المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم إمامة الإمام المدخن - فتاوى يسألونك - جـ ١٤

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع عشر

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة والتفسير

- ‌قصة مكذوبة منسوبة إلى إبراهيم عليه السلام

- ‌قصة باطلة تطعن في الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌واجب الأمة لنصرة المسلمين المستضعفين

- ‌حكم المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين

- ‌مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام

- ‌موقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌أكذوبة التقارب السني الشيعي

- ‌الحديث النبوي وعلومه

- ‌تداول الأحاديث المكذوبة والقصص الغريبة على الإنترنت

- ‌هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم

- ‌الدين المعاملة

- ‌حديث (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها)

- ‌حديث يوم الجائزة

- ‌أول من تُسَعَّرُ بهم نارُ جهنم

- ‌الصلاة

- ‌دعاء الإمام في الصلاة لنفسه

- ‌حكم إمامة الإمام المدخن

- ‌معنى دعاء (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً)

- ‌حكم الخروج في رحلات للنزهة صباح يوم الجمعة

- ‌ارتباك المصلين بسبب سجود التلاوة

- ‌جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى

- ‌صلاة الاستسقاء على هيئة صلاة العيد محل صلاة الجمعة

- ‌الزكاة والصيام والحج والأيمان

- ‌احتساب العيدية من زكاة المال

- ‌السيئات لا تضاعف في شهر رمضان المبارك

- ‌الإحرام من بيت المقدس بحج أو عمرة

- ‌إلغاء موسم حج هذا العام بسبب مرض إنفلونزا الخنازير

- ‌حكم إفتداء اليمين بالمال

- ‌حكم النذر فيما لا يملكه الناذر

- ‌المعاملات

- ‌العقد شريعة المتعاقدين

- ‌رؤية شرعية لأزمة الرهن العقاري

- ‌حكم نشر صور الممثلين والممثلات على المنتجات

- ‌متى تعتبر رسوم القروض من الربا

- ‌ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور

- ‌جريان الربا في النقود الورقية

- ‌حكم شراء شقة على المخططات قبل البناء

- ‌ضمان المضارب لرأسمال المضاربة في حالتي التعدي والتقصير

- ‌شراء الأرض المصادرة بالباطل

- ‌للزوجة ذمةً ماليةً مستقلةً عن زوجها

- ‌العمل في الكنائس والكنس

- ‌حكم الوصية بجميع المال

- ‌المرأة والأسرة

- ‌مخالفات وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية

- ‌تولي المرأة للقضاء الشرعي

- ‌الجندر فكرة تغريبية مشبوهة

- ‌الحملة الفرنسية على الحجاب وموقف شيخ الأزهر المتخاذل

- ‌تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في النكاح

- ‌القرينة من الجن

- ‌ضوابط في تسمية المواليد

- ‌خرافات متعلقة بعدة الوفاة

- ‌انتفاع بعض الورثة بالتركة والمنع من تقسيمها

- ‌الجنايات

- ‌لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يتولى تنفيذ العقوبات بنفسه

- ‌حكم من قُتل في عَماةٍ

- ‌متفرقات

- ‌قرارات المجامع الفقهية مقدمة على الفتاوى الفردية

- ‌تركيب برج اتصالات على مئذنة المسجد

- ‌حكم عملية ربط المعدة

- ‌الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة

الفصل: ‌حكم إمامة الإمام المدخن

خص الإمام نفسه بالدعاء في هذه المواطن فلا يعتبر خائناً للمأمومين، هذا إن صح الحديث، وهو لم يصح.

