المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌138 - البيئة والحكم الشرعي - فتاوى د حسام عفانة - جـ ١٨

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌1 - نظرات شرعية في فتوى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر بتحليل بناء الجدار الفولاذي

- ‌2 - المواد المضافة للأطعمة والأشربة

- ‌3 - حكم عملية ربط المعدة

- ‌4 - وفاة العلماء

- ‌5 - مشروبات الطاقة

- ‌6 - كتاب (قول يا طير) وما أثير حوله

- ‌7 - ضوابط تنفيذ وصية الميت

- ‌8 - حكم سرقة الأبحاث

- ‌9 - حكم التبرع بالأعضاء البشرية لغير المسلم

- ‌10 - حديث (لا تجوز شهادة بدوي على حضري)

- ‌11 - حكم الاستغفار والترحم لمن مات على الكفر

- ‌12 - التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - شحن المحمول من كهرباء المسجد

- ‌14 - العمل عند تضارب الفتوى

- ‌15 - حديث التفكر في آلاء الله عز وجل

- ‌16 - إتيان الزوجة في الدبر من الكبائر

- ‌17 - فتوى المفتي لا تحل حراما ولا تحرم حلالا

- ‌18 - لا يؤخذ حكم شرعي من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - النهي عن ترجيل الشعر يوميا ليس للتحريم

- ‌20 - حديث السجود لقبر آدم لا يصح

- ‌21 - دعوة الناس يوم القيامة بآبائهم وليست بأمهاتهم

- ‌22 - ضوابط العلاج بالرقية

- ‌23 - احاديث ضعيفة

- ‌24 - احاديث ثابتة

- ‌25 - منكرات في العيد

- ‌26 - تخزين المواد الغذائية وعلاقته بالتوكل على الله

- ‌27 - استعمال سيارة العمل في الشؤون الخاصة

- ‌28 - احاديث مكذوبة

- ‌29 - السباب

- ‌30 - حكم القراءة بالقراءات الشاذة

- ‌31 - مكانة الصحيحين البخاري ومسلم

- ‌32 - الحجامة

- ‌33 - صلاة الحفظ

- ‌34 - كفارة القتل الخطأ

- ‌35 - معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (استفت قلبك)

- ‌36 - احتفال الشيعة بأربعينية الحسين رضي الله عنه

- ‌37 - احاديث مكذوبة

- ‌38 - معركة هرمجدون

- ‌39 - استعمال أسماء الله الحسنى للتداوي

- ‌40 - معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يرد القضاء إلا

- ‌41 - قاعدة العمل بالحديث الضعيف

- ‌42 - شهر رجب

- ‌43 - معنى حديث: (اختلاف أمتي رحمة)

