الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتخاذه في البداية ضروريًا لعدة أسباب، منها ما يتوقعه المرء من أن المعارضة في بداية الأمر لم تكن عنيفة جدا؛ لأن الدعوة آنذاك لم تكن قد حققت من النجاح ما يشعر معارضيها بالخطر، ويدفعهم بالتالي إلى انتهاج أسلوب قوي ضدها. وإذا سلم بذلك فإنه كان من المتوقع أيضًا أن يكون موقف صاحب الدعوة تجاههم غير شديد. ومنها أن الشيخ كان يأمل في اجتذاب بعض المعارضين إلى جانبه. والأسلوب اللين من عوامل كسب الآخرين. ومنها أن الشيخ كان يحس بغرابة بعض ما كان يدعو إليه لدى مجتمعه. ومن هنا كان لابد من انتهاج أسلوب اللين - مرحليًا على الأقل - لئلا يكون رد الفعل في غير صالح الدعوة.
يقول الشيخ في إحدى رسائله: "لولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول، وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه لكان شأن آخر، بل والله الذي لا إله إلا هو لو يعرف الناس الأمر على وجهه لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله ووجوب قتلهم"1.
ومن المعروف بطبيعة الحال أن زعماء الدعوة حين رأوا الظروف مناسبة اتخذوا أهم أسلوب من أساليب نشرها، وهو الجهاد.
المعارضة النجدية:
واضح من رسائل الشيخ أن دعوته لقيت معارضة شديدة من قبل بعض علماء نجد. فالمتتبع لها يلاحظ أن أكثر من عشرين عالمًا أو طالب علم وقفوا ضدها في وقت من الأوقات. ويأتي في مقدمة هؤلاء المعارضين عبد الله المويس من حرمة، وسليمان بن سحيم من الرياض.
ويستفاد من هذه الرسائل أن معارضي الشيخ من النجديين كانوا مختلفي المواقف.
1 روضة 1/6- 157.
فمنهم من عارضه منذ البداية واستمر في معارضته1. ومنهم من كان يعترف في بداية الأمر بأن ما جاء به الشيخ أو بعضه حق، لكنه غير موقفه مع مرور الزمن2. ومنهم - أيضًا - من كان متأرجحًا في تأييده ومعارضته3. وتوضح الرسائل أن النجديين المعارضين أعطوا أسماء مختلفة لما تضمنته الدعوة؛ قالوا عنه دين أهل العارض4، وقالوا إنه مذهب خامس5؛ كما ادعوا أنه بدعة خرج أول ما خرج من خراسان6.
ويبدو أن أسباب معارضة أولئك النجديين للدعوة كانت متعددة؛ رغم توافر بعض الأسباب لدى الجميع، فإن بعضها قد توافر عند شخص دون آخر، ومن غير العدل إهمال جانب الاقتناع الشخصي لدى فريق من هؤلاء بعدم صحة بعض ما كان يدعو إليه الشيخ. كما أنه من السطحية عدم ملاحظة تغير موقف البعض طبقًا لانتقال الدعوة من مرحلة إلى أخرى، ومناداتها بأمور لم تكن تنادي بها، أو تطبيقها أمورًا لم تكن تطبقها في بداية الأمر. ولعل أوضح دليل على ذلك ما ذكره الشيخ نفسه في إحدى رسائله حيث قال:"صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان في التوحيد وفي نفي الشرك، وردوا علي التكفير والقتال"7.
وقوله في رسالة أخرى:
"إنهم يقولون لو يترك أهل العارض التكفير والقتال لكانوا على دين الله ورسوله"8.
1 من هؤلاء المويس.
2 مثل ابن سحيم.
3 مثل عبد الله بن عيسى.
4 روضة 1/167.
5 روضة 1/139.
6 روضة 1/102 و116.
7 روضة 1/7-108.
8 روضة 1/150.
ومن المعروف أن قتال أصحاب الدعوة لخصومهم لم يحدث في أول بدايتها.
ويعطي الشيخ في إحدى رسائله سببين أساسيين لتغير موقف بعض العلماء من الاعتراف بصحة الدعوة إلى مناوأتها: الأول: أن العامة ستقول إذا كان ما يدعو إليه الشيخ هو الحق فلم لم تدعونا إليه قبله؟ وعدم سؤال العامة لهم عنه لا يبرر سكوتهم. وهذا يمكن أن يقال عنه بعبارة أخرى: إن هؤلاء.. المعارضين خافوا أن يفقدوا مكانتهم الاجتماعية؛ لأن الناس سيتساءلون عن علمهم وإخلاصهم، فإن كانوا لم يعرفوا الحكم قبل الشيخ فعلمهم قليل. وإن كانوا علموا الحكم وأخفوه فإخلاصهم مفقود. وفي كلتا الحالتين إضعاف لمكانتهم. والسبب الثاني: لتغير موقفهم في نظر الشيخ إنكاره عليهم أكل السحت والرشوة1.
ومن الممكن قبول السبب الثاني من تعليل الشيخ السابق؛ لأن هذا الموضوع كان بطريقة ما بين المسائل التي ذكرها ابن سحيم في رسالته الموجهة إلى العلماء خارج نجد ليقفوا ضد الدعوة2. لكن السبب الأول من التعليل لا يمكن قبوله دون تحفظ، فلو كان سليمان بن سحيم وأمثاله يرون أن اعترافهم بصحة الدعوة قد يهز من مكانتهم الاجتماعية، لما اعترفوا بصحتها منذ البداية. ولعل السبب الأساسي في تغير موقفهم انتقال الدعوة من طور إلى آخر مختلف نوعًا ما.