- - -

‌حكم إمامة الإمام المدخن

يقول السائل: يصلي بنا إمامان متطوعان، أحدهما حافظ لكتاب الله ولكنه مدخن، والآخر لا يحفظ كتاب الله كاملاً ولا يدخن، فمن أولى بإمامة الصلاة منهما، أفيدونا؟

الجواب: لابد من بيان أمرين قبل الجواب على السؤال، أولهما: إن الدخان خبيث من الخبائث، وإن أبى بعض المدخنين ذلك، كما أن التدخين حرام على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن أبى بعض المشايخ المدخنين ذلك، وخاصة الذين يزعمون أن التدخين مباح من المباحات، فقولهم هذا قول ساقط متهافت، ولا قيمة له بعد أن اتفقت المصادر الطبية والعلمية والصحية على ضرر التدخين المتحقق على صحة المدخن وعلى نفسيته وعلى ماله وعلى صحة من حوله، وأضرار التدخين على المجتمع بشكل عام، بل إن التدخين أشد فتكاً بالإنسان من مرض الإيدز، وقد اتفقت الهيئات العلمية والمجامع الطبية والصحية على أضرار التدخين، وقررت أنه سبب رئيس للسرطان وتليف الكبد وأمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية وسرطان الفم وغيرها من الأمراض الخبيثة، وهذا ما أكده أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء والكيميائيين وغيرهم، فالدخان يتكون من مجموعة كثيرة من المواد، منها أكثر من خمسة عشر نوعاً من السموم الفتاكة كالنيكوتين الذي يعد من السموم القوية والفعالة وله أثر سيء على الكلية والجهاز العصبي والدم،

ص: 98

ومنها أول أكسيد الكربون وهو معروف بتأثيره السام وله تأثير سيء على الدم. ومنها القطران وهو المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار أسنان المدخن ونخرها، وإلى التهابات اللثة، وهو أخطر محتويات الدخان على الصحة ويسبب السرطان والتهابات الشعب الهوائية وغير ذلك من المواد الضارة التي تلحق الضرر والأذى بصحة المدخن، فالتدخين يضر بالفم والشفاه واللثة والأسنان واللسان واللوزتين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأعصاب والدورة الدموية والجهاز البولي، كما أن للتدخين ضرراً على النسل لذلك تُنصح الحوامل بعدم التدخين وما كان ضرره كذلك فلا شك في حرمته، لأن الإسلام يحرم كل خبيث وضار، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} سورة الأعراف الآية 127.

وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. والأدلة على تحريم التدخين كثيرة وليس هذا

محل ذكرها. إذا تقرر تحريم التدخين فإن الإصرار على التدخين مع العلم بحرمته يُعد فسقاً عند أهل العلم، والفسقُ هو ارتكابُ الكبائر عمداً، أو الإصرارُ على الصغائر بغير تأويل. كما أن تدخين الإمام يعتبر من المجاهرة بالمعصية. ويضاف إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من أكل بصلاً أو ثوماً عن الحضور إلى المسجد لما في ذلك من إيذاءٍ للمصلين بالروائح الكريهة فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربنَّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) متفق عليه. وعن عمر رضي الله عنه قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما - البصل والثوم - من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى

ص: 99

البقيع متفق عليه. وينبغي أن يعلم أن كلَّ رائحةٍ كريهةٍ تُلحق برائحة البصل والثوم، فرائحة المدخن نتنةٌ عند ذوي الفطرة السليمة، فينبغي له أن لا يدخل المسجد لأن المساجد تصان عن جميع الروائح الكريهة.

الأمر الثاني: إن إمامة الصلاة تعتبر من خيرة الأعمال التي ينبغي أن يتولاها خيرة الناس، ذوو الصفات الفاضلة من العلم والقراءة والعدالة، قال الإمام أحمد:[ومن الحقِّ الواجب على المسلمين: أن يُقدِّموا خيارهم وأهل الدين والأفضل منهم، أهل العلم بالله الذين يخافون الله ويراقبونه]. رسالة الإمام أحمد في الصلاة ص14. وقال الإمام السرخسي: [والأصل فيه: أنَّ مكانة الإمامة ميراث من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أول من تقدَّم للإمامة، فَيُختار لها مَن يكون أشبه به خَلْقاً وخُلُقاً، ثم هو مكان استُنبط منه الخلافة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أمر أبا بكر رضي الله عنه أنْ يُصلي بالناس، قالت الصحابة رضي الله عنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم: إنه اختار أبا بكر لأمر دينكم، فهو المُختار لأمر دنياكم، فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس] المبسوط 1/ 40.

