الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقل لحمامة الخرجاء سقيا
…
لصوتك حين أعجبك المقيل
بكت أحزانها فبكيت شجوي
…
ولم ننطق فأفهم ما تقول
وقال الرجل من بني نهشل
ألام على فيض الدموع وإنني
…
بفيض الدموع الجاريات جدير
أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه
…
وأصبر عنها؟! إنني لصبور؟
وقال علي بن عميرة الجرمي
هتوف الضحى معروفة اللحن لم تزل
…
تقود الهوى مهدى لها ويقودها
جزوع، جمود العين، دائمة البكا
…
وكيف بكا ذي مقلة وجمودها
مطوقة لم يضرب الحزن فضة
…
عليها ولم يعطل من الطوق جيدها
وقال إدريس بن اليمان العبدري
ورقا مطوقة السوالف سندسا
…
لم تحك صنعتها حياكة حاك
وكأن أرجلها القواني ألبست
…
نعلا من المرجان دون شراك
تشدو على خضر الغصون بألسن
…
صبغت ملاثمها بلا مسواك
وكأنما كحلت بنار جوانحي
…
فترى بأعينها لهيب حشاك
وقال صاحب "كشف الأسرار في إشارة الحمام
"
فبينا أنا مستغرق في لذة كلامه، معتبر بحكمه وأحكامه، إذ رأيت أمامه حمامة، قد جعل طوق العبودية في عنقها علامة، فقلت لها: حدثيني عن شوقك وذوقك، وأظهري لي حكمة تطويق طوقك.
فقالت: أنا المطوقة بطوق الأمانة، المتقلدة تقليد الصيانة، فأنا لحمل الأمانة ندبت، وإذا رأيت أهل الخيانة ندمت.
أحمل الرسائل، وأبلغ الوسائل، وأجيب عن المسائل لكني أخبرك عن خبري لتعلم صحة مخبري! أعلمك بالقصة الصحيحة؛ فإن الدين النصيحة، فما كل طائر أمين، ولا كل حالف يصدق في اليمين.
أما المخصوص بحفظ الأمانة من جنسي، وما أبرئ نفسي! فيحمل الأمانة منا من كان أبلق وأخضر، لأنه أحسن في الشكل والمنظر، وأعدل في الخبر والمخبر؛ فإن الطائر إذا كان أسود دل على تجاوز حد النصح، فتكون الطبيعة قد جاوزت حدها.
فإذا كان أبيض دل على قصور الطبيعة على حد النصح، فيدل على انحراف المزاج عن حد الاعتدال، ولا تكون الهمة العالية إلا في الروح الزكية، ولا شرف العزيمة إلا في النفس النفيسة المستقيمة.
فإذا اعتدل لون الطائر، دل على اعتدال تركيبه فصلح حينئذ لتقريبه وتأديبه، فأشترى بالتخريج، ثم أعرف الطريق بالتدريج، ثم يحملوني كتب الأسرار، ولطائف الأخبار، فأطير، وأقطع الهواء المستطير، خائفا من خارج جارح، حاذرا من سائح سانح، جازعاً من رائح زايح.
أكابد الظمأ في الهوى والهواجر، وأطوي على الطوى في المحاجر، فلو رأيت حبة قمح مع شدة جوعي عدلت عنها، وذكرت ما جرى على آدم منها، فأرتفع خشية من كمين مدفون، أو شرك يعيقني فأنقلب بصفقة مغبون، فإذا وصلت إلى مأمني، وحللت في موطني، أديت ما حملت، وأخبرت بما عملت، فهنالك طوقت، وبالبشارة خلقت، وأشكر الله على ما وفقت.
وقال ابن الوردي في إشارة الحمامة: فبينما الباز سكران بما له من البان، وإذا حمامة قد وقفت أمامه، وقالت: كم تفتخر وأنت عظم نخر. أنت من آلة اللعب والصيد، وأن من آلة الجد والكيد.
أنا مع الطوق والخضاب من حملة الكتاب. ومع حذري من شرك الشرك، وخوفي من فخ الإفك حملت الأمانة التي أبت الحبال عن حملها، وامتثلت مرسوم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .
فلما أوصلت الحقوق، أمنت العقوق، وقبلت بالبشائر والخلوق. ومما أعجب العالمين أني مخضوب البنان ولي يمين أقول للملك: "دع الاهتمام لا تلعب بي فأنا الحمام، فمهما حدث على البعد من أخصامك، أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك.
كتمت عن الناس سري، وأبهمت بين الغنا والنوح أمري
رأوا خضابي وطوقي
…
فاستنكفوا من بكائي
ثم ادعوا أن ربي
…
مناسب لغنائي
فقلت: كفوا فهو ربي
…
باد بغير جفاء
فالخضب من فيض دمعي=والطوق عقد ولائي
قال الحافظ عماد الدين بن كثير في "تاريخه
"
في سنة سبع وستين وخمسمائة اتخذ السلطان نور الدين الشهيد الحمام الهوادي؛ وذلك لامتداد مملكته واتساعها؛ فإنها في حد النوبة إلى همذان. فلذلك اتخذ في كل قلعة وحصن الحمام التي ترسل الرسائل إلى الآفاق، في أسرع مدة، وأيسر عدة.
