الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى
يقول السائل: ما قولكم في جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى المبارك، حيث إن مؤذن المسجد وبعد انتهاء صلاة الجمعة يقيم الصلاة للعصر عبر مكبرات الصوت، ويصلي معظم المصلين مع هذه الجماعة، علماً أن أكثرهم غير مسافرين، وبعض هؤلاء يقول إنه يصلي مع هذه الجماعة سنة الجمعة البعدية، أفيدونا؟
الجواب: إن الأصل في باب العبادات هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بدون زيادة ولا نقصان، فليس لأحد مهما كان أن يزيد في العبادة شيئاً ولا أن ينقص منها شيئاً وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثين صحيحين مشهورين بالالتزام بالعبادة كما فعلها هو عليه الصلاة والسلام، أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، فهذا الحديث الصحيح الصريح يقرر هذا الأصل وهو لزوم الاتباع في الصلاة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فنؤدي الصلاة كما وردت عن رسول صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان. ثانيهما: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم، فهذان الحديثان يدلان على أن الأصل في العبادات هو التوقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يثبت شيء من العبادات إلا بدليل من الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وجماع الدين أصلان أن لا يعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف الآية 110. وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه. وفي الثانية:
أن محمداً هو رسوله المبلغ فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة، قال تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة الآية112] رسالة العبودية ص 170 - 171.
وذكر الإمام ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: [سمعت مالك بن أنس وأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول صلى الله عليه وسلم. فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}] الاعتصام للشاطبي 1/ 132.
إذا تقرر أن الأصل في العبادات التوقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كما يعبر بعض أهل العلم أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، فإنه لا يجوز شرعاً جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة لا في حق المقيم ولا في حق المسافر، لعدم ورود ذلك في السنة النبوية، وما نقل ذلك الجمع عن أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يصح إثبات ذلك بالقياس على جواز جمع الظهر مع العصر للفروق الكثيرة بين صلاتي الجمعة والظهر، فصلاة الجمعة لها كيفية خاصة بها، ولها أيضاً شروط خاصة بها، فلا يصح قياسها على الظهر لأنه لا قياس في الصلاة، قال العلامة محمد صالح العثيمين: [فإن قال قائل: أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟
فالجواب: لا يصح ذلك لوجوه: الأول: أنه لا قياس في العبادات. الثاني: أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة بأحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً، ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى. الثالث: أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة، فإن في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل عن ذلك فقال:(أراد أن لا يحرج أمته)، وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة، كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح
الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة، قال: وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال: يا رسول الله غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا، ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحلٌ يبيح الجمعَ لو كان جائزاً بين العصر والجمعة.
فإن قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر إلى الجمعة؟ فالجواب: أن هذا سؤال غير وارد لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة، أو الباطنة، وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على من تعبدوا لله بلا شرع:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة الشورى الآية21، وقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة المائدة
الآية 3، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وعلى هذا: فإذا قال القائل: ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة؟ قلنا: ما الدليل على جوازه؟ فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها، خولف هذا الأصل في جمعها إلى الظهر عند وجود سبب الجمع، فبقي ما عداه على الأصل، وهو منع تقديمها على وقتها] مجموع فتاوى ورسائل العلامة العثيمين 16/ 181 - 183.
وبعد هذا التأصيل، لا بد من التنبيه على الأمور التالية:
أولاً: لا جمعة على المسافر باتفاق أهل العلم، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الجمعة في السفر، ولكن إن حضر المسافر الجمعة لزمته، لعموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة الآية 9، وإذا صلى المسافر الظهر في يوم الجمعة فيجوز له أن يجمع إليها العصر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الظهر والعصر.
ثانياً: لا شك أن الكيفية التي تتم بها الصلاة المذكورة في السؤال في المسجد الأقصى المبارك، كيفية بدعية، لم ترد في الشرع، حيث إن مؤذن المسجد يقيم لصلاة العصر عبر مكبرات الصوت، ثم أكثر من في المسجد يصلي معهم، مع العلم أنهم من أهل بيت المقدس وأكنافه، ومن هؤلاء عوام قد صلوا العصر جمعاً مع أنهم غير مسافرين!؟
ثالثاً: دعوى بعض الناس أنهم يصلون سنة الجمعة البعدية مع هذه الجماعة، دعوى باطلة، لأن الأصل في السنن أن تصلى بشكل فردي لا مع الجماعة، إلا ما ورد فيه دليل خاص، وقد قرر المحققون من أهل العلم أنه لا يجوز إثبات نوع من العبادات لدخوله تحت الدليل العام، بل لا بد من دليل خاص، فمثلاً
لو قال شخص عندما رأى المصلين في المسجد يصلون سنة الفجر أشتاتاً في أنحاء المسجد فقال: يا جماعة هلا اجتمعتم وصلينا سنة الفجر في جماعة، لأنه صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يد الله على الجماعة)، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس أو سبع وعشرين درجة). فاستدلال هذا الرجل بالأدلة العامة لا يقبل ولا يصح ولا يجوز أن تدخل سنة الفجر في هذه العمومات، ولو لم يثبت لدينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا سنة الفجر في جماعة. حيث لا يوجد لدينا حديث بهذا المعنى، فصلاة سنة الفجر في جماعة بدعة وإن كان الشرع قد حث على الجماعة وعلى صلاة الجماعة وأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، انظر فتاوى العلامة الألباني ص 49 - 50.
رابعاً: ينفرد المسجد الأقصى المبارك بهذه البدعة المقدسية دون المساجد الأخرى، ويخشى إن استمر الحال كذلك، وتطاول الزمن، أن يعتقد عامة الناس مشروعيتها، وقد صح في الحديث قول النبي صلي الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم.
خامساً: لو سلمنا جدلاً بجواز الجمع بين الجمعة والعصر- وهو قول ضعيف لا يسنده دليل صحيح- فإن الواجب على المسافرين أن يتنحوا في ناحية من المسجد ويصلوا لوحدهم، لا أن تقام لهم الصلاة من مؤذن المسجد عبر مكبرات الصوت، ويهب معظم المصلين ليصلوا معهم، وفي ذلك من تضليل العامة ما فيه، وخاصة مع تكراره أيضاً في غير يوم الجمعة، حيث تقام الصلاة بعد انتهاء صلاة الظهر فيصلى معظم أهل المسجد معهم، وأصبح الأمر كأنه سنة متبعة!