المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إبدال الهمزة من الهاء - ظاهرة التقاص في النحو العربي

[دردير محمد أبو السعود]

الفصل: ‌إبدال الهمزة من الهاء

مُوَافقَة الْجَرّ النصب فِيمَا لَا ينْصَرف، كموافقة النصب الْجَرّ فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فَلَيْسَ الِاتِّفَاق للْبِنَاء، وَإِنَّمَا هُوَ لِاجْتِمَاع النصب والجر فِي كَونهمَا فضلتين، وَفِي كَونهمَا كاملتين بعد اسْتِعْمَال الْجُمْلَة المتضمنة للْفِعْل، أَو معنى الْفِعْل بجزئيها اللَّذين هما الْحَدث والمحدث عَنهُ، وَمن ثمَّ اتفقَا أَيْضا فِي بَاب الضَّمِير1.

وَمِمَّا يُقَوي هَذِه الظَّاهِرَة ويؤكد تحقيقها فِي هَذَا الْموضع وجود شبه بذهن عَلامَة كل من النصب والجر. فالفتحة تشبه الكسرة وَإِن اخْتلف موضعهَا. كَمَا أَن الْيَاء لَا يتَغَيَّر وَضعهَا سَوَاء أَكَانَت عَلامَة للجر، أم عَلامَة للنصب، وَإِن اخْتلفت حَرَكَة مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع.

1العسكريات 153.

ص: 160

‌ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض

‌إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء

ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض:

1-

إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء:

من حُرُوف الْإِبْدَال القياسي الْهمزَة وَالْهَاء، لِأَنَّهُمَا من حُرُوف "هدأت موطيا" وهما يتبادلان الْإِبْدَال، بِمَعْنى أَن الْهَاء قد تبدل همزَة، كَمَا أَن الْهمزَة قد تبدل هَاء.

فإبدال الْهمزَة من الْهَاء يكون فِي الِاسْم والحرف.

فإبدالها من الْهَاء فِي الِاسْم جَاءَ فِي قَوْلهم: مَاء وَشاء2. وَالْأَصْل موه وشوه. قلبت الْوَاو ألفا، وأبدلت الْهمزَة هَاء.

وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْجمع. قَالُوا فِي جمع مَاء: أمواء، وَالْأَصْل أمواه، وَإِذا ثَبت أَن أَصْلهَا هَاء، ثَبت أَن الْهمزَة مبدلة عَنْهَا قَالَ الشَّاعِر:

وبلدة قالصة أمواؤها

مَا صِحَة رأد الضُّحَى أفياؤها3

وَالدَّلِيل على أَن هَذِه الْهمزَة مبدلة من الْهَاء، رُجُوعهَا فِي التصغير والتكثير، قَالُوا فِي تَصْغِير مَاء مُوَيه، وَفِي جمعه مياه وأمواه. والتصغير والتكثير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا.

وَقد أكد ابْن عُصْفُور إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء بقوله: "وَإِنَّمَا جعلت الْهَاء هِيَ الأَصْل،

1العسكريات 153.

2 أنظر سر الصِّنَاعَة1 / 113. والتبصرة 815 وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب2/ 396. والممتع1 / 348وَابْن يعِيش 10/15 والأشباه والنظائر 1/ 135والأشموني والصبان4/ 213، 223.

3 سر الصِّنَاعَة 1/113 وَشرح الشافية 3/ 108 والممتع1 / 348وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب 2/ 396 وَابْن يعِيش 10/15.

ص: 160

لِأَن أَكثر تصاريف الْكَلِمَة عَلَيْهَا، قَالُوا: أمواه ومياه وماهت الرَّكية1. إِلَى غير ذَلِك من تصاريفها"2

وَكَذَلِكَ ورد إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء فِي قَوْلك: (آل) 3، وأصل آل: أهل فأبدلت الْهَاء همزَة فَقيل: أَأْل، ثمَّ أبدلت الثَّانِيَة ألفا لسكونها إِثْر فتح فَقيل: آل، كَمَا قَالُوا آدم وَآخر فِي الِاسْم، وآمن وآثر فِي الْفِعْل، وَالْأَصْل: أأْدم وأَأخر، وأَأمن وأَأَْثر.

وَالدَّلِيل على أَن أصل آل: أهل قَول الْجَمَاعَة فِي التصغير: أُهَيْل، وَلَو كَانَت الْألف منقلبة عَن غير هَاء- أَي عَن وَاو- لقيل فِي تصغيره (أُوَيل) . وَقد اخْتَار هَذَا الرَّأْي يُونُس4.

وَمِمَّا يُؤَكد أَن الْهمزَة فِي (آل) أَصْلهَا هَاء الْإِضَافَة إِلَى الضَّمِير، فقد قَالُوا أهلك وَأَهله كثيرا، لِأَن الضَّمِير يرد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا. ولَا يُقَال: آلك وَآله إِلَّا قَلِيلا، وَذَلِكَ مثل قَول عبد الْمطلب جد النَّبِي صلى الله عليه وسلم:

وانصر على دين الصليـ

ـب وعابديه الْيَوْم آلَكْ5

وَقَول الآخر:

أَنا الرجل الحامي حَقِيقَة وَالِدي

آلي كَمَا تَحْمِي حَقِيقَة آلكا6

وَنَحْو قَول الْكِنَانِي: "رجل من آلك وَلَيْسَ مِنْك "7.

وَجَاء إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء- أَيْضا- فِي اسْم الْإِشَارَة حَيْثُ إِنَّهُم قَالُوا فِي هَذَا آذا. وَجَاء على ذَلِك قَول الشَّاعِر:

فَقَالَ فريق: آأذا إِذْ نحوتهم

نعم وفريق لَا يمُنُ الله مَا نَدْرِي8

أَرَادَ: أَهَذا، فقلبت الْهَاء همزَة، ثمَّ فصل بَين الهمزتين بِأَلف، وأبدلت كَذَلِك فِي غير اسْم الْإِشَارَة، مثل قَوْلهم: الْأَزَل والهزل، وَهُوَ مأزول ومهزول9.

وَأما إبدالها فِي الْحَرْف فقد ورد فِي: هَلْ وهَلَاّ. فَقَالُوا: ألْ فعلت كَذَا؟ يُرِيدُونَ هَل

1ماهت: ظهر مَاؤُهَا وَكثر.

2 الممتع 1 / 348.

3 انْظُر التصريف الملوكي 39. وسر الصِّنَاعَة 1/ 114 والإبدال والمعاقبة والنظائر للزجاجي 29 والممتع1 /348.

4 التصريف الملوكي 39.

5 الممتع 1/ 349 والدرر اللوامع 2/ 62 وتاج الْعَرُوس (أهل) .

6 الممتع 1/ 349.

7 الْمصدر السَّابِق 1/ 350.

8الْكتاب2/ 147 وسر الصِّنَاعَة 1/ 130 والممتع 1/ 351 والإنصاف07 4 والإبدال والمعاقبة ص 30 والمغنى 101

9الْإِبْدَال والمعاقبة ص30.

ص: 161