- ‌44 - تأثير الإكراه في المحرمات

- ‌45 - صفات من يدخلون الجنة بغير حساب

- ‌46 - مكفرات الذنوب

- ‌47 - حق الله وحق الناس

- ‌48 - شهر رجب

- ‌49 - أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة

- ‌50 - من البدع

- ‌51 - رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

- ‌52 - احاديث مكذوبة

- ‌53 - حكم إقامة الجمعيات الخيرية

- ‌54 - بعض الاحاديث

- ‌55 - يوم عاشوراء

- ‌56 - أحداث أفغانستان والتلاعب بآيات القرآن الكريم

- ‌57 - انهيار مبنى التجارة العالمي والتلاعب بالقرآن

- ‌58 - العيد

- ‌59 - التنجيم

- ‌60 - الطائفة الظاهرة

- ‌61 - التوبة

- ‌62 - التوبة

- ‌63 - الشهداء

- ‌64 - شروط الفتوى في دين الإسلام

- ‌65 - حكم الاحتفال بعيد الحب

- ‌66 - دعاء غير مشروع

- ‌67 - احاديث ثابتة

- ‌68 - القرآن الكريم

- ‌69 - التوبة

- ‌70 - الغش

- ‌71 - العيد

- ‌72 - العلم

- ‌73 - من البدع

- ‌74 - احاديث مكذوبة

- ‌75 - احاديث مكذوبة

- ‌76 - خاتم النبوة

- ‌77 - إحذروا هذه الخرافة

- ‌78 - السحر والشعوذة والاستعانة بالحن

- ‌79 - السحر والشعوذة والاستعانة بالحن

- ‌80 - السحر والشعوذة والاستعانة بالحن

- ‌81 - الزمن والمواقيت

- ‌82 - الزمن والمواقيت

- ‌83 - فتوى حول الهجرة من فلسطين

- ‌84 - السباب

- ‌85 - التدخين

- ‌86 - أهل البيت

- ‌87 - حقوق الناس

- ‌88 - يحرم الطعن في العلماء

- ‌89 - الوقف

- ‌90 - الوقف

- ‌91 - الوقف

- ‌92 - كتابة البسملة على الأوراق الرسمية

- ‌93 - حكم اقتناء الكلاب في البيوت

- ‌94 - تكره الأسئلة التي لا يترتب عليها عمل

- ‌95 - السباب

- ‌96 - السباب

- ‌97 - السباب

- ‌98 - حكم من مات وليس في عنقه بيعة

- ‌99 - الكرب والمصيبة

- ‌100 - الكرب والمصيبة

- ‌101 - أول خلق الله

- ‌102 - احاديث ضعيفة

- ‌103 - مسائل طبية

- ‌104 - معالجة مياه المجاري

- ‌105 - الأجر على قدر المشقة

- ‌106 - المذاهب الفقهية

- ‌107 - المذاهب الفقهية

- ‌108 - مفهوم العبادة في الإسلام

- ‌109 - الخلافة الراشدة

- ‌110 - احاديث مكذوبة

- ‌111 - التوبة

- ‌112 - احاديث مكذوبة

- ‌113 - احاديث ضعيفة

- ‌114 - المزروعات المروية بماء نجس

- ‌115 - القرآن الكريم

- ‌116 - التحية

- ‌117 - الاحتفال بأعياد الميلاد حرام شرعا

- ‌118 - حكم الوقوف تحية للشهداء

- ‌119 - الأفلام والصحون اللاقطة

- ‌120 - الأفلام والصحون اللاقطة

- ‌121 - من البدع

- ‌122 - السباب

- ‌123 - السباب

- ‌124 - حكم الاستهزاء بحكم شرعي

- ‌125 - السحر والشعوذة والاستعانة بالحن

- ‌126 - السحر والشعوذة والاستعانة بالحن

- ‌127 - السحر والشعوذة والاستعانة بالحن

- ‌128 - نشرة كاذبة

- ‌129 - مسائل طبية

- ‌130 - مسائل طبية

- ‌131 - التدخين

- ‌132 - ملك الموت لا يقال له عزرائيل

- ‌133 - احاديث مكذوبة

- ‌134 - الغيبة

- ‌135 - الحياء

- ‌136 - احاديث ثابتة

- ‌137 - تغير الأحكام الشرعية

- ‌138 - البيئة والحكم الشرعي

- ‌139 - البيئة والحكم الشرعي

- ‌140 - إخفاء العمل عن الناس ثم علمهم

- ‌141 - حكم اقتناء الكلاب في البيوت

- ‌142 - الفن

- ‌143 - احذروا هذه الكتب

- ‌144 - شروط الفتوى في دين الإسلام

- ‌145 - مسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌146 - بعض الاحاديث

- ‌147 - بعض الاحاديث

- ‌148 - احاديث مكذوبة

- ‌149 - احاديث ضعيفة

- ‌150 - الكلام باللغات الأجنبية

- ‌151 - لا يسمى المسجد الأقصى حرما

- ‌152 - القرآن الكريم

- ‌153 - حكم إقامة نصب للشهداء

- ‌154 - لا يجوز المزاح في الأمور الشرعية

- ‌155 - حكم التسليم بالإشارة

- ‌156 - التعامل مع غير المسلم

- ‌157 - التعامل مع غير المسلم

- ‌158 - دخول النجاسة في المصنوعات

- ‌159 - احاديث مكذوبة

- ‌160 - قول عبارة "عليه السلام " عند ذكر علي بن أبي طالب

- ‌161 - محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني

- ‌162 - إحذروا هذه الخرافة

- ‌163 - مداراة الناس

- ‌164 - يكره تسمية العنب كرما

- ‌165 - من البدع

- ‌166 - العدوى في المرض

- ‌167 - يحرم الطعن في العلماء

- ‌168 - الفرق بين كبائر الذنوب وصغائرها

- ‌169 - حكم الإكرام بالقيام

- ‌170 - فساد ذات البين

- ‌171 - احاديث مكذوبة

- ‌172 - احاديث مكذوبة

- ‌173 - أحاديث الأبدال

- ‌174 - هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرر الحديث في أك

- ‌175 - القرآن الكريم

- ‌176 - احذروا هذه الكتب

- ‌177 - احذروا هذه الكتب

- ‌178 - الميل الشرعي

- ‌179 - العيد

- ‌180 - ضوابط العلاج بالخلايا الجذعية

- ‌181 - عقوبة الظالم الدنيوية والأخروية

الفصل: ‌138 - البيئة والحكم الشرعي

‌138 - البيئة والحكم الشرعي

لا أثر للبيئة في تغير الأحكام الشرعية الثابتة بالنصوص، يقول السائل: إنه قرأ مقالاً يذكر فيه كاتبه أن الإمام الشافعي رحمه الله كان له مذهب فقهي في العراق ولمّا سافر إلى مصر كان له مذهب آخر وأن الشافعي غيَّر مذهبه الأول بسبب اختلاف البيئتين والمجتمعين العراقي والمصري. فما قولكم في ذلك؟