وقال الإمام الماوردي: [ينبغي أن يَتقدَّم إلى الإمامة مَنْ جَمَعَ أوصافها، وهي خمسة: القراءة، والفقه، والنسب، والسنّ، والهجرة، بعد صحَّة الدين وحسن الاعتقاد، فمَنْ جمعها وكملت فيه، فهو أحقُّ بالإمامة ممَّن أخلَّ ببعضها، لأنَّ الإمامة منزلة اتباع واقتداء، فاقتضى أن يكون متحمِّلها كامل الأوصاف المعتبرة فيها، فإن لم تجتمع في واحدٍ، فأحقُّهم بالإمامة من اختصَّ بأفضلها] الحاوي الكبير 2/ 352، وانظر رسالة حكم إمامة وأذان المُجاهر بالمعصية لعبد الرحمن بن سعد الشثري ص7.

ص: 100

وقد ذكر الفقهاء في كتبهم تفصيل شروط إمام الصلاة، ومنها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، فاشترطوا أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً ذكراً، فلا تصح إمامة المرأة للرجال، وأن يكون سالماً من البدع المكفرة وأن يكون قادراً على القراءة، وسالماً من الأعذار، وقادراً على توفية أركان الصلاة، وغير ذلك، انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 6/ 201 - 207.

والأصل في الأحق بالإمامة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلماً، ولا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه مسلم.

وقد اختلف أهل العلم في حكم إمامة الفاسق، فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، وهو الراجح، لأن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته بغيره، وقد ثبت أن عدداً من الصحابة قد صلوا خلف بعض الفسقة كالوليد بن عقبة والحجاج، وثبت في صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لما حُصر صلى بالناس شخص، فسأل سائلٌ عثمان فقال: إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فقال:[يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا قالوا في العقائد: إنه يُصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام، برَّاً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمامٌ واحد، فإنها تُصلَّى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خيرٌ من

ص: 101

صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما] مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 353.

وقال الإمام الشوكاني: [والحق جواز الائتمام بالفاسق لأن الأحاديث الدالة على المنع كحديث (لا يؤمنكم ذو جراءة في دينه)، وحديث (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً)، ونحوهما ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك الأحاديث الدالة على جواز الائتمام بالفاسق، كحديث (صلوا مع من قال لا إله إلا اللَّه)، وحديث (صلوا خلف كل بر وفاجر) ونحوهما، ضعيفة أيضًا ولكنها متأيدة

بما هو الأصل الأصيل وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، فلا ننتقل عن هذا الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض] نيل الأوطار 2/ 28.

وبناءً على ما سبق فإن الأصل أن المدخن لا يكون إماماً في الصلاة، فإن صلى الإمام المدخن بالناس فإمامته صحيحة، قال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي السعودية سابقاً:[لا ريب في تحريم شرب الدخان الخبيث، وكذا حلق اللحية، ومثل هذا لا يجوز أن يُوَلَّى الإمامة، لأنه فاسق، والفاسق ليس أهلاً للإمامة، لكنَّ الصلاة خلفه صحيحة مجزئة، من صلاها إذا ابتُليَ به الناس على ما فيها من النقص] مجموع فتاوى الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم 2/ 294.

ويضاف إلى ما سبق أن كثيراً من المصلين يكرهون أن يكون إمامهم في الصلاة مدخناً، وبالتالي فإن صلاة الإمام المدخن لا ترفع كما ورد في الحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قومٍ وهم له كارهون) رواه الترمذي، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/ 328.

ص: 102