الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنُّور
علاقة التنور بالنار لا تخفى، وقد روي بسند ضعيف عن علي ــ رضي الله عنه ــ أنه فسر التنور في قصة نوحٍ ــ عليه السلام ــ: بتنوير الصبح
(1)
.
وهذا على ضَعْفِه يجعل للتنور علاقة بالنور
(2)
.
والنار والنور من مادة واحدة هي مادة «ن ور» والتاء من حروف الزيادة، والزيادة بالتضعيف فاشية في العربية، لكن صيغة «تَفُّعْل» مفقودة في اللغة.
لهذا صار الجمهور إلى أن التاء أصلية وأن الواو زائدة، وأنه من مادة
(1)
أخرجه الطبري في تفسيره (12/ 24)، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 2028) بسندهما من حديث محمد بن فضيل بن غزوان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد مولى أبي جحيفة عن أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ
…
} قال: «هو تنوير الصبح» .
وهذا الأثر في سنده عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، ضعفه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وأبو حاتم وجمع من الأئمة، كما في التهذيب لابن حجر (2/ 486)، وفيه أيضًا زياد بن زيد الأعسم، قال عنه أبو حاتم: هو مجهول. كما في الجرح والتعديل (3/ 532).
(2)
هذا القول وما سبق من قوله: «علاقة التنور بالنار لا تخفى
…
» اعترض عليه بعضُهم، ففي تاج العروس (3/ 70) قال:«قال شيخنا ــ يعني الفاسي ــ: وأما ما ذكروه من كون التنور من نار أو نور، وأن التاء زائدة، فهو باطل، وقد أوضح بيان غلطه ابن عصفور في كتابه الممتع، وغيره، وجزم بغلطه الجماهير» اهـ.
وانظر أيضًا: كلام ابن سيده في اللسان (4/ 95)، ولكن هذا الاعتراض لا يرد على ما اختاره المؤلف في تصريف «التنور» ، فتأمل.
«ت ن ر» ووزنه «فَعُّول»
(1)
، أو «فَنْعُول»
(2)
.
وأُورِدَ عليهم أمور:
الأول: إهمال المناسبة الصريحة
(3)
.
الثاني: أن مادة «ت ن ر» ليس لها شاهد آخر
(4)
.
الثالث: أنه قلما يقع في العربية نون يعقبها راء، بل قد لا يتحقق شيء من ذلك إذا كان النونُ عينَ الكلمة، والراءُ لامَها
(5)
.
(1)
قاله الأزهري في التهذيب (14/ 270)، وأبو علي الفارسي، كما نقله عنه غير واحد، منهم السمين الحلبي في الدر (4/ 98)، وانظر كذلك الخصائص (3/ 285).
(2)
هذا الوزن أجازه ابن جني في الخصائص (3/ 285).
(3)
أي: المناسبة بين «التنور» والأصل المشتق منه، وهو «تنر» عند الجمهور؛ لأن المناسبة في المعنى شرط من شروط الاشتقاق، كما في العَلَم الخفاق (ص 77).
(4)
قال الأزهري في التهذيب (14/ 270) في معرض كلامه على لفظة «التنور» : «
…
والدليل على ذلك أن أصل بنائه تَنَرَ، ولا يعرف في كلام العرب؛ لأنه مهملٌ
…
».
وقال ابن جني في الخصائص (3/ 285): «وإنما تنور من لفظ «ت ن ر» وهو أصلٌ لم يستعمل إلا في هذا الحرف، وبالزيادة كما ترى
…
»
(5)
هذه القاعدة قد أخذ بها جماعة من أئمة اللغة والاشتقاق، وجعلها بعضهم علامة يستدل بها على عجمة اللفظة، كما في مقدمة المعرب للجواليقي (ص 11)، وكذا قاله الخفاجي في شفاء الغليل، وقد قال سيبويه ــ فيما نقله عنه الجواليقي (ص 172) ــ:«ليس في كلام العرب نون ساكنة بعدها راء، مثل «قَنْر» ، ولا «زَنْر» ». اهـ.
وكذا ابن دريد كما في الجمهرة (2/ 327)، وأيضًا ابن فارس في المقاييس، انظر (3/ 28)، (5/ 414)، والسيوطي في الاقتراح، انظر الفيض (1/ 390).
وأما صاحب القاموس؛ فإنه اضطرب، تارةً ينفي مطلقًا، كما في (2/ 301)، وتارةً يجعله قليلاً، كما في (2/ 168).
