الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقَدّمَة
…
عرض وَنقد دراسة نقدية وتوجيهية
لكتاب دراسة عَن الْفرق فِي تأريخ الْمُسلمين الْخَوَارِج والشيعة
تأليف الدكتور أَحْمد مُحَمَّد أَحْمد جلى
بقلم الدكتور عَليّ بن مُحَمَّد نَاصِر الفقيهي
إِن الْحَمد لله نحمده وستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فَهَذِهِ دراسة مُخْتَصره أجريت فِيهَا مُقَارنَة لما زَاده الدكتور أَحْمد مُحَمَّد جلي فِي طبعته الثَّانِيَة، عَام 1408 هـ لكتابه الْمُسَمّى "دراسة عَن الْفرق فِي تَارِيخ الْمُسلمين، الْخَوَارِج والشيعة" على الطبعة الأولى عَام 1406 هـ. وَكِلَاهُمَا من مطبوعات مَرْكَز الْملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
فقد أعجبت بالطبعة الأولى، وَلما جَاءَت الطبعة الثَّانِيَة، وَذكر الْمُؤلف فِي ص 10 أَنه فِي الْفَصْل الرَّابِع الْخَاص بعقائد الشِّيعَة الإمامية، حاول تأصيل القضايا وربط الْفَصْل كُله بِمَا جد من تطورات فِي أفكار بعض الشِّيعَة.
كَمَا ذكر أَنه أضَاف مبحثا خَاصّا عَن النصيرية، فقد تطلعت لمعْرِفَة هَذِه الزِّيَادَات، لِأَن الشِّيعَة الإمامية عِنْدهم عقيدة هِيَ الدّين كُله وَهِي "التقية" وَلِأَن عقائد، الرافضة مُنْذُ وضع أُصُولهَا "عبد الله بن سبأ"لم تتطور إِلَى الْأَحْسَن بالنسبه لأهل السّنة، وَقد وجدت تِلْكَ الزِّيَادَات الَّتِي تبناها الْكَاتِب ودعى إِلَيْهَا لَيست من أهداف مَرْكَز الْملك فيصل.
وَلَو أرْسلت هَذِه الطبعة مَعَ الطبعة الأولى، مَعَ هَذِه الدراسة للأساتذة الَّذين أوصوا الْكتاب لظهر لَهُم فِيهِ رَأْي آخر.
ولقراءتي لهَذِهِ الطبعة المنشورة، وَلما لاحظته عَلَيْهَا، رَأَيْت أَن الْوَاجِب عليَّ أَن أنبّه على ذَلِك فِي هَذِه الدراسة وَهِي دراسة، تتَنَاوَل مبَاحث الْكتاب كُله، وَذَلِكَ لإعطاء الْمُؤلف حَقه وَبَيَان الأخطاء عِنْده نصيحة لعامة المسليين من أهل السّنة، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"الدّين النَّصِيحَة".
وَلِهَذَا سَتَكُون الدراسة مُنَاسبَة لحجم الْكتاب الَّذِي يَقع فِي 393 صفحة، فَلَنْ تكون طَوِيلَة، وسيكون النقاش فِيهَا للأفكار والآراء علمياً إِن شَاءَ الله.
أَولا: عنوان الْكتاب:
بِنَاء على مَا توصل إِلَيْهِ الْمُؤلف فِي بحوث كِتَابه من أفكار الطَّائِفَتَيْنِ ومناهجها، والنتائج الْوَاضِحَة الَّتِي توصل إِلَيْهَا فِي بَيَان عقائدها، فَإِنِّي أرى أَن العنوان الْمُنَاسب هُوَ:"دراسة تحليلية ونقدية لفرق الْخَوَارِج والشيعة فِي ضوء الْكتاب وَالسّنة وَمَا عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة".
ثَانِيًا: وصف الْكتاب ومباحثه:
اشْتَمَل الكَتاب بعد الْمُقدمَة على ثَمَانِيَة فُصُول وخاتمه وَهُوَ فِي 393 صفحة بِمَا فِيهَا الفهارس، وَهَذِه هِيَ الطبعة الثَّانِيَة عَام 1408 هـ وَهِي الَّتِي فِيهَا الزِّيَادَات الَّتِي تحمل أفكاراً جَدِيدَة.
أما الطبعة الأولى سنة 1406 وَهِي الَّتِي أوصى الخبراء بطبعها، فَتَقَع فِي 332 صفحة.
