المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[نشأة اللغة] (1) اشتهر قديمًا وحديثًا القول بأن منشأ اللغة كان حكاية - طرائف في العربية - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢٠

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ ‌[نشأة اللغة] (1) اشتهر قديمًا وحديثًا القول بأن منشأ اللغة كان حكاية

[نشأة اللغة]

(1)

اشتهر قديمًا وحديثًا القول بأن منشأ اللغة كان حكاية الأصوات المسموعة

(2)

، وذكروا من ذلك:«دقَّ، وقطَّ، وأنَّ، وحنَّ، وصرَّ» ، ولهذا حظ من الوجاهة.

أما إذا قلنا: إن اللغة من وضع البشر، فظاهر

(3)

.

وأمَّا على القول بأنها من تعليم الله ــ عز وجل ــ لآدم

(4)

، فالحكمة اقتضت تلك المناسبة.

(1)

هذا العنوان من وضعي، بخلاف العناوين الآتية، فإنها من وضع المؤلف.

(2)

أول من قال: إن أصل وضع اللغة كلها من الأصوات المسموعة كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء

هو عباد بن سليمان الصيمري، ت (250 هـ)، واستحسن هذا الرأي ابن جني في الخصائص، والجمهور على أن المناسبة بين اللفظ والمعنى موجودة في الكلمة غالبًا، وليست شرطًا في وضعها العربي.

وانظر تفصيل هذه المسألة في فيض نشر الانشراح للطيب الفاسي (1/ 251 - 269)، والمزهر (1/ 47)، وإرشاد الفحول (1/ 99)، والخصائص (1/ 46).

(3)

ذهب أبو هاشم الجبائي المعتزلي إلى أن الواضع للغة هو البشر، وتبعه على هذا المعتزلة. راجع إرشاد الفحول (1/ 98)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (12/ 447)، وفيض نشر الانشراح (1/ 250).

(4)

وهو قول أبي بكر عبد العزيز، والشيخ أبي محمد المقدسي، وأبي الحسن الأشعري، وابن فورك، وجماعة كبيرة من أهل العلم. والمسألة فيها خلاف عريض، يصل إلى ستة أقوال. انظر: إرشاد الفحول (1/ 98)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (12/ 446)، وتاج العروس (1/ 5).

ص: 130

والمهم أن حكاية الأصوات لا تفسر لنا إلا جزءًا ضئيلًا جدًّا من اللغة.

وذكر أئمة العربية

(1)

وجهًا آخر وهو المناسبة بين الألفاظ والمعاني من جهة اختلاف صفات الحروف وترتيبها وحركاتها، ذكر ابن جنى في الخصائص طائفةً من ذلك

(2)

.

وهذا أيضًا وجيه، ولكنه لا يفي إلا بجزء ضئيل أيضًا، وقد خطر لي وجه ثالث ــ لم أر من تعرض له ــ وهو الإشارة.

لا ريب أننا إذا تصورنا أناسًا لا يعرفون لغةً علمنا أنهم يحاولون التفاهم بالإشارة مع التصويت، كما نشاهده من البكم. وكما تكون الإشارة باليد فكذلك تكون بالرأس

(3)

، وقد تكون باللسان، وحريٌّ بأولئك الأناس إذا خطر لهم أنه يمكنهم توزيع الأصوات على الأشياء، حتى يكون لكل شيءٍ

(1)

كسيبويه، والخليل، كما في الكتاب (4/ 14)، وابن قتيبة في أدب الكاتب (ص 200)، في باب الأسماء المتقاربة في اللفظ والمعنى، وابن جني في الخصائص (2/ 152)، وابن القيم في عدة مواضع من كتابه بدائع الفوائد (1/ 89)(2/ 384)، وجلاء الأفهام (ص 67).

(2)

على سبيل المثال: «الخضم لأكل الرطب، والقضم للصلب اليابس، والنضح للماء ونحوه، والنصخ أقوى من النضح، ومن ذلك القد طولاً، والقط عرضًا، ومن ذلك قرت، وقرد، وقرط .. إلى غير ذلك من الأمثلة التي أوردها ابن جني في الخصائص (2/ 157)، وانظر أيضًا: أدب الكاتب لابن قتيبة (ص 200).

