما كان بنو أمية ولاة البلاد - بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد)

ص: 73