وما أحسن ما قال فيهن القاضي الفاضل: "الحمام هو ملائكة الملوك"
وقد أطنب في ذلك عماد الكاتب، وأطرب، وأعجب، وأغرب! وفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، اعتنى الخليفة الناصر لدين الله بحمام البطاقة، اعتناء زائدا، حتى صار يكتب بأنساب الطير المحاضر: إنه من ولد الطير الفلاني.
وقيل: إنه بيع بألف دينار.
وقد ألف القاضي محيي بن عبد الظاهر في أمور هذه الحمام كتابا سماه: "تمائم الحمام".
وذكر فيه فصلا فيما ينبغي أن يفعله "المطبق" وما جرت به العادة في ذلك فقال: إن الجاري به العادة أنها لا تحمل البطاقة إلا في جناحيها لأمور: منها حفظها من المطر، ولقوة الجناح.
والواجب أنه إذا بطق من مصر، لا يطلق إلا من أمكنة معلومة: فإذا سرح إلى الإسكندرية، فلا تسرح إلا من منية عقبة بالجيزة.
وإلى الشرقية: فمن مسجد التين ظاهر القرافة.
والى دمياط: فمن بسوس.
والذي استقرت عليه قواعد الملك أن طائر البطاقة لا يلهو الملك عنه، ولا يغفل، ولا يمهل لحظة واحدة فيفوت مهمات لا تستدرك، إما من واصل، وإما من هالب، وإما من متجدد في الثغور.
ولا يقطع البطاقة من الحمام إلا السلطان بيده من غير واسطة أحد، فإن كان يأكل لا يمهل حتى يفرغ، أو نائما لا يمهل حتى يستيقظ بل ينبه.
قال: وينبغي أن يكتب "البطاق" البطاقة في ورق الطير. المعروف بذلك.
قال: ورأيت الأوائل يكتبون في أولها: البسملة، وأنا ما كتبها إلا ببسملة ويؤرخ بالساعة، واليوم، لا بالسنة.
ومن فصل في وصفها لتاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير: طالما جازت الرياح، فأصبحت باخعة وراءها تبكي عليها السحب وصدق من سماها "أنبياء الطير" لأنها مرسلة بالكتب.
وفيها يقول أبو محمد بن علوي بن أبي عقبال القيرواني:
خضر تفوق الريح في طيرانها
…
يابعد بين غدوها ورواحها
تأتي بأخبار الغدو عشية
…
لمسير شهر تحت ريش جناحها
وكأنما الروح الأمين بوحيه
…
نفث الهداية منه في أرواحها
وقال غيره:
فحبذا الطائر الميمون يطرقنا
…
في الأمر بالطائر الميمون تنبيها
فاقت على الهدد المذكور إذ
…
حملت كتب الملوك وصانتها أعاليها
تأتي بكل كتاب نحو صاحبه
…
تصون نظرته صونا وتحفيها
فما تمكن غير الشمس تنظره
…
ولا تجوز أن تلقيه من فيها
منسوبة لرسالات الملوك
…
فيا لمنسوبة تسمو ويدعوها مسميها
أكرم بجيش سعيد يا سعادته
…
مما يشكل فيها ذكر حاكيها
حمامتا الغار يوم الغار حرمته
…
فيا لها وقفة عزت مساعيها
وقوفه عند ذاك الباب شرفه
…
وللسعادة أوقات تواتيها
ويوم فتح رسول الله مكة عن
…
د الدخول إليها من بواديها
صنعت تظلل من شمس كتيبة
…
الخضراء مظهرة فيه تواليها
تظللت فما كانت تود هوى
…
لو قابلتها بأشواق فتنعيها
فعندما حظيت بالقرب آمنها
…
فشرفت بعطايا جل مهديها
فما يحل لذي حيلة تناولها
…
ولا ينال المنى بالنار مصليها
ولا تطير بأوراق الفريخ ولا
…
تسير عنها بما فيه أساميها
سمت بملك المعالي غر ذي دنس
…
لا ترضينهم ولو جزت نواصيها
وانظر لها كيف تأتي للخلائف من
…
آل الرسول لحب كامل فيها
من المقام إلى دار السلام ولم
…
يمض النهار لغرم في دواعيها
وربما ضل نحو الهند ملتقطا
…
حبات فلفلة وارتد مبطيها
فجاء في يومه في إثر سابقة
…
حفظا لحق يد طابت أياديها
مناقب لرسول الله أيسرها
…
لنا نبوته الغراء يكفيها
ومن إنشاء القاضي الفاضل في وصفها: سرحت لا تزال أجنحتها تحمل من البطائق أجنحة، وتجهز جيوش المقاصد والأقلام أسلحة، وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر، وتطوى الأرض إذا نشرت الجناح الطائر، وتزوي لها الأرض حتى ترى ما سيبلغه ملك هذه الأمة، وتقرب منها السماء حتى ترى ما لا يبلغه وهم ولا همة.
وتكون مراكب الأغراض والأجنحة قلوعا، وتركب الجو بحرا تصطفق فيه هبوب الرياح موجا مرفوعا، وتعلق الحاجات على أعجازها، ولا تصرف الإرادات عن إنجازها.
ومن بلاغات البطائق استفادت ما هي مشهورة من السجع، ومن رياض كتبها ألفت الرياض، فهي إليها دائمة الرجع.