المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تكريم الإسلام للوالدين من أحدث هذه البدعة إنما أحدثها تعويضًا عن تقصير - عيد الأم هل نحتفل

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةفضيلة الشيخياسر برهاميحفظه الله

- ‌دُرَرمن كلامشيخ الإسلام ابن تيميةعن تحريم مشابهة أهل الكتابفي الأعياد وغيرها

- ‌بعض الأدلة من القرآن والسنة على النهي عن التشبه بالكافرين:

- ‌موافقتهم في أعيادهم:

- ‌حريم العيد:

- ‌هل يجب على المسلم أن يعرف أعياد الكفار

- ‌حكم إعانة المسلمين المتشبهين بالكفار في أعيادهم:

- ‌بيع المسلمين للكفار في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم:

- ‌الاحتفالبعيد الأم

- ‌تكريمالإسلام للوالدين

- ‌لماذااحتفلالغربيون بعيد الأم

- ‌عيد الأم…نبذة تاريخية

- ‌في العالم العربي:

- ‌هل تعلم

- ‌تنبيه:

- ‌كلامأهل العلمفي عيد الأم

- ‌قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية:

- ‌وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

- ‌ جواب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم الاحتفال بما يسمى بعيد الأم

- ‌فتاوىمتعلقة بعيد الأم

- ‌إنكار بدعة الاحتفال بعيد الأم:

- ‌أمه ستغضب إن لم يحتفل بعيد الأم:

- ‌حكم تقديم الهدايا قبل المناسبات المبتدعة أو بعدها:

- ‌حكم الاحتفال بعيد الأم إذا كان تركه يؤدي إلى حزن الأم:

- ‌حكم قبول المُدَرِّسَة هدية عيد الأم:

- ‌مفاسد الاحتفال بعيد الأم

- ‌أهم المراجع

الفصل: ‌ ‌تكريم الإسلام للوالدين من أحدث هذه البدعة إنما أحدثها تعويضًا عن تقصير

‌تكريم

الإسلام للوالدين

من أحدث هذه البدعة إنما أحدثها تعويضًا عن تقصير مجتمعه في حق الأم، وانقطاع روابط الود والصلة، فأحب أن يكرمها، ويرُدَّ إليها شيئًا من حقها، فعمد إلى إحداث هذا اليوم لتحتفل به الأسر تكريمًا لها، فكانوا كمن سكت دهرًا ونطق نُكْرًا.

وماذا يُغْنِي عن الأم يوم في السنة، وبقية العام تكون نزيلة ملجأ، أو تعيش مع كلب أو هرة، هما أوفى لها ممن رضع من ألبانها وتربى في حجرها.

والاحتفال بالأم وتكريمها على هذه الطريقة المحْدَثة لن يعطيها عشر معشار ما كفلت لها الشريعة المطهرة من الحقوق، وكيف يمكن ذلك، وقد أمر الله عز وجل ببرها والإحسان إليها الدهر كله، وجعله حقًّا لها وهي على قيد الحياة.

وعندما تكون في عالم الأموات، فإن من برها الدعاء لها، والتصدق عنها، والحج والاعتمار عنها، ولم يجعل لهذا الإحسان يومًا أو وقتًا واحدًا يُحْتَفَل فيه بها، ولم تأت شريعة من الشرائع بمثل ما جاءت به شريعة الإسلام.

ص: 25

يقول الشاعر:

لأمِّكَ حَقٌّ لو علِمْتَ كبيرُ

كَثيرُكَ يا هذا لدَيهِ يسيرُ

فكمْ ليلةٍ باتَتْ بثِقْلِكَ تشتكِي

لَها مِن جَوَاها (1) أنَّةٌ وزفيرُ

وفِي الوَضعِ لو تدرِي عليْكَ مشقةٌ

فكمْ غُصَصٍ منها الفؤادُ يطيرُ

وكمْ غسلَتْ عنكَ الأذَى بيمينِهَا

ومِن ثَدْيِها شُربٌ لدَيْك نَمِيرُ

وكم مَرّة جاعَتْ وأعطَتْكَ قُوتَها

حُنُوًّا وإشفاقًا وأنتَ صغيرُ

فَضَيَّعْتَهَا لَما أسَنّتْ جَهَالةً

وطالَ عليكَ الأمرُ وهو قصيرُ

فَدُونَكَ فارغبْ فِي عَمِيمِ دُعائِهَا

فأنت لِما تَدْعو إليه فقيرُ

(1) الجَوَى: الحُرْقة وشدَّة الوَجْدِ من عشق أَو حُزْن، والجَوَى السُّلُّ، وتطاوُل المرض (انظر لسان العرب، مادة: جوا).