(3)

راجع: لسان العرب (4/ 436)، والقاموس (ص 421)، وفي كتاب العلم من صحيح البخاري، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس. وذكر حديث عائشة: «

فأشارت برأسها، أي: نعم

الحديث».

ص: 131

صوت خاص أن يحاولوا ربط الطريقة التي عرفوها وهي الإشارة بالتصويت، وإنما يكون هذا بتحري الإشارة باللسان والشفتين ويتفقدون الصوت الذي يوافق تلك الإشارة.

فمن ذلك اسم الإشارة «ذا»

(1)

إذا حاول الإنسان أن يشير بلسانه وجد أنه لا يسهل عليه التصويت إلا إذا عض على لسانه ثم صوَّت رافعًا أسنانه عن لسانه، فحينئذ يخرج إما صوت الذال، وإما صوت الظاء، وإما صوت الثاء، فاختاروا الذال؛ لأن الصوت بها أرفع، وحركوها لامتناع الابتداء بالساكن، ثم وجدوا إلى أنهم يحتاجون إلى الفرق بين الذَّكَر والأنثى، ففزعوا إلى الإشارة المعنوية، والذَّكَر عندهم عالٍ والأنثى بخلافه فقالوا في الذكر: ذا، وفي الأنثى: ذي

(2)

.

ومن ذلك ضمير المتكلم حاولوا الإشارة باللسان إلى النفس، وإنما يحصل ذلك بعطف اللسان إلى باطن الفم، والصوت الذي يسهل خروجه حينئذ هو النون ورأوا أن يقدموا قبله صوتًا ينبه السامع إلى الإشارة، وأسهل

(1)

اعلم أن السهيلي قد سبق المؤلف إلى طرق هذا الباب، فقد قرر ما ضمنه المعلمي هنا، وزاد عليه بذكر مسائل تتعلق باسم الإشارة، ثم جاء بعده ابن القيم، واستفاد من هذا المبحث، وأورده في كتابه بدائع الفوائد (1/ 149)، وانظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 177).

(2)

هذا الرأي الذي أبداه المؤلف رحمه الله في اسم الإشارة له حظٌّ قويٌّ من النظر، ولكن يبقى أن يقال: إن العرب أشارت للمذكر بـ «ذاءِ» ممدودًا بهمزة مكسورة، و «ذائِهِ» بهمزة بعدها هاءٌ مكسورة ــ كما في ارتشارف الضرب (2/ 974) ــ، وقالوا أيضًا في الأنثى:«تا، وذاتُ» بالضم. فبِمَ يجاب عن هذا؟ !

ص: 132

الأصوات الهمزةُ المفتوحةُ، وفتحوا النون أيضًا ليرتفع الصوت بالنون شيئَا فقالوا:«أنَ»

(1)

،

ويمكن التطرق إلى بقية الضمائر. «أنتَ ــ أنتِ ــ أنتُم» وليس من الصعب توجيه ذلك

(2)

.

ومن ذلك اسم «الماء» فإنَّ الماء يُشْرب بالامتصاص، وأقرب إشارة إلى المصِّ بأعضاء الفم أن تجتذب شفتيك إلى داخل الفم، وإذا فعلت ثم حاولت فتح الفم قليلاً لإخراج صوتٍ كان أقرب الأصوات «ما»

(3)

، وقد

(1)

للعرب في «أنا» لغاتٌ، أجودها: أن تحذف الألف عند الوصل، وتثبت عند الوقف، والثانية: أن تثبت الألف وقفًا ووصلاً. والثالثة: بوزن «مَنْ» . والرابعة: بمد الألف الأولى «آنَ» . والخامسة: بقلب الهمزة هاءً «هَنَا» . وزاد بعضهم «أنهْ» بهاء السكت.

انظر: اللسان (13/ 37)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 140).

(2)

يقال ــ على ما قرره المؤلف ــ: إن أصل الضمير في القول الراجح الهمزة والنون، ثم لما أرادوا خطاب المذكر حاولوا الإشارة إليه باللسان، فوجدوا أيسر الحروف لأداء هذا المعنى هو التاء، ثم ناسب أن يفتحوها لأن المخاطب مذكر، وهو عالٍ، فجعلوا الأعلى للأعلى، ولأن فتح التاء يجعل اللسان يتقدم نحو خارج الفم مما يؤدي إلى تقوية الإشارة إلى المخاطب باللسان. وكذا يقال في ضمير المخاطبة «أنتِ» سوى أنهم جعلوا الأسفل ــ وهو الكسر ــ للأسفل ــ وهو المؤنث ــ.