الجواب: الإمام الشافعي ثالث الأئمة الأربعة ومدوّن علم أصول الفقه في كتابه العظيم " الرسالة " وصاحب كتاب " الأم " في الفقه. هذا الإمام العظيم قال عنه تلميذه الإمام أحمد: [كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن فهل ترى لهذين من خَلَفٍ أو عنهما من عوض] . وقال فيه الإمام الحافظ المحدّث عبد الرحمن بن مهدي: [لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل عاقل فصيح ناصح فإني لأكثر الدعاء له ما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل] . وقد أثنى عليه العلماء المتقدمون والمتأخرون وهو أهل لذلك. انظر الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر ص 5. ومن المعلوم أن فقه الإمام الشافعي مرّ بعدة مراحل أثناء حياة الإمام ومن المشهور أن الشافعي له مذهبان قديم وجديد أما القديم فكان في العراق وأما الجديد فكان في مصر ومن هنا جاءت المقولة المشهورة بين طلبة العلم أن الشافعي قد غيَّر مذهبه عندما سكن مصر ونريد أن ندقق في هذه القضية ونسأل هل فعلاً أن الإمام الشافعي غيَّر مذهبه؟ وما مدى هذا التغيير؟ الحقيقة أنه ليس صحيحاً أن الإمام الشافعي غير مذهبه القديم وألغاه تماماً ثم وضع مذهباً جديداً في مصر وخاصة أن فترة إقامته في مصر كانت قصيرة حيث إن إقامته لم تزد على أربع سنوات وهذه مدة لا تكفي لتغيير المذهب جملة وتفصيلاً. إن الفترة التي عاشها الشافعي في مصر جاءت بعد أن نضجت آراؤه وتكامل اجتهاده فأخذ يمحص آرائه السابقة ويعيد النظر فيها ودرس فيها أصوله التي بنى أقواله عليها ناقداً لها فاحصاً كاشفاً فهذا الإمام الذي كان يتسامى فلا يترك قولاً من غير نقد ولا تمحيص وكشف لمحاسنه ومساويه، وقربه من السنة أو بعده عنها قد أخذ أيضاً يدرس آراء نفسه هذه الدراسة الناقدة الفاحصة الكاشفة. ثم هو يدون ما انتهى إليه من دراسته فيدون رسالته ويكتب مسائل كثيرة له أو يملي أخرى ويروي عنه أصحابه جملة آرائه في تلك الفترة وينقلون خلافاته مع غيره من الفقهاء. انظر كتاب " الإمام الشافعي حياته وعصره – آراؤه وفقهه " للشيخ محمد أبو زهرة ص 129. وفي مدة إقامت في مصر أعاد كتابة رسالته في الأصول كتابة جديدة زاد فيها وحذف منها وأبقى لب رسالته القديمة ودرس آراءه في الفروع فعدل عن بعضها إلى جديد لم يقله وكان له بذلك قديم قد رجع عنه وجديد قد اهتدى إليه وقد يتردد بين الجديد والقديم فيذكر الرأيين من غير أن يرجع عن أولهما. المرجع السابق ص 128. وليس صحيحاً أنه بدّل جميع أقواله أو أكثرها وإنما بدّل بعضها وليس عليه في ذلك جناح فالعالم المجتهد المتجرد لطلب الحق يدور مع الحق حيث دار ومن الطبيعي لإمام مثل الشافعي له ذكاؤه وعقله وفهمه وله الثروة الضخمة من الأدلة وأقوال الصحابة ومن بعدهم وفتاوى العلماء وأدلة أولئك وهؤلاء – أن يقارن ويوازن ويهمل رأياً كان يراه ويعود إلى رأي لم يكن يراه أو يأتي برأي جديد. وليس الشافعي في هذا بدعاً من المجتهدين فالأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم كثيراً ما رأوا رأياً فثبت لديهم غيره بالأثر أو النظر فرجعوا عن الأول وكثيراً ما ينقل رواة المذهب روايتين أو أكثر في مسألة واحدة عن إمامهم. الإمام الشافعي / عبد الغني الدقر ص 153-154. إن الإمام الشافعي كما سبق في بداية الجواب هو أول من دوّن علم أصول الفقه فهو رأس هذا العلم ومعلوم أن علم أصول الفقه هو العلم الذي يبين فيه قواعد وضوابط استنباط الأحكام الشرعية أي الفقه فالشافعي أعلم العلماء في قواعد الاستنباط وأصول الاجتهاد وقد بين الأصول التي بنى عليها مذهبه وليس من هذه الأصول تغير المجتمعات أو البيئات فأصول مذهب الشافعي الجديد هي: 1. الكتاب والسنة. 2. الإجماع فيما ليس فيه نص كتاب أو سنة. 3. قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة. 4. التخير من أقوال الصحابة عند اختلافهم. 