المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - الاستيطان ببناء معتاد - صلاة الجمعة

[سعيد بن وهف القحطاني]

الفصل: ‌6 - الاستيطان ببناء معتاد

5 -

وأما الحرية؛ فلحديث طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)) (1).وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن الجمعة حق واجب)) (2).

‌6 - الاستيطان ببناء معتاد

، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:((كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب، لا يظعنون عنه شتاءً ولا صيفاً، تقام فيه الجمعة إذا كان مبنياً بما جرت به عادتهم: من مدر (3) وخشب، أو قصب،

(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الجمعة للمملوك والمرأة، برقم 1067، قال أبو داود: طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً. وصحح الحديث العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 294، ورواه الحاكم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، 1/ 288، وقال:((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين))، ووافقه الذهبي. وسمعت شيخنا ابن باز يقول:((لمرسل مرسل صحابي وقد ذكر غير واحد إجماع أهل العلم على قبول مرسل الصحابي، وقد صرح بالسماع عن أبي موسى الأشعري فزال ما يخشى، وإن صلى هؤلاء الأربعة أجزأتهم)) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 494.

(2)

سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 494.

(3)

مدر: الطين اليابس. القاموس المحيط، فصل الميم، باب الراء، ص609.

ص: 14

أو جريد، أو سعف، أو غير ذلك؛ فإن أجزأ البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك، إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين، ليسوا كأهل الخيام، والحلل الذين يتتبعون في الغالب مواقع القطر، ويتنقلون في البقاع، وينقلون بيوتهم معهم، إذا انتقلوا، وهذا مذهب جمهور العلماء

وقال الإمام أحمد: ليس على البادية جمعة؛ لأنهم ينتقلون، فعلَّل سقوطها بالانتقال، فكل من كان مستوطناً لا ينتقل باختياره فهو من أهل القرى)) (1).والمسافر لا جمعة عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسافر أسفاراً كثيرة: قد اعتمر ثلاث عمر سوى عمرة حجته، وحج حجة الوداع، ومعه ألوف مؤلفة، وغزا أكثر من عشرين غزوة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيداً، بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع

(1) فتاوى ابن تيمية 24/ 166، 169، وقال ابن تيمية رحمه الله: ((وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء: كالخيام وبيوت الشعر ونحوها، وهو أحد قولي الشافعي، وحكاه الأزجي رواية عن أحمد

)) وقال أبو العباس ابن تيمية في موضع آخر: ((يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل القرية)) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص119،وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 203.

ص: 15

أسفاره، ويوم الجمعة يصلي ركعتين كسائر الأيام، وكان يوم عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة، وصلى ظهراً، ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه:((أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس، ثم بعد الخطبة أذَّن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر)) (1).وهذا نص واضح صريح صحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ الجمعة، وإنما صلى ظهراً (2) هذا هو الحق الذي لا شك فيه (3).

(1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218.

(2)

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/ 178 - 179 بتصرف يسير، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/ 13، والشرح الكبير، 5/ 169.

(3)

وحكي عن الزهري، والنخعي، أن صلاة الجمعة تجب على المسافر؛ لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى، والصواب ما تقدم. انظر: الشرح الكبير، 5/ 169، والمغني لابن قدامة، 3/ 216، لكن إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ولم يرد استيطاناً لبلد: كطالب العلم، أو التاجر الذي يقيم ليبيع متاعه، أو مشتري شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة ففيه وجهان عند الحنابلة:

الوجه الأول: تلزمه الجمعة لعموم الآية، ودلالة الأخبار؛ فإن الأخبار جاءت بوجوب الجمعة إلا على خمسة: المريض، والمسافر، والمرأة، والصبي، والمملوك، وليس المسافر المقيم إقامة تمنع القصر من هؤلاء الخمسة.

الوجه الثاني: لا تجب عليه؛ لأنه ليس بمستوطن، والاستيطان من شروط الوجوب؛ ولأنه لم ينوِ الإقامة في هذا البلد على الدوام، فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفاً ويظعنون عنها شتاء. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 218، والشرح الكبير، المطبوع مع المقنع والإنصاف، 5/ 170.

والصواب أن المسافر الذي أقام إقامة تمنع القصر ولم ينو الاستيطان أن وجوب صلاة الجمعة عليه فيه تفصيل:

أ - إذا أقام المسافرون إقامة تمنع القصر في مكان لا تقام فيه صلاة الجمعة فلا تجب عليهم صلاة الجمعة؛ لأنهم أشبه بالمسافرين وسكان البادية، والجمعة إنما تجب على المستوطنين.

ب - إذا أقاموا في مكان تقام فيه صلاة الجمعة من المسلمين المستوطنين فالمشروع أن يصلوا معهم؛ لأن الجمعة تلزمهم بغيرهم، ورجحه المرداوي في الإنصاف قال:((فالصحيح من المذهب أن الصلاة تلزمه بغيره)) الإنصاف، 5/ 170، وهذا ما أفتى به شيخنا ابن باز أهل الغربة في مجموع الفتاوى، 12/ 376 - 377، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 218، والشرح الكبير، 5/ 170، والشرح الممتع لابن عثيمين،

5/ 25، وحاشية ابن قاسم مع الروض المربع، 2/ 426.

ص: 16