ومن خلال التأمل في نصوص العلماء يظهر أن هذه القاعدة أكثرية، لا لازمة؛ لأني قد وقفت على بضع عشرة كلمة اجتمع فيها الراء والنون، وفي بعضها تقع النون عين الكلمة، والراء لامها، وهذه الكلمات ربما وقع فيها اختلاف أو انفرد بنقلها بعض الأئمة، أو حصل فيها تصحيف، وهذا في بعضها، لا جميعها، وثمت أمرٌ آخر، وهو أن بعض الأئمة الذين قرروا تلك القاعدة لم يلتزموا بها، بل أوردوا كلمات تخالف القاعدة، كما جرى لابن فارس في المقاييس، في مادة «قنر» ، وانظر أيضًا (3/ 38) منه.
وسأذكر الكلمات ــ دون معانيها ــ حتى لا أطيل، والمعاني تلتمس من مظانها، وهي كما يلي:«خنر، زنر، سنر، شنر، قنر، نرب، نرد، نرز، نرس، نرش، هنر، ونر» .
هذا ما وقفت عليه، وربما كانت هنالك كلمات تضاف إليها. والله أعلم.
وقد نقلوا
(1)
عن الإمام أحمد بن يحيى المدعو بـ «ثعلب» أنه قال: وزنه «تَفْعول» من مادة «ن ور» .
وأنكروا عليه
(2)
؛ لأنه لو كان كذلك لكان «تَنْوُور» ، وما قد يُتخيَّل من إبدال الواو نونًا لا يعرف في العربية إلا شاذًّا في النسب قالوا: «صنعاني
(1)
ممن نقله عنه ابن جني في الخصائص (3/ 285)، وأبو حيان في البحر (5/ 199)، وانظر لسان العرب (4/ 95).
(2)
ممن أنكره عليه ابن جني، حتى عده من سقطات العلماء، كما في الخصائص (3/ 285)، وكذا ابن سيده في المحكم كما نقله ابن منظور في اللسان (4/ 95)، وأنكره الفاسي شيخ الزبيدي كما في التاج (3/ 70)، وأيضًا ابن عصفور في مقدمة كتاب الممتع.
ــ وبهراني، والأصل صنعاوي ــ وبهراوي»
(1)
.
ولِمَا تقدَّم ذهب جماعة إلى أن الكلمة أعجمية استعملتها العرب، وليست من أصل لغتها
(2)
.
وهذا لا يدفع قضيةَ المناسبة الصارفة
(3)
.
وقد خطر لي وجه أسلمُ من جميع ما تقدم، وهو أن يقال: أصل وزنه «فَعُّول» من مادة «ن ور» ، لكن وقع في حروفه قلب ــ أي: تقديم وتأخير ــ فجُعِلت العينُ موضعَ الفاء؛ فصار «وَنُّور» بوزن «عَفُّول» ثم أبدل من الواو تاءً
(4)
.
(1)
صنعاء: بلد معروف. وبهراء: قبيلة من قضاعة.
وهل أبدلت الهمزة نونًا، أو واوًا، ثم قلبت الواو نونًا؟ فيه خلاف بينهم. انظر بسطه في شرح الشافية للرضي (2/ 58)، (3/ 218)، وشرح الملوكي لابن يعيش (ص 285).
(2)
ذهب إلى هذا المذهب الليث، والأزهري كما في التهذيب (14/ 296)، وابن دريد في الجمهرة (3/ 502)، وابن قتيبة في أدب الكاتب (ص 496)، والجواليقي في المعرب (ص 84)، والخفاجي في شفاء الغليل (ص 103)، وكذا نقل عن أبي حاتم كما في الفائق (1/ 155)، والمصباح (ص 77).
(3)
انظر كلام ابن جني في الخصائص (3/ 285، 286).
(4)
هذا الوجه الذي رآه المؤلف قد سبقه إليه أبو الفتح محمد بن جعفر الهمذاني المعروف بابن المراغي، المتوفى سنة (371 هـ أو 376 هـ)، فقد نقل عنه الزمخشري في الفائق (1/ 156)، وكذا أبو موسى المديني في المجموع المغيث (1/ 244) أنه قال: كان الأصل فيه نوُّور، فاجتمع واوان وضمة وتشديد، فاستثقل ذلك، فقلبوا عين الفعل إلى فائه، فصار ونُّور، فأبدلوا من الواو تاءً، كقولهم: تَوْلَج في وَوْلج».
زاد المديني: ــ ولعله من كلامه ــ: «أي: هو من النار والنور» .
