الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع وجود هذه التصريحات من الأئمة والمحققين؟ ومنهم علماء الحنفية جاء الشيخ يوسف البنوري رحمه الله تعالى الحنفي غاضباً وثائراً على من يقول: إن عدد ركعات التراويح ثمان ورماهم بالسفسطة والعجرفة في القول والبيان والزيغ في المعتقد والبغض مع صلحاء الأمة ثم قال: " ويدفع القول الأول بأنه وإن كان ضعيفاً _أي إبراهيم بن عثمان أبو شيبة _ ولكن يؤيد روايته تعامل الأمة في عهد الفاروق ومن بعده، ويدفع الثاني بالحمل على اختلاف الأحوال كما أشار إليه الحافظ في سياق آخر، وقد يعمل بالضعيف لتقويته بالتعامل وغيره1.
وقال بعد ذلك _ ويبدو أنه متعب جداً لعدم نجاحه في محاولاته الكلامية -: " العشرون لا بد أن يكون لها أصل في المرفوع وإن لم يبلغ إلينا بالإسناد القوي "2.
وهي قاعدة مخترعة تنم عن العجز من الإتيان بالأدلة المعقولة.
دراسة الآثار المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخصوص عدد ركعات صلاة التراويح:
روى الإمام البخاري في صحيحه3 عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال:" خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله ". انتهى.
هذا الحديث الذي ذكره الإمام البخاري معلقاً وقال: عن ابن شهاب وهو في الحقيقة عطف على ما سبق من الإسناد ورواه مالك في موطئه بإسناده نحوه.
شرح بعض الكلمات: (أوزاع) بسكون الواو، بعدها زاي معجمة، أي جماعة متفرقون، وقوله في الحديث: متفرقون: تأكيد لفظي.
(أمثل) أي أفضل كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استنبط من تقرير
1 انظر معارف السنن 5/547.
2 المصدر السابق 5/55. .
3 انظر فتح الباري 4/25. .
النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي، وإن كان كره ذلك لهم، فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم حصل الأمن من ذلك.
(فجمعهم على أبي بن كعب) أي جعله إماماً. قال الحافظ:" كأنه اختاره عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله "، وقد قال عمر:" أقرؤنا أبي ".
(ثم خرجت معه ليلة أخرى) فيه إشارة إلى أن عمر ما كان يصلي مع الجماعة وراء أبي، لأنه يرى أن الصلاة في آخر الليل في البيت أفضل، فإنه قال في آخر الحديث:" والتي تنامون عنها أفضل ".
وقد روى محمد بن نصر من طريق طاوس، عن ابن عباس قال:" كنت عند عمر في المسجد فسمع هيعة الناس فقال: ما هذا؟ قيل: خرجوا من المسجد، وذلك في رمضان فقال: ما بقي من الليل أحب إلي مما مضى ". انتهى.
(الهيعة) قال في النهاية: الصياح والضجة.
(قول عمر: نعم البدعة) وجاء في بعض الروايات: نعمت البدعة. والبدعة أصلها ما أحدث على غبر مثال سابق.
وتطلق في الشرع: في مقابل السنة، وتكون ممنوعة.
قال الحافظ:" والتحقيق في ذلك أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح "1.
وقال الحافظ ابن الأثير: البدعة بدعتان، بدعة هوى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه الله ورسوله فهو في حيز المدح وما لم يكن له مثال موجود كنوع من السجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له ثواباً فقال:" من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها " وقال في ضده:" ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها " وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا النوع قول عمر بن الخطاب:" نعمت البدعة هذه "2.
1 انظر فتح الباري 4/253.
2 انظر النهاية في غريب الحديث: 1 / 1.6.
ونرجع إلى الحديث أصل الموضوع فنقول:
إن الإمام البخاري لم يذكر عدد الركعات التي جمع عليها عمر بن الخطاب وفي هذا إشارة إلى أن الآثار التي وردت في ذكر عدد الركعات لم تصح عنده. أو أنه يرى أن عمر لم تتجاوز على ثماني ركعات فذكر عقب قصة عمر حديث عائشة رضي الله عنها التي تقول:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد على إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا في غيره، يصلي أربعاً فلا تسال عن حسنهن، وطولهن، ثم يصلى أربعاً فلا تسال عن حسنهن، وطولهن، ثم يصلى ثلاثاً ".
لذا وقع الخلاف بين الرواة في ذكر عدد الركعات، وإليكم بعض هذه الآثار:
1-
في موطأ مالك1: عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال:" أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " قال:" وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصيّ من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر ".
وبطريق مالك رواه البيهقي2 وصرح فيه بأن محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد.
ورواه سعيد بن منصور في سننه بوجه آخر عن عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد.