وأما «أنتم» فالكلام فيه كالكلام في مفرده، إلا أنهم لما أرادوا الإشارة باللسان إلى جمع المخاطبين أتوا بحرف «الميم» الذي يدل على الجمع، ومخرجها يقتضي هذا ــ كما قرره ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 67) ــ ويمكن أيضًا أن يقال في ضمير الرفع المتكلم المتصل الذي في نحو «ضربتُ» إنهم خصوه بالضم؛ لكون اللسان يرجع إلى الباطن مما يشعر أن المتحدث يشير إلى ذاته وشخصه بلسانه من داخل.

(3)

لذلك كان بعض العرب يقصر لفظ «الماء» ، فيقول:«اسقني ما» ، كما جاء في لسان العرب (13/ 543).

وههنا لطيفة تناسب المقام، وهي: أن العرب تُشبّه صوت الظبي بلفظ الماء، قال أبو علي القالي في المقصور والممدود (ص 315): «والماء: حكاية صوت الظبي، قال ذو الرمة:

لا يرفع الطرفَ إلا ما تخوَّنه

داعٍ يناديه باسم الماء مبغومُ

ومثله قوله أيضًا:

ونادى بها ماءٍ إذا ثار ثورة

أُصَيْبحُ قوَّامٌ يقومُ فَيَخْرِقُ

وقال لي أبو المياس: الماء المشروب مفخم، والماء حكاية صوت الظبي ممال». اه.

ص: 133

تكون كلمة «مص» مأخوذةً من هذه الميم مع حكاية صوت الامتصاص، فإنه يقرب من حرف الصاد

(1)

.

ومن ذلك كلمة «بلع» فإن هذا الترتيب عنَّ

(2)

له الإشارة، أي البلع، ألا ترى أن الباء شفوية، واللام متوسطة، والعين حلقية، وهكذا [

]

(3)

المبدوء بالشفة فوسط الفم فالحلق.

وعكسها

(4)

كلمة «لفظ» و «نفث» ابتدأت كل منهما بحرف متوسط فحرف شفوي فحرفٍ يبرز معه اللسان، ولا يخفى إذا تأملت وجدت النون

(1)

قد كانت العرب تدرك هذا الأمر، فتجدهم يعبرون مثلاً بالشِّيب عن صوت الإبل في شربها الماء، قال الزبيدي في التاج (1/ 329): «(و) الشيب أيضًا (حكاية أصوات مشافر الإبل) عند الشرب. قال ذو الرمة، ووصف إبلاً تشرب في حوض متثلم، وأصوات مشافرها شِيبْ شِيبْ:

تداعين باسم الشيب في متثلم

جوانبه من بصرةٍ وسِلامِ». اهـ.

(2)

أي: حصل وعرض له.

(3)

الكلمة غير واضحة، ولعلها:«البلوغ» .

(4)

أي: عكس كلمة «بلع» في الترتيب والإشارة.

ص: 134

والثاء [

]

(1)

معنى النفث، واللام والظاء أنسب بمعنى اللفظ، وقريب منهما كلمة «نبذ» ؛ ذلك أن الإشارة معنوية.

ومن الحسية

(2)

كلمة «ذوق» ، فإن عادة من يتذوق شيئًا أن يضع قليلاً منه على لسانه، ثم يديره في فيه، ويغلب أن يصل به إلى الحلق.

ومن المعنوية كلمة «قرب» تبدأ من أقصى الحلق ثم تتوسط ثم تصل إلى أقرب ما يلي [

]

(3)

وهو الشفة.

أما «بلغ» فالإشارة فيه معنوية، ومنه «مضغ» .

هذا ما حضرني

(4)

، فإذا ضممت هذه الطريقة مع التوسع في الإشارة

(1)

كلمتان غير واضحتين، ولعلهما:«أنسب ببيان» .

(2)

أي: ومن الإشارة التي تدرك بالحسّ.

(3)

هنا كلمة لم تتضح لي.