ص: 26

وذِكْرُ حقوق الأم في الشريعة باب يطول، ويكفي التنبيه إلى أن الله تعالى أمر ووصى في مواضع من كتابه بالإحسان إلى الوالدين، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلًا بالشكر له، وخص الأم بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على الأب.

قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} (لقمان: 14). وَقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (النساء: 36).وَقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} (الإسراء:23 - 24).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «يزيد البر بهما مع اللطف، ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحدّ النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد، تذللًا لهما» .

ص: 27

وقال سعيد بن المسيب في قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} : «هو: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ» .

ولا يمنع من برهما والإحسان إليهما كونهما غير مسلمين أو عاصيين، قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (لقمان: 15).

فأمر تعالى بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما، بل ومع أمْرِهِما ولَدَهُما بالكفر بالله تعالى، وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ:«قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟» ، قَالَ:«نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» (رواه البخاري ومسلم)(1).

وحق الأم مقدم على حق الأب ويزيد عليه بأضعاف ثلاثة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» ، قَالَ

(1)(رَاغِبَة) قِيلَ: مَعْنَاهُ رَاغِبَة عَنْ الْإِسْلَام وَكَارِهَة لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ طَامِعَة فِيمَا أَعْطَيْتهَا. وَحَرِيصَة عَلَيْهِ. وَفِيهِ: جَوَاز صِلَة الْقَرِيب الْمُشْرِك».

باختصار من شرح الإمام النووي لهذا الحديث من صحيح مسلم.

ص: 28

: «ثُمَّ مَنْ؟» ، قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ» ، قَالَ:«ثُمَّ مَنْ؟» ، قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ» ، قَالَ:«ثُمَّ مَنْ؟» ، قَالَ:«ثُمَّ أَبُوكَ» (رواه البخاري ومسلم).

قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «الصَّحَابَة هُنَا بِفَتْحِ الصَّاد بِمَعْنَى الصُّحْبَة، وَفِيهِ الْحَثّ عَلَى بِرّ الْأَقَارِب، وَأَنَّ الْأُمّ أَحَقّهمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدهَا الْأَب، ثُمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب تَقْدِيم الْأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ، وَشَفَقَتهَا، وَخِدْمَتهَا، وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله، ثُمَّ وَضْعه، ثُمَّ إِرْضَاعه، ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه، وَغَيْر ذَلِكَ» .

وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): «قَالَ اِبْن بَطَّال: مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون لِلْأُمِّ ثَلَاثَة أَمْثَال مَا لِلْأَبِ مِنْ الْبِرّ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل ثُمَّ الْوَضْع ثُمَّ الرَّضَاع، فَهَذِهِ تَنْفَرِد بِهَا الْأُمّ وَتَشْقَى بِهَا، ثُمَّ تُشَارِك الْأَب فِي التَّرْبِيَة. وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (لقمان: 14)، فَسَوَّى بَيْنهمَا فِي الْوِصَايَة، وَخَصَّ الْأُمّ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَة.

قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمُرَاد أَنَّ الْأُمّ تَسْتَحِقّ عَلَى الْوَلَد الْحَظّ الْأَوْفَر مِنْ الْبِرّ، وَتُقَدَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقّ الْأَب عِنْد الْمُزَاحَمَة» اهـ.

ص: 29

وعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ـ ثَلَاثًا ـ إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ» (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

وقد حرَّم الإسلام عقوق الوالدين وجعله من الكبائر فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ» (رواه البخاري ومسلم).

قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «أَمَّا (عُقُوق الْأُمَّهَات) فَحَرَام، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَلَى عَدِّهِ مِنْ الْكَبَائِر، وَكَذَلِكَ عُقُوق الْآبَاء مِنْ الْكَبَائِر، وَإِنَّمَا اِقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْأُمَّهَات لِأَنَّ حُرْمَتهنَّ آكَد مِنْ حُرْمَة الْآبَاء، وَلِأَنَّ أَكْثَر الْعُقُوق يَقَع لِلْأُمَّهَاتِ، وَيَطْمَع الْأَوْلَاد فِيهِنَّ» . اهـ باختصار.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ وَالْعُقُوقُ» (رواه الحاكم في (المستدرك) وصححه الألباني).

قال المناوي في (فيض القدير): (بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا) أي قبل موت فاعليهما: (الْبَغْيُ) أي مجاوزة الحد والظلم، (وَالْعُقُوقُ) للوالدين وإنْ عَلَيَا، أو أحدِهما، أي إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع.

ص: 30

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أدْرَكَ أحَدَ وَالِدَيْهِ فَماَتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأدْخِلَ النَّارَ فَأبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَّلّ عَلَيْكَ فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأبْعَدَهُ اللهُ قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ» (صحيح رواه الطبراني).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا» (وحسنه الألباني).

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ: جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ» ، فَقَالَ:«هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» ، قَالَ:«نَعَمْ» ، فَقَالَ:«الْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا» ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فِي مَقَاعِدَ شَتَّى كَمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ» (رواه الإمام أحمد والنسائي وحسنه الألباني)(1).

(1) أما رواية: «الجنة تحت أقدام الأمهات» فسندها ضعيف، ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في (ضعيف الجامع)، برقم 2666.

ومن القصص المكذوبة قصة عقوق علقمة لأمه وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هَمَّ أن يحرقه بالنار أمام أمه، هذه القصة أخرجها ابن الجوزي في (الموضوعات 3/ 87)، والعقيلي في كتاب (الضعفاء الكبير 3/ 461)، والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة 2/ 296)

ص: 31

والمقصود بالغزو هنا جهاد طلب الكفار في عقر دارهم، وليس جهاد دفع الكفار عن بلاد المسلمين، (فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا) أَيْ نَصِيبُك مِنْهَا لَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا بِرِضَاهَا، بِحَيْثُ كَأَنَّهُ لَهَا وَهِيَ قَاعِدَة عَلَيْهِ، فَلَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا مِنْ جِهَتهَا، فَإِنَّ الشَّيْء إِذَا صَارَ تَحْت رِجْل أَحَد، فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصِل إِلَى آخَر إِلَّا مِنْ جِهَته.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة» (رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني).

فهذا البر هو الاحتفال بالوالدين ـ لا سيما الأم ـ الذي دعا إليه الإسلام وحث عليه ورغب فيه، والناس بعد ذلك أحد شخصين:

- بارٌّ بأمه كما أمرته الشريعة المطهرة، فهذا لا يجوز له الاحتفال بهذا اليوم، لأنه بدعة، ولأن هدي الإسلام في هذا الباب أتم وأحكم.

ص: 32

- وشخص لم يكن بأمه بارًّا، وهذا لن يكون بهذا الاحتفال وهذا اليوم بارًّا، بل هو ممن جمع بين العقوق والابتداع.

ولعل للغرب ما يسوغ اختراع هذا اليوم وأمثاله، إذ لا قيمة ـ في ظل فلسفتهم المادية ـ للروابط الأسرية عندهم، ولا أهمية للقرابة، ولا حق للأم التي حملت ثم ولدت ثم أرضعت وسهرت، فتحتاج أمهاتهم ولو يومًا من السنة يتذكرن فيه أولادهن، ويرسلون إليهن الهدايا وبطاقات معايدة، ولكن الذي لا يمكن فهمه وتفسيره إلا على وجه التبعية البغيضة تقليد بعض أبناء المسلمين لأساتذتهم في الغرب وإحياء (يوم الأمومة) في ديار أهل الإسلام، مع أن المسلمين ليسوا محتاجين يومًا ولا أسبوعًا ولا شهرًا يكرمون فيه أمهاتهم، إذ إن دينهم يحتم عليهم بر والديهم العمر كله، ويجعل جزاء ذلك الجنة، فما الداعي إلى نقل يوم الأمومة إلى ديار المسلمين؟

عيد الأم عندنا في كل يوم، وليس يوم واحد ونرميها بعدها في أقرب دار المسنيين!!

ص: 33