وتشير الرسائل - أيضًا - إلى أن تغير موقف بعض المعارضين النجديين كان نتيجة تأثير البعض الآخر، كما حدث بالنسبة لتأثير المويس على عبد الله بن سحيم3. كما تشير إلى أن عدم انضمام بعض علماء نجد إلى الدعوة ناتج عن عدم القدرة على إقناع الأمراء بها4.
1 روضة 1/114.
2 روضة 1/113.
3 روضة 1/116.
4 روضة 1/109 و162.
وتبين الرسائل أن نشاط المعارضة النجدية للدعوة كان مختلف الجوانب. وفي مقدمة أوجه ذلك النشاط الكتابة ضدها. والمتأمل في هذه الرسائل يرى كثرة تلك الكتابة، وإن كان من المتوقع أن أغلبها لم يكن طويل المحتوى. ويأتي في طليعة هؤلاء الكتاب المعارضين، سلمان بن سحيم، وعبد الله المويس، وسليمان بن عبد الوهاب. ومن الجدير بالذكر أن بعض ما كتبه المعارضون النجديون - باستثناء الأخير الثلاثة المذكورين - يكاد يكون مفقودا. ولا شك أن أصول كتاباتهم لو وجدت لكان ارتياح الباحث إليها أعظم. لكن رسائل الشيخ - على أية حال - تلقي أضواء على بعض مضامين تلك الكتابات. فقد ورد في هذه الرسائل أن سليمان بن سحيم كتب أربعة أشياء: أولها تلك الرسالة التي بعثها إلى العلماء خارج نجد والتي أورد ابن غنام نصها في تاريخه1. وقد أورد فيها كاتبها خمس عشرة مسألة اعتبرها مآخذ على الشيخ.
الثاني: رسالة وصلت إلى عبد الله بن سحيم. وقد ذكر الشيخ في رسالته إلى عبد الله أنها تحتوي على أربع وعشرين مسألة2. وهي وإن اشتملت على بعض ما جاء في رسالة سليمان إلى العلماء خارج نجد.. إلا أنها لا تحتوي عليها كلها، كما يتضح من جواب الشيخ. وهي - أيضًا - تشتمل على مسائل لم ترد في رسالة سليمان المذكورة أولا3.
الثالث: رسالة أشار إليها في رسالته إلى سليمان بقوله:
"إنك زعجت قرطاسة فيها عجايب"4.
وما ناقشه الشيخ في هذه الرسالة يوضح أن رسالة سليمان أو قرطاسته المشار إليها هنا غير الرسالتين السابقتين5.
1 روضة 1/11-113.
2 روضة 1/13-122. ويلاحظ ان ابن غنام أورد رسالة الشيخ على أنها ردا على رسالة سليمان الموجهة إلى العلماء خارج نجد.
3 قارن ما جاء في الرسالتين: روضة 1/11-113 و1/13-122.
4 روضة 1/138.
5 قارن روضة 1/138-141 ، روضة 1/11-113و1/13-122.
الرابع: أوراق ذكر الشيخ أنه وقف عليها. ومضمونها مختلف عما جاء في الكتابات المذكورة سابقاً1.
أما المويس، فقد أشار الشيخ في رسالته إلى عبد الله بن سحيم إلى أنه ألف كتابًا بعثه إلى أهل الوشم. وقال إنه مشتمل على ثلاثة موضوعات:
الأول: علم الأسماء والصفات أو العقائد.
والثاني: التوحيد والشرك.
والثالث: الاقتداء بأهل العلم.
وقد ناقش الشيخ الموضوعين الأولين في رسالته إلى عبد الله، لكنه ترك مناقشة الموضوع الثالث ; لأنه كما يقول قد أرسل رأيه حوله إلى المويس نفسه2.
الوجه الثاني من أوجه نشاط المعارضة النجدية: مجادلة أنصار الدعوة في البلدان المختلفة. مثال ذلك: مجادلة ابن إسماعيل جماعة الشيخ في ثرمداء، ومجادلة سليمان بن سحيم لابن صالح في مجلس الشيوخ في الرياض3.
الوجه الثالث من أوجه ذلك النشاط: الاتصال بالعلماء، وذوي النفوذ خارج نجد وتحريضهم ضد الشيخ ودعوته. مثال ذلك: ما ذكر سابقًا من إرسال سليمان بن سحيم كتابًا إلى العلماء خارج نجد، وشكواه له عند أهل الحرمين4. وقد ركب المويس وخواص أصحابه إلى أهل قبة الكواز وقبة رجب يخبرونهم بإنكار الشيخ لما هم عليه، ويستثيرونهم ضده5. كما ركب المويس مع ابن ربيعة وابن إسماعيل إلى أهل قبة أبي طالب وأغروهم بعدم اتباع الشيخ6.
1 روضة 1/18-220.
2 روضة 1/97-103.
3 روضة 1/106 و141.
4 روضة 1/139.
5 روضة 1/109 و160.
6 روضة 1/109 و160.