وَفد اشْتَمَلت الْفُصُول الثَّمَانِية على بحوت عَن الطَّائِفَتَيْنِ- الْخَوَارِج- والشيعة- وَمَا تفرع عَنْهُمَا أَو اتَّصل بهما وتشعب عَنْهُمَا من فرق ذَات مسميات مُخْتَلفَة مَعَ أَن الأَصْل والهدف وَاحِد، وَهُوَ الْهدم لهَذَا الدّين الَّذِي اخْتَارَهُ الله ليَكُون خَاتم الْأَدْيَان كلهَا، سَوَاء كَانَ ذَلِك الْهدم عَن سوء قصد وَفَسَاد نِيَّة وتخطيط مدروس، كَمَا هُوَ الْحَال فِي فرق الشِّيعَة الرافضة والباطنية- حَيْثُ أَن أصولهم وَضعهَا عبد الله بن سبأ اليهوديَ الْحِمْيَرِي الماكر الَّذِي أسلم نفَاقًا، "وأَوَى بذره وَضعهَا هِيَ دَعْوَى الْوَصِيَّة من الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لعَلي بن أبي طَالب رضي الله عنه بالخلافة- وَأَن الصَّحَابَة خالفوا تِلْكَ الْوَصِيَّة.
وَهَذَا مَا أثْبته الْكشِّي الشيعي الإمامي فِي كِتَابه "رجال الشِّيعَة ص 71 فِي
تَرْجَمَة عبد الله بن سبأ، وَمثله النوبختي فِي فرق الشِّيعَة ص 22 وَهُوَ شيعي. وَكَذَلِكَ الحاقدون من الْمَجُوس.
أَو كَانَت بداية الْهدم عَن جهل متناهٍ بنصوص الشَّرِيعَة وفهمها والابتعاد عَن التتلمذ على الصَّحَابَة الَّذين شهدُوا التَّنْزِيل وسمعوا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وفهموا أَحْكَام الشَّرِيعَة ومقاصدها،- وَقد دفع الحاقدون على الْإِسْلَام وعَلى نبيّ الْإِسْلَام وَالصَّحَابَة الْكِرَام- هَؤُلَاءِ الْجُهَّال إِلَى الطعْن فِي حَملَة هَذَا الدّين وإلىِ تَحْرِيف نصوصه- وَقد كَانَت البذرة الأولى الْخَوَارِج الَّذين كفّروا الصَّحَابَة بَدَلا من التفقه عَلَيْهِم- وَقد أخبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن وصف هَؤُلَاءِ- فَذكر عِبَادَتهم وقراءتهم لِلْقُرْآنِ، وَلكنه قَالَ:"إِن تِلْكَ الْقِرَاءَة لَا تتجاوز حَنَاجِرهمْ " أَي لَا فقه عِنْدهم فِي دين الله.
كَمَا وَصفهم عبد الله بن عمر رضي الله عنه بقوله كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْمُرْتَدين "بِأَنَّهُم عَمدُوا إِلَى آيَات نزلت فِي الْكفَّار فطبقوها على الْمُسلمين" وَمَا ذَلِك إِلَّا لجهلهم وَعدم فقههم فِي الدّين، وابتعادهم عَن الصَّحَابَة الَّذين يفقهونهم فِي الدّين.
وكلتا الطَّائِفَتَيْنِ- الْخَوَارِج- والشيعة- قد سببتا لهَذَا الدّين والمتمسكين بتعاليمه الصِحيحة متاعب أحدثت صدوعا فِي صُفُوف الْأمة بأفكارها المنحرفة قَدِيما وحديثاً.
وَأَن الباحث قد قَامَ بدراسة لأصول هَذِه الْفرق وَبَين أَسبَاب نشأتها، كَمَا ذكر الطوائف المتفرعة مِنْهَا، وَبَين أهدافها وَأَنَّهَا كلهَا تسْعَى للوصول لغَرَض وَاحِد هُوَ هدم هَذَا الدّين وتقويض أَرْكَانه.
وَمَعَ وُصُول الباحث إِلَى هَذِه النتيجة الموثّقة بِمَا نَقله من نُصُوص صَرِيحَة من كتب هَذِه الْفرق- كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله- إِلَّا أَنه يثني على فكرة الخميني ويمدح " الْحُكُومَة الإسلامية، أَو ولَايَة الْفَقِيه" فَيَقُول: ولَايَة الْفَقِيه وَقيام الْفُقَهَاء - بِإِقَامَة الدولة الإسلامية للنَّظَر فِي إِقَامَة أَمر الدّين وتنظيم شؤون النَّاس
…
الخ نِيَابَة عَن الإِمام- خطوَات طيبَة فِي مدّ الجسور بَين السّنة والشيعة ص 243-244.
بل يرى أَن من ترك رَأْيه من الطوائف المنحرفة واعتنق مَذْهَب الأمامية شَأْنه يَنْبَغِي أَن يشاد بِهِ لِأَنَّهُ اتّجه إِلَى سَبِيل تَصْحِيح العقيدة، ص 332.
ثمَّ وضع الْحُلُول للمسائل الْمُعَلقَة بَين السّنة والشيعة كَمَا يرى- وَهِي حُلُول تنازل أهل السّنة عَن معتقدات الشِّيعَة الإِمامية- فِي دَعْوَى تَحْرِيف الْقُرْآن، وتكفير الصَّحَابَة، والطعن فِي السّنة، ص 242- 244.
