الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ارتباك المصلين بسبب سجود التلاوة
يقول السائل: إن الإمام في صلاة الجمعة قرأ في آخر الركعة الثانية آية فيها سجدة تلاوة، ثم كبر وركع ولم يسجد سجود التلاوة، وقد حصلت بلبلةٌ بين المصلين، حيث إن المسجد مكون من ثلاثة طوابق، فبعض المصلين سجدوا سجود التلاوة وبعضهم لما سمع الإمام قال: سمع الله لمن حمده، قام وأتى بالركوع وتابع الإمام، وبعضهم ترك الركوع وجاء بالسجود، وبعض هؤلاء جاء بركعة بعد تسليم الإمام، وبعد انتهاء الصلاة حصل اختلاف بين المصلين، فقال بعض المشايخ الصلاة صحيحة لأن الإمام ضامن، وبعضهم قال أعيدوها ظهراً، فما الحكم في صلاة المأمومين، أفيدونا؟
الجواب: المشروع في حق الإمام إذا قرأ آية فيها سجدة تلاوة أن يسجد إذا كان ذلك في صلاة جهرية كصلاة الجمعة، فقد صح في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه
…
) رواه البخاري ومسلم. ويجوز له ترك سجود التلاوة، لأنه سنة عند جماهير أهل العلم وليس بواجب، فقد ثبت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة - النجم، فلم يسجد فيها) رواه البخاري ومسلم.
وقد كره الإمام مالك أن يقرأ الإمام سورة فيها سجدة التلاوة لما في ذلك من بلبلة للمأمومين، قال الإمام مالك:[لا أحب للإمام أن يقرأ في الفريضة بسورة فيها سجدة لأنه يخلط على الناس صلاتهم] المدونة 1/ 200.
وتَرْكُ قراءة آيات فيها سجود التلاوة أولى وخاصة في المساجد المتعددة الطوابق كما هو الحال في السؤال، حيث لا يرى المأمومون الإمام ومَنْ وراءَه، فلا يعرفون حال الإمام أراكع هو أم ساجد؟
إذا تقرر هذا فإن أحوال المأمومين المذكورين في السؤال كما يلي:
من سجد ظاناً أن الإمام سجد للتلاوة ثم لما سمع تسميع الإمام قام فجاء بالركوع ولحق بالإمام في باقي الصلاة فصلاته صحيحة ولا سجود سهو عليه، لأن الإمام يتحمل ذلك عنه. من سجد ظاناً أن الإمام سجد للتلاوة ولم يأت بالركوع ثم لما سلَّم الإمام من الصلاة قام فجاء بركعة فصلاته صحيحة أيضاً، لأنه اعتبر الركعة التي ترك الركوع فيها - وهو ركن من أركان الصلاة - لاغيةً فجاء بركعة بدلها وعليه سجود السهو. وأما من لم
يأت بالركوع وتابع الإمام وسَّلم معه من الصلاة ولم يأت بركعة أخرى فصلاته باطلة، لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة باتفاق أهل العلم وهو الركوع ولا يسقط سهواً ولا جهلاً، ولا يحمله الإمام عن المأموم. وهؤلاء يلزمهم أن يصلوا الظهر أربعاً، لأن جمعتهم قد بطلت، وصلاة الجمعة لا تقضى، فمن بطلت جمعته أو فاتته صلاة الجمعة فإنه يصلي الظهر أربعاً.
وأما قول من قال إن صلاة الجميع صحيحة لأن الإمام ضامن، فقول باطل لا دليل عليه، فالإمام لا يحمل الأركان عن المأمومين باتفاق الفقهاء وإنما يحمل عنهم السنن، فقد روى ابن ماجة بسنده عن أبي حازم قال: كان سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له تفعل ذلك ولك من القِدم ما لك؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء يعني فعليه ولهم) قال العلامة الألباني: حديث صحيح، السلسلة الصحيحة 4/ 366.
وجاء في رواية أخرى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) رواه
أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والبيهقي وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/ 231.
ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن) أي الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم كما قال ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 3/ 102. وقال الإمام الماوردي: يريد بالضمان والله أعلم أنه يتحمل سهو المأموم كما يتحمل الجهر، والسورة، والفاتحة، والقنوت، والتشهد الأول وغير ذلك] أسنى المطالب 3/ 148.
وقال الشوكاني: [قوله: (الإمام ضامن) الضمان في اللغة الكفالة والحفظ والرعاية، والمراد أنهم ضمناء على الإسرار بالقراءة والأذكار حكي ذلك عن الشافعي في الأم. وقيل: المراد ضمان الدعاء أن يعمَّ القوم به ولا يخص نفسه. وقيل: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق. وقال الخطابي: معناه أنه يحفظ على القوم صلاتهم وليس من الضمان الموجب للغرامة] نيل الأوطار 2/ 39.