وإسناده صحيح. فإنما محمد بن يوسف الكندي المدني الأعرج ثقة ثبت مات في حدود الأربعين ومائة وهو شيخ مالك واحتج به الشيخان.
والسائب بن يزيد صحابي معروف حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي ثم إن هذا الحديث موافق لحديث عائشة رضي الله عنها وحديث جابر بن عبد الله إلا أن الحافظ ابن عبد البر يقول:" روى غير مالك في هذا الحديث (إحدى وعشرون) وهو الصحيح ولا أعلم أحداً قال فيه إحدى عشرة إلا مالكاً، ويحتمل أن يكون ذلك أولاً ثم خفف عنهم طول القيام ونقلهم إلى إحدى وعشرين إلا أن الأغلب عندي أن قوله: إحدى عشرة وهْمٌ ". انتهى.
ورد الزرقاني بقوله: ولا وهم مع أن الجمع بالإحتمال الذي ذكره قريب، وبه جمع
1الموطأ مع شرحه التنوير 1/1.5
2السنن الكبرى 2/496
البيهقي أيضاً، وقوله إن مالكاً انفرد به ليس كما قال، فقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن محمد بن يوسف مثل قول مالك 1 انتهى.
وقال النيموني في آثار السنن:" ما قاله ابن عبد البر من وهم مالك فغلط جداً لأن مالكاً تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند سعيد بن منصور، ويحيى بن سعيد القطان عند أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه، وكلاهما عن محمد بن يوسف وقالا:" إحدى عشرة ".
وهذه الروايات التي رويت عن عمر بن الخطاب في غاية من الصحة، وفيها ذكر لإحدى عشرة ركعة، لأن عبد العزيز بن محمد الدراوردي من الثقات أيضاً أخرج له أصحاب الستة، ويحيى بن سعيد القطان إمام في الحفظ والضبط والإتقان.
وزاد الألباني في رسالة التراويح2 فقال:" وأيضاً تابع مالكاً إسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد ومحمد بن إسحاق عند النيسابوري وإسماعيل بن جعفر المدني عند ابن خزيمة في حديث ابن حجر كلهم قالوا عن محمد بن يوسف به. انتهى.
2-
أخرج عبد الرزاق في مصنفه3 عن داود بن قيس وغيره، عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب، وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرأون بالمئين وينصرفون عند بزوغ الفجر.
قال الشيخ المباركفوري:" إن عبد الرزاق انفرد برواية إحدى وعشرين ركعة ولم يخرجه أحد غيره فيما أعلم، وعبد الرزاق وإن كان ثقة حافظاً فقد عمي في آخر عمره فتغير كما صرح به الحافظ في التقريب، وأما الإمام مالك فبقي إماماً لدار الهجرة "4.
والمعروف أن الحكم في المختلطين أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الإختلاط ولا يؤخذ حديث من أخذ عنهم بعد الإختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنهم قبل الإختلاط أو بعده، فمسألة عبد الرزاق هي من القسم الثالث وخاصة إذا خالف الثقات.
ثم هذه الرواية مخالفة للحنفية فإنه يستلزم أن يقولوا بأن التراويح ثماني عشرة ركعة، أو أن الوتر ركعة واحدة.
وأما داود بن قيس فهو الصنعاني ذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه الحافظ:" مقبول ".
1شرح الموطأ للزرقاني 1/354
2صلاة التراويح: ص 53.
3المصنف: 4/26. .
4انظر تحفة الأحوذي: 3/527.
3-
وأخرج محمد بن نصر المروزي1، عن السائب بن يزيد بدون الإسناد وفيه ذكر لعشرين ركعة ومثله عند البيهقي 2 بطريق أبي عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه الدنيوري، ثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، أنبأنا عبد الله محمد بن عبد العزيز البغوي، ثنا علي بن الجعد، أنبأنا ابن أبى ذئب، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد..
قال صاحب مرقاة المفاتيح:" أما رواية يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد فهي عند البيهقي بوجهين في أحدهما أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري، وفي الآخر أبو عبد الله الحسين بن فنجويه، ولم أقف على ترجمتهما ولم يعرف حالهما ". انتهى 3.
أقول: أما وجه أبى عثمان عمرو بن عبد الله البصري فلم أجده في السنن الكبرى وأما قوله في أبى عبد الله الحسين بأنه لم يقف على ترجمته فهو صحيح، فإني بعد البحث لم أقف على أكثر ما ذكره الحافظ الذهبي في ترجمة (تمام بن أبى الحسين) اسمه فقط بدون أن يقول عنه شيئاً 4.
وقال الحافظ 5:" روى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عشرين ركعة، وتبعه الشوكاني 6 فقال: رواه مالك في الموطأ والظاهر أنهما قد سهوا في ذلك فإن مالكاً لم يرو رواية يزيد بن خصيفة هذه في الموطأ ".