مَعَ أَنه أثبت فِي ص 240 من كتب الإِمامية المعاصرين اتهامهم للصحابة بِالْوَضْعِ والتزوير وَالْكذب.
وَسَيَأْتِي هَذَا مفصلا فِي مَوْضِعه
…
بعد ذكر مَا للباحث من جهود فِي هَذَا الْبَحْث.
ونبدأ بحَديثه عَن الْخَوَارِج وَالَّذِي بدأه من ص 51- 99 ثمَّ الحَدِيث عَن ظَاهِرَة الْخُرُوج فِي هَذَا الْعَصْر والْحَدِيث عَن جمَاعَة التَّكْفِير وَالْهجْرَة من ص 108-146.
فقد ذكر الباحث تأريخ نشأة الْخَوَارِج، ومبادئهم ومعتقداتهم، وَمن أهمها تَكْفِير مرتكب الْكَبِيرَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَفِي الدُّنْيَا لَا يَرث وَلَا يُورث وَلَا يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين، وَفِي الْآخِرَة خَالِد مخلد فِي النَّار.
وَغير ذَلِك من الأفكار والمعتقدات الْمُخَالفَة لمنهج وعقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَقد بَين الباحث تِلْكَ الأفكار والمعتقدات سالكاً فِي ذَلِك مَسْلَك الْبَحْث العلمي، وَذَلِكَ بإيراد النُّصُوص من الْكتاب وَالسّنة الدَّالَّة على ذَلِك، موثقة من مصادرها ذَاكِرًا الْجُزْء والصفحة.
وَالَّذِي ميز هَذَا الْبَحْث فِي نَظَرِي ربط الباحث بَين أفكار الْخَوَارِج
ومناهجهم فِي تعاملهم مَعَ النُّصُوص، وَمَعَ الْعلمَاء بل سَادَات الْعلمَاء وهم الصَّحَابَة.
وَبَين أفكار المعاصرين من جماعات التَّكْفِير وَالْهجْرَة وَمن سلك مسلكهم فِي الحكم على عُلَمَاء الْأمة الْمُخَالفَة لعقيدتهم- بالْكفْر- ثمَّ تعاملهم مَعَ النُّصُوص وفهمها، ونبذ أراء ومؤلفات الْعلمَاء من سلف هَذِه الْأمة.
لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْفرق الَّتِي احتفظت باسمها التاريخي- كالأباضية، الَّتِي أورد الباحث من مصادرهم ومؤلفاتهم، أفكارهم وعقائدهم فِي تَكْفِير أَصْحَاب الْمعاصِي وتخليدهم فِي النَّار، وَالْقَوْل بِخلق الْقُرْآن وَنفي رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ ربّهم فِي الْآخِرَة، وكل معتقدات الْمُعْتَزلَة فِي بَاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات، ورأيهم فِي الصَّحَابَة.
أَو من سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِم- من تَسْمِيَة من سموا أنفسهم بِجَمَاعَة التَّكْفِير وَالْهجْرَة الَّذين حكمُوا على من سوى جَمَاعَتهمْ بالْكفْر، لَا فرق بَين حَاكم ومحكوم، دون إِقَامَة الْحجَّة وَإِزَالَة الشُّبْهَة عَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِم، وَدون الْفرق بَين القَوْل وَالْقَائِل، لِأَن القَوْل قد يكون كفرا، وَالْقَائِل لَا يكفر إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة وَإِزَالَة الشُّبْهَة عَنهُ، كَمَا هُوَ مَنْهَج أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَإِن لم يتَعَرَّض الباحث لهَذِهِ الْقَاعِدَة.
وَقد وثق الباحث كَمَا قلت أَقْوَال الإباضية من كتبهمْ- وَلم يطلع على كتاب جَدِيد لمؤلف معاصر الْمُسَمّى "الْحق الدامغ " للشَّيْخ أَحْمد بن حمد الخليلي، الْمُفْتِي الْعَام لسلطنة عمان، طبعة عَام 1409 هـ فقد صدر بعد طبع كِتَابه، الَّذِي خصصه لثلاث مسَائِل هِيَ: القَوْل بِخلق الْقُرْآن، نفي الرُّؤْيَة، خُلُود أَصْحَاب الْمعاصِي فِي النَّار، حَيْثُ قَالَ فِي ص 20: للإباضية فِيهَا موقف لم يتَّفق مَعَ رغبات أُولَئِكَ الحاقدين
…
الخ.
وَهَذَا يُوضح للقارئ أَن تِلْكَ الأفكار الهدامة لم تزل سَارِيَة فِي الْأمة، وَلم تكن تَحت التُّرَاب كَمَا يَقُول بعض الْكتاب.