وقال صاحب عون المعبود: [(الإمام ضامن) أي متكفل لصلاة المؤتمين بالإتمام، فالضمان هنا ليس بمعنى الغرامة، بل يرجع إلى الحفظ والرعاية، قال الخطابي: قال أهل اللغة الضامن في كلام العرب معناه الراعي، والضمان الرعاية، فالإمام ضامن بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد
الركعات على القوم، وقيل معناه ضمان الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا بشيء، وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال وكذلك يتحمل القيام أيضا إذا أدركه المأموم راكعاً] عون المعبود شرح سنن أبي داود2/ 152.
وبناءً على ما سبق فقد اتفق أهل العلم على أنه لا يدخل في ضمان الإمام أركان الصلاة كالركوع والسجود، فإذا ترك المأموم ركناً من أركان الصلاة كالركوع والسجود ولم يتداركها حتى سلَّم إمامه وطال الفصل بعد التسليم، فإن صلاة المأموم تبطل لأن أركان الصلاة لا تسقط سهواً ولا جهلاً، ولا يحملها الإمام عن المأموم، وقرر الفقهاء أن الإمام يتحمل عن المأموم السنن والمستحبات في حال تركها من المأموم. وقد عدَّ بعض الفقهاء ما يحمله الإمام عن المأموم فقال: [ذكروا أنه يتحمل ثمانية أشياء
…
الأول: القراءة، قراءة الفاتحة، وقراءة السورة
…
الثاني: سجود التلاوة. الثالث: سجود السهو، سجود التلاوة وسجود السهو إذا سجدهما الإمام يعني سقط عن مأمومه، ولكن يتأكد عليه أن يتابع إمامه، وذلك ولو لم يسه المأموم .... الرابع: السترة: يعني التي تكون أمامه، يقولون: سترة المأمومين إمامهم، وسترة الإمام سترة لمن خلفه، سترة الصفوف بعضهم سترة لبعض، فالصف الأول سترة للثاني، والصف الثاني سترة للثالث وهكذا .... الخامس: دعاء القنوت، المأمومون يؤمِّنون إذا دعا للقنوت، فلا يقنتون ولا يدعون بمثل دعائه، ويكفيهم التأمين. السادس: مما يحمله الإمام: التسميع (سمع الله لمن حمده) لا يقوله إلا الإمام. الثامن: قوله: ملء السماوات وملء الأرض إذا قال المأموم: ربنا ولك الحمد فقوله: ملء السماوات يحمله الإمام عنه
…
] أخصر المختصرات في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل شرح الشيخ عبد الله الجبرين، شبكة الإنترنت بتصرف.
وأخيراً فيجب التنبيه على أنه تحرم الفتوى بغير علم، فقد أخطأ ذلك الشيخ في فتواه بأن صلاة الجميع صحيحة، لأن الإمام ضامن، وقوله هذا غير صحيح ولا أعلم أحداً من أهل العلم قال بفتواه الخاطئة وهذا من الإفتاء
بغير علم ومن الجرأة على دين الله عز وجل وإن التسرع في الفتيا خطأ وخطر يفضي إلى عدم إصابة الحق والجرأة على الله تعالى والوقوع
فيما نهى عنه يقول تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ، ومن أفتى بغير علم فعمل بفتواه عاملٌ كان إثم العامل على من أفتاه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار). فلا ينبغي لأحدٍ أن يقتحم حمى الفتوى ولمَّا يتأهل لذلك، وقد قرر أهل العلم أن من أفتى وليس بأهل للفتوى فهو آثمٌ عاصٍ. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على أدعياء العلم الذين يتصدرون للفتيا، فقال له بعضهم يوماً: أَجُعلتَ محتسباً على الفتوى؟ فقال له: يكون على الخبازين والطباخين محتسبٌ ولا يكون على الفتوى محتسب] فعلى هذا الشيخ أن يتق الله في نفسه وفي الناس الذين أفتاهم بغير علم.
وخلاصة الأمر أنه ينبغي على أئمة المساجد أن يراعوا أحوال المصلين وأن لا يوقعوهم في الحرج، ولو أدى ذلك لترك قراءة آيات سجود التلاوة، وخاصة في المساجد المتعددة الطوابق كما هو الحال في السؤال، حيث لا يرى المأمومون الإمام ومَنْ وراءه، فلا يعرفون حال الإمام أراكع هو أم ساجد؟ فوقعوا في إرباك شديد، وقد بينت أحوالهم في تلك الصلاة، والواجب على المسلم أن لا يفتي بغير علم لخطورة ذلك عليه وعلى من أفتاه.
- - -