وقد ذكر النووي حديث يزيد بن خصيفة وعزاه إلى البيهقي وغيره ولم يعزه إلى مالك 7 وهذا لا يمنع أن يروى مالك هذه الرواية في غير الموطأ، بالإضافة إلى ذلك فقد قال الإمام أحمد عن يزيد بن خصيفة: منكر الحديث مع توثيقه له في رواية الأثرم عنه 8.
ومعنى هذا أن يزيد بن خصيفة انفرد برواية هذا الأثر وهو مخالف لما رواه زملاؤه الآخرون فيكون الضعف في روايته من أجل مخالفته فقد قال الحافظ في مقدمة الفتح 9 في ترجمته: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب من أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم. انتهى.
1انظر: قيام الليل: ص 157.
2السن الكبرى: 3/496.
3 2 / 333.
4انظر: تذكرة الحفاظ: 3 / 1.57.
5 انظر. فتح الباري: 4/253.
6انظر، نيل الأوطار:3 / 63.
7انظر: شرح المهذب: 3 / 527.
8انظر: ميزان الاعتدال: 4/43..
9ص 453.
فرواية يزيد بن خصيفة غريبة وشاذة مع صحته كما زعم به النووي1. لأنها تخالف روايات الثقات لأن ابن خصيفة ومحمد بن يوسف كلاهما ثقتان يرويان عن السائب بن يزيد، فالأول يقول في روايته (إحدى وعشرون) والثاني (إحدى عشرة ركعة) ، فيرجح القول الثاني لأنه أوثق من صاحبه، لذا اقتصر الحافظ في وصف يزيد بن خصيفة في التقريب بقوله: " ثقة " بينما قال في وصف محمد بن يوسف "ثقة ثبت " وأيضاً محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد فلأجل قرابته للسائب يكون أعرف الناس في حديث السائب من غيره.
هذه هي خلاصة الخلاف بين يزيد بن خصيفة ومحمد بن يوسف، وقد حمل بعض علماء الحنفية على علماء أهل الحديث فنسبوا إليهم القول بتضعيف يزيد بن خصيفة معتمدين على قول أحمد فرموهم بالجهل والتعصب، والحق أن علماء أهل الحديث لم يضعفوا يزيد بن خصيفة بل رجحوا رواية محمد بن يوسف على روايته للأسباب التي مر ذكرها.
فلم ينجح في محاولة من أراد تقديم حديث يزيد بن خصيفة أو تصحيحه كما يظهر هذا جلياً من قول الشيخ اللكنوي في (الرفع والتكميل) ومنه الدكتور نور الدين عتر في (منهج النقد في علم الحديث) في باب (منكر الحديث) والله الهادي إلى سواء السبيل.
4-
روى مالك في الموطأ2 عن يزيد بن رومان أنه قال:" كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة " إلا أن فيه انقطاعا، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر بن الخطاب فإنه توفي سنة ثلاثين ومائة فلم يلق إلا صغار الصحابة كابن الزبير وأنس وعبيد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر، ولم يذكر الحافظ في (التهذيب) ، ولا السيوطي في (إسعاف المبطأ برجال الموطأ) أنه التقى بعمر بن الخطاب.
وقد نص الزيلعي3 بأنه لم يدرك عمر بن الخطاب وقال العيني4:" سنده منقطع ".
5 -
روى ابن أبي شيبة عن وكيع، عن مالك، عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة 5، ويحيى بن سعيد لم يدرك عمر بن الخطاب فقد قال ابن المديني:" لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس "6.
1شرح المهذب 3/527.
2الموطأ: 1/1.5 مع التنوير
3نصب الراية: 2/154
4انظر عمدة القارئ: 11/126
5المصنف: 2/393
6تهذيب التهذيب: 11/223
6-
وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن عبد العزيز بن رفيع قال:" كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث "1.
وعبد العزيز بن رفيع لم يدرك أبي بن كعب، فإنه توفي سنة (19 هـ) ، أو سنة (33 هـ) ، وعبد العزيز توفي سنة مائة وثلاثين على أنه لم يذكر أي واحد في ترجمته أنه روى عن أبي بن كعب، إنما يروى عن صغار الصحابة وكبار التابعين 2.
7-
وروى محمد بن نصر المروزي في قيام الليل قال: " قال الأعمش: كان ابن مسعود يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث، إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود ".
8-
وروى البيهقي3 عن أبو الحسناء أن علي بن أبى طالب أمر رجلاً أن يصلى بالناس خمس ترويحات، عشرين ركعة. قال البيهقى:" وفي هذا الإسناد ضعف ". انتهى.
أقول: لأن فيه أبا الحسناء وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب 4.
9-
وروى البيهقي من وجه آخر من طريق حماد بن شعيب، عن عطاء بن السائب، عن أبى عبد الرحمن السلمي، عن علي قال:" دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلاً يصلي بالناس عشرين ركعة وكان يوتر بهم "، وفيه حماد بن شعيب ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره5، وقال البخاري:"فيه نظر"6.