5. القياس على ما سبق. ونلاحظ أن اختلاف البيئات أو المجتمعات ليس من أصول الشافعي ولا من أصول أحد من أئمة الإسلام فأصول الأحكام الشرعية ثابتة لا تقبل التغيير ولا التبديل. كما لو أننا لو ألقينا نظرة سريعة على بعض المسائل التي اختلف فيها اجتهاد الإمام الشافعي وغير رأيه فيها فكان له فيها قولان قديم وجديد لرأينا يقيناً أن لا علاقة لتغير البيئات والمجتمعات بها وسأورد ثلاث مسائل من التي اختلف فيها اجتهاد الشافعي فكان له فيها مذهبان: المسألة الأولى: قال الإمام الشافعي في القديم: لا يُسن قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة. وقال في الجديد: يستحب قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة. المجموع 3/386 وفرائد الفوائد ص 61. المسألة الثانية: قضاء الصوم عن الميت قال في القديم: يصوم عنه وليه. وقال في الجديد: لا يصوم عنه وليه. الأشباه والنظائر للسيوطي ص 813 والمجموع 6/368. المسألة الثالثة: اشترط الإمام الشافعي في الركاز الذي يجب فيه الخمس أن يبلغ نصاباً وهذا قوله في الجديد أما في القديم فلم يشترط ذلك. المجموع 6/77. ونلاحظ أنه لا أثر لاختلاف البيئة والمجتمع في اختلاف قولي الإمام الشافعي القديم والجديد في هذه المسائل. وإنما يرجع سبب اختلاف قولي الإمام الشافعي في هذه المسائل إلى الأدلة الشرعية في كل منها. ففي المسألة الأولى لماّ ثبت عند الإمام الشافعي حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال به وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة وكان يسمعنا الآية أحياناً وكان يطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب) رواه البخاري ومسلم. وفي المسألة الثانية احتج الشافعي بما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين) . وحجة القديم بصحة صوم الولي عنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) وقد نقل عن الشافعي أنه قال: قد روي في ذلك خبر فإن صح قلت به. المجموع 6/368-369. وفي المسألة الثالثة: استدل الشافعي لعدم اشتراط بلوغ النصاب في الركاز بعموم الحديث (وفي الركاز الخمس) حيث لم يحدد فيه نصاب. وفي الجديد اشترط النصاب اعتماداً على أن الركاز مال مستفاد من الأرض فاختص بما تجب فيه الزكاة قدراً أو نوعاً كالمعدن. مغني المحتاج 2/103. وهكذا يمكن أن يقال في جميع المسائل التي رجع فيها الشافعي عن قوله القديم وقال بالقول الجديد لأن المجتهد يرجع عن قول اجتهد فيه بناءاً على الدليل. فمن المعلوم عند أهل العلم أن تغيير الفتوى في المسألة الواحدة من العالم الواحد لا بدّ له من سبب صحيح فإذا بنى المجتهد فتواه على اجتهاد ثم بلغه حديث نبوي لم يكن قد سمع به من قبل والفتوى تعارضه يلزمه العدول فوراً عن قوله إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن الفقهاء والعلماء قد قرروا أن الأحكام الاجتهادية التي تبنى على العرف والمصلحة يمكن أن تتغير بتغير الأزمنة نظراً لاختلاف الأعراف من زمان إلى زمان وأما الأحكام المنصوص عليها فهذه ثابتة لا يمكن أن يدخلها التغيير والتبديل. قال العلامة ابن عابدين: [كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو لفساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة الإسلامية المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذاً من قواعد مذهبه] المدخل الفقهي العام 2/983. وقال علي حيدر شارح المجلة: (إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس وبناءً على هذا التغير يتبدل أيضاً العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفاً بخلاف الأحكام المستندة إلى الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير

) درر الحكام 1/47. وقال الشيخ مصطفى الزرقا: [وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية أي التي قررها الاجتهاد بناءاً على القياس أو على دواعي المصلحة وهي المقصودة بالقاعدة الآنفة الذكر. أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة الناهية كحرمة المحرمات المطلقة وكوجوب التراضي في العقود

إلى غير ذلك من الأحكام والمبادئ الشرعية الثابتة التي جاءت الشريعة لتأسيسها ومقاومة خلافها فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان] المدخل الفقهي العام 2/934-935. وبعد هذا البيان يظهر لنا جليا أن القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه لما حلَّ في مصر نظراً لاختلاف البيئة والمجتمع قول باطل يؤدي إلى نقض أصول الشريعة والتلاعب بها والإمام الشافعي ذلك الأصولي العظيم مبرؤ مما ينسب إليه. *****

ص: 138