أما القلب بالتقديم والتأخير فكثير في كلامهم مثل: «جَبَذَ» أصله «جَذَبَ»
(1)
، ومثل:«صَواقع» أصله «صَواعق» ، و «جَاهٌ» أصله «وَجْهٌ»
(2)
، و «أيِسَ» أصل «يَئِسَ»
(3)
.
والداعي للقلب هنا
(4)
الثقل باجتماع ثلاث واوات.
وأما إبدال الواو المفتوحة أول الكلمة تاءً، فقد سمع في «تقوى» ، و «تَتْرى» ، و «تولج»
(5)
، وغيرهما
(6)
.
بَقِيَ أن يقال: إذا قُدّمت عينُ «نوُّور» صار «ونْوور» لا «ونُّور» .
(1)
هذا على ما رآه أبو عبيد، والجوهري في الصحاح، وابن فارس في المقاييس (1/ 501) وغيرهم، وأنكر القلب ابن جني في الخصائص (2/ 69، 439)، وتابعه ابن سيده في المحكم (7/ 256)، ونقل كلامه، وكذا المجد، وانظر تاج العروس (2/ 555).
(2)
هو قول الفراء، وأبي علي الفارسي، وابن جني كما في الخصائص (2/ 76)، وكذا ابن فارس في المقاييس (6/ 89)، وجماعة من أئمة اللغة، وخالف في هذا اللحياني كما في المحكم (4/ 286).
(3)
انظر: لسان العرب (6/ 19)، والتاج (4/ 103).
(4)
أي: في «نوُّور» .
(5)
أما «تقوى» فأصلها «وَقْوَى» ، و «تَتْرى» أصلها «وَتْرى» من المواترة، وأما «تَوْلج» وهو كناس الوحش، فأصله «وَوْلج» من الولوج، وهذا الإبدال قليلٌ وسماعيٌّ، وهو كما قال ابن سيده: «وليس هذا البدل قياسًا، إنما هو في أشياء معلومة
…
» اهـ.
وانظر: شرح الشافية للرضي (3/ 80، 81، 219، 220).
(6)
هكذا بالأصل؛ لأن لفظة «تترى» كانت غير مضافة، ثم ذكرها في الهامش.
قلت: قد قالوا: «اكْرهَفَّ»
(1)
، وأصله «اكْفَهرَّ» ، وقالوا: أسير مُكَلَّبٌ، وأصله:«مُكَبَّلٌ» ، وقالوا:«طِبِّيخ»
(2)
، وأصله:«بطيخ» ، و «تكسَّع» أصله «تسكَّع»
(3)
.
وفي ذلك وجهان:
أحدهما: أن يكونوا بدأوا فقلبوا أصل المادة ثم بنوا الصيغة منها، ففي «تكسع» بدأوا بمادة «س ك ع» فقلبوا فصارت «ك س ع» ثم بنوا منها على ظاهرها صيغة «تفعَّل» .
فهكذا في كلمتنا بدأوا بمادة «ن ور» فصيروها «ون ر» ثم بنوا منها على ظاهرها صيغة «فعُّول»
…
إلخ.
الثاني: أنهم نزلوا المضعَّف بمنزلة حرفٍ واحد، وكان التضعيفُ صفةً له، كالحركة مثلاً، وعادتهم في القلب أن يعطوا كلًّا من الحرفين صفة الآخر.
أَو قُلْ: يعطون كلا منهما الصفة الصالحة له في موضعه الجديد.
أَو قُلْ: ينقلون الحرف وتبقى صفته، ومنها التضعيف في محلها، فإذا حلَّ الحرف الآخر محله أعطي تلك الصفة محافظة على الصيغة.
(1)
اكرهفَّ السحابُ: إذا غلظ وركب بعضه بعضًا، واكرهفَّ: الذكر انتشر ونعظ، واكرهفَّ: الشعر ارتفع. انظر: اللسان (9/ 298)، والتكملة للصاغاني (4/ 556).
(2)
قال ابن سيده في المحكم (5/ 79): «والطبيخ لغة في البطيخ مقلوبة» . اهـ.
(3)
انظر تاج العروس (5/ 495).
فكما نرى في «أيِس» مقلوب «يئس» أن الهمزة فُتِحت وكانت في الأصل مكسورة، وأن الياء بعكسها، فكذا في نحو «مكلَّب» مقلوب «مكبَّل» صارتِ اللامُ مضعَّفةً مفتوحةً وكانت في الأصل عُرضةً للإعراب، وصارت الباء بعكس ذلك.
فهكذا في «تنّور» كان أصله «نوُّور» فوُضِعَت الواوُ موضع النون، وصارت النون بموضع الواو، وأعطيت كل منهما صفةَ صاحبتها.