(4)

إن الأمثلة التي ذكرها في قوله: «ومن ذلك كلمة بلع

إلخ»، وما قرره من مناسبة دلالات الكلمات لمدلولاتها، يشبه ما بينه ابن جني في الخصائص شبهًا قريبًا، إلا أن ابن جني لم يتعرض للإشارة المعنوية أو الحسية باللسان، وهاك كلامه حيث قال في (2/ 162): «

نعم، ومن وراء هذا ما اللطف فيه أظهر، والحكمة أعلى وأصنع، وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها، وتقديم ما يضاهي أول الحدث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقًا للحروف على سمت المعنى المقصود، والغرض المطلوب، وذلك قولهم: بحث، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض، والحاء لصحلها تشبه مخالب الأسد، وبراثن الذئب، ونحوهما إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث، والبث للتراب

ومن ذلك قولهم: شد الحبل ونحوه، فالشين بما فيها من التفشي تشبه بالصوت أول انجذاب الحبل قبل استحكام العقد، ثم يليه إحكام الشد والجذب، وتأريب العقد، فيعبر عنه بالدال التي هي أقوى من الشين، لاسيما وهي مدغمه، فهو أقوى لصنعتها، وأدل على المعنى الذي أريد بها .. » إلخ. اهـ باختصار.

ص: 135

المعنوية وإلى ما ذكروه من حكاية الأصوات، وإلى ما ذكره ابن جني

(1)

، وغيره

(2)

من صفات الحروف شدة ورخاوة وغير ذلك كثر عدد الكلمات التي يمكن تطبيقها.

ومن الواضح أنه يكفي الواضعَ لتعيين اللفظ أدنى مناسبة تحضره.

ففي باب التذكير والتأنيث ناسب أن يُذكِّروا عضْوَ التذكير من الرَّجُل، وبالنظر إليه مع البيضتين يتخيل رجل له امرأتان؛ فأنثوا اسمهما ثم اعتبروا ذلك كالأصل وهي تذكير ما كان فردًا من الأعضاء وتأنيث ما كان زوجًا، هذا الغالب وربما خالفوا لمناسبةٍ أخرى

(3)

.

ومن الصعب أن نعرف من المناسبات التي حضرتهم إلا القليل، وهذه أسماء الناس مختلفة جدًّا، وكثيرًا ما يخفى على الإنسان نَفْسِه لماذا اختار له

(1)

في الخصائص (2/ 157).

(2)

كابن القيم في كتابه جلاء الأفهام (ص 67)، والسيوطي في الاقتراح (ص 27) نقلاً عن ابن جني، ومحمد صديق حسن خان في العلم الخفاق (ص 162)، وغيرهم.

(3)

من المزدوج المذكر: «الحاجب، والصدغ، والخد، والمرفق، والزند، والكوع وغيرها» ، ومن الأعضاء المؤنثة وهي غير مزدوجة:«الكبد، والكرش» ، ومن الأعضاء التي يجوز فيها التذكير والتأنيث:«الإبط، والعنق، واللسان، والقفا» .

انظر: شرح الأشموني مع حاشية الصبان (4/ 95)، والتصريح للأزهري (2/ 287)، وحاشية الخضري (2/ 223).

ص: 136

أبواه الاسم الذي سمياه به؟

(1)

.

(1)

راجع: الخصائص لابن جني (1/ 48، 184، 237).

وجاء في كتاب الأضداد للأنباري (ص 7) ما ملخصه: «وقال ــ أي ابن الأعرابي ــ: الأسماء كلها لعلةٍ، خصت العرب ما خصت منها، من العلل ما نعلمه، ومنها ما نجهله. وقال أبو بكر ــ أي الأنباري ــ: يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت مكة لجذب الناس إليها، والبصرة سميت البصرة للحجارة البيض الرخوة بها،

والإنسان سمي إنسانًا لنسيانه

ثم قال: فإن قال لنا قائل: لأي علة سمي الرجل رجلاً، والمرأة امرأةً، والموصِل الموصل، ودعد دعدًا؟ ! قلنا: لعللٍ علمتها العرب وجهلناها، أو بعضها، فلم تَزُل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة، وصعوبة الاستخراج علينا» اهـ المقصود منه.

ص: 137