الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة آل عمران الآية 102.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71.
أما بعد
فإن العلم أمانة ورعاية، وصيانة وخشية وورع، ومسؤولية عظيمة، وإن أهل العلم عامة، وأهل الفُتيا خاصة، مطالبون بحفظ الأمانة وأدائها على الوجه الصحيح، ومما ابتلي به المسلمون في هذا الزمان، ما يقوم به بعض المنتسبين للعلم الشرعي، من إهدار لكرامة العلم الشرعي، وتشويه صورته، وتسويد مُحيَّاه، والانحراف عن نهج العلماء العاملين، حملة الدين
المخلصين، الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:((يحمل هذا العلم من كل خلف عُدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وهو حديث مشهور صححه الإمام أحمد والحافظ ابن عبد البر وغيرهما.
فترى هؤلاء يقفون في مواطن الريب والشبهات، وترى بعضهم يزج بنفسه في أماكن وملتقيات، يجب أن يتنزه آحادُ المسلمين عن التواجد فيها، فضلاً عن علمائهم.
وترى بعضهم يفتي في قضايا إرضاءً لذوي الجاه والمال والسلطان، وترى بعضهم يظهر في بعض الفضائيات مع المذيعات المتبرجات يفتي في الحلال والحرام، وينسى نفسه، إن هذا لشيءٌ عجاب!!
وترى بعضهم يدافع بكل ما أوتي من قوة عن الظلمة والفسقة والطغاة، بل عن الكفار، وترى بعضهم يكيل المديح للفساق والفاسقات، ويصفهم بأرفع الصفات.
وترى بعضهم يسير على قول القائل: النفاق سيد الأخلاق، وترى
…
وترى
…
وترى
…
إن واجب أهل العلم الشرعي والمنتسبين له، أن يكونوا كما كان سلفهم من العلماء الربانيين، ورثة الأنبياء، وصفوة الأتقياء، السائرين على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الجامعين بين العلم والعمل، فإن فرَّقوا بينهما فقد خابوا وخسروا، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (هتف العلمُ بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل).
وقال الخطيب البغدادي: [ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرةٌ، والعملُ ثمرةٌ، وليس يُعَدُّ عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً.
وقيل: العلم والدٌ، والعملُ مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل مادمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قلَّ نصيبك منهما،
…
والقليل من هذا - أي العلم - مع القليل من هذا - أي العمل- أنجى في العاقبة، إذا تفضل الله بالرحمة، وتمَّمَ على عبده النعمة، فأما المدافعةُ والإهمال، وحبُ الهُوَيْنا والاسترسال، وإيثار الخَفْضِ والدعة، والميل مع الراحة والسعة، فإن خواتم هذه الخصال، ذميمة وعقباها كريهة وخِيمة.
والعلم يُرادُ للعمل، كما العملُ يُراد للنجاة، فإذا كان العملُ قاصراً عن العلم، كان العلم كلاًّ على العالم، ونعوذ بالله من علمٍ عاد كلاًّ، وأورث ذلاًّ، وصار في رقبة صاحبه غلاًّ.] اقتضاء العلم العمل ص 14 - 15.
وقال الحسين بن منصور في آداب العلماء [الثالث: أن يصون العلمَ كما صانه علماء السلف، ويقومَ له بما جعله الله تعالى له من العزة والشرف، فلا يدنسه بالأطماع، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدنيا، من غير ضرورة أو حاجة أكيدة، ولا إلى من يتعلمه منه منهم، وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه.
قال الزهري: هوان بالعلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم. وقال مالك بن أنس للمهدي وقد استدعاه لولديه يعلمهما: العلم أولى أن يوقر ويؤتى، وفي رواية: العلم يزار ولا يزور ويؤتى ولا يأتي. وفي رواية: أدركت أهل العلم يُؤْتَون ولا يأتون، ويروى عنه أيضاً أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال يا أبا عبد الله: ينبغي أن تختلف إلينا - أي تزورنا - حتى يسمعَ صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت أعزك الله إن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عزَّ، وإن أذللتموه ذلَّ والعلمُ يُؤتى ولا يأتي، فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع من سمع الناس.]
وصدق القائل:
يا معشرَ القراء يا ملحَ البلد
…
ما يصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟
ولله درُّ القاضي الجرجاني حيث قال:
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم
…
ولو عظّموه في النفوسِ لعُظِّما!
ولكنْ أهانوه فهان ودنّسوا
…
مُحيَّاهُ بالأطماعِ حتى تجهَّما!
وختاماً فهذا هو الجزء العاشر من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية وسلكت فيه المنهج الذي سلكته في الأجزاء السابقة من اعتمادٍ على كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فهم سلف هذه الأمة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأختم بما قاله القاضي البيساني يرحمه الله:[إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر].
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه
أبوديس/القدس
صباح يوم الجمعة السادس من شعبان 1426هـ
وفق التاسع من أيلول 2005 م.