المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ حديث عائشة:

أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا في بيوتكم. فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".

والعجب من الألباني أنه لم يذكر هذا الحديث في كتابه (صلاة التراويح) وهو أقوى دليل للقول الثاني.

فلم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات إلا الفرائض، وصلاة التراويح ليست منها.

وورد هذا الحديث في صلاة رمضان في مسجده صلى الله عليه وسلم فإذا كانت صلاة التراويح في البيت أفضل حتى من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فكيف في مسجد غيره؟ !

ولكن بعد عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صارت صلاة التراويح من شعائر الإسلام، وواظب المسلمون على ذلك، لذا أجمع العلماء على أفضليتها في أدائها في المساجد وذكروا في ذلك الأدلة التالية:

ص: 30

(1)

‌ حديث عائشة:

قالت:" إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسوله الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: "رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان" متفق عليه.

شرح الحديث: في الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة التراويح بالجماعة ولم يمنعه من الاستمرار بالجماعة إلا تخوفه أن تكتب على الأمة.

فإن قيل: كيف كان يفرض عليهم وقد أكمل الله الفرائض ورد الخمسين إلى الخمس؟

أجاب البغوي على هذا السؤال قائلاً:" كانت صلاة الليل واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية كان الإقتداء به فيها واجباًَ، فكان لا يأمن إن هو واظب على الصلاة بهم أن يلزمهم الإقتداء به فيه، فالزيادة من جهة وجوب الإقتداء به. لا من جهة إنشاء فرض مستأنف على أن الإنسان قد يكلف نفسه ما لم يوجبه الشرع ثم تلحقه اللائمة بتركه كما لو نذر صلاة تلزمه وكما أخبر الله سبحانه وتعالى عن فريق من النصارى أنهم ابتدعوا رهبانية لم يكتبها عليهم، ثم قصروا فيها، فلحقتهم اللائمة، فقال سبحانه وتعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فترك العمل" انتهى 1.

.شرح السنة: 4/118 14

ص: 30

ونقل الحافظ عدة أقوال عن العلماء في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم "خشيت أن يفرض عليكم" ونسب هذا القول الذي مر آنفاً إلى الخطابي، وذكر احتمالا آخر عن الخطابي، وهو: أن الله فرض الصلاة خمسين، ثم حط معظمها بشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت مما استعفى لهم نبيُهم صلى الله عليه وسلم منه لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم، ثم قال الحافظ: وتلقي هذين الجوابين من الخطابي جماعة من الشراح، كابن الجَوزي، وهو مبني على أن قيام الليل كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب الإقتداء بأفعاله وفي كل من الأمرين نزاع، ثم نقل الحافظ أقوال العلماء الآخرين فقال:

1-

قال المحب الطبري: " يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه أنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم: فأحب التخفيف عنهم فترك المواظبة".

وقال:"ويحتمل أن يكون ذلك وقع في نفسه كما اتفق في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت".

وقيل: خشي أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب.

والى هذا نحا القرطبي فقال: قوله (فتفرض عليكم) أي تظنونه فرضا فيجب على من ظن ذلك؛ كما إذا ظن المجتهد حل شئ أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به.

قال:"وقيل: كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم إنه إذا واظب على شيء من أعمال البر واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم ".

وعلق على هذا الحافظ فقال:" ولا يخفي بعد هذا الأخير، فقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض ".

2-

قال ابن بطال: " يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته، فخشي إن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوي الله بينه وبينهم في حكمه، لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته في العبادة ".

قال:" ويحتمل أن يكون خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصى من تركها بترك اتباعه صلى الله عليه وسلم ".

3 – وقال الكرماني:" إن حديث الإسراء يدل على أن المراد بقوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَي} الأمن من نقص شيء من الخمس ولم يتعرض للزيادة ".

4-

وقال البعض: " إن اتلزمان كان قابلا للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض وعلق

ص: 31

عليه الحافظ بقوله: (وفيه نظر، لأن قوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَي} خبر، والنسخ لا يدخله على الراجح ".

5-

قال الحافظ: وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة أخرى:

أحدها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطاً في صحة التنفل بالليل، ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت "حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم" فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقاً عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم.

ثانيها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائداً على الخمس،بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها.

ثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة. فقد وقع في حديث الباب أن ذلك كان في رمضان. وفي رواية سفيان بن حسين: "خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر" فعلى هذا يرتفع الأشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدراً زائداً على الخمس.

قال الحافظ: وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة في نظري: الأول. انتهى.

الحديث الثاني: حديث أبي ذر، قال:" شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان فلم يقم في شيء من الشهر حتى كانت ليلة سابعة بقيت فقام بنا إلى نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا ليلة سادسة بقيت، فلما كانت ليلة خامسة بقيت قام بنا إلى نحو من شطر الليل، فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، ثم لم يقم بنا ليلة رابعة بقيت، فلما كان ليلة ثالثة بقيت قام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح قال: السحور. قال: فكان يوقظ في تلك الليلة أهله وبناته ونساءه"1.

1 رواه أصحاب السنن: الترمذي (2/16.) ، وأبو داود (2/1.5) ، والنسائي (3/83) ، وابن ماجة (1/42.) ، كلهم بطرق عن داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر.

قال الترمذي: حسن صحيح.

ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.

ص: 32

شرح الحديث: قوله "لو نفلتنا " أي لو جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر، وهو من التنفيل، وفي النهاية: لو زدتنا من الصلاة النافلة، سميت بها النوافل لأنها زائدة على الفرائض، وتقديره: لو زدت قيام الليل على نصفه لكان خيرا لنا، ولو " للتمني "1.

وقال الشوكاني: المراد هنا لو قمت بنا طول ليلتنا ونفلتنا من الأجر الذي يحصل من ثواب الصلاة، انتهى.

وفي الحديث دليل على مشروعية الجماعة لصلاة التراويح.

الحديث الثالث: حديث أبي هريرة قال:" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: " ما هؤلاء؟ " فقيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي، وهم يصلون بصلاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصابوا، ونعم ما صنعوا " 2.

وروى هذا الحديث أيضاً محمد بن نصر المروزي3.

والمحفوظ في هذا أن عمر بن الخطاب جمع الناس وراء أبي بن كعب كما جزم الحافظ وغيره4.

هذه بعض الأحاديث التي رويت في مشروعية الجماعة في صلاة التراويح.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" فحمل العلماء على صلاة التهجد كما خصصوا من هذا العموم بعض الصلوات التي شرع فيها الجماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وكذلك صلاة التراويح، ولذلك لما أمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من افتراض صلاة التراويح أمر بإقامتها في المسجد جماعة، واستمر هذا العمل منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا فصارت صلاة التراويح في شهر رمضان من شعائر الإسلام، إلا أن من ترك التراويح جماعة في المسجد، وأقامها في البيت لا يذم ولا يلام.

1 انظر: تحفة الأحوذي: 2/521.

2 رواه أبو داود (2/ 1.6)،وقال: ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد ضعيف. انتهى.

قال الذهبي في الكاشف (3/14.) وثّق، وضعفه أبو داود لكثرة غلطه.

وقال الحافظ في التقريب: فقيه صدوق كثير الأوهام.

3 انظر: قيام الليل: (ص 155) ، بطريق خالد بن مسلم ولم يقل فيه شيئا. .

4 انظر: فتح الباري: 4/252.

ص: 33