وقد ذكرت آثار غير هذه ولكن يظهر من دراستها أنها لا تخلو من ضعف، فإن الآثار الصحيحة عن عمر بن الخطاب تدل على أنه أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس ثمان ركعات وهي موافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما زاد على هذه فهي كلها ضعيفة، أو مقطوعة غير صحيحة.
1.
- وروى أبو داود في سننه عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلى لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته، فكانوا يقولون: ابق أبى7، وبطريقه رواه البيهقي8، وكذا ذكره الزيلعي9 عن أبي داود، بأن أبياً صلى بهم عشرين ليلة.
1المصنف: 2/393.
2راجع ترجمتهما في تهذيب التهذيب. وتهذيب الكمال.
3السنن الكبرى: 2/497.
4 التقريب: 2/412
5انظر الجرح والتعديل: 1/2/142.
6التاريخ الكبير: 2/1/25.
7أبو داود: 2/136باب القنوت في الوتر.
8 السنن الكبرى: 2/498.
9أنظر نصب الراية: 2/126.
ثم تعمد بعض من لا أمانة له ولا ديانة، فأثبت في حاشية بعض نسخ أبي داود المطبوعة في الديار الهندية بأنه توجد في نسخ أخرى: عشرين ركعة بدلاً من عشرين ليلة، وظهر ذلك أول مرة في حاشية الشيخ محمود الحسن على سنن أبي داود وهو إمام الحنفيين في جامعة دار العلوم بديوبند، ثم جاءت خطوة أخرى فأثبتوا في المتن (عشرين ركعة) وقالوا في الحاشية "وفي نسخة عشرين ليلة" وذلك في شرح فخر الحسن على سنن أبي داود.
وأمامي الآن نسخة بذل المجهود المطبوعة في لبنان على طبع الهندية، وفي هامشها " في نسخة بدله ركعة "، كذا في نسخة مقروءة على الشيخ مولانا محمد إسحاق رحمه الله تعالى 1.
ثم هذا السند الذي ساقه أبو داود فيه انقطاع لأن الحسن البصري لم يدرك عمر بن الخطاب فإنه ولد في سنة إحدى وعشرين، ومات عمر في أواخر سنة ثلاث وعشرين أو في أوائل المحرم سنة أربع وعشرين.
11-
وعند مالك رواية أخرى عن داود بن الحصين أنه سمع لأعرج يقول:" ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال: وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف ".
قال ابن عبد البر:" أدرك الأعرج جماعة من الصحابة وكبار التابعين ".
وأما داود بن الحصين فهو أبو سليمان المدني الأموي مولاهم، وثقه ابن معين، وضعفه أبو حاتم وقال:" لولا أن مالكاً روى عنه لترك حديثه "2.
قال الحافظ بعد ذكر هذه الروايات وغيرها:" قال ابن إسحاق: وهذا أثبت ما سمعت في ذلك (يعني به رواية محمد بن يوسف، عن جده السائب بن يزيد قال: كنا نصلي زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة) وهو موافق لحديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل "3.
وهذا الذي نرجحه لأنه يوافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم. والمسألة فيها خيار، كما قال الإمام الشافعي:" رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق "، وعنه قال: إن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن، والأول أحب إليّ ".
1انظر بذل المجهود في حل أبي داود: 7/252.
2انظر الجرح والتعديل: 1/2/4.9.
3انظر فتح الباري: 4/254.
القول الثالث: وهو قول الإمام مالك بأن صلاة التراويح ست وثلاثون ركعة.
وجد أهل المدينة على ذلك: وقيل: ثمان وثلاثون، فقد روى محمد بن نصر المروزي، عن ابن أيمن، عن مالك هكذا، وقال مالك:" وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة "، ثم يقول مالك:" وليس في شيء من ذلك ضيق ".
فكان يرى أن الأمر موكول إلى المصلي فهو يختار العدد المناسب حسب نشاطه، وقد قال الترمذي في سننه:" أكثر ما قيل أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة "- يعني بالوتر-.
ولكن نقل ابن عبد البر: عن الأسود بن يزيد:" تصلى أربعين ويوتر بسبع ".
وسبب اختيار أهل المدينة ستاً وثلاثين ركعة أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافاً ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا ست عشرة ركعة فصار المجموع ستاً وثلاثين ركعة. ذكره النووي 1 وغيره. والحمد لله رب العالمين.
المنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار.
والمنتقل من معصية إلى معصية، كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل.
(ابن تيمية)
المعاصي سبب المصائب، والطاعة سبب النعمة، وإحسان العمل سبب لإِحسان الله.
(ابن تيمية)
1 انظر: شرح المهذب: 3/527.